دبلوماسية سفيرة الملاكمة التي نكست علم مصر

منذ 2013-01-10

وزارة الخارجية كسائر وزارات مصر بحاجة إلى إعادة النظر في كثير من واجهاتها وكبار مسئوليها، فمن حق الجميع أن يعرف في ظل شفافية يوفرها الدستور الجديد: ما مسوغات تعيين أمثال هذه السفيرة؟ أهي الكفاءة أم الأقدمية؟ أم العلاقة برموز النظام السابق؟!


يعلم الجميع أن شيخ الأزهر الراحل د. محمد سيد طنطاوي حينما مات أواخر عهد مبارك لم تعلن الدولة الحداد على وفاته، وبالتالي ظلت أعلام مصر ترفرف فوق مؤسساتها الرسمية، بينما حين توفي البابا شنودة أعلن المجلس العسكري الحداد ليوم واحد، و"اجتهد" السفراء في التعاطي مع مسألة الحداد؛ فكان أن نكس البعض العلم المصري، وأحجم البعض، وكانت السفارة الوحيدة -تقريباًـ في العالم التي جاوزت فيها حدود الأعراف في ذلك، هي السفارة المصرية بقبرص، حيث "اجتهدت" السفيرة المصرية بنيقوسيا منحة باخوم فنكست العلم المصرى لمدة خمسة أيام كاملة! (مع أنها "اجتهدت" أيضاً فحضرت احتفالاً كرنفالياً في ليماسول ارتدت خلاله الملابس الفرعونية وأجبرت حراسها على ارتدائها في مشهد مثير للضحك أثناء حداد المصريين على ضحايا مذبحة بورسعيد قبل عام، وفي الوقت الذي كانت فيه الفرق الرياضية الكبرى في العالم كريال مدريد وبايرن ميونيخ ترسل تعازيها لأهل مصر وتقف قبل المباريات دقيقة حداد على ضحايا المذبحة التي راح ضحيتها أكثر من سبعين شخصاً وجرح ما يزيد عن ثلاثمائة جريح).

يبدو أن "اجتهادات" الخارجية المصرية كثيرة، ولديها "مرونة" عالية في تعاطيها مع المصالح المصرية من جهة، ومع سلوك ممثليها في الخارج من المسئولين والسفراء الشخصيين من جهة أخرى، والسفيرة منحة باخوم، ممثلة مصر الدبلوماسية من النماذج التي لم تعر الخارجية المصرية لتصرفاتها لها بالاً، ولم تلتفت كثيراً إلى مواقفها الشخصية والرسمية.

قبل أيام، انتشر على موقع يوتيوب مقطع يمثل فضيحة دبلوماسية لمصر بعد أن صفعت السفيرة شرطية قبرصية أثناء مشادة مع سلطات المطار في العاصمة القبرصية، وبرغم أن المسؤولين القبارصة قد قدموا اعتذاراً للسفيرة إلا أن فكرة لملمة الحادثة التي استعرضت فيها السفيرة عضلاتها في حل مشكلة ظرفية، من طرف السلطات القبرصية لا يعني أن ما فعلته السفيرة هو أمر مشرف للدبلوماسية المصرية التي لم يعرف تاريخها العريق وسائل مثل الصفعات واللكمات التي مارستها السفيرة للتعبير عن رأيها واعتراضها على سلوك جهات رسمية تمارس عملها الوظيفي.

هذا الأمر، يجعل مسألة التحقيق مع السفيرة، ومراجعة ملفها الوظيفي قضية حتمية، أو هكذا ينبغي أن يكون؛ فكون السلطات القبرصية قدمت اعتذاراً رسمياً فهذا لا يعني صحة مسلك السفيرة، وإنما يعكس رغبة حكومية قبرصية في عدم ترك الأمور تسير باتجاه الأزمة أو التفاقم، وهذا له عدة تفسيرات، إما أن السلطات تشعر أن السفيرة مخطئة لكن موظفي المطار تجاوزوا الحدود اللائقة، أو أن الحكومة القبرصية لا تريد تصعيد الموقف مع مصر في هذا التوقيت الذي يتحدد فيه مصير ملف ترسيم الحدود المصرية / القبرصية.. أو أن السلطات القبرصية تود بقاء السفيرة في منصبها!

لقد تردد منذ فترة أن الحكومة القبرصية قد غضت الطرف عما قيل إنه عملية غسيل أموال تجري لحساب نجل الرئيس المخلوع جمال مبارك عبر نشاطات في نيقوسيا، وترددت أنباء عن أن شخصيات مصرية ربما تورطت في عملية الغسيل هذه..

كما تردد أيضاً، أن شخصية مصرية بارزة بالعاصمة القبرصية كانت "متحمسة جداً" لإنجاز تفاهم مصري / قبرصي حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين بما يخدم "إسرائيل" وقبرص على حساب مصر، ويمكنهما من قضم الجزء الأكبر من كعكة الغاز الذي تم اكتشاف كميات هائلة منه بالقرب من الحدود الشمالية المصرية (غير بعيد عن مدينة دمياط الساحلية)، وأن هذه "الحماسة" بلغت حد الإلحاح على الخارجية المصرية بغية توقيع اتفاق الترسيم دون المرور على مجلس النواب المصري الذي لم يكن موجوداً لمعظم الوقت فيما بعد الثورة المصرية.

هذه "الأقاويل" بحاجة إلى تدقيق بالغ من الخارجية المصرية؛ فسطوة "الفلول" لم تزل قوية جداً في هذه الوزارة العتيدة، ومراقبة مواقف وممارسات مسئوليها والشخصيات التي تمثل مصر بصورة رسمية أو غير رسمية بالخارج لاسيما في دول صغيرة، عرفت بدأبها على القيام بوظائف "خدمية" لـ"الهوامير" الكبرى في العالم، ومعبراً لعمليات غسيل الأموال والتهريب وغيرها، وأوكاراً لأجهزة الاستخبارات العالمية، هي أمور لابد من أن تكون موضع اهتمام كبير من الوزارة في مرحلة تطهير مصر بالداخل والخارج من الفساد.

بالعودة إلى السفيرة، وحادثة اعتدائها على الشرطية، وحتى لا تجير باتجاه "الكرامة الوطنية"، ويتم اختزالها من هذه الزاوية؛ فإن الوزارة مدعوة للتحقيق ليس في تلك الحادثة وحدها، بل في العديد من الشكاوى الواردة من الموظفين الذين عملوا تحت إدارة السفيرة، والذين أجمعوا بلسان شكواهم على أن السفيرة تتعامل بقدر من "العسكرية" وليس "الدبلوماسية" للحد الذي ضج معه بعض العاملين القبارصة أنفسهم في السفارة من ممارساتها غير الدبلوماسية.. فالمعلومات المتوافرة من العاصمة القبرصية تتحدث عن إضراب بعض العاملين بالسفارة عن الطعام إلى الحد الذي نقل بعضهم على إثره إلى المستشفى لاحتجاجهم على طريقة معاملة السفيرة.

بقى أن أقول في النهاية: وزارة الخارجية كسائر وزارات مصر بحاجة إلى إعادة النظر في كثير من واجهاتها وكبار مسئوليها، والتدقيق بشأن المعايير التي اختير عن طريقها هؤلاء العاملون، فمن حق الجميع أن يعرف في ظل شفافية يوفرها الدستور الجديد: ما مسوغات تعيين أمثال هذه السفيرة؟ أهي الكفاءة أم الأقدمية؟ أم العلاقة برموز النظام السابق؟!

الأهم من ذلك، وفي ظل الشفافية التي نتطلع إليها، من واجبنا أن نعرف تحديداً وقد لمسنا هذه الغضبة الثائرة من السفيرة واعتزازها بنفسها، وهي على رأس دبلوماسيتنا في عاصمة يُتآمر فيها ضد مصر، ويُسعى فيها لنهب كنوز مصر، وتقليص حدودها الدولية، ما هي جهودها من أجل الحفاظ على ثروات مصر، ومنع تهريب أموالها من رجال النظام السابق عبر قبرص؟ أى موقف اتخذته: الصمت أم المساهمة أم الممانعة؟ وهل تلقى المتآمرون ضد مصر هناك صفعة بيد مصرية تثأر لمصر / الوطن والانتماء؟ أم أن الأمر اقتصر على الغضب للذات؟!

نسأل، ونحن ندرك أن السفيرة مخضرمة وتشغل منصبها منذ فترة طويلة جداً، جديرة بأن تسبر أغوار العاصمة المضيفة، لاسيما من خلال سفارة وافرة العدد على نحو لافت، يستدعي أن تكون في صدارة المنافحين عن مصر ومصالحها.