رسالة إلى فخامة الرئيس (محمد مرسي)

منذ 2012-11-23

لا أكتب إلى جنابكم من أحياء القاهرة الراقية، ولا من شاليهات شواطئها الخلابة، ولكن أكتب إليكم من وسط طبقة الكادحين الذين يأكلون الفول والطعمية، ويركبون المواصلات العامة المزدحمة، ويقضون ثلث أعمارهم في طابور الخبز ..


السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

لا أكتب إلى جنابكم من أحياء القاهرة الراقية، ولا من شاليهات شواطئها الخلابة، ولكن أكتب إليكم من وسط طبقة الكادحين الذين يأكلون الفول والطعمية، ويركبون المواصلات العامة المزدحمة، ويقضون ثلث أعمارهم في طابور الخبز المدعم، ويتناولون في مرضهم أدوية التأمين الصحي وهم يعلمون جيداً أنها شبه خالية من فاعليتها.

أكتب إليك مصوراً للمزاج الشعبي العام الذي بدأ يتململ من رتابة حكومتكم وكسل وزرائكم حيث يجمع كل الكادحين بأنه لا شيئاً ملموساً قد تغير، ولا إنجازاً فعلياً قد تحقق سوى ما يراه البسطاء على شاشات التلفاز من إنجازات عامة بالقبض على تشكيل عصابي أو مهرب مواد بترولية أو أسلحة .. أو غير ذلك.

أكتب لك وقد بدأت قناعات سلبية تتسرب إلى نفوس المواطنين بأن الثورة لم تؤتِ أكلها وأن حكومة قنديل ضعيفة، وأن جنابكم ليس برجل الدولة المنشود ولا بفارس المرحلة المطلوب.

أكتب إليكم بقلبٍ صافٍ ونصيحة لوجه الله تعالى وحبٌّ دفين لشخصكم ولهذا البلد الطيب، ولي عدة وقفات أعرضها على فضيلتكم بهدوء، بعيداً عن صخب الفضائيات وبريق الكاميرات وفلسفات النخبة التي ملئت الدنيا ضجيجاً ولم تعمل سواعدها يوماً في رحلة بناء هذا الوطن العتيد.

أولاً:

أنت تُمثّل لنا مشروعاً إسلامياً بتنا سنوات طوال نحلم به في أن نرى شريعتنا واقعا يدير مجتمعنا المسلم لا مجرد نظريات على الورق لا تراوح مكانها .. لقد تربينا على أن الإسلام عقيدة وشريعة وأن حكمه أفضل الأحكام والعيش في كنفه جنة الرضوان في الدنيا والآخرة، لكن حالت أنظمة علمانية دون تحقق هذه الأمنية عقودا عديدة وسنوات مديدة، وها هي اليوم الفرصة مواتية، والشعب قد اختارك بدافع من إيمانه وإسلامه، فأنت تُمثّل مشروعاً إسلامياً أكثر منه تنموياً، ولو فشل فسيكون فشل لا كأي فشل، خاصة وأن الشامتين كُثُر والحاقدين أكثر.

ثانياً:

كلنا يدرك حجم المحنة التي ألقيت على عاتقكم، وأتون الفساد الذي وقعت فيه بلا ماء ولا زاد، وتشعب الفاسدين في كل مفاصل الدولة ممن تسممت دمائهم بالحرام ولا خلاص لتطهيره إلا بالتخلص منهم بالكلية وتنحيتهم جانبا عن موقع المسئولية .. كل هذا واضح ومفهوم لدى العامة قبل الخاصة، ولكن المرحلة تحتاج لبصيص من النور ولو ضئيل، ومسحة من الإنجازات ولو خفيفة باهتة، وخطوة للأمام ولو خطوة بسيطة متعثرة، حتى يطمئن المواطن أن الثورة أشرق بصيص نورها، وأن عجلة العمل بدأت تدور ولو على وجل.

