الشيخ حامد العلي وسياسة تكميم الأفواه

منذ 2005-05-02
بيان من الشيخ حامد العلي بخصوص الاعتقال

الحمد لله الذي بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، علانيته وسره، حسبي الله ونعم الوكيل، القائل في محكم التنزيل: { الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ.أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }، اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

فقد أمرنا الله تعالى بالصبر على البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، فنسأله سبحانه أن يعيننا على ما أمرنا به، ويلهمنا كلمة التقوى ويلزمناها ويجعلنا أحق بها وأهلها، وأن لايولينا غيره، ولايكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

ومع علمنا أن ما أشيع عني، محض الإفتراء والكذب، وما هي إلا تلفيقات من التهم المرسلة التي لا أساس لها، وأنه لاعلاقة لنا بالأحداث الأخيرة التي لازالت أصلاً في طور التحقيقات، وقد أمرنا أن لانكيل التهم لأحد من الناس بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.

فإننا نؤكد أن ما أشاعته وتشيعه بعض وسائل الإعلام المغرضة، في إطار الأحداث الأمنية الأخيرة، من اتهام لنا بالتحريض على إشهار السلاح، وقتل الناس، وسفك الدماء، فهي أكاذيب أسخف من يُرد عليها، والعام من الناس والخاص يعلمون أننا نشرنا آراءنا على الملأ في وسائل إعلام مختلفة تبيّن حرمة ذلك، وأن الأحكام الشرعية التي تتنزل على أزمات الإحتلال لبلاد الإسلام، لا تنطبق على علاج أزمات انظمة الحكم، والتي باتت شعوبنا الإسلامية تعاني منها ما تعاني، ونسأل الله أن يرفع عن أمتنا البلاء، وينصرها ويطهّر أرضها من الأعداء، وأن يرزقنا العافية، والصبر، والنصر، والتقوى، وحسن العاقبة في الأمور كلها، حسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.

حامد بن عبد الله العلي





الشيخ حامد العلي، وسياسة تكميم الأفواه!


يمثل اعتقال الشيخ الفاضل حامد العلي الأمين العام السابق للحركة السلفية في الكويت، وأحد أبرز المنظرين والمفتين لمشروعية المقاومة العراقية الوطنية في العراق، واحداً من تبعات رياح التغيير و"الدمقرطة" في عالمنا العربي بعد هجمات 11 سبتمبر.

الشيخ الجليل المحتجز حالياً على ذمة التحقيق- لأنه اتهم بالتحريض ضد القوات الأمريكية في العراق-، يُنظر إليه باعتباره مقرَباً من التيار السلفي الجهادي العلمي، وهو من أبرز الوجوه التي تقود جبهة الرفض للأمركة في الخليج العربي والمنطقة عموماً.

ويعتبر من أكبر المناصرين والمفتين للمقاومة في العراق، ونقصد هنا المقاومة النظيفة الأصيلة في أهدافها وأدائها ومشروعيتها.

ما يهمنا هنا أن ثمة استهداف عربي حكومي لكل ما ينطق بغير الهوى الأمريكي، وفي ذلك مؤشرات جد خطيرة، وما اعتقال الشيخ العلي إلا أحد إفرازات الأمركة في عالمنا العربي. إذ إنه مطلوب من الدول العربية تدجين الخطاب الإسلامي بشكل يتسق ويتفق مع السياسات الأمريكية، بل ومطلوب أكثر نموذج إسلامي أمريكي قد يكون "إمامة المرأة" أحد معالمه!!

الإسلام المفرط في الاعتدال إلى حد الابتذال، هو ما تريده السياسة الأمريكية، ورياح التغيير الأمريكية باتت تهب في عالمنا العربي على كل شيء بدءاً من المناهح والإعلام، مروراً بالعادات والتقاليد، وانتهاء بتعاليم الإسلام.

لقد حرّضت الإدارة الأمريكية وإعلامها غير مرة ضد رموز العمل الإسلامي ومشايخه في عالمنا العربي والإسلامي؛ باعتبارهم المحرك الأساسي لهذه الأمة، ويؤسفنا القول إن العديد من الدول العربية بما فيها الكويت استجابت لهذا التحريض.

والحقيقة أن الدول العربية رمت سهامهاً في المرمى الخطأ؛ فعلماء الأمة والشيخ العلي منهم هم الطليعة والملجأ حتى للدولة نفسها عندما تحتاج الأمور إلى "عقلنة" وتهدئة للشارع.

وأحسب أن اعتقال العلماء والحال في العديد من الدول العربية من الأردن إلى السعودية إلى العراق وغيرها من الدول، هو تحييد للشارع العربي واستهداف له في وقت من المفترض أن تحترم هذه الدول علمائها.

لم يرتكب الشيخ العلي -باعتقادي- جريمة يستحق أن يحاسب عليها بالسجن؛ فالرجل اجتهد في النظر للقوات الأمريكية الغازية وفق رؤية شرعية صحيحة، لا يجادل فيه اثنان.

لكن الذي اختلف هو مقياس حرية الكلمة والرأي في عالمنا العربي، الذي تقف فيه التيارات الدينية بأكملها، متشددة أم معتدلة، متحررة أم محافظة عقبة في طريق المشروع الشرق الأوسطي الأمريكي بالمقاييس الإسرائيلية.

باعتقادي ما هو مستهدف اليوم هو مشروعية الجهاد وكينونته، وما استهداف العلماء والمشايخ وتكميم أفواههم إلا مجرد بداية لاستهداف ركن من أركان الدين، وتعطيله بدعوى "محاربة الإرهاب".

الشيخ العلي لمس وتراً حساساً -وهو قضية الوجود الأجنبي في بلادنا العربية والإسلامية-، واعتقاله جاء على فرضية أن مجرد طرح هذا الموضوع هو تأصيل لـ"المقاومين" باستهداف هذا الوجود، والحقيقة أن الوجود الأجنبي في بلادنا مرفوض من كل التيارات الوطنية العربية بما فيها الشيوعية والقومية واليسارية.

القصة إذا أكبر من مجرد اعتقال العلي، وتداعيات القضية لن تنتهي بالإفراج عنه لاحقاً؛ إنها مسالة استهداف للصحوة الإسلامية، وهنا اقتبس بعضاً من كلام الشيخ نفسه في هذا الشأن:

يقول الشيخ حفظه الله متحدثاً عن منهجه: "لا أنتمي إلا إلى الصحوة الإسلامية المباركة، بمداها وأفقها الواسع الرحب، نسير بتوفيق من الله تعالى سير الوسطية والاعتدال، على نهج أهل السنة والجماعة، نهتدي بهدي الكتاب والسنة في أطار الأصول التي أجمع عليها السلف الصالح، مؤمنين بأن الكلمة الهادفة الناصحة حق منحه الله المؤمنين، بل واجب أمرهم الله به، وليس لأحد أن يمنعهم من هذا الحق أو يصدهم عنه، ونحن مع ذلك؛ مع كل الدعاة إلى الله تعالى، وننصر كل الجماعات والحركات الإسلامية المباركة في الساحة -ما وافقت الحق- وهم إن شاء الله من أهل الحق، ونحن منهم وهم منا، فالمؤمن للمؤمن كالبينان يشد بعضه بعضاً، والمؤمنون كالجسد الواحد. فكل داعية إلى الله تعالى هو امتداد لأخيه الداعية، وهي قافلة واحدة تسير نحو أهداف واحدة، وتلتقي عليها بإذن الله تعالى".


طارق ديلواني
موقع العصر





إلى المتربصين بالشيخ حامد العلي: لا تغتالوا الكلمة الحرة


إن السجن لا يأتي بخير وإن العالم لا يرده عن قول الحق سجن ولا غيره، بل إنه يزداد صلابة فيما يقول وينتشر علمه أكثر مما كان ويحدب عليه تلاميذه ومحبوه ويتبنون أقواله أكثر وأكثر، ويصبح سجنه معولا لهدم ما تبقى من محبة أو ولاء لساجنيه في نفوس الكثيرين بل مدعاة لغلو فئام من الناس وحصولهم على المبررات للتكفير والخروج ...

أصحاب الباطل يخافون كلمة أصحاب الحق لذا يكممون الأفواه

قال تعالى: { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق }

متناقضات أصبحت تعيشها أمتنا الإسلامية فتدع الحليم حيران !!!

أصبح الأمين خائنا والخائن أمينا وأصبح الصديق عدوا والعدو صديقا وأصبح الاعتقاد الصحيح تطرفا والاعتقاد الفاسد اعتدالا وأصبح الجهاد إرهابا والإرهاب تحريرا وأصبح القتيل المسلم قربة إلى الله والقتيل الكافر خروجا عن ملة الله.

من تكلم بالحق زج به في غياهب السجون ومن تكلم بالباطل فتحت له الآذان والعيون، من نصح وأخلص قوبل بالنكال والعذاب ومن داهن ونافق كان من خواص الأصحاب.

هذه كلمات قليلة من ورائها كلمات وبين كلماتها كلمات ...

أعجبني مقال قرأته عما يسمى بالأمن الشرعي، وقد كان الكاتب نفع الله به موفقا في أهمية هذا الموضوع وتأثيره على استقرار الأمن والأمان ...

كيف يعيش الناس في أمن وأمان والعالم الشرعي لا أمان له في أن يقول ما يبرئ ذمته أمام الله ؟؟؟

منذ متى في دين الله تعالى كانت كلمة العالم تابعة لما يعتقده ويراه ولاة الأمر؟؟

هل انقلبت الموازين في أيامنا هذه وانتكست الأفهام وارتكست الفطر؟

إذا اختلفت كلمة العلماء وتبنى الحاكم قولا، فإن كان متجردا في اختياره فالمرجو له السلامة وإن كان اختياره عن هوى فيا ويله يوم الندامة ..

لقد كفل الإسلام حرية الكلمة في حدود واضحة المعالم، فليس المراد بحرية الكلمة فتح الباب لنشر الكفر والإلحاد كما ينادي بذلك أهل الكفر وأذنابهم، وإنما المراد فتح الباب لمن لديه وجهة نظر أو شبهة أن يطرحها ويبينها ويبدأ الحوار الهادف البناء في مناقشتها أو الرد عليها ..

فيا عجبا!!! تكفل الحرية لمن ينادي بالفسوق والعهر ولمن يقدح في ثوابت الدين وأصول الاعتقاد بأسلوب سخيف ممجوج ساقط .. وتكمم أفواه العلماء الربانيين الذين أخذ عليهم الميثاق من ربهم ألا يقولوا إلا الحق وألا يكتموا الناس البيان ؟؟؟؟؟؟

ألم يجادل النبي صلى الله عليه وسلم كفار يهود وكفار نصارى وكفار العرب؟؟ ألم يعطهم الحق في الحوار ورد عليهم الحجة بالحجة وأدحض باطلهم بنور حقه ؟؟

ألم يكن صبورا منصتا حتى لمن طعن فيه وهو خير خلق الله ورسول مؤيد من رب العزة والجلال ؟؟

رجل يقول: أعطني يا محمد مما أعطاك الله فإنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك

وآخر يجذبه من حاشية ردائه ويقول : إنكم يا بني عبد المطلب قوم مطل

وثالث يقول له: والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله.

وتارة يقول: اعدل يا محمد...

ويرفض الصحابة كلهم عن بكرة أبيهم أمره صلى الله عليه وسلم بالتحلل يوم الحديبية ، ويأتيه أقرب أصحابه وأحبهم إليه فيقول: ألست رسول الله ألسنا على الحق فلم نعط الدنية في ديننا ..

إلى غير ذلك من مواقف ونصوص شرعية كان الموقف فيها من النبي الكريم وإمام المسلمين وقائد المؤمنين هو فتح المجال للكلمة والرد عليها بالحجة لم يسجن أحدا ولم يكمم فما ولم يردع قائلا بالحديد والنار فوا حسرتاه على زمن انقلبت به الموازين ويا أسفاه على المسلمين ..

أما في القرون المفضلة وما تبعها من عهود فيها نور الخير والهدى، فإن حرية الكلمة بقيت مكفولة خاصة لأهل العلم والفضل، فكم من عالم قال قولة الحق ولم يجد من ولاة الأمر إلا الإنصات أو السكوت ولو على مضض، أما الظلم والزج في السجون فلم يعرف إلا في عصور الظلام وبيد فسقة خلق الله وظلمتهم.

وأذكر هنا قصة ابن شهاب الزهري مختصرة كمثال لمنزلة العالم واحترام كلمته ولو كانت بنقيض ما يعتقده ويراه ولي الأمر ..

دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك فقال له هشام: يا سليمان من الذي تولى كبره منهم ؟ فقال له: عبد الله بن أبي بن سلول .

فقال هشام له : كذبت هو علي بن أبي طالب . فقال سليمان: أمير المؤمنين أعلم بما يقول !!!

فدخل ابن شهاب، فقال له هشام: يا ابن شهاب من الذي تولى كبره منهم؟ فقال له: عبد الله بن أبي بن سلول . فقال له هشام: كذبت هو علي بن أبي طالب .

فقال له ابن شهاب: أنا أكذب ؟؟؟؟؟؟؟؟ لا أبا لك !!! فو الله لو نادى مناد من السماء: إن الله أحل الكذب ما كذبت.

ثم روى له ابن شهاب ما وصله بالإسناد عن عائشة في ذلك .. واحتد بينهم الحوار حتى نكص هشام وانكسر ثم قال: إنا إن نهيج الشيخ يهم الشيخ. وأمر بقضاء ألف ألف من دين ابن شهاب.

إن صاحب الحق لا يخاف المخالف وإن رد الحجة لا يكون إلا بالحجة، وإن قمع الحريات قنابل موقوتة في طريقها إلى الانفجار وتدمير المجتمع لتزعزع الأمن وتنشر الهلع والدمار ...

ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه ..

أين حق العالم الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟

إن السجن لا يأتي بخير وإن العالم لا يرده عن قول الحق سجن ولا غيره، بل إنه يزداد صلابة فيما يقول وينتشر علمه أكثر مما كان ويحدب عليه تلاميذه ومحبوه ويتبنون أقواله أكثر وأكثر، ويصبح سجنه معولا لهدم ما تبقى من محبة أو ولاء لساجنيه في نفوس الكثيرين بل مدعاة لغلو فئام من الناس وحصولهم على المبررات للتكفير والخروج ...

فهل من منتصح وهل من مستجيب وهل من متأمل يتنبه للصالح من الطالح؟؟؟

وأنقل هنا مقتطفات من الكلام الجميل الذي كتبه الشيخ عبد الله العجمي يقول وفقه الله:

قوّة الفتوى الشرعية قوّة للنظام الحاكم، وإنما يخافها من لا يُقيم للشريعة الإسلامية وزناً، ولحكم الله احتراماً، ولا يرى من الشريعة الإسلامية سوى مدونة الأحوال الشخصية، وبيان رؤية هلال رمضان!!

لم يُعانِ مجتمعٌ من المجتمعات من الإرهاب والإرجاف إلا حين هُمِّشت الفتوى الشرعية، وغُيِّب أهلُها، وأُغلقت الأبواب دونهم، وانتهى دورهم - فيما يبدو للناس- عند البصم، ووضع الدمغة الشرعية على قرارات السلطة.

ويقول:

المشكلة تكمن في أنّ البعض يخوِّف أهل السلطة من هذا النوع من الفتوى "المُستقِلة" زاعماً ومدّعياً بأن هذا النوع من الفتوى سينتهي بتقويض السلطة، ونزع مهابتها، وإيجاد سلطة أخرى لها الفوقيّة والسمع والطاعة. وهذا -مع كل أسف- غير صحيح خصوصاً في البلاد التي تُعتبر الشريعةُ الإسلاميةُ دستوراً ومرجعيِّة لها، وكلنا يقرأ التاريخ ويعلم أن أهل الفتوى الشرعية هم أحرص الناس على الأمن، وعلى توقير الحاكم، وتعزيز مكانته، والدعوة لاحترام سلطته.

وأخيرا يقول :

الماء العكِر والفُرص القاتلة والثغرات الخطيرة هي ما يستحق أن تُجفّف منابعه في سبيل الوصول إلى أمن شرعي حقيقي، لا تجفيف منابع أي شيء آخر.ا.هـ

اللهم فك أسر المأسورين وانصر عبادك الموحدين وشل أركان كل من أراد بأهلك وخاصتك سوءا يارب العالمين.


الشيخ محمد بن رزق طرهوني - أستاذ التفسير وعلوم القرآن
مجلة العصر

حامد بن عبد الله العلي

أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية