من إلهامات الهجرة
في البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ»، وفي لفظ ابن حبان: «المهاجر من هجر السيئات». فإلى هجرة الخطايا والذنوب.. إلى هجر ما يخالف أنظمة الإسلام في بيوتنا وما نقوم به من أعمالنا..
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لماذا أرخ المسلمون تاريخهم بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يؤرخوا بغزوة بدر الكبرى؛ أول انتصار في الإسلام، أو بفتح مكة، أو بغير ذلك من المناسبات الحاسمة في تاريخ الأمة الإسلامية؟
إنما كان ذلك كذلك؛ لأن بالهجرة تكوَّن النظام السياسي، وتأسست الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وهذا يدل على أن الإسلام لا يُكتفى فيه بتنفيذ العبادات الفردية: كالصلاة، والصيام، والحج والعمرة، ولكنه يهدف إلى إقامة نظام كامل متكامل محكوم بشرع الله عز وجل، فليس فيه: "دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"، ولكن الإسلام يتحكم في كل شئون الحياة: السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية، فبالهجرة تكون الكيان الإسلامي للعمل المتكامل.
وما أذِن في الجهاد إلا بعد الهجرة، وقتل كعب بن الأشرف وابن أبي الحقيق اليهوديين كان بعد الهجرة، بعد أن صار للإسلام دولة، وللإسلام شوكة.
ومِن إلهامات الهجرة: أن الداعية إذا أجدبت أرضه، فينبغي عليه أن يبحث عن أرض جديدة خصبة؛ فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم مكة، وهو يعلم أنها أحب أرض إلى الله، وأحب أرض الله إليه صلى الله عليه وسلم.
ومن إلهامات الهجرة: الأخذ بالأسباب الممكنة، فقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً خريتًا، وسار في طريق خلاف طريق المدينة حتى ينتهي الطلب، وغير ذلك من الأسباب التي أخذ بها..
وإن قال قائل: لماذا لم يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم، كما هاجر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيقول: من أراد أن تثكله أمه أو يتيتم ولده، فليلقني خلف هذا الوادي؟
الجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أسوة، والناس فيهم القوي مثل عمر رضي الله عنه، ومنهم: الضعيف، ولكن عمر رضي الله عنه، شخص واحد يتصرف بحسب قوة إيمانه وجرأته.
بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، تمت سنة إخوانه الأنبياء؛ ولذلك قال له ورقة بن نوفل رضي الله عنه: «يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ» (متفق عليه).
قال محب الدين الخطيب رحمه الله:
«عَنْ مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ قَالَ: جِئْتُ بِأَخِي أَبِي مَعْبَدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ الْفَتْحِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْهُ عَلَى الْهِجْرَةِ. قَالَ: (قَدْ مَضَتْ الْهِجْرَةُ بِأَهْلِهَا) قُلْتُ: فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ؟ قَالَ: (عَلَى الإِسْلامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ)» (متفق عليه).
وفي البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ»، وفي لفظ ابن حبان: «المهاجر من هجر السيئات».
فإلى الهجرة أيها المسلمون..
إلى هجرة الخطايا والذنوب..
إلى هجر ما يخالف أنظمة الإسلام في بيوتنا وما نقوم به من أعمالنا..
إلى هجر الضعف والبطالة والإهمال والترف والكذب والرياء، ووضع الأشياء في غير موضعها.
(باختصار من إلهامات الهجرة لمحب الدين الخطيب).
- التصنيف:
- المصدر: