أكذوبة التداوي بالخمر

منذ 2013-02-08

كان الأطباء يزعمون في الأزمنة الغابرة وحتى عهدٍ قريبٍ أنّ للخمرِ بعضُ المنافعِ الطبيةِ، ثم تقدمت الاكتشافات العلمية الحديثة وبطلت تلك المزاعم وتبين أنها أوهام وأن كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عنها هو الحق الذي لا ريب فيه ولا التباس. فقد قال صلى الله عليه وسلم لطارق الجعفي عندما سأله عن الخمر فنهاه، فقال طارق إنما أصفها للدواء، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنه ليس بدواء ولكنه داء»


كان الأطباء يزعمون في الأزمنة الغابرة وحتى عهدٍ قريبٍ أنّ للخمرِ بعضُ المنافعِ الطبيةِ، ثم تقدمت الاكتشافات العلمية الحديثة وبطلت تلك المزاعم وتبين أنها أوهام وأن كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عنها هو الحق الذي لا ريب فيه ولا التباس. فقد قال صلى الله عليه وسلم لطارق الجعفي عندما سأله عن الخمر فنهاه، فقال طارق إنما أصفها للدواء، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنه ليس بدواء ولكنه داء» [1].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث» [2]. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام» [3].
وعن طارق بن سويد الخضرمي قال: «قلت يا رسول الله: إن بأرضنا أعنابا نعصرها أفنشرب منها، قال: لا، فراجعته فقال: لا، لا. ثم راجعته فقال: لا، فقلت: إنا نستشفي بها للمريض، قال: إنه ليس بشفاء ولكنه داء» [4]. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" [5].

فهذه النصوص وأمثالها صريحة في النهي عن التداوي بالخبائث، مصرحة بتحريم التداوي بالخمر إذ هي أم الخبائث، وجماع الإثم، ومن أباح التداوي بالخمر من علماء الكوفة [6] فقد قاسه على إباحة أكل الميتة والدم للمضطر، وهو مع معارضته للنص ضعيف لأنه قياس مع الفارق، إذ أكل الميتة والدم تزول بها الضرورة ويحفظ الرمق وقد تعين طريقاً لذلك، أما شرب الخمر للتداوي فلا يتعين إزالة المرض به بل أخبرصلى الله عليه وسلم بأنه داء وليس بدواء، ولم يتعين طريقاً للعلاج.
وتوهم بعض المتقدمين أن في الخمر منافع طبية واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، وقد رد كثير من الأئمة على هذا الزعم. فقال الصنعاني: "أفاد الحكم الذي دلت عليه الأحاديث هو تحريم التداوي بالخمر وزيادة الأخبار بأنها داء، وقد علم من حال من يستعملها أنه يتولد عن شربها أدواء كثيرة، وكيف لا يكون ذلك بعد إخبار الشارع أنها داء" [7].
والمنافع في الخمر موهومة، فهي إما منافع مادية لمن يبيع الخمر ويتجر بها؛ ولكنها طامة كبرى على المجتمع وخسارة مادية أية خسارة. وإما منافع طبية وصناعية وأغلبها موهوم. مثل الاعتقاد بأن الخمر تفـتح الشهية وقد استخدمت الخمر كفاتح للشهية منذ أقدم العصور واستخدمها اليونان والرومان والفرس والعرب وتفننوا فيها.
ويستخدمها الأوروبيون اليوم وخاصة الفرنسيون وتدعى (Apenibf) أي فاتح للشهية، وعادتهم أن لا يشربوا صعب الأطعمة إلا بالنبيذ وكذلك الإيطاليون. والخمر تفتح الشهية أول الأمر فتزيد من إفراز حامض المعدة ولكنها بعد فترة تسبب التهاب المعدة. وتعقب تلك المنفعة الموهومة مضرات وعواقب وبيلة وخيمة أولها التهابات المعدة وفقدان الشهية والقيء المتكرر وآخرها سرطان المريء.

