المشروع الإسلامي.. عود على بدء

منذ 2013-02-04

التوازن بين سياسة السوق الحرة وتحقيق العدالة الاجتماعية، إدارة ولايات الدولة بين المركزية واللامركزية وتطبيق العدالة الانتقالية في الولايات المفتوحة، هذا إلى جانب تجليات مفهوم المواطنة التي بدأت بوثيقة المدينة وتطورت لا سيما مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية ..



ثمة فارق كبير بين إضفاء قدسية على التيار الإسلامي بكل أطيافه في كل قراراته أو في ذوات أبنائه -وهو ما أرفضه بشدة-، وبين إدراك حقيقة أن مشروع الدولة في الإسلام سبق كل مشاريع الديمقراطيات الحديثة في إرساء قواعد منظمة لإدارة الدول وفي صناعة القرار السياسي والاقتصادي والعسكري وِفق ركائز أساسية، أولها إرضاء الله سبحانه وتعالى وحده، وثانيها البعد القيمي الأخلاقي وثالثها المحافظة على الكرامة الإنسانية، ومن وجهة نظري فإن إلقاء الضوء على عملية صناعة القرار السياسي في العهد المدني من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من بداية تكوين الدولة الإسلامية وحتى بلغت أقصى ازدهار ممكن لها في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم أصبح حاجة ملحّة سواء لفضّ إشكالية علاقة الإسلام بسياسة الدولة، أو لدراسة قرارات كان لها تأثير بالغ على البشرية كلها نستفيد منها في سياق إدارتنا للتغيير في دول ثورات الربيع العربي.


نحن معاشر المسلمين ننتمي إلى أُمَّة أذهلت العالم يوماً من الدهر بصورة الدولة متكاملة الأركان في الوقت الذي كان فيه تقديس الحكام صناعةٍ شيطانيةٍ وتقليداً لا إنسانياً توارثته البشرية كابراً عن كابر، حتى أتت عليه الشريعة الإسلامية من قواعده فنسفته نسفاً، ففي الوقت الذي ما كانت الدنيا تسمع فيه بغير الأكاسرة والقياصرة والأباطرة، كان أبو بكر الصديق يُفرِّق بين كونه ثاني اثنين في الغار يَنزل بشأنه وحيٍ قرآني وبين كونه مسئولاً سياسياً يُصيب ويُخطئ، فيقول في خطاب توليه: "فإن أحسنتُ فأعنوني، وإن أسأتُ فقوموني"، وَوقفت الدنيا مدهوشة تُنصت لخطاب (ربعي بن عامر) وأصحابه طلائع الفتح الإسلامي فيُوجه (رستم) ممثل الديكتاتورية الفارسية، يوم قال له: "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله".


وكتب تراثنا تزخر بمئات بل ألوف الأمثلة التي توضح كيفية صناعة القرار في الدولة الإسلامية على كل المستويات من الحرب والمعاهدة والتحالف ومعايير اختيار القادة العسكريين والسياسيين وآليات الإدارة وكذلك آليات حل الخلاف الذي ينشب بين القيادات، وإدارة الكوارث والأزمات..

هذا بخلاف الملامح السياسية للحكم في هذه الحقبة التي شهدت (ديناميكية) وتطوراً غير مسبوقين مع حفاظها على الركائز الرئيسية التي أشرنا إليها من قبل، ومن ذلك مجالس الشورى (كمجلس الستة الذي عهد إليه عمر بالإشراف على عملية انتقال السلطة إلى خليفة جديد يختاره المسلمون) وأسلوب اختيار الحكام والولاة والقضاة، التعامل بين الحاكم والمحكوم، صور المعارضة أثناء حكم الخلافة الراشدة وكيف كانت مرشدة لخدمة الدولة..


التوازن بين سياسة السوق الحرة وتحقيق العدالة الاجتماعية، إدارة ولايات الدولة بين المركزية واللامركزية وتطبيق العدالة الانتقالية في الولايات المفتوحة، هذا إلى جانب تجليات مفهوم المواطنة التي بدأت بوثيقة المدينة وتطورت لا سيما مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية إلى دخول الكثير من الفئات غير العربية في دواوين الوزارة وتقلدهم مناصب عُليا في الدولة على أساس معيار الكفاءة وحدها دون النظر لانتماء عرقي أو (إثنى).


نادر بكار

الجمعة 11 يناير 2013 م
 

المصدر: موقع بوابة الشروق