هل نحتفل بعيد الحب؟!

منذ 2013-02-17

قال ابن القيم رحمه الله: "ولا يجوز للمسلمين حضور أعياد المشركين باتفاق أهل العلم الذين هم أهله، وقد صرح به الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة في كتبهم، وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم"، وقال عمر أيضاً: "اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم".


 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

 

فلا شك أن المولى تبارك وتعالى، قد اصطفى هذه الأمة على سائر الأمم، فأرسل إليها خير رُسُله، وأنزل عليها خير كتبه، ويسّر لها في الأحكام والتشريع ما لم ييسّر لغيرها من الأمم، وهداها لأفضل السُّبُل وأقوم الطُّرُق؛ ومن ذلك أنه سبحانه اختار لهذه الأمة أفضل الأيام؛ لتكون أعياداً يفرحون فيها بفضل ربهم وبرحمته، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58].


 

ففي السنة لها عيدان: عيد الأضحى وعيد الفطر، من خير أيام السنة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر» (رواه أبو داود).


 

وإن من المُضحك المبكي أنْ تَرى فِئاماً مِنَ الأُمَّةِ الإسلامية، يَنساقونَ وَراءَ الأممِ الكافرةِ في أخلاقِها السَّيئةِ،  وعاداتها المنحرفةِ باسم الأخوّة الإنسانية، هكذا تقليداً أعمى بلا ضابط ولا رابط، وبلا قيود أو حدود، ومِمَّا يدخلُ في ذلك: ظاهرةٌ غريبةٌ، وعادة وافدة مريبةٌ، برزتْ هذه الظاهرة الخطيرة، في السَّنواتِ الأخيرةِ، فشاعتْ في الأمصار، وانتشرت في بعض الأَقطارِ، وهي الاحتفالِ بِما يسمى بـ(عيد الحبِّ)، أو ما يُطلقُ عليهِ بـ(عيدُ العُشَّاقِ)، أو (يوم القديس فالانتاين)؛ كل ذلك تَشبُّهاً في ذلك بأعداءِ الدِّينِ، المشركين برب العالمين، الذين أعمى اللهُ أبصارهم، وطمسَ بَصائِرهم، فانجرُّ وراءها بعض من لا معرفة له بشرع ولا بواقع، تقليداً للغرب ومحاكاةً لهم، وجَرياً على سَننِهم المخالفةِ لمنهاجِ النُّبوةِ.


 

فكلنا سمع عن تبادل الورود الحمراء، وتبادل التهاني والهدايا، والرسومات على الوجوه، بل والدعوة إلى رذائل الأمور في هذا اليوم، وكذا توزيع صور (كيوبد) الذي هو إله الحب عند الرومان، وهو طفلٌ صغيرٌ له جناحان، يحمل قوساً!


 

وأصل هذا العيد كما هو مشهور: أنه لما دخل الرومان في النصرانية بعد ظهورها، وحكم الرومان (كلوديوس الثاني) منع جنوده من الزواج؛ لأن الزواج يشغلهم عن الحروب التي كان يخوضها، فتصدى لهذا القرار (القديس فالنتاين)، وصار يجري عقود الزواج للجُند سراً، فعلم الإمبراطور بذلك فزج به في السجن وحكم عليه بالإعدام، وفي سجنه وقع في حب ابنة الذي سجنه، وكان هذا سراً أيضاً؛ حيث يحرم على القساوسة والرهبان الزواج وتكوين العلاقات العاطفية، لما ابتدعوه من الرهبانية، ونُفّذ فيه حكم القتل يوم 14 فبراير عام 270 ميلادية، ومن يومها أُطلق عليه لقب قدّيس، واحتُفل بيوم مقتله كعيد للحب!


 

فحق على كل عاقل قبل أن يُقدم على أي عمل، أن يعلم مبتدأه ومنتهاه، وثمرته ونتيجته، وإن الاحتفال بمثل هذا العيد، إنما هو تشجيع لقومٍ لا خلاق لهم على استباحة العفة والنقاء، وذبح الكرامة والحياء، فهُم في هذا اليوم يبثون شحنات شهوانية حيوانية، يخبطون فيها خبط عشواء، بلا حياء من الله ولا من خلقه!!


 

ها هو صلى الله عليه وسلم يحذّر أُمَّتهُ تقليد الأمم الكافرة والتشبه بهم، ومشاركتهم في أعيادهم هو من صور التشبه بالكفار، فيقولُ فداه أبي وأمي: «من تشبه بقوم فهو منهم» (أخرجه أبو داود وأحمد). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]، وقال: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67]، كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به بين الشرائع،وإلى هذا الاختصاص أشار عليه السلام بقوله: «إن لكل قوم عيداً، وإن هذا عيدنا..»، والعيد شريعة من شرائع الكفر أو شعيرة من شعائره، فحرمت موافقتهم فيها كسائر شعائر الكفر وشرائعه".


 

وقال ابن القيم رحمه الله: "ولا يجوز للمسلمين حضور أعياد المشركين باتفاق أهل العلم الذين هم أهله، وقد صرح به الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة في كتبهم، وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم"، وقال عمر أيضاً: "اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم"، وروى البيهقي بإسناد جيد عن عبد الله بن عمرو أنه قال: «من مَرَّ ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك؛ حُشر معهم يوم القيامة» (انتهى من أحكام أهل الذمة).


 

فإذا رأى الناس نزوةً من قوم مشركين أحدثوا بها عيداً، هل يكونون بذلك أهلاً للتقليد والاتباع؟! أم أن خير المرسلين وسيد النبيين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم هو الذي ينبغي تقليده واتباعه، والتشرف باقتفاء أثره؟