وسبقت صواريخ غزة كل الزعماء العرب
اليوم ذاق القادة العرب مرارة الهزيمة الداخلية التي شربنا منها كؤوسا في عهدهم، وأرقت جفونهم من فرط خوفهم من انتفاضة شعوبهم، وانشغلوا بأنفسهم بعدما شغلونا قرونا مديدة بأنفسنا، وتجرعوا مرارة الجفاء وسمعوا لعنات المقهورين .
وصلت صواريخ المقاومة في يوم تاريخي (الجمعة 16/11/2012) إلى عمق الكيان الصهيوني، وصفارات الإنذار دوت في تل أبيب والقدس المحتلة بعد غياب لأكثر من عشرين عاما، ورئيس الوزراء الإسرائيلي في مخبأ تحت الأرض، فضلا عن قتلى وجرحى في صفوف الكيان المحتل، وخضوع 5 ملايين صهيوني لمرمى صواريخ المقاومة، وأنباء عن إسقاط طائرة حربية صهيونية وأخرى استطلاعية.
وصلت صواريخ المقاومة في أيام مجيدة كان يتمنى كل شهداء الأمة أن يعاصروها من سيد قطب والقسام إلى أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي والقافلة طويلة والقائمة أطول.
صواريخ المقاومة التي وصفها البعض سابقا بالعبثية، والآخرون بالبدائية، والمثبطون وصناع الكلام بأنها هزلية، وأثبتت الأيام أنهم أنفسهم غثاء كغثاء السيل، وأن موائد مفاوضاتهم لم يجنوا منها إلا الذل والمهانة، ومع ذلك هم لا يكفون -حتى الآن- عن شعاراتهم العوراء ونظرياتهم الشوهاء.
واليوم لا تسمع للقادة العرب ركزا، وهم الذين ملئوا الدنيا ضجيجا وصياحا من عام 1948 وحتى الآن، ومع ذلك لم يقدموا شيئا للقضية الفلسطينية سوى توحش وتوغل العدو الصهيوني أكثر وأكثر.
لقد رأينا وخبرنا على أيدي قادة العرب المغاوير كل صفات الأقزام والأزلام، البارعون في التشدق بالخطب الرنانة من باحات قصورهم ووسط تصفيق منافقيهم، الغائبون عن ساحات الوغى حيث لا صوت يعلوا فوق صوت نضال الأبطال. فالملوك من أبناء عبد العزيز آثروا حظ أنفسهم على حظ الأمة، ووجهوا فائضات ميزانية النفط لخدمة الاقتصاد الأمريكي وأعوانه، واكتفوا من الإنجازات بتوسعة الحرم الشريف، وأنشأ كل منهم له باب في الحرم يخلد اسمه وكأن التوسعة كانت من ماله أو مال أبيه. وكنا نتمنى أن نرى أسمائهم في الإنجازات الغزاوية ومشاريع المقاومة الباسلة أو حتى -على الأقل- المجالات الصناعية أو البحثية المحلية.. لكن على قدر أهل العزم تأتي العزائم، فخرج علينا المليك بصورة جريئة وهو وسط جمع من السعوديات حاسرات عن وجوههن، وهو بينهن كالبطل المغوار والأسد الكاسر الذي يتبنى حقوق المرأة بزعمه السقيم!!.
ومن طريف القول أن حكام المملكة لما آووا الغادر التونسي بن علي خرج علينا الأمير سعود الفيصل مبررا بأن من شيم العرب أن المستجير يجار، لكن استجارة ثكالى غزة لا نجد لتجاهلها تبريرا سوى أن الطيور على أشكالها تقع. وأبشع مشروع قدمه ملوك الحجاز تمثل في تدجين هيئة كبار العلماء، الذين تزلفوا لولاة الأمر بإصدار سيل من الفتاوى بحرمة التظاهرات والانتقادات -خاصة لما فيها الأمراء- ورسخوا بذلك حكم من حولوا بلاد الحرمين لأعظم مستهلك في عالم يخوض غمار المصاعب من أجل الإنتاج وإثبات الذات.
أما أمير الكويت وطغمته فهم اليوم يعضوا أناملهم من الغيظ على هامش الحريات الذي أعطوه للشعب في البرلمان المنتخب، فها هو ذات البرلمان ينتفض ويأرق مضاجعهم بعدما طال استهتارهم وتهاونهم بحق شعوبهم.
وسلطان عمان وشعبه طالت نومتهم، وعلا شخيرهم، ولا أدري أهم حتى الآن موجودون بعدما انقطعت أخبارهم بالكلية من شريط الأخبار.
أما إمارات ضاحي خلفان الذي يعبر عن مكنونات أمرائها، فبعد تصريحه العجيب بأن إسرائيل لا تشكل خطرا علي العرب وأن من حق إسرائيل أن تعيش في أمان، جدد قائد شرطة دبي الهجوم على قيادات مصر؛ حيث كتب ساخرا مجموعة من التغريدات عبر حسابه الخاص على «تويتر»، قائلا: "جتني معلومات: نتنياهو عندما علم بزيارة الوفدين المعنيين إلى غزة ما نام البارحة من الخوف على أمن إسرائيل، أما رئيس أركان إسرائيل فالبارحة في حالة تأهب يزور القوات".
ولقد باتت اجتماعات مجالس الجامعة العربية والتعاون الخليجي ولجنة القدس من الأخبار الهزلية التي تتندر بها الشعوب العربية، وقد أحسن القادة المغاوير صنعا أن ألغوا الاجتماع السنوي للقمة العربية التي كانت تقدم للأمة سراب فريد من إنتاج خيرة صناع الوهم والتضليل.
الكل يتسائل: أين الزعماء العرب، في خضم هذه الإنجازات وطوفان الحريات؟!، لكن ليس بخاف على أحد أنهم باتوا اليوم أكثر خوفا على عروشهم وكروشهم، وأنهم يدبرون لأنفسهم ألف حل ومخرج إذا ما انتفضت شعوبهم، وأن اعتصامهم بأمريكا بات وهما بعدما باعت حلفائها في سوق النخاسة لما انتفضت شعوبهم حرصا على مصالحها.
اليوم ذاق القادة العرب مرارة الهزيمة الداخلية التي شربنا منها كؤوسا في عهدهم، وأرقت جفونهم من فرط خوفهم من انتفاضة شعوبهم، وانشغلوا بأنفسهم بعدما شغلونا قرونا مديدة بأنفسنا، وتجرعوا مرارة الجفاء وسمعوا لعنات المقهورين وهي تلعنهم صباح مساء، فلا هم لكم الآن إلا سؤال واحد يبحثون عن إجابته آناء الليل وأطراف النهار: "لو انتفضت الجماهير فما السبيل وأين المفر؟".
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com
- التصنيف: