من نوادر الأذكياء

منذ 2013-03-27

كان ابن تيمية إذا استصعب عليه أمر قام فاستغفر كثيراً، وصف قدميه في المحراب ويقول: "يا مفهم سليمان فهمني"، فيفتح الله عليه فيما استشكل عليه. وإنما كان فقهاء الإسلام ولا يزالوا يتمتعوا بحظ وافٍ من الذكاء، ليس هم فحسب، بل وفئات كثيرة من العلماء وعوام الناس وأقدم بعض هذه النماذج من حدة ذكاء بعضهم.


كان ابن تيمية إذا استصعب عليه أمر قام فاستغفر كثيراً، وصف قدميه في المحراب ويقول: "يا مفهم سليمان فهمني"، فيفتح الله عليه فيما استشكل عليه.

وإنما كان فقهاء الإسلام ولا يزالوا يتمتعوا بحظ وافٍ من الذكاء، ليس هم فحسب، بل وفئات كثيرة من العلماء وعوام الناس وأقدم بعض هذه النماذج من حدة ذكاء بعضهم:

1- غضب المأمون على طاهر بن عبد الله، فأراد طاهرٌ أن يقصده، فورد كتابٌ له من صديقٍ له ليس فيه إلا السلام، وفي حاشيته: "يا موسى"، فجعل يتأمَّله ولا يعلم معنى ذلك، وكانت له جارية فطنةٌ، فقالت: إنه يقول: {يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} [القصص:20]. فتثبط عن قصد المأمون.

2- قال أبو بكر بن عيَّاش: "كان بالكوفة رجلٌ قد ضاق معاشه، فسافر وكسب ثلاثمائة درهم، فاشترى بها ناقةً فارهةً وكانت زعرةً، فأضجرته واغتاظ منها، فحلف بالطلاق ليبيعنَّها يوم يدخل الكوفة بدرهم، ثمَّ ندم، فأخبر زوجته بالحال، فعمدت إلى سنَّور فعلَّقتها في عنق النَّاقة، وقالت: نادِ عليها مَنْ يشتري هذا السنور بثلاثمائة درهم والنَّاقة بدرهم، ولا أفرِّق بينهما، ففعل، فجاء أعرابيٌّ فقال: ما أحسنكِ!! لولا هذا البتيارك الذي في عنقك".

3- أراد شعيب بن حربٍ أن يتزوَّج امرأةً، فقال لها: "إني سيِّء الخُلُقِ، فقالت: أسوأ خُلُقًا منك مَنْ يحوجك إلى أن تكون سيِّء الخلق".

4- قال الحميدي: "كُنّا عند سفيان بن عيينة فحدَّثنا بحديث زمزم؛ أنه لما شُرِبَ له فقام رجلٌ من المجلس، ثمَّ عاد، فقال له: يا أبا محمدٍ، أليس الحديث الذي حدثتنا في زمزم صحيحًا؟ فقال: نعم. قال: فإني قد شربتُ الآن دلوًا من زمزم على أنك تحدثني بمائة حديثٍ. فقال سفيان: اقعد. فحدَّثه بمائة حديثٍ".

5- قال الأصمعي: "وقلتُ لغلامٍ حدثٍ من أولاد العرب: أَيَسُرُّك أن يكون لك مائة ألف درهم وأنك أحمقٌ؟! قال: لا والله، قلتُ: لِمَ؟ قال: أخاف أن يجني عليَّ حمقي جنايةً تذهب مالي، وتبقي عليَّ حمقي".

6- قال إبراهيم بن المنذر الحزاميُّ: "قدم أعرابيُّ من أهل البادية على رجلٍ من أهل الحضر، فأنزله، وكان عنده دجاجٌ كثيرٌ، وله امرأة وابنان وبنتان، قال: فقلتُ لامرأتي: اشوي دجاجةً، وقدميها إلينا؛ نتغدى بها، وجلسنا جميعًا ودفعنا إليه الدجاجة، فقلنا: اقسمها بيننا، نريد بذلك أن نضحك منه، قال: لا أُحْسِن القسمة، فإن رضيتم بقسمتي قسمتُ بينكم، قلنا: نرضى، فأخذ رأس الدجاجة فقطعه، فناولنيه، وقال: الرأس للرئيس، ثم قطع الجناحين، وقال: الجناحان للابنين، ثم قطع الساقين، وقال: الساقان للابنتين، ثم قطع الزَّمِكَّى، وقال: العجز للعجوز، ثم قال: والزَّوْر للزائر، فلمَّا كان من الغد، قلتُ لامرأتي: اشوي ل? خمس دجاجاتٍ، فلمَّا حضر الغداء، قلنا: اقسم بيننا، قال: شفعًا أو وترًا؟ قلنا: وترًا، قال: أنت وامرأتك ودجاجةٌ ثلاثةٌ، ثم رمى بدجاجةٍ، وقال: وابناك ودجاجةٌ ثلاثةٌ، ورمى إليهما بدجاجةٍ، وقال: وابنتاك ودجاجةٌ ثلاثةٌ، ثم قال: وأنا ودجاجتان ثلاثةٌ، فأخذ الدجاجتين، فرآنا ننظر إلى دجاجتيه، فقال: لعلَّكم كرهتم قسمتي الوتر، قلنا: اقسمها شفعًا، فقبضهن إليه، ثم قال: أنت وابناك ودجاجةٌ أربعةٌ، ورمى إلينا دجاجة، ثم قال: والعجوز وابنتاها ودجاجةٌ أربعة، ورمى إليهنَّ دجاجةٌ، ثم قال: وأنا وثلاث دجاجات أربعةٌ، وضمَّ ثلاث دجاجاتٍ، ثم رفع رأسه إلى السماء، وقال: الحمد لله أنت فهَّمْتَنِيهَا".

7- يحكى عن الرشيد أنه كان في داره حزمة خيزران، فقال لوزيره الفضل بن الربيع: "ما هذه؟" فقال: "عروق الرماح يا أمير المؤمنين"، ولم يُرِدْ أن يقول الخيزران، لموافقته اسم أُمِّ الرشيد.

8- عن مجاهد، عن عبد الله بن عباس، قال: لما تزوَّج داود بتلك المرأة، وولدت له سليمان بن داود بعدما تاب الله عليه، غلامًا طاهرًا نقيًّا، فَهِمًا، عاقلاً، عالمًا، وكان من أجمل الناس وأعظمه وأطوله، فبلغ مع أبيه حتى كان يشاوره في أموره، ويُدْخِله في حُكْمِه، فكان أول ما عَرَف داودُ من حكمته وتفرَّس فيه النبوة أن امرأة كانت كُسِيَتْ جمالاً، فجاءت إلى القاضي تخاصم عنده، فأعجبته، فأرسل إليها يخطبها، فقالت: ما أريد النكاح، فراودها على القبيح، فقالت: أنا عن القبيح أبعد، فانقلبت منه إلى صاحب الشرطة، فأصابها منه مثل الذي أصابها من القاضي، فانقلبت إلى صاحب السوق فكان منه مثل ذلك، فانقلبت منه إلى حاجب داود فأصابها منه ما أصابها من القوم، فرفضت حقَّها ولزمت بيتها، فبينا القاضي، وصاحب الشرطة، وصاحب السوق، والحاجب، جلوس يتحدَّثون فوقع ذِكْرُهَا، فتصادق القوم بينهم، وشكا كل واحد منهم إلى صاحبه ما أصابه من العجب بها.

قال بعضهم: وما يمنعكم وأنتم ولاة الأمر أن تتلطفوا بها حتى تستريحوا منها، فاجتمع رأي القوم على أن يشهدوا أن لها كلبًا وأنها تضطجع فترسله على نفسها حتى ينال منها ما ينال الرجل من المرأة، فدخلوا على داود، فذكروا له أن امرأة لها كلب تسمنه وترسله على نفسها حتى يفعل بها ما يفعل الرجل بالمرأة، فكرهنا أن نرفع أمرها إليك حتى تتحقَّق، فمشينا حتى دخلنا منزلاً قريبًا منها في الساعة التي بلغنا أنها تفعل ذلك، فنظرنا إليها كيف حلَّته من رباطه، ثم اضطجعت له حتى نال منها ما ينال الرجل من المرأة، ونظرنا إلى المِيلِ يدخل في المُكْحُلَةِ ويخرج منها، فبعث داود، فأتي بها فرجمها.

فخرج سليمان يومئذٍ وهو غلام حين ترعرع ومعه الغلمان ومعه حصانه يلعب، فجعل منهم صبيًّا قاض?ًّا، وآخر على الشرطة، وآخر على السوق، وآخر حاجبًا، وآخر كالمرأة، ثم جاءوا يشهدون عند سليمان مثل ما شهد أولئك عند داود، يريدون رجم ذلك الصبي كما رجمت المرأة، قال سليمان عند شهادتهم: "فَرِّقُوا بينهم"، ثم دعا بالصبي الذي جعله قاضيًّا، فقال: "أيقنت الشهادة؟" قال: "نعم"، قال: "فما كان لون الكلب؟" قال: "أسود"، قال: "نَحُّوه"، ونادى بالذي جعل على الشرطة، فقال له: "أيقنت الشهادة؟" قال: "نعم"، قال: "فما كان لون الكلب؟" قال: "أحمر"، قال: "نَحُّوه"، ثم دعا بصاحب السوق، فقال: "أيقنت الشهادة؟" قال: "نعم"، قال: "فما كان لون الكلب؟" قال: "أبيض"، قال: "نَحُّوه"، ثم دعا بالذي جعله حاجبًا، فقال: "أيقنت الشهادة؟" قال: "نعم"، قال: "فما كان لون الكلب؟" قال: "أغبش" قال: "أردتم أن تغشُّوني حتى أرجم امرأة من المسلمين"، فقال للصبيان: "ارجموهم"، وخلَّى سبيل الصبي الذي جعله امرأة ورجع إلى حصانه، فدخلوا على داود فأخبروه الخبر، فقال داود: "عليَّ بالشهود الساعةَ واحدًا واحدًا"، فأُتِيَ بهم، فسألَ القاضيَ: "ما كان لون الكلب؟" قال: "أسود"، ثم أتى بصاحب الشرطة، فسأله، فقال: "أبيض"، ثم أتى بصاحب السوق، فسأله، فقال: "كان أحمر"، ثم أتى بالحاجب، فسأله، فقال: "كان أغبش"، فأمر بهم داود فقُتِلُوا مكان المرأة، فكان هذا أول ما استبان لداود من فهم سليمان.

وأخيراً: أقول: لن يعدم جيل من الأجيال من الأذكياء والحكماء حتى ولو كانوا من غير المسلمين ولكن ما أجمل أن يتحلى المسلم به وتتوج به سيرته.

 



محمد بن عبد الله