قلنا وقالت أمريكا

منذ 2013-03-30

فقالت أمريكا....، ثم قلنا......، ثم قالت أمريكا......، ثم قلنا....، إلى أن وصل بنا الجدال إلى العداء التّاريخيّ الدّينيّ بين أمّة الإسلام وبين النّصارى، والذي هو أصل الصّراع الدّائر بيننا وبينهم، ولا يغفل عنه إلاّ غافل أو جاهل أو صاحب هوى، والذي حقيقته صراع أزليّ وأبديّ بين الكفر والإيمان، وبين الباطل والحقّ، وبين أولياء الشّيطان وأولياء الرّحمن...


قلنا: لماذا يا أمريكا دمّرتِ أفغانستان، وأسقطتِ دولة طالبان، وغزوتِ العراق، وشتّتِ أهلها؟

قالت: لأنّهم آووا من ضرب أمريكا، ودمّر البرجين في نيويورك، وقتل الأبرياء؟

قلنا: من فعل ذلك؟

قلنا: لأنّكم ضربتم المسلمين في الصّومال وغيرها ووسمتم المسلمين بالإرهابيّين، وضيّقتم عليهم في كلّ مكان، ولم ترحموا منهم أحدًا إلاّ من وافقكم على هواكم.

قالت أمريكا: بل هم من فجّر السّفارة الأمريكيّة في نيروبي، وفجّر كذلك حاملة الطّائرات الأمريكيّة الرّاسية في خليج عدن.

قلنا: بل أنتم ساندتم ودعمتم الغاصب اليهوديّ ضدّ إخواننا المسلمين في فلسطين، وكِلتم بمكيالين؛ فأوغرتم صدور كثير من المسلمين عليكم، ممّا حمل طائفة منّا على السّعي في حربكم وإيصال الضّرر إليكم بكلّ سبيلٍ ممكن.

فقالت أمريكا....، ثم قلنا......، ثم قالت أمريكا......، ثم قلنا....، إلى أن وصل بنا الجدال إلى العداء التّاريخيّ الدّينيّ بين أمّة الإسلام وبين النّصارى، والذي هو أصل الصّراع الدّائر بيننا وبينهم، ولا يغفل عنه إلاّ غافل أو جاهل أو صاحب هوى، والذي حقيقته صراع أزليّ وأبديّ بين الكفر والإيمان، وبين الباطل والحقّ، وبين أولياء الشّيطان وأولياء الرّحمن، صراع بدأه الشّيطان الأكبر إبليس منذ الأزل عندما أعلن العداوة لآدم عليه السلام وذرّيته ممّن بعده، قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا . قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا . قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا . وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا . إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِر?بِّكَ وَكِيلًا} [الإسراء:61-65].

وقال جلّ وعلا: {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ . قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ . ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:14-17]، وهو حبلٌ طويلٌ من الصّراع والعداء ممتدّ إلى يوم القيامة، وهذا الصّراع هو سنّة الله في خلقه كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان:20]، وقال جلّ وعلا أيضًا: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: من الآية 4]، وهو صراعٌ يستخدم الشّيطان فيه جنوده من شياطين الإنس والجنّ، فيسلّطهم على عباد الرحمن، ويحثّهم على محاربتهم، ويغريهم، ويزيّن لهم ذلك، ويعدهم أنّه جار وناصر لهم، كما أخبر الله عنه وعن حال أعداء الله في غزوة بدر: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ . وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} [الأنفال:47-48].

قال ابن القيم رحمه الله: "فإن أعجزه -قلتُ: يعني الشّيطان- العبد من هذه المراتب السّتّ -هي ستّ مراتب شيطانيّة لإغواء العبد المؤمن- وأعيا عليه سلّط عليه حزبه من الإنس والجنّ بأنواع الأذى والتّكفير والتّضليل والتّبديع والتّحذير منه، وقصْد إخماله وإطفائه ليشوّش عليه قلبه ويشغل بحربه فكرَه، وليمنع النّاس من الانتفاع به؛ فيبقى سعيه في تسليط المبطلين من شياطين الإنس والجنّ عليه ولا يفتر، ولا يني فحينئذ يلبس المؤمن لأْمة الحرب، ولا يضعها عنه إلى الموت، ومتى وضعها أُسر أو أُصيب فلا يزال في جهاد حتى يلقى الله!!" [التفسير القيم لابن القيم جمع وترتيب/ محمد أويس الندوي].

