(مَشعل، وهَنيّة) في مواجهة الشعب السوريّ

منذ 2012-12-04

من حق هذا الشعب السوريّ الإنصاف والنصرة على ظالميه ومضطَهِدِيه، ومَن يظنّ من القيادات الفلسطينية أنّ تحرير فلسطين سيتم من دون شعبٍ سوريٍ حُرٍ كريمٍ، متحرِّرٍ من الاحتلال الأسديّ الصفويّ الإيرانيّ.


لقد تمكّن الغرب الاستعماريّ بقيادة الولايات المتحدة الأميركية من شَقّ الصف العربيّ والإسلاميّ، فشقّ بذلك طريقًا واسعًا أمام قوىً إقليمية، ما تزال تعيش أحلام الثأر لكسرى وأبي لؤلؤة المجوسيّ، وتحشد الجماهير والشعوب حول خرافات (المظلومية، وتصدير الثورة الشيعية)، ومزاعم (محبّة آل البيت)، تلك الأحلام الممتدّة منذ حقب ابن سبأٍ والطبرسي، والكليني والمجلسي، والعاملي وأشباههم، إلى حقبة الخميني وخامنئي وشيرازي وأتباعهم.. فدخلت إيران على الخط، تحت الاسم المستعار:

الجمهورية الإسلامية مندفعةً بكل أوهامها وخرافاتها، لتزيد عالمنا العربيّ والإسلاميّ تمزّقًا وشقاقًا، مستخدمةً كل الشعارات المتناقضة والأساليب غير الأخلاقية، فخانت الإسلامَ الذي تزعم اتّباع منهجه، والأمةَ التي تدّعي نصرتها والانتماء إليها، وتآمرت مع الغرب الاستعماريّ لاحتلال أوطان المسلمين -العراق وأفغانستان- وهدّدت دول الجوار العربية، وتغلغلت طائفيًا في بلاد الشام، وزرعت الفتن هنا وهناك، واستمرّت باحتلال بعض الأراضي العربية -الأحواز والجزر الإماراتية الثلاث- ولم تُخفِ نيّتها لاحتلال دولٍ عربيةٍ أخرى -البحرين والإمارات- واستخدمت مخلبها اللبنانيّ الطائفيّ لزرع الفتن وتقسيم البلاد، وصنعت مخالب أخرى في بعض الدول العربية والإسلامية!

ولم تجد قناعًا خادعًا تستخدمه لتمرير مخطّطها الخطير وكسب تأييد الشعوب العربية والإسلامية، إلا قناع: (المقاومة، وتحرير القدس وفلسطين) وشعار: (إزالة إسرائيل) من الوجود! فتكامل دورها المشبوه مع الدور الغربيّ الأميركيّ الصهيونيّ، لتفتيت بلاد العرب والمسلمين، وإثارة الشقاق الداخليّ والخارجيّ فيها وبينها، وقد كانت وسيلتها مؤخّرًا، هي صناعة ما يُسمى: بـ(محور الممانعة).


إنّ أبناء الشعب السوريّ هم من أكثر الناس خبرةً، بكشف مثل تلك الأساليب الملتوية الباطنية، لأنهم دفعوا ثمنها -وما يزالون يدفعون- عشرات الآلاف من الأرواح، وشلالاتٍ من الدماء، وملايين المُهَجَّرين والمشرَّدين، ووطنًا مُدَمَّرًا، وبلدًا مرهونًا لعصابةٍ طائفيةٍ حاكمة، تعيث فيه فسادًا ونهبًا وسلبًا وبطشًا وقمعًا وخيانةً لا سقف لها ولا حدود! وعندما نذكر السوريين، لا يمكن أن نُغفِلَ الأشقاء العراقيين، الذين خبروا جيدًا الأساليب الباطنية لإيران وعصاباتها وتوابعها، في التعامل مع الآخر، ودائمًا، هذا الآخر هو المسلم الذي يشهد بأن لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله! فيما نلاحظ أنّ بعض تنظيمات الحركة الإسلامية العالمية وفروعها في مختلف البلدان العربية والإسلامية، تتعامل مع أرباب الباطنية الخامنئية الذين يزعمون (الممانعة).. بالصفاء الأخلاقيّ المستَمَدّ من التربية الإسلامية، لكنه صفاء مصحوب بالسذاجة السياسية، التي تعكس مدى الجهل الخطير، في فهم حقيقة النظام الصفويّ الإيرانيّ وملحقه: (حزب حسن اللبنانيّ).

كما تعكس مدى التقصير في الاهتمام بقضايا المسلمين، كقضية احتلال العراق العربيّ المسلم، مع كل ما جرى ويجري فيه من سَحقٍ واضطهادٍ وقتلٍ.. وهَدرٍ للدم والروح والعِرض والمال تجاه مسلميه، على أيدي إيران وميليشياتها الطائفية الشيعية.. وكقضية الشعب السوريّ، الذي فقد من أبنائه وبناته على أيدي نظامه الطائفيّ الحاكم، وعلى أيدي الصفويين الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين.. أكثر بكثيرٍ جدًا مما فقدته فلسطين العربية المسلمة على أيدي العدوّ الصهيونيّ منذ عام 1948م حتى اليوم! فهل هو الجهل أم التقصير أم القصور أم السذاجة أم التجاهل.. أم الهوى البعيد عن أي معيارٍ شرعيٍّ أو إنسانيّ؟!

لعلّ أبرز المواقف دلالةً على السياسات الخاطئة غير المفهومة، هي الكلمات (الصادمة) المثمِّنة لدورٍ إيرانيٍّ مقاوِمٍ مزعوم، التي أطلقها السيد (خالد مشعل) ثم السيد (إسماعيل هنية)، بعد الإعلان -مؤخّرًا- عن وقف إطلاق النار بين العدوّ الصهيونيّ والمقاومة الفلسطينية، إذ صدما -بتلك الكلمات- الشعبَ السوريَّ الذي أعلن تضامنه مع غزة، على الرغم من جراحه وآلامه، وعلى الرغم من حملات الإبادة التي يتعرّض لها من قِبَل الطائفيين الصفويين في طليعتهم إيران، التي قدّم مشعل وهنية لها شكرهما الجزيل!


إنّ بعض القيادات الفلسطينية التي تتصرف بلا حكمةٍ ولا كياسةٍ، ولا حسابٍ لعلاقات المستقبل أو لمشاعر ملايين السوريين، ومن خَلفِهم مئات ملايين العرب والمسلمين.. إن هذه القيادات عليها أن تتحمّل كامل الوزر، بوضع نفسها ومَن تـُمَثِّل مباشرةً، في وجه الشعب السوريّ المجاهد الثائر، والشعوب العربية والإسلامية..

فنحن في حالة حربٍ ضروس، يشنّها علينا حثالات الطائفيين الإيرانيين والأسديين والمالكيين، ولا مجال للعاطفة أو المجاملة، ونعتقد أنّ شعبنا السوريّ الحرّ، لن ينسى هذه المواقف غير المسؤولة، ولن يغفرها لمرتكبيها كائنًا مَن يكونون، وإنّ هذا الشكر الذي تُقدّمه قيادات فلسطينية، استهتارًا، لقَتَلة الشعب السوريّ ومنتهكي أعراضه وذبّاحي أطفاله يجعل هذه القيادات -في نظر شعبنا- شريكةً في الجرائم التي ترتكبها العصابات الصفوية الإيرانية في سورية، ولا نعتقد أنّ ذلك سيمرّ على شعبنا دون انعكاسٍ مباشرٍ بالغ السوء في المستقبل، على العلاقة بين الطرفين.

إنّ غزّة وحكومتها وبعض رموز حركتها في الخارج، الذين يتعاملون مع قضية الشعب السوريّ -منذ سنين طويلةٍ- بميكيافيليةٍ أنانية المعايير.. ليست أغلى من سورية وشعبها، والدم لن يكون واحدًا في هذه الحالة التي تصنعها هذه القيادات، التي لم تتّخذ موقفًا أبلجًا من القضية السورية حتى الآن، بل تقوم بتحدّيها السافر لمشاعر السوريين والعرب والمسلمين، كما أنّ خمسين ألف شهيدٍ سوريّ، وأضعافهم من الجرحى، وأضعاف أضعافهم من المعتقلين والمفقودين والمهجَّرين.. لا يمثِّل -كما صرّح خالد مشعل وإسماعيل هنية- اختلافًا بوجهات النظر فحسب مع إيران الصفوية التي تشترك في كل هذه الجرائم الفظيعة، وعلى مشعل وهنية أن يكفّا عن هذا العبث، وعن تصريحاتهما غير المسؤولة، لأنهما لا يمكن -بهذه السياسة الغريبة- أن يكونا مع القاتل والضحية في الوقت نفسه، فشعبنا أذكى بكثيرٍ من أن تنطلي عليه المبرِّرات الالتفافية الساذجة.


مَن يعتقد أنّ الموقف من شلّالات الدم الذي تسفكه إيران الصفوية في سورية، بما فيه دم الفلسطينيين في مخيّمات دمشق ودرعا واللاذقية هو وجهة نظرٍ أو مجرّد اختلافٍ في الرأي، فقد ضَلّ وأضلّ، وعليه أن يـُحضِّر نفسه لحساب القاهر الجبار المنتقم سبحانه وتعالى، في الدنيا والآخرة، وعلى القيادات الفلسطينية الشريفة الواعية أن تستدرك هذه الخطايا التي يقترفها بعضُ رموزها، فقد طال صبر الشعب السوريّ على هذا السلوك التجاريّ غير الأخلاقيّ، في بناء المواقف من قضايا الشعوب العربية والإسلامية..

وإنّ تغطية بعض قيادات (حركة حماس) على حقيقة النظام السوريّ وحقيقة المشروع الصفويّ الإيرانيّ في سورية طوال السنوات الماضية، واستمرارها في استفزاز شعبنا، ومقابلة إحسانه -غير المحدود- بهذه الإساءات البالغة المتكرِّرة لن يجلب لحماسٍ العار فحسب، بل سيدفع الشعب السوريّ والشعوب العربية والإسلامية، إلى اصطفافاتٍ قد لا تكون في صالح القضية الفلسطينية، فالشعوب لا تنسى، ولا تتجاوز عن إساءةٍ أو أذىً يتعلّق بكرامتها، يوم تدقّ ساعة الحقيقة.


هناك قضية للأمة هي القضية الفلسطينية، وحقها علينا جميعًا نصرتها، لكن توجد أيضًا قضية ساخنة للشعب السوريّ المضطهَد ضحاياه على أيدي نظام حكمه القمعيّ المدعوم إيرانيًا بكل شيء، أكثر بكثيرٍ من ضحايا فلسطين الشقيقة على أيدي العدوّ الصهيونيّ، وإنّ محنة الشعب السوريّ المتطاولة منذ أكثر من أربعة عقود، قتلًا واعتقالًا وسَجنًا ومصادَرَةً للأملاك وتهديمًا للبيوت وتدميرًا للمساجد، وتهجيرًا وإخفاءً واعتداءً على الأعراض تستوجب من كل شرفاء الأمة وأحرارها السعي لإنهائها، أو -في أقل تقديرٍ- وقف كل أشكال التغطية على ظلم هذا النظام وداعميه الصفويِّين، الذين يشنّون على الشعب السوريّ حربَ إبادةٍ أشد بكثيرٍ من حرب العدوّ الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ.

إنه من حق هذا الشعب السوريّ الإنصاف والنصرة على ظالميه ومضطَهِدِيه، ومَن يظنّ من القيادات الفلسطينية أنّ تحرير فلسطين سيتم من دون شعبٍ سوريٍ حُرٍ كريمٍ، متحرِّرٍ من الاحتلال الأسديّ الصفويّ الإيرانيّ، فهو يعيش في وهمٍ كبير يفوق حجم الوهم الذي يدعو السذّجَ والمغفَّلينَ للاقتناع بأنّ إيران الفارسية الطائفية الإجرامية وعملاءها الخونة، ومخلبها الطائفيّ اللبنانيّ سيحرِّرون شبرًا من فلسطين!


د. محمد بسام يوسف
15/1/1434 هـ