ميزات و عوامل نجاح المقاومة في عدوان غزة

منذ 2012-12-08

لقد نجحت المقاومة بإنجاز ميداني خلال العدوان الأخير على غزة تبعته بإنجاز سياسي بالتوصل إلى اتفاق التهدئة، فتمكنت المقاومة من تغيير أدائها عن الجولات السابقة، فتميز أداء المقاومة منذ البداية بمجموعة من الميزات الميدانية.

 

لقد نجحت المقاومة بإنجاز ميداني خلال العدوان الأخير على غزة تبعته بإنجاز سياسي بالتوصل إلى اتفاق التهدئة، فتمكنت المقاومة من تغيير قواعد اللعبة بتحرير المنطقة العازلة على الشريط الحدودي بعمق 300 م وطول يصل إلى 41 كم والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية للعدوان على غزة، بعد أن أحسنت المقاومة في توجيه ضربات متتالية للاحتلال على طول هذا الشريط، حيث اعتبرت صحيفة معاريف الصهيونية في عددها الصادر يوم الأحد 2012/11/11 بتقرير معنون [الشهر الأسود لجنود لواء جفعاتي على حدود غزة] وكانت تقصد شهر أكتوبر.

لقد نجحت المقاومة في تغيير أدائها عن الجولات السابقة حيث كانت هذه الجولة مختلفةً كثيراً عن الحرب الماضية، فتميز أداء المقاومة منذ البداية بمجموعة من الميزات الميدانية وهي:

- عدم العشوائية في الرد وعدم الانفعال بل على العكس تماماً كانت هناك حالة من الهدوء والتوازن و الانضباط في الرد على الاحتلال.

- اعتماد عنصر المفاجأة والمباغتة في الجولة الحالية، وكان ذلك من خلال قصف تل أبيب والقدس في أول أيام العدوان، على عكس المرة الماضية والتي كانت تعتمد أسلوب التدرج في القصف الصاروخي، وهذه المفاجأة لم يكن الاحتلال يتوقعها حيث قام في بداية الجولة بتجنيد 30 ألف جندي احتياط لخدمة الجبهة الداخلية لتغطي مناطق بئر السبع وإسدود ولكن بعدها اضطر إلى استدعاء عدد جديد ليصل إلى 75 ألفاً بعد توسع دائرة الصواريخ.

- الاعتماد على الصنع المحلي في استهداف تل أبيب والقدس بالإضافة إلى صواريخ فجر، وهذا أربك حسابات الاحتلال الاستخبارية والذي كان يقدر بأن صواريخ فجر متوفرة لدى المقاومة بكميات محدودة، ولكن عند الاستهداف بصواريخ منتجة بشكل محلي فمن الصعب تقدير الكميات لذلك كان من الصعب تحديد مدة المعركة وسقفها.

- المحافظة على نفس الأداء طوال فترة الجولة وارتفاع الوتيرة وبجهود من جميع المناطق بعد خطاب القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، وتحديد موعد سريان التهدئة يدل على أن المقاومة كانت تسير وقف سيناريو محدد وضعته لنفسها، وأن قيادة المقاومة كانت على اطلاع تام على مجريات الأرض.

- المصداقية الإعلامية لدى المقاومة في هذه الجولة كانت واضحة عندما كانت تدعم البيانات بالصور، مما أكسبها المصداقية لدى الاحتلال والمتابعين في جميع مراحل الصراع، في الوقت الذي كانت تغيب فيه المعلومة الإعلامية عن المشاهد "الإسرائيلي".

- الاستنفار المنظم لدى المقاومة، حيث كان هذا واضحاً من خلال الوحدات القتالية المنتشرة والتي كانت تراقب الحدود البرية والبحرية وتنفذ عمليات نوعية باستهداف جيب على الحدود وطائرات قتالية واستطلاع وبوارج في البحر، مما دل على أننا أمام جيش منظم يعمل كل واحد في اختصاصه، وهذا منفصل عن العمل في إطلاق الصواريخ وهذا لم يكن موجوداً في المعركة الماضية.

- الاعتماد على وسائل الاتصال الخاصة بالمقاومة ونظام التشفير في الاتصال والتي لا يسيطر عليها الاحتلال أو يستطيع مراقبتها، مما غيب عنصر المعلومة لدى الاحتلال وصعوبة الحصول عليها.

- الاعتماد على نظام الكثافة النارية في استهداف المدن مثل السبع وإسدود بالعشرات من الصواريخ في المعركة الحالية في مقابل صاروخ أو اثنين في المعركة الماضية.

- قلة الخسائر البشرية في العناصر العاملة على الأرض حيث بلغ عدد القتلى من المقاومة الفلسطينية خمسة وخمسون فرداً ويمكن تقسيمهم إلى شقين:

الأول:

الاستهداف في الميدان وهو الاستهداف الذي يتم من خلال استهداف المقاومين أثناء أداء واجبهم الميداني خلال عملية إطلاق الصواريخ أو المهام القتالية، وهذا العدد قليل جداً حيث لا يتجاوز العشرة شهداء، وهو رقم مميز ويعود إلى عدم استعمال المقاومة وسائل الاتصال المعتمدة، والتحرك بعيداً عن الزي الرسمي للمقاتلين، والتزام كل مقاوم بالعمل في المنطقة المخصصة له، وغالباً ما تكون هي منطقة سكنه لذلك يكون على اطلاع أمني وجغرافي بالمنطقة مما يسهل عليه المهمة في الميدان.

والثاني:

الاستهداف الناتج عن عملية استخباراتية وهنا يبرز العدد الأكبر، حيث سقط خلال استهدافين فقط أكثر من 13 شهيداً من المقاومة، وهذا ناتج عن خلل أمني في الإجراءات المتبعة من قبل المقاومة بالإضافة إلى النجاح الاستخباري للعدو في تتبع هؤلاء المقاومين، وغالباً ما يكون ما بين المستهدفين أشخاص معروفين للاحتلال ومطلوبين لقضايا سابقة، مما يسهل استهدافهم من خلال المتابعة أو التحرك المكشوف الذي يعتمد عليه في الوضع الطبيعي مما يجعله عرضة للاستهداف.

هذه الميزات والنجاحات في أداء المقاومة كانت مصحوبة بالعديد من العوامل المحيطة بها بالإضافة إلى الظروف السابقة التي كانت تمر بها المقاومة خلال جولات الصراع السابقة لذلك، ساعدت هذه العوامل المقاومة في الانجاز السياسي والتفوق الميداني عما كان عليه الوضع في عملية الرصاص المصبوب عام 2008م / 2009م وتتركز هذه العوامل في النقاط التالية:

- المقاومة الفلسطينية دخلت هذه الجولة من المواجهة بعد عملية إعداد استمرت 4 سنوات من بعد الحرب الماضية، وخلال الفترة الماضية لم تكن المقاومة تدخل في مواجهة طويلة بل ظلت تصمت على العديد من الاختراقات والاعتداءات خلال الفترة الماضية، على عكس حرب عام 2008م - 2009م حيث كانت حالة الاستنزاف مستمرة في صفوف المقاومة وكانت التهدئة لمدة ستة شهور فقط، بالإضافة إلى الحالة الداخلية من الاشتباكات والتي استنزفت المقاومة كثيراً في الصراع الداخلي.

- قيام الأجهزة الأمنية بملاحقة العناصر المتعاونة مع الاحتلال، واكتشاف طرق التجنيد والحرب الأمنية التي كانت تقودها الأجهزة وأحكام الإعدام التي تم تنفيذها شكلت رادعاً وضعفاً في الحصول على المعلومات من قبل الاحتلال مما أفشل مده بمعلومات لبنك أهدافها.

- فشل مسار التسوية في الضفة الغربية وانتفاضها ضد الاحتلال وتفاعل المقاومة بتنفيذ عملية داخل تل أبيب آخر أيام التصعيد، في الوقت الذي لم تتحرك فيه الضفة في عملية الرصاص المصبوب حيث كان مسار التسوية يسير بشكل جيد بعد مؤتمر أنابوليس عام2007م.

- الظرف العربي المحيط بعد ربيع الدول وأهمها الدور المصري والذي كان مسانداً قوياً خلال هذه الجولة وكان له دور في تخفيف الحصار عن غزة، وقد نجح في المحافظة على مطالب المقاومة كما حصل قبل ذلك في صفقة التبادل الأسير شاليط مع حركة حماس والاحتلال.

- التحسن الاقتصادي والاستقرار الأمني الداخلي تخفيف الحصار على قطاع غزة جعل من الجبهة الداخلية أكثر استقراراً وتماسكاً من السابق.

- اعتماد الاحتلال في هذه الجولة على العملية الجوية فقط وعدم الدخول برياً حصر المواجهة بين المقاومة والاحتلال في حدود أضيق من العمل البري.

مما لا شك فيه بأن المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام قد نجحت في استنتاج العبرة من العدوان الماضي (2008م - 2009 م) حيث اعتمدت فترة طويلة للإعداد، والاعتماد على سلاح جديد في المعركة يستطيع أن يغير في موازين القوى على الأرض، و سلامة الإجراءات للمقاتلين حيث نجحت المقاومة هذه المرة في تجاوز العديد من العقبات الميدانية، مما جعل عدد الشهداء في الميدان قليلاً جداً، كما رافق ذلك كله أداء إعلامي مميز للمقاومة كان غائباً في المرة الماضية، ولم يقتصر الأداء على العمل الميداني والإعلام العسكري بل رافق ذلك عملية دعم وحضور إعلامي للقيادات والناطقين الإعلاميين لحركة حماس في الميدان الإعلامي وعلى العديد من الفضائيات مما شكل دعماً للجبهة الداخلية.

ما لم تستفد منه المقاومة الفلسطينية وتأخذ منه العبر في هذه الجولة هو عنصر المبادرة الذي أثر على أدائها في العدوان الماضي ولم يؤثر كثيراً على أدائها في هذه الجولة، ففي كلا المرتين نجح الاحتلال في البدء بالجولة.

هذه النجاحات تجعل أصحاب مشروع المقاومة أمام مسئولية كبيرة وعلى رأسهم حركة حماس من خلال إقناع الرئيس عباس بإمكانية التعاطي مع مشروع المقاومة والاتفاق على شكلها بعد التجارب السابقة التي أوصلت القضية الفلسطينية إلى طريق مسدودة، ولكن اليوم في ظل هذا الدعم العربي والمساندة في مواجهة الاحتلال علينا الفلسطينيون الآن عبء التفكير في لملمة الشمل الداخلي على أساس برنامج المقاومة، في ظل تصاعد اليمين المتطرف في إسرائيل وفشل الشرعيات الدولية في حماية الشعب الفلسطيني، فنجاح مشروع المقاومة في غزة والذي لم ينتهي بعد ما هو إلا خطوة نحو التحرير وحافز لتفعيلها في ساحة المعركة الحقيقية الآن في الضفة الغربية و القدس.


حمزة إسماعيل أبو شنب