وسيبقى هذا العداء والصّراع إلى آخر الزمان عندما يتقاتل اليهود والنّصارى المسلمين كما أخبر بذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو الصّادق المصدوق فروى مسلم في صحيحه عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَتُقَاتِلُنَّ الْيَهُودَ فَلَتَقْتُلُنَّهُمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ».

وعن عوف بن مالك الأشجعي قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بناء له فسلمت عليه، فقال لي: «يا عوف»، قلتُ: نعم. قال لي: «ادخل». قلتُ: كلي أو بعضي. قال: «بل كلك»، فقال: «يا عوف، اعدد ستاً بين يدي الساعة: أولهن موتي». قال: فاستبكيتُ حتى جعل يُسكتني، ثم قال: «قل إحدى». قلتُ: إحدى. قال: «والثانية فتح بيت المقدس. قل: اثنتين». قلتُ: اثنتين. قال: «والثالثة موتان يكون في أمتي يأخذهم مثل قعاص الغنم. قل: ثلاثاً». قلتُ: ثلاثاً. قال: «والرابعة فتنة تكون في أمتي وعظمها. قل: أربعاً». قلتُ: أربعاً. قال: «والخامسة يفيض فيكم المال حتى إن الرجل ليعطي المائة دينار فيتسخط. قل: خمساً». قلتُ: خمساً. والسّادسة هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيسيرون إليكم على ثمانين غاية»، قلتُ: وما الغاية؟ قال: «الراية، تحت كلّ راية اثنا عشر ألفًا، فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يُقال لها الغوطة في مدينة يُقال لها دمشق» [رواه أحمد "تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم"].

فجنود الباطل وأولياء الشّيطان هم من بدأ أمّة الإسلام وأولياء الرحمن وجنود الحقّ بالعداوة والحرب، وسيُهزمون كما وعدنا الله تعالى بذلك. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36]، وقال الله تعالى أيضًا: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَو? كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 32-33].

وأخبرنا رسولنا بذلك فعن جَابِر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:  «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» -قَالَ- «فَيَنْزِلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم  فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ لاَ. إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ. تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّةَ» [رواه مسلم].

وهذا العداء هو حقيقة واضحة لمن تدبّر كلام الله تعالى كما قال جلّ وعزّ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: 44-45]، وغيرها من آيات، ومع ذلك ودّ كثير من بني جِلدتنا ممّن يتكلّمون بألسنتا وممّن أُشربت قلوبُهم حبّ أمريكا والغرب لو كانت هذه الحقيقة وهمًا وخيالاً من فرط حبّهم لهم.

فلا بدّ من إعداد العدّة لتلك الحرب والصّراع، ولنقابل هذه الحقيقة والواقع بجدّ وعزيمة، ولا نخفي رؤوسنا في الرّمال، أو نحسن الظنّ في من عادى الله ورسوله والمؤمنين!! وعدّتنا وسلاحنا في ذلك هو إيماننا بالله وثقتنا به؛ فهو وليّنا وناصرنا، ثم ثقتنا بأنفسنا وأخذنا بالأسباب. فكلّ أمم الأرض تأخذ بأسباب القوّة فيما أراه في زماننا هذا، إلّا أمّة الإسلام؛ فهي مقصّرة في ذلك، مع ما هيّأ الله تعالى لها من أسباب القوّة والتّمكين من بقاء الدّين الصّافي الذي بُعث به نبيّنا صلى الله عليه وسلم ووحدة اللّغة والأرض، فلا نحتاج إلّا لعودة صادقة إلى ربّنا ولديننا الذي هو مصدر عزّنا وقوّتنا، ولو طلبنا العزّة بغيره أذلّنا الله [هي من مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية]، والواقع يشهد بذلك، ولا تحتاج الشّمس وهي في رابعة النّهار إلى دليل.


خالد بن صالح الغيص