وقد جاء وفد اليمن ووفد حضرموت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يسمح لهم بشرب الخمر بحجة أن بلادهم باردة فأبى عليهم، فعن ديلم الحميري قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا وإنا نتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا قال: هل يُسكر؟ قلت: نعم. قال: فاجتنبوه. قلت: فإن الناس غير تاركيه قال: فإن لم يتركوه فقاتلوهم» [8].

وجاء الطب الحديث بعد هذه الحادثة بألف وأربعمائة عام تقريبا ليقول لنا إن ذلك الدفء ليس إلا من قبيل الوهم. فالخمر توسع الأوعية الدموية وخاصة تلك التي تحت الجلد فيشعر المرء بالدفء الكاذب كما يحصل في أعياد الميلاد في أوروبا وأمريكا حيث يسكر كثير من الناس ويبقى بعضهم في الشوارع والحدائق يتعرضون للبرد القارس. فيموتون من البرد وهم ينعمون بالإحساس الكاذب بالدفء.
ومن تلك المنافع استخدامها في الصناعة كحافظ لبعض المواد وكمادة منشفة للرطوبة (Dehydrating Agent) وكمذيب لبعض المواد القلوية والدهنية (Solvent). كما تستخدم في الطب كمطهر للجلد وكمذيب لبعض الأدوية التي لا تذوب إلا في الكحول. كما يستخدم الكحول كمذيب للمواد العطرية ويستخدم بكثرة في صنع الروائح والعطور (الكولونيا والبارفان).
وقد بطل استخدام الخمر كترياق وكدواء في الطب الحديث، ولكن بقي استعمال الكحول كمذيب لبعض الأدوية والعقاقير. والعجيب حقا أن علماء الإسلام قد بحثوا هذه المسألة بحثا دقيقا وأتوا فيها بالعجب العجاب.

يقول صاحب (مغني المحتاج): "إن التداوي بالخمر حرام إذا كانت صرفا غير ممزوجة بشيء آخر تستهلك فيه. أما الترياق المعجون بها ونحوه مما تستهلك فيه فيجوز التداوي به عند فقد ما يقوم به التداوي من الطاهرات؛ فعندئذ يتبع حكم التداوي بنجس. وكذا يجوز التداوي بذلك لتعجيل الشفاء بشرط إخبار طبيب مسلم عدل بذلك، أو معرفته للتداوي به وبشرط أن يكون القدر المستعمل قليلا لا يسكر" [9].
ولا شك في حرمة الخمر الصرفة كدواء فهي داء وليست دواء. وهي الآن تستعمل في كثير من الأدوية كمذيب لبعض المواد القلوية أو الدهنية التي تذوب في الماء، هذا الاستعمال هو المذكور في (مغنى المحتاج) وهو جائز بشروط:
1- أن لا يكون هناك دواء آخر خاليا من الكحول ينفع لتلك الحالة.
2- أن يدل على ذلك طبيب مسلم عدل.
3- أن يكون القدر المستعمل قليلا لا يُسكِر [10].

وإذا نظرنا إلى الأدوية الموجودة التي بها شيء من الكحول نجدها على ضربين:
الأول: مواد قلوية أو دهنية تستعمل كأدوية ولا بد لإذابتها من الكحول.
أما الثاني: فمواد يضاف إليها شيء يسير من الكحول لا لضرورة وإنما لإعطاء الشراب نكهة خاصة ومذاقا تعود عليه أهل أوروبا وأمريكا أي من حيث يأتينا الدواء جاهزا مصنعا. وهذا النوع لا شك في حرمته. ولا بد للطبيب المسلم أن يتروى في وصف الأدوية التي بها شيء من الكحول وليتجنبها ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

أما الإمام ابن القيم رحمة الله فقد كان عملاقا شامخا كالطود لم يهله ادعاء الأطباء في زمانه أن الخمر دواء فأوضح وأبان كيف هي داء. وكان إيمانه بربه وبرسوله قد انتهى به إلى النهايات الصحيحة، وأتى بما لم يأتِ به الطب في زمانه؛ بل والتفت إلى نقط دقيقة كل الدقة، ولم يتنبه لها الطب إلا في الآونة الأخيرة ألا وهي (تأثير الاعتقاد في الدواء). فإذا كان اعتقاد المريض في الدواء حسنا حصل له نوع شفاء، وإن كان اعتقاده سيئا لم يحصل له ذلك. ويسمى ذلك التأثير (Placebo Effect) ويعرفه الأطباء كافة.

فيقول ابن القيم: "إنما حرّم الله على هذه الأمة ما حَرّم لخبثه، وتحريمه له حمية لهم وصيانةً عن تناوله فلا يُناسب أن يُطلَب به الشفاء من الأسقام والعلل. فإنه وإن أثر في إزالتها (هذا الكلام حسب رأي الطب في زمنه) لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه، فيكون المداوي به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب. وأيضا فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكلِ طريق، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته، وهذا ضد مقصود الشرع، وأيضا فإنه داء كما نص عليه صاحب الشريعة، فلا يجوز أن يُتخَذ دواء، وأيضا فإنه يُكسِب الطبيعةَ والروحَ صفةَ الخبثِ لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالا بينا. فإذا كانت كيفيته خبيثة اكتسبت الطبيعة منه خبثا، فكيف إذا كان خبيثا في ذاته. ولهذا حرّم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة. لما تكتسب النفس من هيئة الخبث وصفته".

ولنا هنا تعليق سريع فهذه المسألة في منتهى الدقة ولم يتبينها الطب بعد بالتفصيل: فإن الأغذية والأشربة تتحول بعد الهضم والامتصاص إما إلى طاقة تحرك الجسم ووقود للعقل والقلب، أو إلى مواد لبناء الأنسجة وإبدال التالف منها بجديد صالح. ونحن نعرف الآن أن المواد النشوية والدهنية تتحول إلى طاقة بينما تتحول المواد البروتينية إلى خلايا وأنسجة، ويقع ذلك ضمن عمليات كيماوية معقدة. فدورة كريب (Krebs cycle) مثلا هي مجموعة من العمليات الكيماوية البالغة التعقيد التي تحول سكر الدم (الجلوكوز) في ميتوكوندريا الخلايا إلى طاقة مخزونة عبر ما يقرب من أربعين عملية كيماوية. وتتحول ضمن دورة كريب وخارجها مجموعة من الأحماض الأمينية (Amino Acids) الهامة لبناء الخلايا والأنسجة.

فالمواد البروتينية ليست إلا مجموعة ضخمة من الأحماض الأمينية هذه. وهكذا ترى أن ما نأكله أو نشربه يتحول بالتالي إلى محرك لعضلة اليد أو عضلة القلب أو قادح لزناد فكرك أو يتحول إلى نفس تلك العضلة في اليد أو اللسان أو القلب أو يجري في عروقك مع دمك مكونا الكرويات الحمراء أو البيضاء أو الصفائح أو حيوانا منويا يخرج من صلبك وترائبك.
أفلا يدخل في تركيب أجسامنا وتكوين أفكارنا بعد هذا ما نأكله أو نشربه من الخبائث كالخمر ولحم الخنزير وغيرها مما حرمها الله؟ بلى إنها لكذلك. أفلا يكون كلام ابن القيم بعد هذا دقيقا كل الدقة بارعا كل البراعة في وصف ما لم يهتم به الطب الحديث إلى اليوم؟ بلى إنه لكذلك.

وإنه كما قال ابن القيم يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث. فكل أكل أو شرب يدخل الجوف ويجري في العروق مع الدم، يتمثله الجسم إما بالهدم Catabolism فيتحول إلى طاقة أو بالبناء فيتحول إلى خلايا وأنسجة. فإذا دخل الخبث جوف ابن آدم وجرى في عروقه ومجرى الدم، وكان الخبث مصـدر نشاط يده ولسانه وفكره وقلبه، وكان الخبث عضلة من عضلات جسمه أو خلية من خلايا دمه أو حيوانا منويا يخرج من صلبه، فالخبيث لا شك يؤثر أيًا كان ذلك. وهكذا تصدق عبارة ابن القيم: "ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة لما تكتسب النفس من هيئة الخبث وصفته" [12].

ونستطرد مع ابن القيم في قوله: "وأيضا فإن في إباحة التداوي به (المحرم) ولا سيما إذا كانت النفوس تميل إليه ذريعة إلى تناوله للشهوة واللذة، لا سيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها مزيل لأسقامها جالب لشفائها، فهذا أحب شيء إليها. والشارع سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن، ولا ريب أن بين سد الذريعة إلى تناوله، وفتح الذريعة إلى تناوله تناقضا وتعارضا، وأيضا فإن في هذا الدواء المحرم من الأدواء ما يزيد على ما يظن فيه من الشفاء"... إلى أن يقول: "وها هنا سرٌ لطيفٌ في كَونِ المحرماتِ لا يُستشفَي بها. فإن شرط الشفاء بالدواء تلقيه بالقبولِ واعتقادِ منفعتهِ، وما جعلَ اللهُ فيه من بركةِ الشفاءِ فإن النافعَ هو المبارك، وأنفعُ الأشياءِ أبركها، والمبارك من الناس أينما كان هو الذي يُنتفَعُ به حَيثُ حَلّ، ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين (الخمرة) مما يحول بينه وبين اعتقـاد بركتها ومنفعتها وبين حسن ظنه بها، وتَلَقِي طبعه لها بالقبول، بل كلما كان العبد أعظم إيمانا كان أكره لها، وأسوأ اعتقادا فيها، وطبعه أكره شيء لها، فإذا تناولها في هذه الحال كانت داء له لا دواء، إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة، وهذا ينافي الإيمان، فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه داء" انتهى كلام ابن القيم.

وهذا كلام عجيب والأبحاث الطبية اليوم تتجه إليه. ومن ذلك اختلاف تأثير الدواء الواحد في المجتمعات المختلفة، فبينما يؤثر الدواء في مجتمع بعينه بطريقة خاصة يختلف ذلك التأثير ولو يسيرا في مجتمع آخر، بل إن تأثير الدواء يختلف من شخص إلى آخر، ويؤثر في ذلك عوامل عديدة ليس أقلها أهمية العامل النفسي لدى متناول الدواء، فإن كان تلقيه للدواء بالقبول واعتقاد المنفعة حصل له ولو نوع شفاء، وإن كان تلقيه له بسوء الظن فيه واعتقاد مضرته لم يحصل له نوع شفاء، بل ربما حصل له نوع ضرر. وهذا باب جديد في الطب. فلله در ابن القيم كيف استطاع أن يدرك التأثير النفسي في تلقي الدواء وهو أمر لم يُدرَك بعدُ على حقيقته بصورة واضحة إلى اليوم، والأبحاث لا تزال جارية في هذا الميدان.

وهل صحيح أن جسم الإنسان بحاجة إلى قليل من الكحول لتنشيط الدورة الدموية؟
وللإجابة عن هذا السؤال يكفي أن نعرف أن جسم الإنسان لا يحتاج للكحول بالمرة؛ وذلك لأن المولي عز وجل جعل لنا ما يعوض هذا الاحتياج، ففي المخ مركز يتحكم في إفراز مواد تعمل عمل الكحول، وبمعنى أصح تعمل العمل المفيد القليل لمادة الكحول وهي مادة الأدرينالين والنور أدرينالين؛ لذا فالجسم غير محتاج لهذه المادة مطلقًا.
ولقد نصحت مؤسسة أمراض القلب الأمريكية الأطباء بعدم وصف النبيذ الأحمر كدواء فعال في تجنب الأزمات القلبية، وتقول الجمعية: "إن الفوائد المزعومة للنبيذ الأحمر التي كان يُعتَقد بأنها تقي من الأزمات القلبية، غير مؤكدة، وإن على الأطباء أن يصفوا طرقا وأدوية أخرى ذات منافع مؤكدة بهدف التقليل من مخاطر أمراض القلب".

ويقول البروفيسور (إيرا جولدبيرغ) من جامعة كولومبيا في نيويورك والعضو في جمعية أطباء القلب الأمريكية: "إن هناك خيارات أخرى لتقليص المخاطر أكثر أمانا ولا تحمل المخاطر التي تقترن بتعاطي المشروبات الكحولية"، ويضيف البروفيسور جولدبيرغ: "إن على المرضى الذين يريدون تقليل مخاطر الإصابة بالأزمات القلبية استشارة الأطباء المتخصصين بهدف تخفيض نسبة الكوليسترول وتقليص ضغط الدم، والسيطرة على وزنهم من خلال القيام بمزيد من التمارين الرياضية وتناول المأكولات الصحية، فإنه ليس هناك أي دليل على أن تعاطي النبيذ أو أي أنواع الكحول يمكن أن يعوض عن الأساليب التقليدية للاحتفاظ بصحة جيدة".

ويعتقد عدد من العلماء بأن شرب النبيذ بالأخص النوع الأحمر يساعد على تجنب التأثيرات السلبية للكوليسترول والشحوم، وقد أشارت بعض الإحصائيات في أوروبا إلى أن معدل الوفيات نتيجة أمراض القلب منخفض في المناطق التي يستهلك فيها النبيذ باستمرار، لكن البروفيسور جولدبيرغ يقول: "إن السبب في تقلص معدل الوفيات نتيجة لأمراض القلب في تلك المناطق ربما يعود إلى تناول كميات كبيرة من الفواكه والخضروات وتقلص نسبة استهلاك المنتجات الحيوانية كالحليب ومشتقاته"، إلا أن البروفيسور جولدبيرغ يقول بإمكانية المحافظة على مستويات مرتفعة من الكولسترول ذا الكثافة العالية المفيد للصحة، بتناول مادة النياسين، وفيتامين ب 3، كما قال إنه لا وجود لبراهين دامغة تثبت أن للمواد المضادة للأكسدة التي يحتويها النبيذ الأحمر أي تأثير واق، كما أن المواد المضادة للأكسدة نفسها التي يحتويها النبيذ الأحمر موجودة كذلك في عصير العنب غير المخمر، وبدون المضار المتأتية عن تناول المسكرات، وتؤكد النصائح التي أصدرتها مؤسسة أمراض القلب الأمريكية على أن الكحول مضر بالصحة، ودعمت مؤسسة أمراض القلب البريطانية موقف مؤسسة أمراض القلب الأمريكية.

فقد قال ناطق بلسان المؤسسة البريطانية: "إنه بالرغم مما يعتقد من أن لتناول كميات قليلة من الكحول فوائد في حماية القلب، فإن تناول أكثر من وحدتين منه في اليوم الواحد قد يكون مضرا"، وأضاف الناطق: "أن الاعتقاد السائد هو أن للنبيذ الأحمر بشكل خاص فوائد أكثر من غيره لاحتوائه على مواد مضادة للأكسدة قد تساعد في خفض نسبة الكولسترول في الدم، لكن ذلك لا يعني أن الكحول يصلح بديلا للسبل الأخرى المستخدمة في تقليل احتمالات الإصابة بأمراض القلب، أما نصيحتنا (والكلام لمؤسسة أمراض القلب البريطانية) فهي الإقلاع عن التدخين والإكثار من تناول الفواكه والخضروات، والإقلال من تناول الشحوم، والقيام بفعاليات رياضية لنصف ساعة في خمسة من أيام الأسبوع على الأقل".

أما تأثير الدواء الخبيث في النسل فهو باب جديد من أبواب الطب. وقد كثر الكلام فيه بعد اكتشاف قصة عقار الثاليدوميد (Thaludomude) وهو عقار مهدئ خال من المضاعفات فلما أعطى للحوامل تشوهت الأجنة وخرج الأطفال بدون أطراف. وثارت قضايا أمام المحاكم في أوروبا وخاصة قي ألمانيا حيث اكتشف هذا الدواء. وسحب الدواء ولكن الشركة التي أنتجته أفلست لفرط ما دفعت من غرامات وتعويضات.

وقد اتضح أن أولاد مدمن الخمر يكونون في الغالب مدمنين، وتكثر فيهم نزعة الإجرام كما يكثر فيهم الخلل العقلي والعته والجنون. ولكن هل ذلك ناتج من تأثير الخمر في الصبغيات (الكروموسومات) والناسلات (الجينات) التي تحمل الصفات الوراثية عبر الحيوان المنوي للرجل أو البويضة للأنثى. أم أن ذلك ناتج من تأثير البيئة الفاسدة؟

يجيب العلماء في هذا بقولهم: إننا لم نكتشف (جينا) ناسلا خاصا في الحيوان المنوي أو البويضة يحمل خاصية الإدمان، ولكننا نعلم أن نسبة المدمنين عالية جدا بين الذين لهم تاريخ عائلي بالإدمان (62 %) بينما تكون النسبة لدى شاربي الكحول العاديين (Socual Drunkers) منخفضة وهي 16 % كما يقول الدكاترة (سيتل فوجتلين ولامير) الذين يعملون في مصح (شادل) لمعالجة الإدمان وهو أشهر مصح لمعالجة الإدمان في الولايات المتحدة.

كما أجريت تجارب أخرى فنقل أولاد المدمنين من أسرهم وهم أطفال وأنشئوا نشأة عادية في بيئة بعيدة عن الإدمان، فوجد أن نسبة كبيرة منهم انقلبت إلى الإدمان عندما تعرضت لشرب الخمور. وهذا يدل على أن هناك استعدادا وراثيا على الأقل للإدمان بين المدمنين. وأن شرب الخمور يؤدي بالتالي إلى إيجاد حيوانات منوية لدى الرجل أو بويضة لدى المرأة مصابة في إحدى ناسلاتها ( جيناتها) بالاستعداد لشرب الخمور لدرجة الإدمان.

وباختصار كما يقول الدكتور لنكولن ويليامز (Lincolin Williams) في كتابه القيم (AlcoholesmExplained) (شرح إدمان الخمر): "إن بذرة الإدمان تنمو بسرعة في تربة الإدمان العائلي. وهكذا تتضافر عوامل الوراثة مع عوامل البيئة في إيجاد ذرية تميل إلى الإدمان، أي إنها بمجرد شرب الخمور لا تملك القدرة على التوقف كما يتوقف معظم الشاربين وإنما يستمرون في الشراب حتى الثمالة".

_______________________________________
الهوامش والمصادر:
[1] رواه مسلم- كتاب الأشربة رقم 3670.
[2] رواه أبو داوود- كتاب الطب رقم 3372 ( صحيح ) حديث رقم: 6878 في صحيح الجامع.
[3] أبو داوود- كتاب الطب رقم 3376.
[4] رواه أحمد في مسنده- باقي مسند الأنصار رقم 21464.
[5] صحيح البخاري باب شراب الحلواء والعسل.
[6] فتح القدير 8/160 حيث قال: "وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى جواز تناول الأشربة والأدوية المتخذة من غير العنب والتمر بقصد التقوي والتداوي ما لم تبلغ حدَّ الإسكار".
[7] سبل السلام- الصنعاني ج 4 ص 50، ط دار الحديث بالقاهرة بتصريف.
[8] رواه أبو داوود- كتاب الأشربة رقم 3198، وصححه الألباني في صحيح أبي داوود برقم 3131، وفي مشكاة المصابيح برقم 3577.
[9] مغني المحتاج 2/465.
[10] ويؤيد هذا ما جاء في القرار رقم (11) لمجلس مجمع الفقه الإسلامي بمدينة جدة في دورته الثالثة الذي جاء فيه: (للمريض المسلم تناول الأدوية المشتملة على نسبة من الكحول، إذا لم يتيسر دواءٌ خال منها، ووصف ذلك الدواء طبيب ثقة أمين في مهنته). انظر قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي بجدة ص 43.
[11] زاد الميعاد- ابن القيم/فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في المنع من التداوي بالمحرمات ج4 ص 156، ط مؤسسة الرسالة بتحقيق شعيب وعبد القادر الأرنؤوط.
[12] التداوي بالخمر، دكتور محمد علي البار.


د. خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز