المرأة المسلمة ومحاولة يائسة للاستنساخ
منذ 2005-04-21
انتشرت إفرازات الحضارة الغربية المادية في العالم بفعل هيمنة هذه
الحضارة على مصائر الأمم، إضافة إلى إستراتيجية العولمة التي انتهجتها
لتحوير ثقافات هذه الأمم وحضاراتها.
وقد تأثرت المرأة المسلمة -مثل أخيها الرجل- بشيء من ذلك، بل وانساق عدد من النساء وراء هذه الأفكار الغربيّة، التي تتعارض مع الإسلام، فصرن ينادين بمساواة المرأة بالرجل في الميراث والشهادة والنكاح وغيرها؛ مما يخالف حكم الله وشرعه..
إلا أن نساء أخريات، رفضن هذه الهجمة، ورأين فيها محاولة مشبوهة لاستنساخ واقع المرأة الغربية، وفرضه على المجتمع المسلم. تقول الأكاديمية فاطمة بنت عبد الله البطاح: "لا شك أن وسائل الإعلام المختلفة بكل ما تمثله من هيمنة وسيطرة وانتشار قد تركت آثاراً سيئة وبالغة الخطورة على شخصية المرأة المسلمة المعاصرة!" وتضيف: "إن الصحافة النسائية أو البرامج المرئية الموجهة للمرأة المسلمة ـ في أهدافها وطبيعة مضامينها- لا تعكس قيم المجتمع المسلم الذي تظهر فيه وتروَّج؛ بل تكرّس نموذج المرأة الغربية، وتظهره بصورة ترسّخ في الأذهان على أنه هو النموذج القدوة!!".
من جانبها ترى د.فريدة صادق زوزو أن المرأة كانت محط اهتمام خصوم الإسلام الذين يتربصون بأمتنا، مستفيدين من ضعف الوعي الشرعي والخبرة لديها، الأمر الذي يقف حائلاً دون تصديها لما يستهدف كيانها وشخصيتها، من برامج الغزو الثقافي والفكري والتربوي، ويجعلها عرضة للإغواء والتدمير، والتأثر السريع بالآخرين، وبمظاهر التغريب والانحلال. وتضيف د. 'زوزو': "إن دعاة التغريب كتبوا في كل ما يتعلق بالمرأة وتحريرها، وتناسوا متعمدين الحديث عن فطرتها وأمومتها، انتصاراً لإفساد المجتمع الإسلامي، بالدخول في غوره وأساسه، ألا وهو الأسرة، والتي يبدأ انهدامها بهدم اللبنة الأساس وهي الأم والزوجة". أما الباحثة نورة بنت عبد الله بن عدوان فتقول: "إن المرأة المسلمة تبرز في الإعلام الغربي كأداة توظف في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وقد ساعد في ذلك اجتماع كل من مصالح الآلة الإعلامية الضخمة -التي يسيّرها النفوذ الصهيوني مع أهداف المنتميات للحركة الأنثوية الغربية- في تقديم صور نمطية مشوهة للمرأة المسلمة". وتضيف: " لقد دأب الغرب في تناوله لقضـايا المـرأة المسلمة، على اعتماد عدة أسس: أولها: الدعوة إلى رفع وصاية الدين عن المرأة، حيث يعتبر الغرب أن الدين حجر عثرة في طريق تقدم المرأة، وتزامن ذلك مع الحملة التي تنامت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ضد القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، وضد شعائر الإسلام. ومن يطّلع على معظم ما يُحرّر في هذا الجانب يلمس التعدّي التامّ على الإسلام بهدف نقضه كدستور ومنهج وتشريع".
وتجتهد وسائل الإعلام الغربية في تصوير المرأة المسلمة بصورة الإنسانة المضطهدة والمحرومة من حقوقها، فهذا (نيكولز كريستوف) من صحيفة نيويورك تايمز يصف التزام المرأة بالقيم الإسلامية في السعودية بالمعاملة غير الإنسانية، في حين يكتب (إدوارد بكنغتون) من صحيفة (Guardin) ضد أحكام الشريعة ويصفها بـ"المتشدّدة"؛ إذ "تتيح للرجل الزواج من أربع في حين لا تتيح ذلك للمرأة"، ولا يقف (بكنغتون) عند هذا الحد بل يتمادى فينتقد حد الزنا، ومنع الاختلاط ويعتبر ارتداء المرأة الحجاب صورة من صور تسلّط الرجال.
شاهد من أهلها
وتأتي آراء بعض النسوة الغربيات اللواتي اعتنقن الإسلام خير داحض لادّعاءات (بكنغتون) و(كريستوف) إذ تقول السيدة نبيلة، واسمها قبل الإسلام (روبين رييد): "عند دخولي في الإسلام دهشت لما تتمتع به النساء من منزلة رفيعة. فالصورة مغايرة لتلك التي عند الغربيين، فالإسلام لا يقيد ولا يصادر أي شيء من كرامة المرأة"، وتوافق السيدة عائشة، واسمها قبل الإسلام (راشيل بريتشرد) على رأي نبيلة وتقول: "لا يوجد شيء في الإسلام يقلل من كرامة المرأة، الإسلام يعطيها الكرامة، فالمرأة المسلمة تعامل بالود والكرامة التي تستحقها، ولو عرفت النساء الغربيات كيف تُعامَل المرأة المسلمة كما يأمر الله سبحانه وتعالى فسوف يسرعن لاعتناق الإسلام".
وتركز معظم التحقيقات والمقالات الغربية التي كُتبت حول المرأة المسلمة، على تحريض المسلمات لمحاربة القيم الإسلامية، وذلك من خلال استخدام الإعلام الغربي منهجاً انتقـائياً في تحرير المقالات والتحقيقات، التي تتفق مع أطروحاتهم الشخصية، وفي حالة إثبات الآراء المخالفة تختتم المقالة أو التحقيق برأي ما هو مؤيد للنموذج الغربي. تقول د. عدوان: "يظهر المنهج الغربي الانتقائي غير الموضوعي بكل وضوح في الحالة السعودية عندما تهمل نتائج التنمية التي تحققت للمرأة في المملكة، ويكون التركيز بالدرجة الأولى عند الحديث عن المرأة على عباءتها دون الإشارة إلى أن هذه العباءة لم تمنعها من العمل في التدريس والطب وإدارة البنوك، والتسويق وتقنية المعلومات والتجارة وغيرها مما يشهد به واقع التنمية السعودي". وتأتي مقالة (نيكولز كريستوف) من صحيفة (New York Times) لتؤكد على نظرية د. عدوان؛ إذ يطالب كريستوف في تحقيقه بإطلاق لقب (Black Ghosts) الأشباح السوداء على نساء السعودية، ويضيف: "إن المرأة السعودية مصنفة في الغرب بـ (ممسحة الأرجل الأثرية المغطاة بالسواد) بهذه الصورة الساخرة المغلفة بالاحتقار، يتحدث الإعلام الغربي عن المرأة المسلمة التي لا يعرف عنها، ولا يرى منها سوى عباءتها السوداء، فمن وصْف "بالأشباح السوداء"، إلى إطلاق لقب النينجا وغيرها من الأوصاف والمشاعر المملوءة بالاستخفاف بثقافة الآخر، واحتقار قيمه واتهامه بالانغلاق والتحجر والجمود" - حسب د.عدوان- التي تؤكد أنه "إن كان لدى المرأة السعودية أي مشاكل فالحجاب ليس واحداً منها"، وتضيف: "إن أحكـام الإسلام يتّبعها المسلمون طوعاً رجالاً ونساءً، ولا تفرض بحد السيف كما يصورّها الإعلام الغربي".
ويركز الإعلام الغربي على أن خلاص المرأة المسلمة مرهون باتباعها ثقافة المرأة الغربية نموذجاً؛ إذ يقول (كريستوف): "استمررت في سؤال النساء السعوديات كيف شعورهن وهن ممتهنات، واستمررن في إجابتي باعتزاز وكرامة أنهن غير ممتهنات"، ثم يضيف مؤكداً "نحن في الغرب نريد أن نحرّر هؤلاء النسوة، وهن يصررن على أنهن سعيدات بوضعهن". على ذلك ترد السيدة خديجة واسمها قبل الإسلام (ويندي بووث) فتقول: "الحجاب الذي يتصور الغرب أنه حاجز أو عائق، كان تحرّراً بالنسبة لي، حرّرني من أن يُنظَر إليَّ تلك النظرة المادية، نظرة الجسد الخالي من العقل، وكان الحجاب دافعاً لأن أُعامل باحترام وكرامة". وفي تفسير لهذا التكالب الغربي على غزو عقلية المرأة المسلمة يقول الشيخ د. بشر البشر: " لقد فطن الغرب لمكانة المرأة ودورها في صنع الأمة، وتأثيرها على المجتمع؛ ولذلك أيقنوا أنهم متى أفسدوا المرأة، ونجحوا في تغريبها وتضليلها، تهون عليهم حصون الإسلام، بل يدخلونها مستسلمة بدون أدنى مقاومة". مشيراً إلى ما جاء في برتوكولات اليهود التي تقول: "علينا أن نكسب المرأة، ففي أي يوم مدّت إلينا يدها ربحنا القضية".
وثيقة بكين: الدين عائق
من جهته، يرى د. كمال حبيب أن وثيقة بكين، التي وقّعت عليها (81) دولة أشارت بوضوح إلى أن الدين يقف عائقاً أمام تحقيق مقرراتها التي تنظر للمرأة على أنها "المرأة الفرد وليست نواة الأسرة"، ومن ثم "فالمرأة العاملة هي المرأة المعتبرة؛ أمَّا ربة الأسرة، فيُنظر إليها باعتبارها متخلّفة وخارج السياق الدولي الجديد؛ لأنها لا تمارس عملاً بمقابل، ولأنها ربطت نفسها بالزوج والأولاد والأسرة"، ويضيف د.حبيب: "إن وثيقة بكين ناشدت المؤسساتِ الدينيةَ لكي تساعد على تحويل مقررات المؤتمر إلى واقع، أي أن تصبح المؤسسات الدينية أحد أدوات المرجعية الكونية الجديدة التي يتبناها النظام العالمي ويسعى لفرضها على العالم". ولعله مما يبعث على التفاؤل أن ثمة شبه إجماع من النساء المسلمات على رفض النموذج الغربي؛ فها هي إحدى الأكاديميات السعوديات تردّ على كريستوف من صحيفة (New York Times) وتؤكد " إنني لست ممتهنة، أنا أغطي جسدي ووجهي، وأنا سعيدة بكوني فتاة تطيع أوامر ربها"، وهذه أخرى تشير إلى أن الحجاب يعبر عن ثقافتها فتقول: "إنك لا تستطيع الذهاب إلى الهندية وتسألها لماذا تلبس الساري، ولا تستطيع أن تسأل الغربية لماذا تلبس الفستان القصير، إذن هذه هي عب اءتنا وهي جزء من ثقافتنا، ولم تكن مصدر إزعاج لي على الإطلاق".
وتؤكد (نيكول جاوتي) المحررة في صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور (The Christian Science Monitor من خلال تحقيق مطول أجرته مع عدد من المسلمات في كل من: أفغانستان وإيران والمملكة العربية السعودية، على أن هؤلاء النسوة يفخرن حقاً بطبيعة الإسلام ومكانة المرأة فيه، ويؤكدن جميعاً على أن الدين والثقافة والتراث شكّلت حياتهن، وإن كان لديهن أي مشاكل "فبالتأكيد الحجاب ليس واحداً منها"، وتستنتج (جاوتي) في تحقيقها أن "أحكـام الإسلام يتبعها المسلمون في طوعاً رجالاً ونساءً، ولم تُفرض بحد السيف كما يصورها الإعلام الغربي".
متحجبات: اتركونا وشأننا
ويعجب (بكنغتون) المحرر في صحيفة الجارديان (Guardian) من حقيقة كون النساء السعوديات يفضلن البقاء والاستمرار على عادات اجتماعية يصفها بـ "المتشددة" ويستشهد بمقولة إحداهن: "إن النساء السعوديات سوف يحافظن على العباءة، وإنك لو أتيت بعد مليون سنة من الآن ستجد المرأة السعودية محافظة على عباءتها"، وهذه الحقيقة تؤكدها أيضا استشارية سعودية في ردها على طرح لصحيفة (كريستيان سينس مونيتور The Christian Science) فتقول: "عليكم أن تعوا أن معظم النساء المسلمات يرغبن في الحجاب، ليس هناك شيء سوى الدين، الحجاب رمز للعقيدة، وهو شكل من أشكال الحماية، إنه لن يتغير، إنه مثل الجلد الثاني"، وفي السياق نفسه تقول رئيسة جمعية خيرية سعودية في صحيفة: (USA Today) "يتهموننا بأننا متخلّفون، ولكنهم لا يرون ما هو موجود تحت العباءة، إننا لا نريد أميركا أن تأتي وتضع مطالب نيابة عنا، اتركونا وشأننا".
ولا يعني هذا الإصرار النسوي المسلم على التمسك بالدين وتعاليمه عزوف المرأة المسلمة عن التطور، بل يؤكد رغبتهن في ذلك ضمن الشروط والمعايير التي تناسب مجتمعاتهن، فهذه إحدى الاستشاريات المسلمات التي تعلق على التدخل الغربي المكثف بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في شؤون المرأة بقولها: "نحن كمسلمات نريد أن يكون التغير بطريقة تتماشى مع ثقافتنا، ولا يكون التغيير ضدها، اتركوننا وشأننا".
وبالقدر الذي تدرك معه المرأة المسلمة أن التغيير والتطور لا يمكن أن يكون بنقل النموذج الغربي للمرأة، كون هذا النموذج غريباً عن ثقافتها وفكرها وعقيدتها، ولا يمكن أن يكتب له النجاح والاستمرار، هي تدرك أيضاً أن المحاولات المستمرة لنقل هذا النموذج ليست في واقع الأمر إلا محاولة للتغريب، وهي عملية لا ينتج عنها سوى المزيد من التبعية والعجز والشلل.
ازدواجية في المعايير
إلى ذلك، أضحت ازدواجية المعايير من الأمور الشائعة في الإعلام الغربي في تعامله مع قضايا المسلمين بشكل عام، وفي شأن المرأة المسلمة على وجه الخصوص، تقول خديجة أم محمد، واسمها قبل الإسلام (جوان توماس): "الإعلام الغربي يصوّر المرأة الغربية على أنها قوية، مستقلة، جميلة ومثالية، وإذا لم يكن عندها أي من تلك الصفات فستفعل أي شيء للحصول على ما يتوقعه الناس من هذه المظاهر مثل لون الشعر ولون البشرة" وتضيف: "إذا لم تستطع المرأة أن تحقق ذلك فسوف تكون في غاية الضيق؛ لأنها لم تبلغ (المثالية) التي يصوِّرها الإعلام! وهذا يؤدي بها إلى الكآبة الشديدة والإحباط بل وأحياناً إلى قتل النفس".
ولا يخفى على المراقب المهتم كم المفارقات العجيبة وازدواجية المعايير الموجودة في الإعلام الغربي، وتعامله مع القضايا عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين، حول ذلك تتساءل سيدة أميركية مسلمة فتقول: "لماذا تستطيع الراهبة أن ُتغطي نفسها من رأسها إلى قدميها، وتكون في نظرهم محترمة وتمتثل لأوامر ربها، ولكن عندما تفعل ذلك المسلمة تُعتبر ممتهنة؟" وتضيف" عندما تجلس المرأة الغربية في بيتها للعناية بالبيت والأطفال، فهي في نظرهم تقدم تضحية جميلة في سبيل محافظتها على شؤون منزلها، ولكن عندما تفعل المرأة المسلمة ذلك فهي في حاجة إلى أن ُتحرّر!!".
بقي أن نقول: إن تحرر المرأة في الغرب لم يستطع أن ينقذ المرأة أو يكرمها، وإنما استطاع فقط أن يضغط عليها ليخرجها من البيت من غير رقيب ولا حسيب، لتعيش عمرها في حُمّى تنافسية مع الرجال، وتفقد في خضم هذا السباق أنوثتها وكينونتها، بل والأهم من ذلك استقرارها النفسي، والغاية التي خلقت من أجلها.
وقد تأثرت المرأة المسلمة -مثل أخيها الرجل- بشيء من ذلك، بل وانساق عدد من النساء وراء هذه الأفكار الغربيّة، التي تتعارض مع الإسلام، فصرن ينادين بمساواة المرأة بالرجل في الميراث والشهادة والنكاح وغيرها؛ مما يخالف حكم الله وشرعه..
إلا أن نساء أخريات، رفضن هذه الهجمة، ورأين فيها محاولة مشبوهة لاستنساخ واقع المرأة الغربية، وفرضه على المجتمع المسلم. تقول الأكاديمية فاطمة بنت عبد الله البطاح: "لا شك أن وسائل الإعلام المختلفة بكل ما تمثله من هيمنة وسيطرة وانتشار قد تركت آثاراً سيئة وبالغة الخطورة على شخصية المرأة المسلمة المعاصرة!" وتضيف: "إن الصحافة النسائية أو البرامج المرئية الموجهة للمرأة المسلمة ـ في أهدافها وطبيعة مضامينها- لا تعكس قيم المجتمع المسلم الذي تظهر فيه وتروَّج؛ بل تكرّس نموذج المرأة الغربية، وتظهره بصورة ترسّخ في الأذهان على أنه هو النموذج القدوة!!".
من جانبها ترى د.فريدة صادق زوزو أن المرأة كانت محط اهتمام خصوم الإسلام الذين يتربصون بأمتنا، مستفيدين من ضعف الوعي الشرعي والخبرة لديها، الأمر الذي يقف حائلاً دون تصديها لما يستهدف كيانها وشخصيتها، من برامج الغزو الثقافي والفكري والتربوي، ويجعلها عرضة للإغواء والتدمير، والتأثر السريع بالآخرين، وبمظاهر التغريب والانحلال. وتضيف د. 'زوزو': "إن دعاة التغريب كتبوا في كل ما يتعلق بالمرأة وتحريرها، وتناسوا متعمدين الحديث عن فطرتها وأمومتها، انتصاراً لإفساد المجتمع الإسلامي، بالدخول في غوره وأساسه، ألا وهو الأسرة، والتي يبدأ انهدامها بهدم اللبنة الأساس وهي الأم والزوجة". أما الباحثة نورة بنت عبد الله بن عدوان فتقول: "إن المرأة المسلمة تبرز في الإعلام الغربي كأداة توظف في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وقد ساعد في ذلك اجتماع كل من مصالح الآلة الإعلامية الضخمة -التي يسيّرها النفوذ الصهيوني مع أهداف المنتميات للحركة الأنثوية الغربية- في تقديم صور نمطية مشوهة للمرأة المسلمة". وتضيف: " لقد دأب الغرب في تناوله لقضـايا المـرأة المسلمة، على اعتماد عدة أسس: أولها: الدعوة إلى رفع وصاية الدين عن المرأة، حيث يعتبر الغرب أن الدين حجر عثرة في طريق تقدم المرأة، وتزامن ذلك مع الحملة التي تنامت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ضد القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، وضد شعائر الإسلام. ومن يطّلع على معظم ما يُحرّر في هذا الجانب يلمس التعدّي التامّ على الإسلام بهدف نقضه كدستور ومنهج وتشريع".
وتجتهد وسائل الإعلام الغربية في تصوير المرأة المسلمة بصورة الإنسانة المضطهدة والمحرومة من حقوقها، فهذا (نيكولز كريستوف) من صحيفة نيويورك تايمز يصف التزام المرأة بالقيم الإسلامية في السعودية بالمعاملة غير الإنسانية، في حين يكتب (إدوارد بكنغتون) من صحيفة (Guardin) ضد أحكام الشريعة ويصفها بـ"المتشدّدة"؛ إذ "تتيح للرجل الزواج من أربع في حين لا تتيح ذلك للمرأة"، ولا يقف (بكنغتون) عند هذا الحد بل يتمادى فينتقد حد الزنا، ومنع الاختلاط ويعتبر ارتداء المرأة الحجاب صورة من صور تسلّط الرجال.
شاهد من أهلها
وتأتي آراء بعض النسوة الغربيات اللواتي اعتنقن الإسلام خير داحض لادّعاءات (بكنغتون) و(كريستوف) إذ تقول السيدة نبيلة، واسمها قبل الإسلام (روبين رييد): "عند دخولي في الإسلام دهشت لما تتمتع به النساء من منزلة رفيعة. فالصورة مغايرة لتلك التي عند الغربيين، فالإسلام لا يقيد ولا يصادر أي شيء من كرامة المرأة"، وتوافق السيدة عائشة، واسمها قبل الإسلام (راشيل بريتشرد) على رأي نبيلة وتقول: "لا يوجد شيء في الإسلام يقلل من كرامة المرأة، الإسلام يعطيها الكرامة، فالمرأة المسلمة تعامل بالود والكرامة التي تستحقها، ولو عرفت النساء الغربيات كيف تُعامَل المرأة المسلمة كما يأمر الله سبحانه وتعالى فسوف يسرعن لاعتناق الإسلام".
وتركز معظم التحقيقات والمقالات الغربية التي كُتبت حول المرأة المسلمة، على تحريض المسلمات لمحاربة القيم الإسلامية، وذلك من خلال استخدام الإعلام الغربي منهجاً انتقـائياً في تحرير المقالات والتحقيقات، التي تتفق مع أطروحاتهم الشخصية، وفي حالة إثبات الآراء المخالفة تختتم المقالة أو التحقيق برأي ما هو مؤيد للنموذج الغربي. تقول د. عدوان: "يظهر المنهج الغربي الانتقائي غير الموضوعي بكل وضوح في الحالة السعودية عندما تهمل نتائج التنمية التي تحققت للمرأة في المملكة، ويكون التركيز بالدرجة الأولى عند الحديث عن المرأة على عباءتها دون الإشارة إلى أن هذه العباءة لم تمنعها من العمل في التدريس والطب وإدارة البنوك، والتسويق وتقنية المعلومات والتجارة وغيرها مما يشهد به واقع التنمية السعودي". وتأتي مقالة (نيكولز كريستوف) من صحيفة (New York Times) لتؤكد على نظرية د. عدوان؛ إذ يطالب كريستوف في تحقيقه بإطلاق لقب (Black Ghosts) الأشباح السوداء على نساء السعودية، ويضيف: "إن المرأة السعودية مصنفة في الغرب بـ (ممسحة الأرجل الأثرية المغطاة بالسواد) بهذه الصورة الساخرة المغلفة بالاحتقار، يتحدث الإعلام الغربي عن المرأة المسلمة التي لا يعرف عنها، ولا يرى منها سوى عباءتها السوداء، فمن وصْف "بالأشباح السوداء"، إلى إطلاق لقب النينجا وغيرها من الأوصاف والمشاعر المملوءة بالاستخفاف بثقافة الآخر، واحتقار قيمه واتهامه بالانغلاق والتحجر والجمود" - حسب د.عدوان- التي تؤكد أنه "إن كان لدى المرأة السعودية أي مشاكل فالحجاب ليس واحداً منها"، وتضيف: "إن أحكـام الإسلام يتّبعها المسلمون طوعاً رجالاً ونساءً، ولا تفرض بحد السيف كما يصورّها الإعلام الغربي".
ويركز الإعلام الغربي على أن خلاص المرأة المسلمة مرهون باتباعها ثقافة المرأة الغربية نموذجاً؛ إذ يقول (كريستوف): "استمررت في سؤال النساء السعوديات كيف شعورهن وهن ممتهنات، واستمررن في إجابتي باعتزاز وكرامة أنهن غير ممتهنات"، ثم يضيف مؤكداً "نحن في الغرب نريد أن نحرّر هؤلاء النسوة، وهن يصررن على أنهن سعيدات بوضعهن". على ذلك ترد السيدة خديجة واسمها قبل الإسلام (ويندي بووث) فتقول: "الحجاب الذي يتصور الغرب أنه حاجز أو عائق، كان تحرّراً بالنسبة لي، حرّرني من أن يُنظَر إليَّ تلك النظرة المادية، نظرة الجسد الخالي من العقل، وكان الحجاب دافعاً لأن أُعامل باحترام وكرامة". وفي تفسير لهذا التكالب الغربي على غزو عقلية المرأة المسلمة يقول الشيخ د. بشر البشر: " لقد فطن الغرب لمكانة المرأة ودورها في صنع الأمة، وتأثيرها على المجتمع؛ ولذلك أيقنوا أنهم متى أفسدوا المرأة، ونجحوا في تغريبها وتضليلها، تهون عليهم حصون الإسلام، بل يدخلونها مستسلمة بدون أدنى مقاومة". مشيراً إلى ما جاء في برتوكولات اليهود التي تقول: "علينا أن نكسب المرأة، ففي أي يوم مدّت إلينا يدها ربحنا القضية".
وثيقة بكين: الدين عائق
من جهته، يرى د. كمال حبيب أن وثيقة بكين، التي وقّعت عليها (81) دولة أشارت بوضوح إلى أن الدين يقف عائقاً أمام تحقيق مقرراتها التي تنظر للمرأة على أنها "المرأة الفرد وليست نواة الأسرة"، ومن ثم "فالمرأة العاملة هي المرأة المعتبرة؛ أمَّا ربة الأسرة، فيُنظر إليها باعتبارها متخلّفة وخارج السياق الدولي الجديد؛ لأنها لا تمارس عملاً بمقابل، ولأنها ربطت نفسها بالزوج والأولاد والأسرة"، ويضيف د.حبيب: "إن وثيقة بكين ناشدت المؤسساتِ الدينيةَ لكي تساعد على تحويل مقررات المؤتمر إلى واقع، أي أن تصبح المؤسسات الدينية أحد أدوات المرجعية الكونية الجديدة التي يتبناها النظام العالمي ويسعى لفرضها على العالم". ولعله مما يبعث على التفاؤل أن ثمة شبه إجماع من النساء المسلمات على رفض النموذج الغربي؛ فها هي إحدى الأكاديميات السعوديات تردّ على كريستوف من صحيفة (New York Times) وتؤكد " إنني لست ممتهنة، أنا أغطي جسدي ووجهي، وأنا سعيدة بكوني فتاة تطيع أوامر ربها"، وهذه أخرى تشير إلى أن الحجاب يعبر عن ثقافتها فتقول: "إنك لا تستطيع الذهاب إلى الهندية وتسألها لماذا تلبس الساري، ولا تستطيع أن تسأل الغربية لماذا تلبس الفستان القصير، إذن هذه هي عب اءتنا وهي جزء من ثقافتنا، ولم تكن مصدر إزعاج لي على الإطلاق".
وتؤكد (نيكول جاوتي) المحررة في صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور (The Christian Science Monitor من خلال تحقيق مطول أجرته مع عدد من المسلمات في كل من: أفغانستان وإيران والمملكة العربية السعودية، على أن هؤلاء النسوة يفخرن حقاً بطبيعة الإسلام ومكانة المرأة فيه، ويؤكدن جميعاً على أن الدين والثقافة والتراث شكّلت حياتهن، وإن كان لديهن أي مشاكل "فبالتأكيد الحجاب ليس واحداً منها"، وتستنتج (جاوتي) في تحقيقها أن "أحكـام الإسلام يتبعها المسلمون في طوعاً رجالاً ونساءً، ولم تُفرض بحد السيف كما يصورها الإعلام الغربي".
متحجبات: اتركونا وشأننا
ويعجب (بكنغتون) المحرر في صحيفة الجارديان (Guardian) من حقيقة كون النساء السعوديات يفضلن البقاء والاستمرار على عادات اجتماعية يصفها بـ "المتشددة" ويستشهد بمقولة إحداهن: "إن النساء السعوديات سوف يحافظن على العباءة، وإنك لو أتيت بعد مليون سنة من الآن ستجد المرأة السعودية محافظة على عباءتها"، وهذه الحقيقة تؤكدها أيضا استشارية سعودية في ردها على طرح لصحيفة (كريستيان سينس مونيتور The Christian Science) فتقول: "عليكم أن تعوا أن معظم النساء المسلمات يرغبن في الحجاب، ليس هناك شيء سوى الدين، الحجاب رمز للعقيدة، وهو شكل من أشكال الحماية، إنه لن يتغير، إنه مثل الجلد الثاني"، وفي السياق نفسه تقول رئيسة جمعية خيرية سعودية في صحيفة: (USA Today) "يتهموننا بأننا متخلّفون، ولكنهم لا يرون ما هو موجود تحت العباءة، إننا لا نريد أميركا أن تأتي وتضع مطالب نيابة عنا، اتركونا وشأننا".
ولا يعني هذا الإصرار النسوي المسلم على التمسك بالدين وتعاليمه عزوف المرأة المسلمة عن التطور، بل يؤكد رغبتهن في ذلك ضمن الشروط والمعايير التي تناسب مجتمعاتهن، فهذه إحدى الاستشاريات المسلمات التي تعلق على التدخل الغربي المكثف بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في شؤون المرأة بقولها: "نحن كمسلمات نريد أن يكون التغير بطريقة تتماشى مع ثقافتنا، ولا يكون التغيير ضدها، اتركوننا وشأننا".
وبالقدر الذي تدرك معه المرأة المسلمة أن التغيير والتطور لا يمكن أن يكون بنقل النموذج الغربي للمرأة، كون هذا النموذج غريباً عن ثقافتها وفكرها وعقيدتها، ولا يمكن أن يكتب له النجاح والاستمرار، هي تدرك أيضاً أن المحاولات المستمرة لنقل هذا النموذج ليست في واقع الأمر إلا محاولة للتغريب، وهي عملية لا ينتج عنها سوى المزيد من التبعية والعجز والشلل.
ازدواجية في المعايير
إلى ذلك، أضحت ازدواجية المعايير من الأمور الشائعة في الإعلام الغربي في تعامله مع قضايا المسلمين بشكل عام، وفي شأن المرأة المسلمة على وجه الخصوص، تقول خديجة أم محمد، واسمها قبل الإسلام (جوان توماس): "الإعلام الغربي يصوّر المرأة الغربية على أنها قوية، مستقلة، جميلة ومثالية، وإذا لم يكن عندها أي من تلك الصفات فستفعل أي شيء للحصول على ما يتوقعه الناس من هذه المظاهر مثل لون الشعر ولون البشرة" وتضيف: "إذا لم تستطع المرأة أن تحقق ذلك فسوف تكون في غاية الضيق؛ لأنها لم تبلغ (المثالية) التي يصوِّرها الإعلام! وهذا يؤدي بها إلى الكآبة الشديدة والإحباط بل وأحياناً إلى قتل النفس".
ولا يخفى على المراقب المهتم كم المفارقات العجيبة وازدواجية المعايير الموجودة في الإعلام الغربي، وتعامله مع القضايا عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين، حول ذلك تتساءل سيدة أميركية مسلمة فتقول: "لماذا تستطيع الراهبة أن ُتغطي نفسها من رأسها إلى قدميها، وتكون في نظرهم محترمة وتمتثل لأوامر ربها، ولكن عندما تفعل ذلك المسلمة تُعتبر ممتهنة؟" وتضيف" عندما تجلس المرأة الغربية في بيتها للعناية بالبيت والأطفال، فهي في نظرهم تقدم تضحية جميلة في سبيل محافظتها على شؤون منزلها، ولكن عندما تفعل المرأة المسلمة ذلك فهي في حاجة إلى أن ُتحرّر!!".
بقي أن نقول: إن تحرر المرأة في الغرب لم يستطع أن ينقذ المرأة أو يكرمها، وإنما استطاع فقط أن يضغط عليها ليخرجها من البيت من غير رقيب ولا حسيب، لتعيش عمرها في حُمّى تنافسية مع الرجال، وتفقد في خضم هذا السباق أنوثتها وكينونتها، بل والأهم من ذلك استقرارها النفسي، والغاية التي خلقت من أجلها.
المصدر: موقع الإسلام اليوم - غادة الكاتب
- التصنيف: