شبهات حول الدستور وأجوبتها (1)

منذ 2012-12-19

فقد قامت ما يسمى بـ"اللجان الشعبية للدفاع عن الثورة" بتوزيع منشور يدعو إلى رفض الدستور الجديد وعدم الموافقة عليه. ومما يلاحظ أن هذا المنشور لم يقم على النهج العلمي الموضوعي الذي غرضه النصح والنقد البنَّاء، لكن اعتمد على المغالطات والتهكمات حيث سنرى في كثير من تلك الاعتراضات أن مجرد ذكر المادة بنصها سيكون ردًا كافيًا عليها.


فقد قامت ما يسمى بـ"اللجان الشعبية للدفاع عن الثورة" بتوزيع منشور يدعو إلى رفض الدستور الجديد وعدم الموافقة عليه.

ومما يلاحظ أن هذا المنشور لم يقم على النهج العلمي الموضوعي الذي غرضه النصح والنقد البنَّاء، لكن اعتمد على المغالطات والتهكمات حيث سنرى في كثير من تلك الاعتراضات أن مجرد ذكر المادة بنصها سيكون ردًا كافيًا عليها.

- قالوا: "لا" لدستور سيؤدي لعنف وفوضى أكثر في البلد؛ لأن الجمعية التأسيسية تمت بشكل لم يرضَ عنه كثير من الناس، لكن لو قلت: "لا" ببساطة سننتخب كلنا جمعية تأسيسية جديدة بحريتنا من غير أي ضغوط أو سيطرة من أحد على الآخر، وهذا الذي قاله وتعهد به رئيس الجمهورية، وأيضًا سيكون عندنا وقت أطول لعمل الدستور.

والجواب:

إن اللجنة التي كَتبت الدستور تم اختيارها عن طريق الشعب الذي انتخب أعضاء البرلمان ليمثلوه وينوبوا عنه فهذه إرادة الشعب التي يجب احترامها، ورغم أن الدستور يُكتب بالأغلبية في كل دول العالم إلا أن التيار الإسلامي ومنه "الدعوة السلفية" قَبِل التنازل عن حقه في التواجد في لجنة كتابة الدستور بمقدار نسبته الحقيقية والتي هي أغلبية كفيلة باستئثار الإسلاميين وحدهم بحق صياغة وكتابة الدستور، فقبلوا -التوافق المزعوم-؛ رغبة للصالح العام وخروجًا بالبلاد من هذا المضيق الحرج، فالجمعية التأسيسية لكتابة الدستور اشتملت على كافة الأطياف الموجودة في المجتمع.

وبعد ستة أشهر من العمل وبمشاركة ممثلي الأحزاب العالمانية والكنيسة والأزهر، وبعد إعلان كل من: "السيد البدوي" رئيس حزب الوفد، ود."أيمن نور" زعيم حزب غد الثورة أن الدستور الجديد الذي يجري إعداده حاليًا سيكون الأفضل في تاريخ مصر منذ دستور عام 1923م - انسحبت الكنيسة وتلاها انسحاب الأحزاب العالمانية رغم أن كل المواد المختلف فيها قد حصل عليها توافق ووقَّع الجميع على ورقة التوافق! فكيف يُقال بعد ذلك: إن الجمعية التأسيسية تمت بشكل لا يرضي كثير من الناس؟! مع العلم أنه سبق انسحاب الكنيسة والليبراليين انسحاب بعض الشخصيات، ومع ذلك أكملت الجمعية عملها في كتابة الدستور بما فيها هؤلاء.

ثم إن الفوضى لا تحدث بسبب الدستور التي تم بالتوافق والرضا حتى إن "ممثل الكنيسة" قد قام بتوزيع "حلوى المولد" على أعضاء الجمعية بعد الاتفاق على صيغة مرضية للجميع في أهم المواد المختلف والمتنازع عليها، ومنها: "المادة الثانية وتفسيرها" - وإنما الفوضى تقع بسبب المخالفين الذين أصروا على التوافق المزعوم ووافقوا ووقعوا على كل المواد المختلف عليها ثم بعد ذلك انسحبوا وشنعوا بالزور على الجمعية والدستور.

وأما إذا قلنا لا للدستور وقمنا بانتخاب جمعية تأسيسية جديدة: فمن الذي يضمن رضا هؤلاء إذا أتت جموع الشعب بالإسلاميين لا نقول بأغلبية، بل ربما لم يوجد معهم غيرهم من هؤلاء! وهم الذين فعلوا ما فعلوا وأقاموا الدنيا رغم أن نسبة التيار الإسلامي كانت 50% فقط وهي أقل مما يستحقه.

وأما سيكون عندنا وقت أطول لعمل الدستور: فإن هذا الدستور استغرق وقتًا أطول من كثير من دساتير دول العالم، وبذلت فيه جهود هائلة لساعات طويلة عبر عدة أشهر لم يشاهد الشعب المصري منها سوى ليلتين فقط، فشاهدوا الجهد المتواصل لأعضاء الجمعية لمدة 22 ساعة متواصلة، في حين أن الذين صاغوا الدستور البديل صاغوه في عشرة أيام فقط، بل قال "علاء الأسواني": "نستطيع أن نعمل دستورًا في يومين فقط!".

ثم إن حالة البلاد لا تحتمل أكثر من ذلك... واستقرار مصر ضرورة من الضرورات، فلا يمكن أن تظل البلاد بلا دستور وبلا مؤسسات فترة طويلة فهذا قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي؛ فـ"نعم" للدستور هي التي ستجلب الاستقرار -إن شاء الله- ولتستكمل الدولة بناء مؤسساتها.

- قالوا: حفيد الهضيبي -المرشد السابق للإخوان- قال:

1- إن هذا الدستور سيسمح بمحاكمة المدنيين عسكريًّا، وسيجعل المؤسسة العسكرية دولة داخل الدولة وسيسمح بالفساد داخلها.

والجواب:

ابتداءً: إن كان حفيد المرشد السابق قال... فإن التيار الإسلامي بأسره -بما فيه مرشد الإخوان الحالي والإخوان- لا يرون صحة شيء مما ذكره، والجواب على ما ذكر:

1- إن هذا لا أساس له من الصحة، فمن مزايا الدستور الجديد أنه منع محاكمة المدنيين كمبدأ أمام المحاكم العسكرية، فبينما كانت محاكمة المدنيين عسكريًّا موجودة في دستور 71 نجد أن الدستور الجديد قصرها على الجرائم التي تضر بقواتنا المسلحة والتي سيحددها القانون الذي سيقوم بوضعه ممثلو الشعب حيث نصت المادة (198) منه على أن: "القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكري الأخرى... ".

ولا نرى في مواد الدستور ما يسمح بالفساد داخل المؤسسة العسكرية أو يجعلها دولة داخل الدولة، وإلا فأين ذلك؟! فها هي المادة (197) المتعلقة بالمؤسسة العسكرية "مجلس الدفاع الوطني" نصت على: "ينشأ مجلس للدفاع الوطني يتولى رئيس الجمهورية رئاسته، ويضم في عضويته رئيس مجلس الوزراء ورئيسي مجلسي النواب والشورى ووزراء الدفاع والخارجية والمالية والداخلية ورئيس المخابرات العامة ورئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوى ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، ويختص بالنظر في الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها ومناقشة موازنة القوات المسلحة، ويجب أخذ رأيه في مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى، ولرئيس الجمهورية أن يدعو من يشاء من المختصين والخبراء لحضور اجتماعات المجلس دون أن يكون لهم صوت معدود".

أفلا يكفي كل هذا لتحقيق الرقابة على تلك المؤسسة، ومنع إمكانية كونها دولة داخل الدولة أو السماح بالفساد داخلها؟!

2- قال: إن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن في الدستور حبر على ورق، يعني ليس هناك إلزام حقيقي على الدولة يكفل لي ولك حقوقنا من تأمينات صحية واجتماعية وحد أدنى للأجور والمسكن الآمن والصحي فالالتزام بالعلاج المجاني مشروط بعبارة "لغير القادرين"، وذلك دون تعريف واضح لها أو وضع ضمانات للتنفيذ.

والجواب:

2- أن كل الحقوق التي كفلها الدستور للمواطنين جاءت بصيغة إلزامية حيث نصت المادة (64) على: "العمل حق وواجب وشرف لكل مواطن تكفله الدولة على أساس مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص ولا يجوز فرض أي عمل جبرًا إلا بمقتضى قانون، ويعمل الموظف العام في خدمة الشعب، وتتيح الدولة الوظائف العامة للمواطنين على أساس الجدارة دون محاباة أو وساطة، ومخالفة ذلك جريمة يعاقب عليها القانون. وتكفل الدولة حق كل عامل في الأجر العادل والإجازات والتقاعد والتأمين الاجتماعي والرعاية الصحية والحماية ضد مخاطر العمل، وتوافر شروط السلامة المهنية في أماكن العمل؛ وفقًا للقانون. ولا يجوز فصل العامل إلا في الحالات المنصوص عليها في القانون، والإضراب السلمي حق وينظمه القانون".

ونصت المادة (66) على: "تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعي ولكل مواطن الحق في الضمان الاجتماعي إذا لم يكن قادرًا على إعالة نفسه أو أسرته في حالات العجز عن العمل أو البطالة أو الشيخوخة، وبما يضمن لهم حد الكفاية". ونصت المادة (67) على: "تعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين والعمالة غير المنتظمة، ولكل من لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي. وينظم القانون ذلك".

ولقد نصت المادة (62) على أن: "الرعاية الصحية حق لكل مواطن، تخصص له الدولة نسبة كافية من الناتج القومي، وتلتزم الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية والتأمين الصحي وفق نظام عادل عالي الجودة ويكون ذلك بالمجان لغير القادرين، وتلتزم جميع المنشآت الصحية بتقديم العلاج الطبي بأشكاله المختلفة لكل مواطن في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة.

وتشرف الدولة على كافة المنشآت الصحية وتتحقق من جودة خدماتها، وتراقب جميع المواد والمنتجات ووسائل الدعاية المتصلة بالصحة؛ وتصدر التشريعات وتتخذ كافة التدابير التي تحقق هذه الرقابة".

وأما كون أن العلاج المجاني يكون لغير القادرين: فهل من الممكن لدولة ظروفها كظروف مصر وحالها كحالنا أن تضمن التأمين الصحي عالي الجودة المجاني للقادرين؟!

وأما عن وضع ضمانات للتنفيذ فذلك محله القانون، ثم إن تفصيل هذه الحقوق للمواطنين على هذا النحو لم يحدث في دستور مصري قبل ذلك.

3- قال: إن الأزهر مؤسسة دينية وعلمية والدستور يجعلها سياسية ويجعل البرلمان هو الذي يعمل قانون انتخاب شيخ الأزهر الذي لن يتمكن أحد من عزله إذا كان غير مناسب أو (مش كويس)، وبما أن الأزهر سيقول رأيه في أي قانون يخرج من البرلمان، فبهذا أصبح منصب شيخ الأزهر منصبًا سياسيًّا وليس دينيًّا، وهذا سيعطل دوره في الدعوة وسيدخل مؤسسة عريقة كالأزهر في صراعات سياسية.

والجواب:

3- نصت المادة (4) على أن: "الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة جامعة يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، ويتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، يحدد القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء, وتكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وكل ذلك على النحو الذي ينظمه القانون".

من خلال هذه المادة يتضح أن طريقة انتخاب شيخ الأزهر إنما يحددها القانون من بين أعضاء هيئة كبار العلماء فهم المعنيون بذلك، وإنما يحدد القانون طريقة انتخاب شيخ الأزهر؛ لأن الأزهر مؤسسة من مؤسسات الدولة, وهذه المادة ترد بصياغتها هذه على من يدعي أن الدستور جعل الأزهر فوق مؤسسات الدولة.

وأما أن شيخ الأزهر لا يمكن عزله: فإنه نُص على كون شيخ الأزهر غير قابل للعزل حفاظًا على الأزهر وعلى كيانه؛ حتى لا يصبح الأزهر لعبة في أيدي الرؤساء، وحتى لا يتأثر بالسلطة التنفيذية أو يأتي رئيس بأشخاص يوافقونه على هواه -كما أن القاضي كذلك غير قابل للعزل لهذا السبب- فهذه المادة تجعله أقوى في مواجهة أي ضغط يتعرض له.

ثم إن هيئة كبار العلماء لها مساءلة شيخ الأزهر ومراجعته، ويمكن بناءً على قراراتها فصل شيخ الأزهر أو إحالته للتقاعد كما أن القاضي غير قابل عزله، لكن يمكن فصله بناءً على قرار تأديبي من المؤسسة التي ينتمي إليها.

وأما الزعم بأن هذه المادة تجعل الأزهر يقول رأيه في أي قانون يصدر من البرلمان وأن منصب شيخ الأزهر أصبح منصبًا سياسيًّا ليس دينيًّا وسيدخل في صراعات سياسية متخليًا عن دوره الدعوي: فهذه مغالطة ظاهرة وإلا فنص المادة واضح في أنها تقصر هذا على ما يختص بالشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية حيث جاء فيها -كما سبق-: "الأزهر... يتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية". ثم إن هذا الرأي استشاري.

4- قال: إن المحليات في الدستور ضعيفة وتابعة لرئيس الدولة بدلاً من أن تمارس دورها الرقابي الذي في بعض الدول يصل إلى درجة عزل النواب المستغلين لمناصبهم وسيئي السمعة من مناصبهم ومحاسبة المحافظين المنتخبين، والذي في الدستور يجعلهم بالتعيين من رئيس الجمهورية.

والجواب:

هذا الزعم يبطله مجرد قراءة نصوص بعض المواد الواردة في الفصل الرابع "نظام الإدارة المحلية" إذ تنص المادة (188) على: "تنتخب كل وحدة محلية مجلسًا بالاقتراع العام السري المباشر لمدة أربع سنوات، ويشترط في المترشح لعضوية المجلس المحلي ألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن واحد وعشرين سنة ميلادية، ويضم إلى عضوية المجلس ممثلون عن أجهزة السلطة التنفيذية في الوحدة المحلية دون أن يكون لهم صوت معدود، وينتخب كل مجلس رئيسه ووكيله من بين أعضائه المنتخبين. وينظم القانون شروط وإجراءات الترشح والانتخاب".

والمادة (189) تنص على: "يختص المجلس المحلي بكل ما يهم الوحدة التي يمثلها، وينشئ ويدير المرافق المحلية والأعمال الاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها؛ وذلك على النحو الذي ينظمه القانون". وتنص المادة (190) على: "قرارات المجلس المحلي الصادرة في حدود اختصاصه نهائية، ولا يجوز تدخل السلطة التنفيذية فيها إلا لمنع تجاوز المجلس لهذه الحدود أو الإضرار بالمصلحة العامة، أو بمصالح المجالس المحلية الأخرى، وعند الخلاف على اختصاص هذه المجالس تفصل فيه على وجه الاستعجال الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وذلك كله وفقًا لما ينظمه القانون".

فأين أنها تابعة وضعيفة ولا تمارس دورها الرقابي وقد بينت هذه المواد دور هذه المجالس المنتخبة؟!

وأما أن دور المحليات الرقابي قد يصل إلى درجة عزل النواب: فإن المحليات ليس لها عزل النائب البرلماني فهو نائب عن الأمة كلها وعن الدولة كلها، وليس عن محافظته أو قريته.

- وقالوا: المستشار "طارق البشري" -أحد الذين شاركوا وعملوا في تعديلات دستور 71 ووافقنا عليها- يقول: أرفض الدستور؛ لأن المادة 235 فيها تعدٍ على القضاء، وحتى لا يغضِبوا العمال والفلاحين قالوا: سنجعل الـ50% عمال وفلاحين موجودة في البرلمان، لكن لدورة برلمانية واحدة، وبعد ذلك خلاص... يعني يريدونك كعامل أو فلاح تقول: "نعم" للدستور ثم لا تستطيع ترشيح نفسك للبرلمان أو الشورى، وهذا في المادة 236!".

والجواب:

أما الكلام على القضاء فسيأتي -إن شاء الله-.

وأما المادة المشار إليها المتعلقة بنسبة تمثيل العمال والفلاحين في البرلمان فهي المادة (229) في (الفصل الثالث: أحكام انتقالية) وهي تنص على: "تبدأ إجراءات انتخابات أول مجلس نواب خلال ستين يومًا من العمل بالدستور، وينعقد فصله التشريعي الأول خلال عشرة أيام على الأكثر من تاريخ إعلان النتيجة النهائية للانتخابات، ويُمثَّل العمال والفلاحون في هذا المجلس بنسبة لا تقل عن خمسين بالمائة من عدد أعضائه. ويقصد بالعامل كل من يعمل لدى الغير مقابل أجر أو مرتب، ويقصد بالفلاح كل من امتهن الزراعة لمدة عشرة سنوات على الأقل سابقة على ترشحه لعضوية المجلس، ويبين القانون المعايير والضوابط الواجب توافرها لاعتبار المرشح عاملاً أو فلاحًا". وهذه المادة المعترض عليها وُفق عليها -تقريبًا- بإجماع الأعضاء حيث لم يعترض عليها سوى واحد فقط.

ومع ذلك فإن دساتير العالم لا يوجد فيها مثل هذه النسبة، والتي كانت موجودة في دستور 71 ودساتير مصر فيما بعد ثورة يوليو 52، وكان الغرض منها أن تمثل الشعب المصري في أعقاب ثورة 52 تمثيلاً حقيقيًّا وتمثل العمال والفلاحين لكي تكون معبرة عن الشعب، ولكن أسيء استخدامها من قِبَل الأنظمة السياسية المتتابعة التي حرصت على استغلال هذه النسبة واستخدمتها لتمرير ما تريد تحت غطائها، ودفعت تلك الأنظمة من خلالها بأعوانها ومن يسبحون بحمدها بغض النظر إذا كانوا عمالاً أو فلاحين من عدمه، فيكفى شراء قطعة أرض والحصول على بطاقة حيازة لتترشح على هذه النسبة؛ حيث إن المنافسة أسهل من منافسة الفئات -فكان لابد من إعادة تعريف كل من العامل والفلاح الحقيقيين-.

وبدلاً من أن تؤدي هذه النسبة إلى حماية حقوق العمال والفلاحين كانت النتيجة عكسية، ففي ظل هذه النسبة تم خصخصة القطاع العام وتصفيته، وتم تسريح العمال وإحالتهم إلى التقاعد بالمعاش المبكر، ثم إن هذه النسبة لم تمنع صدور تشريعات ضد العمال والفلاحين.

ومع ذلك فإن هذه النسبة عندما تقرر يجب أن تكون لفترة محددة لدعم الفئات الضعيفة حتى تتمكن من المنافسة ثم تلغى، أما أن تظل لما يقرب من ستين عامًا دون أية مراجعة فذلك هو الخلل بعينه، وهذا ما اعتمده كاتبو الدستور وراعوه، والواجب أن يكون معيار الكفاءة هو الأساس.

ثم إن العمال والفلاحين سيجدون طريقهم للبرلمان أكثر من ذي قبل، ولكن على أسس صحيحة، فيمكن ذلك عن طريق تكوين الأحزاب والهيئات ونحو ذلك، والغرض أن يكون هناك تمثيل حقيقي للفلاح والعامل يصب في صالح الشعب.

بالإضافة إلى أن الدستور كفل حقوق العمال والفلاحين وتنمية البادية والريف بما لم يأتِ في دستور فيما سبق، لولا الإطالة لذكرناها ها هنا ولكن انظر في الدستور: (الفصل الثالث: المقومات الاقتصادية).

- وقالوا: دكاترة الجامعة في الإسكندرية سيقولون لا؛ لأن الدستور الجديد يكرس للاستبداد والديكتاتورية، ويجعل من رئيس الجمهورية حاكمًا مطلقًا، ولأنه فيه اعتداء سافر على السلطة القضائية باعتبارها الملاذ الأخير للشعب المصري!

والجواب:

أما أن الدستور يكرس للاستبداد والديكتاتورية ويجعل من رئيس الجمهورية حاكمًا مطلقًا: فهذا الزعم من أعجب ما يكون؛ لأنه لم يمر على مصر دستور وضعي فيه تقليص لصلاحيات رئيس الجمهورية كهذا الدستور، إذ أن الرئيس لا يمارس السلطة منفردًا حيث نصت المادة (140) على: "يضع رئيس الجمهورية بالاشتراك مع مجلس الوزراء السياسة العامة للدولة، ويشرفان على تنفيذها على النحو المبين في الدستور". ونصت المادة (141) على: "يتولى رئيس الجمهورية سلطاته بواسطة رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء؛ عدا ما يتصل منها بالدفاع والأمن القومي والسياسة الخارجية والسلطات المنصوص عليها بالمواد (139)، (145)، (146)، (147)، (148)، (149) من الدستور".

كما أن معظم الصلاحيات التي يمارسها الرئيس متعلقة بموافقة جهات أخرى في الدولة، فهو لا يعين رؤساء الهيئات الرقابية إلا بعد موافقة مجلس الشورى -كما سبق-، ولا يعين الحكومة إلا بعد التوافق مع مجلس النواب، بل نصت المادة (148) على: "يعلن رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي الحكومة حالة الطوارئ على النحو الذي ينظمه القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية... ".

وغير ذلك... فكيف يُقال بعد ذلك إن الدستور يكرس للاستبداد والديكتاتورية ويجعل من رئيس الجمهورية حاكمًا مطلقًا؟!

وأما القول بأن الدستور فيه اعتداء سافر على السلطة القضائية -باعتبارها الملاذ الأخير للشعب المصري-: فهذا زعم غير صحيح، بل إن هذا الدستور حافظ على استقلالية السلطة القضائية وجعل التدخل في شؤون العدالة أو القضايا جريمة لا تسقط بالتقادم حيث نصت المادة (168) على: "السلطة القضائية مستقلة، تتولاها محاكم القضاء وتُصدر أحكامها وفقًا للقانون. ويبين القانون صلاحياتها، والتدخل في شؤون العدالة أو القضايا جريمة لا تسقط بالتقادم".

ونصت المادة (169) على: "تقوم كل جهة أو هيئة قضائية على شؤونها؛ ويكون لكل منها موازنة مستقلة، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المنظمة لشؤونها؛ وذلك وفقًا لما ينظمه القانون". ونصت المادة (170) على: "القضاة مستقلون، غير قابلين للعزل، لا سلطان عليهم في عملهم لغير القانون وهم متساوون في الحقوق والواجبات. ويحدد القانون شروط وإجراءات تعيينهم، وينظم مساءلتهم تأديبيًّا، ولا يجوز ندبهم إلا ندبًا كاملاً، وللجهات وفي الأعمال التي يحددها القانون؛ وذلك كله بما يحفظ استقلال القضاء وإنجاز أعماله".

فأين ما يدعون؟!

- وقالوا: مجلس نقابة الصحافيين قال أعضاؤه: إن الصحافة كانت سلطة رابعة في دستور 71 والآن هذا الدستور وضع قيودًا على عمل الصحفيين، وسمح بحبسهم لو كتبوا كلامًا لا يعجب الحكومة!

والجواب:

إن الدستور الجديد كفل حرية الصحافة والطباعة والنشر -وكذلك وسائل الإعلام- لتؤدي رسالتها بحرية واستقلال، بل جعل الرقابة على ما تنشره محظورة حيث نصت المادة (48) على: "حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة، وتؤدي رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأي العام والإسهام في تكوينه وتوجيهه في إطار المبادئ الأساسية للدولة والمجتمع والحفاظ على الحقوق والحريات والواجبات العامة، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ومقتضيات الأمن القومي؛ ويحظر وقفها أو غلقها أو مصادرتها إلا بحكم قضائي والرقابة على ما تنشره وسائل الإعلام محظورة، ويجوز استثناء أن تفرض عليها رقابة محددة في زمن الحرب أو التعبئة العامة".

ونصت المادة (49) على: "حرية إصدار الصحف وتملكها بجميع أنواعها مكفولة بمجرد الإخطار لكل شخص مصري طبيعي أو اعتباري".

ولا ندري ما الإشكال في هذه النصوص التي أطلقت حرية الصحافة والتعبير ووسائل الإعلام المختلفة ولم تقيده إلا بالمبادئ الأساسية للدولة والمجتمع واحترام الحقوق والواجبات العامة والخاصة ومقتضيات الأمن القومي، وهذا ليس بدعًا من القول في الدستور الجديد فهذه الدساتير السابقة على هذا الدستور تنص على:

أولاً: دستور 1923م (مادة 13):

تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقًا للعادات المرعية في الديار المصرية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب (المادة بعينها هي المادة 11 في دستور 54 - المادة 43 في دستور 56).

(مادة 14): حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان الإعراب عن فكرة بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك في حدود القانون.

(مادة 15): الصحافة حرة في حدود القانون والرقابة على الصحف محظورة، وإنذار الصحف أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور كذلك إلا إذا كان ذلك ضروريًا لوقاية النظام الاجتماعي.

(مادة 17): التعليم حر ما لم يخل بالنظام العام أو يناف الآداب (وهي بعينها المادة 27 في دستور 54 - المادة 48 في دستور 56).

(مادة 20): للمصريين حق الاجتماع في هدوء وسكينة غير حاملين سلاحًا، وليس لأحد من رجال البوليس أن يحضر اجتماعهم ولا حاجة بهم إلي إشعاره، لكن هذا الحكم لا يجري على الاجتماعات العامة فإنها خاضعة لأحكام القانون كما أنه لا يفيد أو يمنع أي تدبير يتخذ لوقاية النظام الاجتماعي.

ثانيًا: "دستور 54":

المادة 11 مطابقة للمادة 13 في دستور 1923م.

المادة 27 مطابقة للمادة 17 في دستور 1923م

- وقالوا: من الغرائب في الدستور أننا لما نزلنا الشارع ضد "حسني مبارك" كان من مطالبنا أن يكون له نائب، والدستور الجديد لا يوجد به منصب نائب رئيس الجمهورية! والأغرب من هذا أن الدستور يشترط أن يكون أعضاء مجلسي الشعب والشورى من المتعلمين، لكن هذا الشرط ليس من ضمن شروط الترشيح للرئاسة!

والجواب:

إن من إنجازات الدستور الجديد أنه قلص من صلاحيات رئيس الجمهورية كما سبق، ومنصب نائب الرئيس لا شك أنه يصب في صالح المؤسسة الرئاسية على حساب غيرها، فلهذا ألغى الدستور الجديد منصب نائب رئيس الجمهورية واعتمد النظام المختلط الذي تتوزع فيه السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فقط، وجعل رئيس الوزراء يحل محل رئيس الجمهورية في حالة غيابه المؤقت.

وأما اشتراط أن يكون أعضاء مجلسي النواب والشورى متعلمين: فنقول: قد نصت المادة (113) على: "يشكل مجلس النواب من عدد لا يقل عن ثلاثمائة وخمسين عضوًا، ينتخبون بالاقتراع العام السري المباشر. ويشترط في المترشح لعضوية مجلس النواب أن يكون مصريًّا متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية، حاصلاً على شهادة إتمام التعليم الأساسي "على الأقل"، وألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن خمس وعشرين سنة ميلادية. ويبين القانون شروط العضوية الأخرى ونظام الانتخاب وتقسيم الدوائر الانتخابية بما يراعي التمثيل العادل للسكان والمحافظات". ونصت المادة (129) على: "يشترط في المترشح لعضوية مجلس الشورى أن يكون مصريًا متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية، حاصلاً على إحدى شهادات التعليم العالي "على الأقل" وألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن خمس وثلاثين سنة. ويبين القانون شروط العضوية الأخرى وأحكام الانتخاب، وتقسيم الدوائر الانتخابية".

ولا ندري ما الإشكال في اشتراط حصول المترشح لمجلس النواب على شهادة إتمام التعليم الأساسي كحد أدنى، وإحدى شهادات التعليم العالي "على الأقل" للمترشح لعضوية مجلس الشورى -وهذا مما تفرد به هذا الدستور عن غيره فيما سبقه من دساتير- في دستور ما بعد الثورة الذي نص على محاربة الأمية وتجفيف منابعها كما في المادة (61) التي جاء فيها: "تلتزم الدولة بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية وتجفيف منابعها لكافة الأعمار من الذكور والإناث. وتتولى تنفيذها بمشاركة المجتمع خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور"؟!

فهل يليق بدستور يحارب الأمية في كافة الأعمار أن يسمح بأن يكون أحد المشاركين في مجلس التشريع -مجلس النواب- أميًّا وهو الذي يشجع الشباب على المساهمة الفعال في بناء الدولة وتقويم مؤسساتها حيث جعل سن المترشح يوم فتح باب الترشح لا يقل عن خمس وعشرين سنة ميلادية؟!

وكذلك كان من الحكمة اشتراط الحصول على إحدى شهادات التعليم العالي "على الأقل" للمترشح لعضوية مجلس الشورى والذي من ضمن صلاحياته: تعيين رؤساء الأجهزة الرقابية، وغير ذلك.

وأما أن شرط التعليم ليس من ضمن شروط الترشح للرئاسة: فهذا لم ينص عليه كذلك في الدساتير السابقة على هذا الدستور، فإنه إذا كان أحد المرشحين لا يحمل أي شهادة وكان أميًّا والتفتْ حوله الأمة وتوحد وراءه الشعب؛ ألا يكون جديرًا بهذا المنصب؟! وما أقل هذا النوع من الرجال، ومثل هذا لابد وأن يكون عنده من الرؤى السياسية والأبعاد الفكرية المميزة وإلا لا يجتمع عليه الناس.


محمود عبد الحفيظ