أعياد الميلاد .. (مناسك، وشعائر) ولكل أمة منسك

منذ 2012-12-30

المحذور في أعياد أهل الكتاب أشد من المحذور في أعياد الجاهلية؛ لأن الأمة حذرت من مشابهة واليهود والنصارى، وأخبرت أن طائفة منها ستتبع أثرهم، بخلاف دين الجاهلية فإنه لا يعود إلا آخر الدهر.

 

"... كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب الجحيم، كنت أبعد عن أعمال أهل الجحيم، وكنت أبعد عن عذاب الجحيم.. ".

قدم رسول الله المدينة ولأهلها يومان يلعبون فيهما، فقال: «ما هذان اليومان؟، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر» (رواه أبو داود من حديث أنس في باب صلاة العيدين).

مخالفة واجبة ومستحبة...

التشبه بالكفار في الجملة منهي عنه، ومخالفتهم في هديهم أمر مشروع، إما على سبيل الوجوب أو الاستحباب.. فمثال الوجوب قوله: «خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى» (مسلم في الطهارة)، ومثال الاستحباب قوله: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم» (أبو داود في الصلاة)، فمخالفة الكفار وأهل الكتاب مقصودة لذاتها، والتشبه بهم محرم، سواء قصد المتشبه مشابهتهم أو لم يقصد.. ويدل على هذا أن النبي نهاهم عن التشبه بالكفار في أمور كان المسلمون يفعلونها بغير قصد التشبه بهم كتطويل الشارب، وإنما كانت تفعل إلفاً وعادة، لكنه نهاهم عن ذلك أيضاً، ليمنع أي توافق بين المسلمين والمشركين ولو في الظاهر.. وفي ذلك حكمة لا تخفى... فالموافقة في الظاهر تتعدى إلى الموافقة في الباطن..

هدينا مخالف لهديهم...

إن المخالفة تنقسم إلى قسمين: مخالفة في أصل العمل، ومخالفة في صفتها.

- أما أصل العمل فمثل الأعياد.. فهذا ليس مشروعاً لنا بحال أن نحتفل بأعيادهم..
- وأما الصفة، فإن من العبادات ما هو مشروع لنا ولهم مثل صيام عاشوراء والصلاة والدفن، وهذا القسم وإن اتفقنا نحن وهم في أصل العبادة إلا أن الشرع أمرنا بمخالفتهم في صفتها، فأمرنا بصوم تاسوعاء أو اليوم الحادي عشر، وبتعجيل الفطر وتأخير السحور مخالفة لهم، والصلاة في النعال في بعض الأحيان، لأنهم لا يفعلون ذلك، وسن لنا توجيه قبورنا إلى الكعبة، تمييزاً لها عن مقابر الكافرين، وأن تكون لحداً لقوله: «اللحد لنا والشق لأهل الكتاب» (رواه أحمد 4/362،363).

إن كل قواعد الشرع تؤكد ضرورة تعمد المسلمين مخالفة الكافرين في كل شيء تميزوا به في عاداتهم الخاصة، وفي عباداتهم الخاصة المخالفة آكد وأوجب، قال رسول الله: «هدينا مخالف لهديهم» (البيهقي باب الدفع من المزدلفة). طبعا لا يدخل في هذا تقليدهم فيما فيه منفعة للبشرية، مما كان لهم سبق في تحقيقه كالعلوم والطب ونحوها، وإنما المقصود تقليدهم فيما تميزوا به في عوائدهم وعقائدهم التي لا تعود بالنفع على المقلد في دنياه، وتضره في أخراه، وتزيل العداوة بينه وبينهم، وتزرع المودة والولاء.. الإبدال من الشيء يقضي بترك المبدل منه... إذا عرفنا هذا الأصل في مشابهتهم فنقول: موافقتهم في أعيادهم لا تجوز من طريقين:

الطريق الأول: تحريم الشرع التشبه بأهل الكتاب.. قال رسول الله: «من تشبه بقوم فهو منهم» (أبو داود في اللباس في لبس الشهرة). وقال: «خالفوا المشركين.. »، وقد قلنا إن الشرع يحرم موافقتهم فيما كان من عوائدهم، فكيف إذا كان من عباداتهم؟.. فالأمر أشد حرمة..
والطريق الثاني: ورود النصوص الخاصة في التأكيد على النهي عن موافقة الكافرين في أعيادهم..
فمن ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]، فعن مجاهد والربيع بن أنس وغيرهم من السلف: "هو أعياد المشركين"؛ تفسير ابن كثير.. ومن الأدلة على النهي عن موافقة الكافرين في أعيادهم حديث أنس السابق: «قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر».. فإن هذين العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله ولا تركهم يلعبون فيهما، وأخبرهم بأن الله قد أبدلهم خيراً منهما، وهذا يعني صراحة عدم جواز الجمع بين عيد الإسلام وأعياد الكفار، إذ الإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، مثل حديث المقبور يقال له: «أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به خيرا منه مقعدا في الجنة» (البخاري الجنائز)، فهذا قد أبدل مقعداً في الجنة بدلاً من مقعد في النار، وكذا أبدل المسلمون بعيدين هما الفطر والأضحى بدلاً من أعياد الجاهلية والكفار.. ومما يدل على هذا أن ذلك اليومين الجاهليين قد ماتا في الإسلام، فلم يبق لهما أثر على عهد رسول الله ولا عهد الخلفاء، ولو لم يكن النهى عنه جازما لبقوا عليهما، فالعادات الراسخة مثل العيد الذي فيه فرح النفوس واللعب والأكل لا تزول بسهولة، وقد يعجز الحكماء والرؤساء عن نقل الناس عنها، لقوة تعلق القلوب بها، فلولا أنهم فهموا من النبي النهي عنها لكانت باقية، ولو على وجه ضعيف، فعلم من ذلك أن المانع والنهي شديد..

العيد...

هذا والمحذور في أعياد أهل الكتاب أشد من المحذور في أعياد الجاهلية؛ لأن الأمة حذرت من مشابهة واليهود والنصارى، وأخبرت أن طائفة منها ستتبع أثرهم، بخلاف دين الجاهلية فإنه لا يعود إلا آخر الدهر، وجاء في الحديث أن رجلا أتى رسول الله فقال: «إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟، قالوا: لا، قال: أوف بنذرك» (أبو داود في الأيمان والنذور)، فإذا كان الذبح لله وهو من أجل العبادات بمكان عيدهم منهيا عنه، فكيف بالموافقة في نفس العيد بتعظيمه والاحتفاء به؟.. والعيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، إما بعود السنة أو الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك، والعيد يجمع أموراً:

- منها: اليوم العائد، كيوم الفطر والأضحى والجمعة..
- ومنها: الاجتماع فيه..
- ومنها: أعمال تتبع ذلك، من العادات والعبادات، كصلاة العيد واللعب في ذلك اليوم، قال ابن عباس: "شهدت العيد مع رسول الله" أي الصلاة والاجتماع..
- وقد يختص العيد بمكان بعينه أو يكون مطلقاً، كقوله: «لا تتخذوا قبري عيدا»..

وكل من هذه الأمور قد يسمى عيداً، فالعيد يكون للزمن الذي يعظم على الدوام، ويكون للمكان المعظم على الدوام كذلك، وما يكون في الزمان والمكان من العبادات كالصلاة والذبح والذكر ونحوها، والعادات كاللعب والأكل ونحوها، وتعظيم أي زمان أو مكان لم يعظمه الشارع فهو بدعة محرمة، والنبي لما سأل: «هل كان فيها وثن أو عيد»، إنما كان المقصود في الماضي لا في وقت السؤال، فإن القصة كانت في حجة الوداع، وحينذاك لم يكن قد بقي للمشركين عيد، ثم مع ذلك حرمه، مع أن المكان لم يعد فيه وثن ولا عيد، سدا للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم أو إحيائها، فكيف بالمكان والزمان الذي لا يزال يعظم من قبل أهل الكتاب ويتخذ عيدا؟.. فتعظيم المسلمين لها واتخاذها عيدا أعظم إثما لا ريب..

فإمام المتقين كان يمنع أمته منعا باتا قويا عن أعياد الكفار، ويسعى في دروسها، وطمسها بكل سبيل، بل ويسعى في تلقين أمته مخالفة أهل الكتاب في كثير من المباحات وصفات الطاعات، لئلا يكون ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم، ولتكون المخالفة في ذلك حاجزا ومانعا عن سائر أمورهم.. فإنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب الجحيم، كنت أبعد عن أعمال أهل الجحيم، وكنت أبعد عن عذاب الجحيم، فليس بعد حرصه على أمته ونصحه لهم غاية، وكل ذلك من فضل الله عليه وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون...

هذا عيدنا...

قالت عائشة رضي الله عنها: «دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قال: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله؟ وذلك يوم عيد، فقال: رسول الله: يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا» (مسلم)، فقوله: «وهذا عيدنا» يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم، كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا..} [المائدة: 48]، فإذا كان لليهود عيد وللنصارى عيد كانوا مختصين به فلا يجوز أن نشركهم فيه، كما لا نشركهم في قبلتهم وشرعتهم، وكذلك لا ندعهم يشركوننا في عيدنا، فإن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله عنها: {لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ..} [الحج: 67] كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج..

فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر.. بل الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر، وكذلك قوله: «وهذا عيدنا» يقتضي حصر عيدنا في هذا فليس لنا عيد سواه.. وإذنه عليه الصلاة والسلام للصغيرتين بالغناء المباح الذي ليس فيه خنا ولا معازف، وإذنه باللعب للحبشة يدل على أن اللعب في أعياد المسلمين جائز، وأنه لا يرخص في اللعب في أعياد الكفار، إذ لو ساغ ذلك لما قال: «دعهما، فإن لكل قوم عيدا، وإن هذا عيدنا».. وعليه فلا يجوز أن نفعل في أعياد أهل الكتاب ما نفعله في عيد المسلمين..

وقد كان أرض العرب فيها من يهود ونصارى حتى أجلاهم عمر بن الخطاب في خلافته عملا بوصية رسول الله بأن لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، وكانت لهم أعياد يتخذونها، ثم إن المسلمين ما كانوا يشركونهم في شيء من ذلك أبدا، ولا يغيرون لهم عادة في أعياد الكافرين، وذلك لأنهم فهموا من دينهم منع ذلك، فالمقتضي قائم فلولا قوة المانع الشرعي لوجد الفعل.. وقد شرط عمر -واتفق الصحابة على ذلك- على أهل الذمة بعدم إظهار أعيادهم في دار الإسلام، وقال: "إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين في يوم عيدهم في كنائسهم"، عبد الرزاق في المصنف باب الصلاة في البيعة، وعنه قال: «اجتنبوا أعداء الله في عيدهم» (السنن الكبرى للبيهقي)، وعن عبد الله بن عمر ومثله عن عبد الله بن عمرو: «من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك يحشر معهم يوم القيامة» (البيهقي)..، فعمر ينهى عن الاجتماع بهم في عيدهم، فكيف بمن يعمل عيدهم؟.. ومعنى كونه يحشر معهم إما أنه يموت كافرا مثلهم وهذا الأقرب، ولا أقل من أنها كبيرة من الكبائر..

السر في المنع...

- إن السر في المنع من الموافقة للكفار في أعيادهم أن المشابهة تفضي إلى الكفر أو المعصية، وليس فيها أدنى مصلحة، فالموافقة توجب السرور والرضى بما هم عليه من الباطل، وهم يفعلون في أعيادهم المحرم والكفر والمباح، والموافق لهم في ذلك لا يميز بين ذلك..
- ثم إن الموافقة تفضي إلى أن لا يتميز المسلم عن الكافر، فإذا كان المسلم يفعل كما يفعل الكافر في دينه فأي ميزة تبقى له..
- ثم هذه الموافقة تفضي إلى المودة، والإنسان المتخذ أعياد الكفار عيدا له هو محب لهم لا ريب أو على الأقل لا يبغض دينهم، ولو كان مبغضا لهم حقيقة كما أمر الله لما وافقهم في شيء من ذلك.. ، إن الإنسان إذا عادى آخر لأجل دنيا، ترفع عن تقليده في أي شيء يختص به، فكيف بمن كان معادياً لله ولرسوله؟.. هذا أولى بالمعاداة والمخالفة لا الموافقة..
- والإنسان إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف همته ونهمته إلى المشروع، فإنه يعظم محبته له ويتم به دينه وإسلامه، ولذا تجد الذي يعتني بأعياد الكفار ويوافقهم فيها تقل رغبته في أعياد المسلمين، جاء في الأثر: «ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها» (رواه أحمد)، فإذا كان الله تعالى قد أبدلنا يومين خيرا من سواهما من الأعياد، فإن استبدال هذا الخير بما سواهما شر، وضم سواهما إليهما كذلك شر، والقلوب تتشوق إلى العيد وتسر به، فإذا وجدت غذائها في غيره فترت عن عيد الله وزال ما كان فيها من المحبة والتعظيم، فينقص أجرها وتخسر خسراناً مبيناً.. ،قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} (اقتضاء الصراط المستقيم 1/426ـ490).

 

المصدر: موقع صيد الفوائد