الحمد لله جات في البقر

منذ 2006-03-24

من فوائد تلك الحملةِ الحاقدة على نبيّ النور والرّحمة، صلوات ربِّي وسلامه عليه، أن أيقَظت في الأمّة عواطفَ جيّاشة ومحبّةً صادقة تجاهَ سيّد ولد آدم صلوات ربي وسلامه عليه.
ولم أرَ خلالَ العِقد الماضي وَثبةً للأمّة أو يقظة تشبِه ما نعايِشه اليومَ من تماسكٍ واتفاق وتَفانٍ في الإنكار على الحُثالة العابثة الحاقدة.

وكان من أبرزِ ما اتَّفقت عليه الأمّة بجميع مستوياتها مقاطعةُ منتجات القومِ ومحاربتُها تعبيرًا عن الاستياء وتأكيدًا على الولاءِ لصفوة الخلقِ الرّحمة المهداة صلوات ربي وسلامه عليه.

وبالرَّغم من فرحي بهذا التّماسك، وهذه الهبَّةِ الجماعيّة "غَيرِ المعهودة"، إلاّ أن عقلي يطغَى على عاطِفتي، وخِبرتي في الحياةِ ونَظرتي للأمور تأبى أن يدومَ فرحي وتكتمِلَ غبطتي! وما ذاك إلاّ لقناعَتي ويقيني أنها هبّةٌ لا تضحيةَ فيها ولا بذلَ، { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } [الأنفال:7]..

تضحيةٌ غايةُ ما فيها هجرُ أجبانِ وألبان ومنتجات أبقارٍ يغُصّ السوق بمئات البدائل وآلاف الأنواع مِنها.
وقلت لنَفسي: كيف لو كانت مسابقةُ الرسم صادرةً من اليابان؟! وكيف لو تبنَّى هذه الحملةَ صحيفةٌ يابانيّة مرموقة، ثم هي أصرَّت على عدَم الاعتذار؟! وقالت حكومتُها: وما محمّد؟! وما إِسلام؟! نحن نقوم نسجُد للآلةِ ونقدِّس الديجتال ونوالي التكنولوجيا؟! حينها يا مقاطعُ يا غيور، أخبرني بصراحةٍ وشجاعة ووُضوح حتى لا يَكونَ لك من أحرفِ الأجبان حظٌّ أو نصيب:

· هل ستقاطع السيّارة اليابانيّة؟!
· هل ستبيع أجهزةَ التسجيل والتّلفاز والحاسوب؟! هل ستتخلّى حرمُك المَصون عن ثلاّجتها وغسّالتها وكافّة أجهِزتها؟!
· هل سنترك أجهزةَ التكييف اليابانيّة وكافة منتجاتهم التقنية غيرةً وحميّة؟!
· وهل لو انضَمّت الصين وكوريا إلى اليابان كما انضمّت النّرويج وغيرها للدنمارك، هل ستستمرُّ حميتنا ونصرتنا؟!


إنها يا سادَة معضِلة فاضِحة، فَضَحت حالَنا وأمرَنا وتخلُّفنا وهوانَنا على الناس!! حتى جَعلوا بينَنا وبينهم عالَمًا مفقودًا لا وجودَ له؛ لتوسيع الهوّةِ وبيان الفارِق بيننا وبينهم، فهم دُوَل العالم الأوّل، ونحن دوَل العالم الثالث!! وأمّا العالم الثاني فلا وجودَ له على الإطلاق، وإنما هو فاعِلٌ مستَتِر وجوبًا لتأكيد الهوّة وتعميق المسَافة.

إنّ قضيتَنا الأمّ مع أعدائنا أنّنا اعتمَدنا عليهم اعتمادًا كلِّيًّا في كافّة مجالات حياتِنا حتى ملابسنا الوطنيّة كلّها صنِعَت في الغرب!! فكيف نقاطِعُه؟! وأنى نحارِبه؟! فها أنا -كاتِبُ هذه الأسطر- غُترتي سويسريّة، وشماغي إنجليزي، وبشتي قُماشه ياباني، والشتوي منه إنجليزي، والقَصب (الزري) ألماني، وقماش ثوبي ياباني، وساعتي سويسرية، وحذائي إنجليزي (كلاركس)، وسروالي مثل سراويلكم يا سادَة قماشُها ياباني، والمكائن التي حاكَت صُنِعَت عندهم، ولو ذهبتُ أستَعرِض مَعكم كلَّ جزئيّة في حياتنا لعَلِمتُم سرَّ انحسار فَرحتي وعدَم اكتِمالها؛ إننا يا سادة لو قلنا لكل شيء عندنا: ارجع إلى مصدرك، لما بقي عندنا سوى البشر وقليل من البقر!!

إنها وَثبَة جوفاء وعاطِفة متوتِّرة، لا تعبِّر عن عودةٍ صادقة لأمّةٍ نائِمة، { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ }. إنها وثبةٌ نالت من الأجبان والألبانِ ومنتجات الأبقار، والحمد لله الذي عَلِم ضعفَنا وهوانَنا على الناس، فجَنَّبَنا حماقةَ الرّسّامّين في اليابان والصّين، وخلاصةُ القول:

"الحمد لله جات في البقر"