مشروعنا.. المسلم المعاصر

منذ 2012-12-02

إن الكهنوتية النصرانية التي سادت في العصور الوسطى (القرن الخامس الميلادي - القرن 19الميلادي) وقيدت الناس في ممارسة الطقوس الكنسية، وتقبّلت الشائعات الخرافية والأساطير التي تحكم الناس..


إن الكهنوتية النصرانية التي سادت في العصور الوسطى (القرن الخامس الميلادي - القرن 19الميلادي) وقيدت الناس في ممارسة الطقوس الكنسية، وتقبّلت الشائعات الخرافية والأساطير التي تحكم الناس، وعزلتهم عن استخدام العقل وتحصيل المعرفة..

فانعكست الظلامية -كما يسمونها- على العقلية الأوربية والتي ثارت بعدها بنبذ الكنيسة والدين، واتجهت نحو تعلم العلوم والبحث عن الاكتشافات والاختراعات الوافدة من البلاد الإسلامية في عصر اكتشافاتها الذهبي، مما دفع دولاً غربية نحو السيادة والتقدّم العلمي والصناعي، وبُنيت ثقافتهم التربوية على تمجيد العقل والعلم، وتأسيس مناهجهم التعليمية على أساليب التفكير العلمي وحل المشكلات بطرائق علمية..

كُرّست هذه النظرية الوافدة إلينا عبر السنين في محاولة لعزل "الأثر الديني" عن التقدم الدنيوي الصناعي، ومحاصرته بنظرة غربية في أحادية مقيتة إما الدين وإما التقدم، والتي انتحى منحاها عالمنا العربي والإسلامي متأثراً بها عبر المناهج القائمة على الفكر التربوي التجريبي المادي؛ لا الفكر الإسلامي الشمولي لنهضة الحياة ثقافياً واقتصادياً وصناعياً وسياسياً، كما صدّروا الطلاب لنقل علوم الغرب وثقافته لبلادهم.

وأجيالنا المسلمة اليوم مع الانفتاح والانبهار بالغرب بحاجة ألا تترسخ في ذهنيته تلك الصورة المتناقضة المنعكسة عن الواقع الغربي، الذي قَصَر الدين على علاقةٍ كنسيّة كهنوتيّة لا ترقى للانطلاق بالإنسان والمجتمع إلى تقدم حضاري يملك زمام القيادة!

إن ارتياد المسجد في ديننا وإقامة الصلاة وحدها لا يعبّر عن الإسلام كله، ولكن يُضم لذلك الأثر الممتد من المسجد إلى الحياة الشخصية برمّتها، الذي ينبعث صلاحاً خلقياً وسلوكياً وعلمياً وأخذاً بأسباب التقدم والريادة الحضارية؛ ذاك احتواء أعظم لحقيقة الإسلام.. فالإسلام ليس شعيرة بل شريعة ومنهاج.

وعي الجيل بشمولية الإسلام في تلبية حاجاته الروحية والجسدية ومتطلبات الحياة المادية، وأنه دين وعلاقة روحية بين العبد وربه، وأنه دين وسلوك مستقيم بين المسلم وغيره، وأنه دين وعمل صالح تقوم به شؤون الدنيا والآخرة، دين يشمل تفاصيل الحياة، يزول معه الانفصام النكد بين انتمائية المسلم لدينه دون استقامة سلوكه وعمله، أو الاضطرار لإضفاء معنى "الالتزام" كمعنى زائد على الإسلام، فهو مسلم "عادي" وذاك الآخر "ملتزم"! وما نراه اليوم من سعار محموم من الآباء والمربين والمبالغة في تنمية المهارات والقدرات الفنية والتقنية في أبنائهم -رغم أهميتها- وبذل المبالغ الطائلة في تحصيلها، وإغفال الجوانب الروحية الإيمانية وتعميق الجوانب التعبدية فيهم؛ مؤشرٌ لأحد تطبيقات النظرية التربوية الغربية؛ ليخرج جيل صناعي اقتصادي يملك من مرفهات الحياة وتسهيلاتها، ويعاني هشاشة روحية وفساد أخلاقي وسلوكي لا يرقى لأي تقدّم رباني أو نهضة إسلامية؛ نتيجة الشذوذ في أخذ الدين وفهم شموليته وشمولية تطبيقه!

الواقع يستدعي وعي المربين وجهودهم لعلاج ذلك الانحراف في التصور إلى التركيز على تنمية الجوانب الإيمانية العبادية في الأبناء والطلاب بعلم وتدرج؛ المتمثلة في الأعمال التعبدية القلبية، كالخوف من الله ورجائه ومراقبته والتوكل عليه واستشعار معيته واليقين بوعده ووعيده... والاعتناء بالشعائر التعبدية العملية، واعتبار تلك الأعمال الإيمانية ركيزةً للصلاح والاستقامة ومعياراً للنجاح في الدنيا والآخرة، وعدم إقصاء معاني الإيمان عن تربية الجيل..

وأخيراً.. عني الإسلام في كلياته وأصوله بحفظ الضرورات الخمس، الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال وفق منظومة متكاملة في العقائد والتشريع والأحكام والأخلاق والآداب، تكفل بناء المسلم والمجتمع في ضرورياته وحاجياته وتحسينياته بناءً متكاملاً متوازناً.. فكلما استوعبت تربيتنا تلك الأصول والكليات كنا أقرب لمراد ربنا وحققنا تكاملاً يستحق الريادة.

والله الموفق..


عبد الكريم عبد الله با عبد الله