ثالثاً:

أي إنجاز ولو متواضع لن يتحقق إلا من وزارة قوية وَوزراء أكفاء يفهمون المطلوب منهم جيداً، وهذا مكمن الخلل، ولبّ الداء، والفخ الذي نصبه لنا الليبراليون والمغرضون، ووقعنا فيه للأسف، ففي بداية توليكم لم يجد الشانئون سبيلاً للهجوم إلا التشدّق بمفاهيم "أخونة الدولة" وَ "سيطرة فصيل واحد على الحكم" وأنكم -أعزّكم الله- ألعوبة في يدِّ المرشد، وكأن فضيلة المرشد هو العدو الخفي للأمة الذي يُناصبها العِداء .. كل هذا اضطركم لاختيار فريق العمل الرئاسي من كافة أطياف المجتمع والبُعد الضمني عن رموز مشاهير، فقدمنا ترضية الأعداء على اختيار الأكفاء، فغابت الإنجازات وحلّت الإخفاقات، حتى إذا مرّت الأشهر سراعاً؛ بدأ الجميع من محبٍ وكاره يبحث عن الثمرة التي لم تظهر حتى الآن، بل وجد الحاقدون السبيل للهجوم المبرِّر والمقنع لدى العامة والخاصة.

رابعاً:

مصر الآن وبعد أشهر من توليكم تحتاج خطة إنقاذ فورية وعاجلة، خطة سريعة يقوم عليها فريق عمل من نوع خاص وفريد، بصرف النظر إلى انتماءاتهم، فريق كوماندوز يشق عباب الظلام ويرسل لملايين هذا الشعب الخفير بصيص من الإنجازات الفورية، ولو حتى الإنجازات التي لا تحتاج إلى ميزانيات ضخمة بل إلى ترتيب أوضاع واجتثاث جذور الفساد وتيسير الممكن من أمور المواطنين الحياتية، وإليكم بعض الأمثلة:

- تغيير المحافظين ورؤساء الأحياء فوراً واختيار نخب ثورية تتبنى مشاكل الجماهير.

- تشكيل فريق استشاري في كل وزارة يعمل على تخفيف الإجراءات الروتينة وحذف الرسوم المبالغ فيها من رواسب العهد البائد.

- إلزام أساتذة الطب والاستشاريين بالتواجد الدائم في المستشفيات للكشف على الجماهير الغفيرة وعدم ترك المرضى الغلابة نهباً لتجربة وتعليم صغار الأطباء، مع نشر كبار الأطباء في الوحدات الصحية بالقرى لتخفيف العبء على المستشفيات المركزية.

- تجريم التلاعب بدقيق الخبز بعقوبات رادعة والإشراف على الشروط الصحية للمخابز، والبدء بإنشاء مخابز مركزية عملاقة بأحدث التقنيات لإنتاج رغيف آدمي بشكل مكثف.

- إصدار مرسوم رئاسي بالبت في القضايا خلال عام واحد فقط، وزيادة عدد القضاة بتعيين أوائل دفعات كلية الحقوق وليس التعيين بالوساطة أو المحسوبية أو أبناء العاملين كما كان من قبل.

- وتوفير رواتب القضاة الجدد بتخفيض رواتب مافيا القضاة الحاليين التي أثقلت كاهل ميزانية الدولة، فليس من المعقول أن قاضٍ من خريج كلية الحقوق وهي آخر الكليات في السُلّم الجامعي يتقاضى مرتب مائة طبيب من زبدة المجتمع وَ أوائل الطلبة وصفوة العقول.

- وفي حال رفض القضاة للعدالة الإجتماعية يُفصل المعترض ويعيّن آخر من المحامين الأكفاء ممن مارس المهنة لعشر سنوات على الأقل مع اجتياز امتحان متخصص للتعيين.

- بيع الكتاب الجامعي للطلبة بسعر التكلفة وعدم تركه نهباً للصوص الأساتذة الذين يُتاجِرون به على أبناء الغلابة.

والنماذج عديدة وبسيطة ولا تنتهي، أشرنا لبعضها ليس من واقع تخصصنا، بل من واقع معاناتنا اليومة ومن نبض وفكر أبناء الشارع الذي لا يعنيهم التأسيسية والدستورية ولا المهلبية، إنما يعنيهم من يحتضنهم ويترفّق بهم ويحنو عليهم بعدما أكلهم الظلم الجور أكلا.


فخامة الرئيس:

شعبك هم ذخيرتك الفعلية، وهم رصيدك الذي سينفعك وقت الشدائد وأمام الله تعالى يوم العرض عليه، وهو القانون والدستور والحكم والحق الذي لا حق غيره.

شعبك أولى أن تأخذه في كنفك وأن يكون عصاتك التي تضرب بها كل مظاهر الفساد.

وصدقني لو أحبك الشعب بعطفك عليه سيكون قوته أكبر من قوة جيشك وحرسك، وسيكون سهماً ضارباً تقذف به من شئت ممن يعرقل مسيرة البناء.

فهل من قطرات إنجازات فورية تبُل بها عطش هؤلاء الظمأى الذين أضانهم طول العطش.


د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز