انتخابات مصر.. وغياب البعد الإسلامي
منذ 2005-09-11
05/09/2005 م
القاهرة
إذا كان من شبه المؤكد أن يفوز الرئيس المصري محمد حسني مبارك بالانتخابات الرئاسية؛ فإنه كان من المأمول أن تكون المعركة الانتخابية فرصة لإرسال رسائل شعبية إلى النظام المصري، بمعنى أن يشعر الرئيس أن هناك رغبات شعبية معينة يجب عليه احترامها أو أخذها في اعتباره حتى بعد فوزه، وهذا بالطبع كان يقتضي وجود مرشحين أقوياء قادرين على حمل الرسالة الشعبية بقوة، ومن ثم إيصالها إلى النظام السياسي، وهذا لم يحدث لأن شروط الترشيح للانتخابات استبعدت عن عمد إمكانية ترشيح أي مستقل، ومن ثم حصرُ المرشحين في مرشحي الأحزاب السياسية.
ورغم وجود أكثر من (20) حزباً سياسياً في مصر إلا أن معظمها أحزاب صغيرة وهامشية وبلا تواجد واسع في الشارع المصري، وهكذا غابت إمكانية ترشيح مرشح تقف وراءه القوى السياسية الرئيسة في البلاد، الإسلاميون ـ القوميون، وكان عدد من الأحزاب والقوى السياسية قد أعلن مقاطعته للانتخابات الرئاسية مثل حركة "كفاية"، الحزب الديمقراطي الناصري وحزب التجمع الوطني التقدمي، وكذلك حزب الوفد الذي تراجع عن ذلك الموقف فيما بعد، ويُقال: إنه تم ممارسة ضغوط داخل الحزب على رئيسه الدكتور "نعمان جمعة" للتراجع عن ذلك الموقف؛ بل تم تهديده بترشيح شخص آخر من قيادات الحزب إذا لم يستجب لهذا الضغط.
ويرى المراقبون أن الحكومة المصرية وعدت حزب الوفد بالسماح له بالحصول على عدد من المقاعد في انتخابات مجلس الشعب القادمة عقب الانتخابات الرئاسية في مقابل مشاركته في الانتخابات، وكذلك كان الموقف المعروف حتى وقتها من جماعة الإخوان المسلمين هو الميل إلى المقاطعة، وقد وعد رموزها وخاصة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في إطار التنسيق مع القوى السياسية الأخرى ـ حركة كفاية ـ حزب التجمع ـ الحزب الناصري، بمقاطعة الانتخابات، ولكن الإخوان المسلمين تراجعوا عن هذا الموقف فيما بعد، ودعوا إلى المشاركة في تلك الانتخابات مع التنبيه بعدم التصويت للرئيس حسني مبارك، ويُقال: إن هناك نوعاً من الاتفاق على ذلك مع الحكومة وحزب الوفد بحيث تدخل عناصر من الإخوان الانتخابات البرلمانية على قوائم حزب الوفد.
ضرب فكرة المقاطعة
المقاطعة، وعدم المقاطعة، الترشيح وعدم الترشيح كانت موضوعات لنقاش واسع داخل أروقة الشارع السياسي المصري؛ فالذين دعوا إلى المقاطعة اعتبروا أن شروط الترشيح خاصة بالنسبة للمستقلين تعجيزية، ومن ثم فمن الصعب تقديم مرشح قوي أمام الرئيس مبارك، وكذا من الصعب الاتفاق على مرشح حزبي يحظى بأكبر قدر من تأييد القوى السياسية المعارضة، وهكذا فإن المقاطعة أفضل؛ لأنه لو قاطعت القوى الإسلامية ممثلة في"الإخوان"، والقومية ممثلة في "الحزب الناصري" واليسارية "حزب التجمع" ـ ثم حركة كفاية؛ فإنه يمكن القول: إن كل أطياف القوى السياسية قد قاطعت، ومن ثم يمكن التشكيك في مشروعية النظام السياسي أمام العالم.
وكذلك فإن الضمانات الانتخابية التي طلبتها القوى السياسية لسلامة العملية الانتخابية لم يتحقق منها إلا أقل القليل، وبالتالي فإن المشاركة هي نوع من الموافقة الضمنية على غياب تلك الضمانات وخاصة "إلغاء قانون الطوارئ".
الرأي القائل بالمشاركة كان يستند إلى أنه رغم عدم وجود ضمانات حقيقية للنزاهة، ورغم عدم دخول مرشحين مستقلين؛ فإن من الأفضل استغلال فترة الانتخابات، والتساهل الأمني والسياسي والإعلامي المرتبط بها في تعرية النظام، وتوعية الجماهير، ونشر برامج وأفكار الأحزاب السياسية والقوى السياسية في الشارع المصري.
ورغم أن فكرة المقاطعة كانت هي الأرجح في البداية إلا أن التطورات اللاحقة ضربت تلك الفكرة في مقتل؛ فالدكتور نعمان جمعة "حزب الوفد" أعلن عن ترشيح نفسه، ثم أعلن الإخوان المسلمون فيما بعد أنهم سوف يشاركون في الانتخابات، وبما أنهم القوة السياسية الأكبر بلا منازع في الشارع المصري فإن الزعم بوجود مقاطعة واسعة أصبح موضع شك، ورغم استمرار حركة كفاية والحزب الناصري وحزب التجمع في المقاطعة إلا أن فكرة المقاطعة ذاتها تلقت ضربة هائلة بمشاركة الإخوان المسلمين في تلك الانتخابات.
وترى تلك القوى السياسية "المقاطعة"، أن الإخوان نكثوا بعهدهم الذي قطعوه على أنفسهم، وأنهم أعطوا النظام مشروعية لا يستحقها؛ لأن النظام لم يكن يريد منهم سوى ضرب فكرة المقاطعة في مقتل لا أكثر ولا أقل؛ لأن حصول الرئيس على أغلبية أصوات الناخبين هو تحصيل حاصل تعرف الحكومة ودوائر الحزب الوطني كيف تحققها، وفي الحقيقة فإن أوساطاً "إخوانية" -من القواعد الصغيرة للإخوان خصوصاً- أبدوا امتعاضهم من موقف مكتب الإرشاد، ودعا بعضهم على شبكة الإنترنت بمحاسبة المرشد، ووصف بعضهم موقف الإخوان الداعي إلى المشاركة مع عدم التصويت للرئيس مبارك، ثم عدم تحديد أي مرشح للتصويت له من المرشحين الآخرين، وصف بعضهم هذا الموقف بأنه لا شيء على الإطلاق، بل هو ضرب لفكرة المقاطعة لا أكثر ولا أقل.
مرشحون أكثر علمانية!
الملاحظة الجديرة بالاهتمام في برامج وتصريحات ومواقف المرشحين للرئاسة، أن كل البرامج تركز على الوعود بحل مشكلة البطالة، تحسين الأداء الاقتصادي، بناء مساكن للشباب، رفع المرتبات للموظفين، إلغاء قانون الطوارئ...الخ أي التركيز على القضايا الداخلية، مع غياب كامل لأي حديث عن الدور العربي أو القومي أو الإسلامي لمصر، وكذلك غياب الحديث عن مستقبل العلاقة مع إسرائيل وكامب ديفيد، والعلاقة مع الأمريكان والموقف من المسألة العراقية، ويمكننا أن نقول إجمالاً: إن الدكتور نعمان جمعة يطرح أفكاراً ليبرالية، أي أن المعركة مع النظام الحالي بين ما يمكن أن نصفه بشيء من التجاوز "ليبرالية وأكثر ليبرالية، أو علمانية وأكثر علمانية".
أما الدكتور أيمن نور؛ فإنه لا يخفي إعجابه بأمريكا، وهو لا يتحدث عن الموضوع الإسرائيلي إلا في إطار زيادة مساحة "الكويز" أي المزيد من التطبيع معها، وهكذا يمكن أن نصف المعركة بين أيمن نور والنظام بأنها معركة بين التطبيع والأكثر تطبيعاً، أو المزيد من المهادنة مع أمريكا وإسرائيل.
ولا شك أن سير المعركة بهذه الطريقة يعطي انطباعاً خاطئاً بأن البعد الإسلامي والقومي والوطني ليست له أهمية كبيرة، وأن مطلب قطع العلاقات مع إسرائيل أو أمريكا أو دعم قضايا العرب والمسلمين ليست على أجندة اهتمام الشارع المصري، وهو ولا شك نوع من المقاطعة المقصودة، وربما كان ذلك في وعي من صمَّمَ المعركة بهذه الطريقة.
المصدر: د. محمد مورو - الإسلام اليوم
- التصنيف: