رفقا بالأيامى

منذ 2005-12-02
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وصحبه أجمعين
مع نهاية كل موسم من مواسم الزواج نبارك للأقارب والأصدقاء الذين تزوجوا ونهنئهم على إكمال نصف دينهم ونذكرهم بتقوى الله لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم قال : « إذا تزوج العبد ، فقد اسـتكمل نصف الدين فليتق الله فيما بقي » رواه الطبراني وحسنه الألباني .

ولكن ما يزال الكثير من إخواننا وأخواتنا تحت " باب ما جاء في الأيامى " وقد يفوق عددهم أعداد من تزوجوا بكثير مع العلم أن الإحصائيات والدراسات تشير إلى وجود عدد كبير من الشباب والشابات والرجال والنساء بدون نكاح مع أنهم بأمس الحاجة إليه في زمن الفتن والمغريات حيث الشهوات والمفسدات مما يجعل العفة بدون الزواج أمراً صعباً وعسيراً إلا لمن عصم الله .

والامتناع عن تزويج هؤلاء والتقصير في ذلك مخالف لأمر الله تبارك وتعالى الذي قال في محكم التنزيل : { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [سورة النور الآية 32]

و أيامى: مقلوب أيايم وهو العزب ذكرا كان أو أنثى بكرا كان أو ثيبا.
وتخصيص الصالحين في هذه الآية لأن إحصان دينهم والاهتمام بشأنهم أهم كما قال بعض المفسرين ولله الحكمة البالغة.

وذهب طائفة من العلماء إلى وجوب النكاح على كل من قدر عليه ولهم في ظاهر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم حجة قوية حيث قال عليه وعلى أله أفضل الصلاة والسلام « يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ » [ أخرجه البخاري (1905) ومسلم(1400) ]

وفي قوله تعالى : { إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } رد لما عسى يمنع من النكاح والمعنى كما قال بعض المفسرين : " لا يمنعن فقر الخاطب أو المخطوبة من المناكحة فإن في فضل الله غنية عن المال فإنه غاد ورائح ، أو وعد من الله بالإغناء وقد جاء في الأثر : " اطلبوا الغنى في هذه الآية " لكنه مشروط بالمشيئة كقوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ}

ويؤيد ذلك ما جاء في السنة أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ » ( رواه الترمذي برقم(1004) وقال الألباني : حسن )

وهكذا حذرنا صلى الله عليه وسلم بكلام واضح معناه إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوا مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ وَتَرْغَبُوا فِي مُجَرَّدِ الْحَسَبِ وَالْجَمَالِ أَوْ الْمَالِ سيحدث َفَسَادٌ عَرِيضٌ أَيْ كَبِيرٌ وَذَلِكَ لِأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوهَا إِلَّا مِنْ ذِي مَالٍ أَوْ جَاهٍ , رُبَّمَا يَبْقَى أَكْثَرُ نِسَائِكُمْ بِلَا أَزْوَاجٍ , وَأَكْثَرُ رِجَالِكُمْ بِلَا نِسَاءٍ , فَيُكْثِرُ الِافْتِتَانُ بِالزِّنَا , وَرُبَّمَا يَلْحَقُ الْأَوْلِيَاءَ عَارٌ فَتَهِيجُ الْفِتَنُ وَالْفَسَادُ , وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّسَبِ وَقِلَّةُ الصَّلَاحِ وَالْعِفَّةِ . " ا هـ بتصرف واختصار من كلام المبارك فوري رحمه الله في تحفة الأحوذي .

وليس هذا محل بسط المخاطر التي قد يؤدي إليها تأخير هذا الأمر المهم والتي لا تخفى على أولي الألباب ومنها ما نلاحظه الآن من انتشار الفواحش وما أعقبته من انتشار الأمراض المؤلمة والخطيرة ومفاسد عظيمة لا تعد ولا تحصى والله المستعان على أحوال كثير من الإخوان .

وصحيح أن عدم إقدام الشباب على النكاح بسبب أعذار كثيرة واهية وحجج أغلبها داحضة مما يجعل عليهم نسبة كبيرة في تحمل الخطأ بالتساوي مع أولياء أمورهم في هذه المشكلة

ولكن في الحقيقة الواقع يثبت بأن الفتاة وأهلها يتحملون حملاً أكبر من الخطأ لأسبابٍ كثيرة من أبرزها الشروط التعجيزية وكثرة الطلبات المرهقة وعدم الواقعية وهنا وقفة وتساؤل ؟

لماذا نضع العقبات في وجه الزوج أوالزوجة .. ولماذا تكون الزوجة التي تتوق إلى الزوج وتنتظره كل يوم وليلة أول من يؤدي إلى هروبه وشروده كما قالوا في المثل : لا تطلب الفتاة من الدنيا إلا زوجا فإذا جاء الزوج طلبت منه كل شئ.

وهكذا يبدأ مسلسل الطلبات وقائمة الشروط والمواصفات والمقاييس العجيبة والغريبة التي يولحون بها قبل أن يأتي الخاطب ويلج باب الدار فإذا تجرأ وطرق الباب انهالت عليه كالسيل الجرف وهذا الخاطب المسكين كالعطشان لا يدري هل يرد هذا السيل ويشرب منه أم ينجو بحياته من الجرف فإذا تجرأ واقتحم وذانك هو البطل توالت عليه طلبات المخطوبة وأهلها واختبارتهم وشروطهم التعجيزية كالقذائف من كل حدب وصوب حتى إذا ظفر بها صدق به قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُغْلِي بِصَدُقَةِ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ وَحَتَّى يَقُولَ كُلِّفْتُ لَكُمْ عِلْقَ الْقِرْبَةِ " رواه أحمد والنسائي وقال أحمد شاكر إسناده صحيح .

فلسان حاله تَحَمَّلْت لِأَجْلِك كُلّ شَيْء حَتَّى عِلْق الْقِرْبَة وَهُوَ حَبْلهَا الَّذِي تُعَلَّق بِهِ أو كسَيَلَان مَائِهَا أو عَرَق حَامِلهَا مِنْ ثِقَلهَا وفعلت وهكذا يتذكر في وجهها مذلة الديون التي تحملها على ظهره والتعب الذي بذله حتى يحصل عليها  .

والحكمة ضالة المؤمن ونحن ولا نريد أن نصل إلى هذه الحالة من الأنانية التي قال عنها بارناردشو : " تقلق المرأة على المستقبل حتى تجد زوجاً ، ولا يقلق الرجل على المستقبل إلا بعد أن يجد زوجة "
ويقول هربرت سنبنسر : الزواج حفلةٌ يوضع فيها خاتمٌ في إصبع العروس ، وآخر في أنف العريس.

وهناك تسؤال نطرحه على أهل الإيمان بالله واليوم الآخر وهو إذا كنا نعلم أن الحياة الدنيا اختبار وابتلاء من العزيز الحكيم وأنها بما فيها لا تساوي عند الله جناح بعوضة وأن كل من عليها فان وأن الأموال تجيء وتذهب ... إلى غير ذلك من حقيقة الدنيا فلماذا تشدد المخطوبة وأهلها على الأزواج وكأنهم في صفقة تجارية ؟

وللشاعر المصري محمد عثمان جلال (1826 - 1898 م ) - قصيدة جميلة يصف حال الفتاة المسكينة التي تمنعت عن الخطّاب وتكبرت عليهن حتى صدق فيها المثل الذي ذكره في آخر الآبيات .. حيث قال :



إِنَّما البنتُ إِن نَمَت بِزَواجٍ تَرنَّمَت
وَاِبتَغَت زَوجَها فَتى عَينه إِن رَنَت رَمَت
ذا مزاح مُداعِبا لَم يَكُن دبَّ في الفَلَت
كَيِّساً وابنُ سادة ذا فُنونٍ تَكمَّلت
فَإِذا جاءَ راغِبٌ في سَما كبرها سَمَت
وَرَأَت ذاكَ دونها وَبسخرٍ تَبَسَّمَت
وَاِختَفَت في خبائها وَعَن الرُشد أحجمت
وَلَئن طابَ نهدها وَبِسِنٍّ تَقَدَّمت
خَرَجَت مِن قبابها وَعَلى الناسِ سَلَّمت
وَإِذا ما رَأَت فَتى أَحدَقت ثُمَ هَمهَمَت
وَلمرآةِ دارها إِن رَنت عَينُها هَمَت
وَالتَجَت مِن ضَرورة لِزَواج وَأَقدَمت
وَاِستَراحَت بِزَوجِها وَلَهُ الأَمرَ سَلَّمت
وَعَلى قبح ذاته سَكَتَت ما تَكَلَّمت
وَهيَ في طيِّ سِرِّها مِن أَذاه تَأَلَّمت
فَلَقد صَحَّ ها هُنا قَول مَن قالَ في النُكَت
خطبوها تَعزَّزت تَرَكوها تنَدَمت


وقلوب العذارى في تقلب دائم وحيرة واضطراب في الأمر وزعم أحدهم أن فتاة قالت لأخرى : لا مانع عندي من قبوله زوجا لي لو كان غنيا أو أطول قامةً أو أبهى طلعةً ، أو .. طلب يدي.
لذا فإنه ليس من الصحيح أيضاً وضع اللوم عليها بشكل كامل بل إن على وليّها أن يربيها على القناعة ويجنبها موارد المجون والخلاعة
وأهدي كلماتي
لقَلْبِ الفقيرِ الحطيم الكسيرِ ودَمْعِ الأَيامَى السَّفيحِ الذَّريفْ
وأقول لهم لا تيأسوا واصبروا وأبشروا ببشرى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال : « ثلاثة حق على الله عونهم : [ وذكر على رأسهم ] الناكح الذي يريد العفاف ... الحديث » قال الألباني : حسن ( غاية المرام / 210)

فمن يأنس بالله ويرجو عظيم فضله بصدق وإخلاص فليبشر بفرج الله وتيسير مؤنة الزواج وليصبر وليحتسب حتى لا يهلك مع الهالكين وينال رفعة الدرجات من رب العالمين.
وإعفاف النفس حتى يتم هذا الأمر في الشريعة مطلوب وانتظار الفرج من الله عبادة امتثالاً لقول الباري جل في علاه آمراً من لا يجد تزويجاً بالتعفف عن الحرام : { وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } [سورة النور : من الآية 33]

نسأل الله أن يرزقنا وجميع إيامى المسلمين الهدى والتقى والعفة والعفاف والغنى وأن يكفينا بحلاله عن حرامه ويغنينا بفضله عمن سواه وأن يطهر قلوبنا ويسدد ألسنتنا ويشرح صدرونا ويحفظ فروجنا إنه سميع مجيب قريب الدعاء  .

وكتبه
حازم القادري
4/6/1426 هـ
المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام