'المهدي المنتظر' و'النووي المرتقب'!!
منذ 2006-04-22
شكّل صعود الرئيس الإيراني 'محمود أحمدي نجاد' إلى سدّة الرئاسة في
يونيو 2005م مفرقًا هامًا في السياسية الخارجية الإيرانية, واختلط إلى
حد كبير العقدي بالسياسي, وخضع الثاني للأول بصورة أكثر وضوحًا,
وتراجعت البراجماتية السياسية لصالح الأيدلوجيا بعدما أحكمت الأصولية
حلقاتها على مفاتيح صنع القرار, بدءًا من مجالس الشورى المحلية
(البلديات)، مرورًا بمجلس الشورى (البرلمان)، وأخيرًا رئاسة
الجمهورية.
الملف الأكثر صخبًا الذي صاحب ظهور نجاد على المسرح الدولي رئيسًا لإيران, هو الملف النووي, فثمة تصميم على المضيّ قدمًا في امتلاك مقاليد التقنية النووية رغم التهديدات الخارجية الأمريكية الغربية، والمقترحات الروسية، والتدخلات الصينية الساعية لتفكيك الأزمة.
فقد أعلن الرئيس الإيراني في تحدٍ واضح يوم الثلاثاء 11/4/2006 أن إيران أصبحت عضوًا في مجموعة البلدان التي تملك التكنولوجيا النووية وأنها عازمة على الوصول إلى تخصيب اليورانيوم على النطاق الصناعي.
وقال أحمدي نجاد في خطاب بثه التلفزيون من مدينة مشهد بشمال شرق إيران: "إنني أعلن رسميًا انضمام إيران إلى تلك المجموعة من البلدان التي تمتلك التكنولوجيا النووية... إن هذه هي نتيجة مقاومة الأمة الإيرانية".
وهذا التحدي الإيراني لا نستطيع فصمه حقيقة عن العقدية النجادية، لاسيما ما يتصل منها بقرب ظهور المهدي المنتظر, الذي يبدو بشكل كبير أنه يقود تصورات نجاد لمفهوم 'الأمة الإيرانية' التي لابد أن تتشكل وتتهيأ لاستقباله.
المهدي المنتظر عند الشيعة "الإثنا عشرية" (1)
الشيعة يشترطون أن تكون الإمامة في الأعقاب بعد الحسين بن علي، وقالوا: لا يجوز انتقالها لأخ أو عم أو ابن عم... ولما مات الحسن العسكري الإمام الحادي عشر(2) ،الذي هو من نسل الحسين ولم يكن له عقب، كانوا بين ثلاثة أمور:
إما أن يتنازلوا عن هذا الشرط، فيجعلونها في غيره، وهذا ما قالت به طائفة من الشيعة, وإما أن يسلموا بانقطاع الإمامة بعد الحسن العسكري لانقطاع الولد، وإما أن يختلقوا ولدًا للحسن يقوم مقامه.. فكانت الثالثة !
ولذلك اختلف الشيعة بعد الحسن العسكري إلى عشرين فرقة, منهم 'الإثنا عشرية' التي قالت: إن لله حجة من ولد الحسن العسكري هو المهدي المنتظر, وليس للعباد أن يبحثوا في أمور الله، ويقضوا بلا علم، ويطلبوا آثار ما ستر عنهم، وليس علينا البحث عن أمره.
واستند الشيعة في التدليل على وجود المهدي بأدلة عقلية، منها ضرورة وجود إمام في الأرض عنده جميع علم الشريعة يرجع الناس إليه في أحكام الدين، وضرورة كونه معصومًا، وأن يكون من أولاد الحسين بن علي، وهو ما لا يتوافر إلا في محمد بن الحسن العسكري (وهو الإمام المهدي المنتظر).
ومن أدلّتهم النقلية ما نسبوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله للحسين: 'هذا إمام، ابن إمام، أخو إمام، أبو أئمة تسعة، تاسعهم قائمهم، اسمه كاسمي، وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً، كما مُلأت جورًا'، وقالوا: هذا الحديث مشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد توارثته الشيعة خلفًا عن سلف.
وهذا الحديث لا ينسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فرقة واحدة من فرق الشيعة التي بلغت قريبًا من السبعين، كلها تكذّب هذا الحديث.
ويعتقد الشيعة 'الإثنا عشرية' أن الإمام الثاني عشر قد اختفى بعد سنوات من مولده عام 256 للهجرة، فهم يقولون: إن الإمام لما بلغ خمس سنين قُبِضَ أبوه الإمام الحسن العسكري, ولما تحرك العباسيون لإلقاء القبض عليه، غيّبه الله عز وجل سبعين عامًا، التي هي 'الغيبة الصغرى'.
وخلال هذه الفترة كان الإمام يتصل بشيعته ومواليه من خلال النواب الأربعة، إلى أن توفي السفير الرابع، فترك الإمام قاعدة عامة عندما سئل: لمن الرجوع بعدك؟ فحدد الشروط بقوله: ارجعوا إلى رواة حديثنا. فقالوا من هم؟ قال: 'فأما من كان من الفقهاء، حافظًا لدينه، صائنا لنفسه، مخالفًا لهواه، مطيعًا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه'.
وثمة أسطورة تروى وتنسب للشيعة الإمامية حول 'الغيبة الكبرى'، وهي أسطورة الخروج من السرداب، حيث يقف الشيعة عند الغروب بباب السرداب في سامراء يلبسون الأكفان ويضعون لهم بغلة ويشهرون السيوف ترقبًا وانتظارًا لخروج صاحب الزمان من السرداب الذي مكث فيه قرون عديدة، ولم يخرج حتى الآن ـ بحسب المعتقد الشيعي ـ لأنه خائف، وهذا عليه أغلبهم إلى الآن، ولذلك من أسمائه أو من ألقابه عندهم "الخائف", رغم أنه إمام الناس الذي ينتظرونه باعتباره مخلّصًا لهم من الظلم والطغيان.
وقالوا: إن ظهور الإمام إنما هو بأحد أمور إما بكثرة أعوانه وأنصاره، أو قوتهم ونجدتهم، أو قلة أعدائه، أو ضعفهم وجورهم، فإذا غلب في ظنه السلامة، وقوي عنده بلوغ الغرض والظفر بالإرب، تعين عليه فرض الظهور.
وقال صدر الدين الصدر في فوائد الانتظار (انتظار ظهور المهدي): إنه يبعث إلى إصلاح النفس بل والغير كذلك, ويكون باعثًا وراء تهيئة المقدمات والمعدات الموجبة لغلبة المهدي على عدوه ولازمه تحصيل ما يحتاج إليه من المعارف والعلوم سيما وقد علم أن غلبته على عدوه تكون بالأسباب العادية. (الخرازي ـ بداية المعارف 2: 165 ـ 167).
ويرى بعض الشيعة في حرب العراق والدمار الحادث في بغداد مقدّمة لظهور المهدي, حيث صرّح مقتدى الصدر أثناء زيارته للكويت أن القوات الأمريكية لم تأت إلى العراق من أجل السنة أو الشيعة، وإنما جاءت وفق معتقدات أيديولوجية يمينية غربية، للتصدي لخروج المهدي المنتظر الذي قرب أوان ظهوره.
وإذ خرج المهدي فإنه أولاً يأتي بقرآن جديد، كما جاء في كتاب الغيبة للنعماني: "لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد، على العرب شديد". ثم هو حريص -بحسب ظنهم- على قتل العرب قتلاً شديدًا, ونقلوا عن أبي جعفر قوله: "لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه، مما يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم".
ويهدم ـ بحسب المعتقد الشيعي ـ الحجرة النبوية ويحرق جثة الشيخين, كما جاء في كتاب (بحار الأنوار): "وأجيء إلى يثرب، فأهدم الحجرة (يعني الحجرة النبوية)، أخرج من بها وهما طريّان (يعني أبا بكر وعمر رضي الله عنهما) لأنهما دفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وبجوار قبره ـ فآمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما...".
وفي رجعته المزعومة يقيم الحد على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث ذكر شيخهم الحر العاملي في كتابه 'الإيقاظ من الهجعة': "أما لو قد قام قائمنا ـ يعني: خرج الإمام في رجعته ـ لقد ردت إليه الحميراء، حتى يجلدها الحد".
ويهدم المسجد الحرام ويعذب المشرفين على الحرمين الشريفين؛ فقد روى شيخهم المفيد في كتابه (الإرشاد)، والطوسي في كتابه (الغيبة): "إذا قام المهدي هدم المسجد الحرام, وقطع أيدي بني شيبة، وعلقها بالكعبة، وكتب عليها هؤلاء سراق الكعبة".
المهدي وأثره في توجهات نجاد
يرتبط ظهور المهدي الذي قرب أوانه -بحسب المعتقد النجادي- بوجود دولة قوية متقدمة تحظى بالمعارف والعلوم الحديثة وعلى رأسها بطبيعة الحال التكنولوجيا النووية, ومن ثم فإن كل التضحيات والعقبات والعقوبات يمكن تحملها لحين ظهور 'المخلّص'.
وهذا يفسّر إلى حد كبير التركيز الذي يوليه الرئيس الإيراني منذ انتخابه على 'المهدي المنتظر'؛ ففي الخامس من يناير الماضي أكد الرئيس الإيراني أمام حشد من طلاب الدين في مدينة "قم" أن عودة الإمام المهدي المنتظر صارت قريبة، وأن على المسلمين أن يستعدوا لاستقباله. وقد أكد مهدي كروبي -الرئيس السابق لمجلس الشورى الإيراني- بعد تصريحات نجاد، أن بعض المقربين من الرئيس الإيراني قالوا: إن عودة الإمام المهدي ستحدث في السنتين المقبلتين.
وفي كلمته التي ألقاها في السادس عشر من نوفمبر الماضي أمام حشد من الخطباء الإيرانيين، قال نجاد: إن المهمة الرئيسة لحكومته تتلخص في 'تمهيد الطريق للعودة المجيدة للإمام المهدي'.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 سبتمبر 2005، تعرّض بالحديث عن المهدي المنتظر, مشيرًا إلى أن هالة من النور كانت تحيطه أثناء إلقاء خطابه!!
ونشرت صحيفة 'الانتخاب' -المحسوبة على التيار الإصلاحي- أن نجاد وطاقم حكمه وقّعوا ميثاقًا مع المهدي المنتظر في أول جلسة لمجلس الوزراء, وكلّفوا وزير الثقافة 'صفار هرندي' بإلقائه في بئر جمكران في مدينة 'قم', حيث تلقى الأموال والنذور والرسائل المُراد أن يطلع عليها المهدي !
كما رفض نجاد تخصيص جزء من أموال النذور لإنشاء طريق طهران -جمكران بدعوى أن حكومته لم تأت من أجل قيادة الشعب, بل من أجل التمهيد لظهور المهدي المنتظر!!
وقد يفسر هذا المعتقد كذلك التصريحات الملتهبة التي يطلقها نجاد حول ضرورة عدم الاعتراف بـ'إسرائيل' ومحوها من خريطة العالم الإسلامي.
فحسبما نقلت الوكالة الإيرانية، فقد اعتبر الرئيس الإيراني أن الاعتراف بـ'إسرائيل' يعد خطًا أحمر يجب عدم تجاوزه. وقال في مؤتمر بطهران بعنوان 'العالم بدون صهيونية': إن الاشتباكات في الأراضي المحتلة 'جزء من حرب أقدار, ومصير مئات السنوات القادمة سيتحدد بالأراضي الفلسطينية'.
ودعا الأمة الإسلامية 'ألا تسمح لعدوها التاريخي بالعيش في قلب أراضيها', قائلاً: إن 'إسرائيل' يجب أن تشطب من الخريطة.
واعتبر أن 'كل من يعترف بكيان 'إسرائيل' يكون قد وقع استسلام العالم الإسلامي الذي يخوض حربًا تاريخية منذ مئات السنوات'.
وأشار إلى أن الله سيرفع الظلم عن العالم, وأن عصر القمع والحكم الاستبدادي والظلم يولي وموجة الثورة الإسلامية ستشمل قريبًا العالم أجمع', وصرح في حين آخر بأن إيران لديها دور شديد الأهمية لتمارسه على المستوى الإقليمي.
هذا الخطاب الثوري, هو في حقيقته مكمّل للتصور النجادي عن المهدي المنتظر، الذي يتوقف ظهوره على 'محو إسرائيل' من خريطة العالم الإسلامي, ونقلها إلى أوروبا أو أي مكان آخر خارج المحيط الإسلامي الذي يتهيأ لاستقبال المهدي.
بقي أن نقول: إن الدول ذات العلاقة بالملف الإيراني (أمريكا, بريطانيا, فرنسا, ألمانيا, الصين, روسيا) منقسمة على نفسها حيال الإجراءات التي يمكن أن تتخذ لإثناء النظام الإيراني عن مساعيه النووية, وهو ما يغري النظام بالتحدي وكسب المزيد من الوقت للوصول إلى مرحلة اللاعودة وتحقيق الطموحات النجادية.
كما أن الغرق الأمريكي في المستنقع العراقي, وحاجتها إلى المساعدة الإيرانية ذات النفوذ القوي على الشيعة, شكلاً حافزًا رئيسًا في هذا التمادي.
لكن التعويل على عدم اتخاذ موقف أمريكي حاسم من إيران, بما في ذلك الضربة العسكرية الخاطفة, رغم ما يكتنفها من صعوبات, اعتمادًا على تلك الوضعية السياسية يبقى رهانًا غير مضمون العواقب, في ظل سيطرة تيار 'المحافظون الجدد' على المزاج الرئاسي تجاه الخارج.
_________________________
(1) المهدي في عقيدة أهل السنة :
نرى لزامًا أن نلقي الضوء بصورة موجزة عن عقيدة أهل السنة في المهدي المنتظر, حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث ذكر المهدي، ولذلك قال الإمام الشوكاني -رحمه الله تعالى- عن الأحاديث التي تناولت المهدي المنتظر أنه وقف منها على خمسين حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك أو شبهة عنده.
منها ما أخرجه الإمام أبو داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض عدلاً».
وجاء كذلك عند أبي داود من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «المهدي من عترتي، من ولد فاطمة», وجاء كذلك عند أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم: «المهدي منّا أهل البيت، يصلحه الله في ليله».
وجاء كذلك عند أحمد: «المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملأت جورًا وظلمًا، ويملك سبع سنين».
وجاء عند مسلم إشارة إلى المهدي، من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم تعال صلِ لنا، فيقول لا، بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة».
وقد ذكر أهل العلم أن هذا الرجل الذي يتقدم ويصلي بعيسى هو المهدي عليه السلام.
وعند أهل السنة المهدي سيولد ويخالط الناس ويصلحه الله عز وجل في ليلة, وليس في السرداب مختبئًا منذ قرون كما روي عن الشيعة الإمامية, وسيملأ العالم عدلاً وقسطًا, وليس من طبعه أن يعمل القتل في المسلمين, ويحرق أجساد الصحابيين حتى يتمنى الناس أن يكون رحيمًا!!
(2) شجرة الأئمة عند الشيعة:
الإمام الأول: علي بن أبي طالب.
الإمام الثاني: الحسن بن علي.
الإمام الثالث: الحسين بن علي.
الإمام الرابع: علي بن الحسين.
الإمام الخامس: محمد بن علي بن الحسين.
الإمام السادس: جعفر الصادق بن محمد.
الإمام السابع: موسى كاظم بن جعفر.
الإمام الثامن: الرضا بن موسى كاظم.
الإمام التاسع: محمد بن الجواد الرضا.
الإمام العاشر: علي الهادي بن محمد.
الإمام الحادي عشر: الحسن العسكري.
الإمام الثاني عشر: محمد بن الحسن.
__________
المراجع:
[1] موسوعة الإمام المهدي: إعداد وتنظيم مركز الأبحاث العقائدية.
[2] التوجهات الدينية للرئيس الإيراني أحمدي نجاد: محمد عباس ناجي.
[3] من هو المهدي المنتظر: محاضرة للشيخ عثمان الخميس.
الملف الأكثر صخبًا الذي صاحب ظهور نجاد على المسرح الدولي رئيسًا لإيران, هو الملف النووي, فثمة تصميم على المضيّ قدمًا في امتلاك مقاليد التقنية النووية رغم التهديدات الخارجية الأمريكية الغربية، والمقترحات الروسية، والتدخلات الصينية الساعية لتفكيك الأزمة.
فقد أعلن الرئيس الإيراني في تحدٍ واضح يوم الثلاثاء 11/4/2006 أن إيران أصبحت عضوًا في مجموعة البلدان التي تملك التكنولوجيا النووية وأنها عازمة على الوصول إلى تخصيب اليورانيوم على النطاق الصناعي.
وقال أحمدي نجاد في خطاب بثه التلفزيون من مدينة مشهد بشمال شرق إيران: "إنني أعلن رسميًا انضمام إيران إلى تلك المجموعة من البلدان التي تمتلك التكنولوجيا النووية... إن هذه هي نتيجة مقاومة الأمة الإيرانية".
وهذا التحدي الإيراني لا نستطيع فصمه حقيقة عن العقدية النجادية، لاسيما ما يتصل منها بقرب ظهور المهدي المنتظر, الذي يبدو بشكل كبير أنه يقود تصورات نجاد لمفهوم 'الأمة الإيرانية' التي لابد أن تتشكل وتتهيأ لاستقباله.
المهدي المنتظر عند الشيعة "الإثنا عشرية" (1)
الشيعة يشترطون أن تكون الإمامة في الأعقاب بعد الحسين بن علي، وقالوا: لا يجوز انتقالها لأخ أو عم أو ابن عم... ولما مات الحسن العسكري الإمام الحادي عشر(2) ،الذي هو من نسل الحسين ولم يكن له عقب، كانوا بين ثلاثة أمور:
إما أن يتنازلوا عن هذا الشرط، فيجعلونها في غيره، وهذا ما قالت به طائفة من الشيعة, وإما أن يسلموا بانقطاع الإمامة بعد الحسن العسكري لانقطاع الولد، وإما أن يختلقوا ولدًا للحسن يقوم مقامه.. فكانت الثالثة !
ولذلك اختلف الشيعة بعد الحسن العسكري إلى عشرين فرقة, منهم 'الإثنا عشرية' التي قالت: إن لله حجة من ولد الحسن العسكري هو المهدي المنتظر, وليس للعباد أن يبحثوا في أمور الله، ويقضوا بلا علم، ويطلبوا آثار ما ستر عنهم، وليس علينا البحث عن أمره.
واستند الشيعة في التدليل على وجود المهدي بأدلة عقلية، منها ضرورة وجود إمام في الأرض عنده جميع علم الشريعة يرجع الناس إليه في أحكام الدين، وضرورة كونه معصومًا، وأن يكون من أولاد الحسين بن علي، وهو ما لا يتوافر إلا في محمد بن الحسن العسكري (وهو الإمام المهدي المنتظر).
ومن أدلّتهم النقلية ما نسبوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله للحسين: 'هذا إمام، ابن إمام، أخو إمام، أبو أئمة تسعة، تاسعهم قائمهم، اسمه كاسمي، وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً، كما مُلأت جورًا'، وقالوا: هذا الحديث مشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد توارثته الشيعة خلفًا عن سلف.
وهذا الحديث لا ينسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فرقة واحدة من فرق الشيعة التي بلغت قريبًا من السبعين، كلها تكذّب هذا الحديث.
ويعتقد الشيعة 'الإثنا عشرية' أن الإمام الثاني عشر قد اختفى بعد سنوات من مولده عام 256 للهجرة، فهم يقولون: إن الإمام لما بلغ خمس سنين قُبِضَ أبوه الإمام الحسن العسكري, ولما تحرك العباسيون لإلقاء القبض عليه، غيّبه الله عز وجل سبعين عامًا، التي هي 'الغيبة الصغرى'.
وخلال هذه الفترة كان الإمام يتصل بشيعته ومواليه من خلال النواب الأربعة، إلى أن توفي السفير الرابع، فترك الإمام قاعدة عامة عندما سئل: لمن الرجوع بعدك؟ فحدد الشروط بقوله: ارجعوا إلى رواة حديثنا. فقالوا من هم؟ قال: 'فأما من كان من الفقهاء، حافظًا لدينه، صائنا لنفسه، مخالفًا لهواه، مطيعًا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه'.
وثمة أسطورة تروى وتنسب للشيعة الإمامية حول 'الغيبة الكبرى'، وهي أسطورة الخروج من السرداب، حيث يقف الشيعة عند الغروب بباب السرداب في سامراء يلبسون الأكفان ويضعون لهم بغلة ويشهرون السيوف ترقبًا وانتظارًا لخروج صاحب الزمان من السرداب الذي مكث فيه قرون عديدة، ولم يخرج حتى الآن ـ بحسب المعتقد الشيعي ـ لأنه خائف، وهذا عليه أغلبهم إلى الآن، ولذلك من أسمائه أو من ألقابه عندهم "الخائف", رغم أنه إمام الناس الذي ينتظرونه باعتباره مخلّصًا لهم من الظلم والطغيان.
وقالوا: إن ظهور الإمام إنما هو بأحد أمور إما بكثرة أعوانه وأنصاره، أو قوتهم ونجدتهم، أو قلة أعدائه، أو ضعفهم وجورهم، فإذا غلب في ظنه السلامة، وقوي عنده بلوغ الغرض والظفر بالإرب، تعين عليه فرض الظهور.
وقال صدر الدين الصدر في فوائد الانتظار (انتظار ظهور المهدي): إنه يبعث إلى إصلاح النفس بل والغير كذلك, ويكون باعثًا وراء تهيئة المقدمات والمعدات الموجبة لغلبة المهدي على عدوه ولازمه تحصيل ما يحتاج إليه من المعارف والعلوم سيما وقد علم أن غلبته على عدوه تكون بالأسباب العادية. (الخرازي ـ بداية المعارف 2: 165 ـ 167).
ويرى بعض الشيعة في حرب العراق والدمار الحادث في بغداد مقدّمة لظهور المهدي, حيث صرّح مقتدى الصدر أثناء زيارته للكويت أن القوات الأمريكية لم تأت إلى العراق من أجل السنة أو الشيعة، وإنما جاءت وفق معتقدات أيديولوجية يمينية غربية، للتصدي لخروج المهدي المنتظر الذي قرب أوان ظهوره.
وإذ خرج المهدي فإنه أولاً يأتي بقرآن جديد، كما جاء في كتاب الغيبة للنعماني: "لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد، على العرب شديد". ثم هو حريص -بحسب ظنهم- على قتل العرب قتلاً شديدًا, ونقلوا عن أبي جعفر قوله: "لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه، مما يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم".
ويهدم ـ بحسب المعتقد الشيعي ـ الحجرة النبوية ويحرق جثة الشيخين, كما جاء في كتاب (بحار الأنوار): "وأجيء إلى يثرب، فأهدم الحجرة (يعني الحجرة النبوية)، أخرج من بها وهما طريّان (يعني أبا بكر وعمر رضي الله عنهما) لأنهما دفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وبجوار قبره ـ فآمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما...".
وفي رجعته المزعومة يقيم الحد على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث ذكر شيخهم الحر العاملي في كتابه 'الإيقاظ من الهجعة': "أما لو قد قام قائمنا ـ يعني: خرج الإمام في رجعته ـ لقد ردت إليه الحميراء، حتى يجلدها الحد".
ويهدم المسجد الحرام ويعذب المشرفين على الحرمين الشريفين؛ فقد روى شيخهم المفيد في كتابه (الإرشاد)، والطوسي في كتابه (الغيبة): "إذا قام المهدي هدم المسجد الحرام, وقطع أيدي بني شيبة، وعلقها بالكعبة، وكتب عليها هؤلاء سراق الكعبة".
المهدي وأثره في توجهات نجاد
يرتبط ظهور المهدي الذي قرب أوانه -بحسب المعتقد النجادي- بوجود دولة قوية متقدمة تحظى بالمعارف والعلوم الحديثة وعلى رأسها بطبيعة الحال التكنولوجيا النووية, ومن ثم فإن كل التضحيات والعقبات والعقوبات يمكن تحملها لحين ظهور 'المخلّص'.
وهذا يفسّر إلى حد كبير التركيز الذي يوليه الرئيس الإيراني منذ انتخابه على 'المهدي المنتظر'؛ ففي الخامس من يناير الماضي أكد الرئيس الإيراني أمام حشد من طلاب الدين في مدينة "قم" أن عودة الإمام المهدي المنتظر صارت قريبة، وأن على المسلمين أن يستعدوا لاستقباله. وقد أكد مهدي كروبي -الرئيس السابق لمجلس الشورى الإيراني- بعد تصريحات نجاد، أن بعض المقربين من الرئيس الإيراني قالوا: إن عودة الإمام المهدي ستحدث في السنتين المقبلتين.
وفي كلمته التي ألقاها في السادس عشر من نوفمبر الماضي أمام حشد من الخطباء الإيرانيين، قال نجاد: إن المهمة الرئيسة لحكومته تتلخص في 'تمهيد الطريق للعودة المجيدة للإمام المهدي'.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 سبتمبر 2005، تعرّض بالحديث عن المهدي المنتظر, مشيرًا إلى أن هالة من النور كانت تحيطه أثناء إلقاء خطابه!!
ونشرت صحيفة 'الانتخاب' -المحسوبة على التيار الإصلاحي- أن نجاد وطاقم حكمه وقّعوا ميثاقًا مع المهدي المنتظر في أول جلسة لمجلس الوزراء, وكلّفوا وزير الثقافة 'صفار هرندي' بإلقائه في بئر جمكران في مدينة 'قم', حيث تلقى الأموال والنذور والرسائل المُراد أن يطلع عليها المهدي !
كما رفض نجاد تخصيص جزء من أموال النذور لإنشاء طريق طهران -جمكران بدعوى أن حكومته لم تأت من أجل قيادة الشعب, بل من أجل التمهيد لظهور المهدي المنتظر!!
وقد يفسر هذا المعتقد كذلك التصريحات الملتهبة التي يطلقها نجاد حول ضرورة عدم الاعتراف بـ'إسرائيل' ومحوها من خريطة العالم الإسلامي.
فحسبما نقلت الوكالة الإيرانية، فقد اعتبر الرئيس الإيراني أن الاعتراف بـ'إسرائيل' يعد خطًا أحمر يجب عدم تجاوزه. وقال في مؤتمر بطهران بعنوان 'العالم بدون صهيونية': إن الاشتباكات في الأراضي المحتلة 'جزء من حرب أقدار, ومصير مئات السنوات القادمة سيتحدد بالأراضي الفلسطينية'.
ودعا الأمة الإسلامية 'ألا تسمح لعدوها التاريخي بالعيش في قلب أراضيها', قائلاً: إن 'إسرائيل' يجب أن تشطب من الخريطة.
واعتبر أن 'كل من يعترف بكيان 'إسرائيل' يكون قد وقع استسلام العالم الإسلامي الذي يخوض حربًا تاريخية منذ مئات السنوات'.
وأشار إلى أن الله سيرفع الظلم عن العالم, وأن عصر القمع والحكم الاستبدادي والظلم يولي وموجة الثورة الإسلامية ستشمل قريبًا العالم أجمع', وصرح في حين آخر بأن إيران لديها دور شديد الأهمية لتمارسه على المستوى الإقليمي.
هذا الخطاب الثوري, هو في حقيقته مكمّل للتصور النجادي عن المهدي المنتظر، الذي يتوقف ظهوره على 'محو إسرائيل' من خريطة العالم الإسلامي, ونقلها إلى أوروبا أو أي مكان آخر خارج المحيط الإسلامي الذي يتهيأ لاستقبال المهدي.
بقي أن نقول: إن الدول ذات العلاقة بالملف الإيراني (أمريكا, بريطانيا, فرنسا, ألمانيا, الصين, روسيا) منقسمة على نفسها حيال الإجراءات التي يمكن أن تتخذ لإثناء النظام الإيراني عن مساعيه النووية, وهو ما يغري النظام بالتحدي وكسب المزيد من الوقت للوصول إلى مرحلة اللاعودة وتحقيق الطموحات النجادية.
كما أن الغرق الأمريكي في المستنقع العراقي, وحاجتها إلى المساعدة الإيرانية ذات النفوذ القوي على الشيعة, شكلاً حافزًا رئيسًا في هذا التمادي.
لكن التعويل على عدم اتخاذ موقف أمريكي حاسم من إيران, بما في ذلك الضربة العسكرية الخاطفة, رغم ما يكتنفها من صعوبات, اعتمادًا على تلك الوضعية السياسية يبقى رهانًا غير مضمون العواقب, في ظل سيطرة تيار 'المحافظون الجدد' على المزاج الرئاسي تجاه الخارج.
_________________________
(1) المهدي في عقيدة أهل السنة :
نرى لزامًا أن نلقي الضوء بصورة موجزة عن عقيدة أهل السنة في المهدي المنتظر, حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث ذكر المهدي، ولذلك قال الإمام الشوكاني -رحمه الله تعالى- عن الأحاديث التي تناولت المهدي المنتظر أنه وقف منها على خمسين حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك أو شبهة عنده.
منها ما أخرجه الإمام أبو داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض عدلاً».
وجاء كذلك عند أبي داود من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «المهدي من عترتي، من ولد فاطمة», وجاء كذلك عند أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم: «المهدي منّا أهل البيت، يصلحه الله في ليله».
وجاء كذلك عند أحمد: «المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملأت جورًا وظلمًا، ويملك سبع سنين».
وجاء عند مسلم إشارة إلى المهدي، من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم تعال صلِ لنا، فيقول لا، بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة».
وقد ذكر أهل العلم أن هذا الرجل الذي يتقدم ويصلي بعيسى هو المهدي عليه السلام.
وعند أهل السنة المهدي سيولد ويخالط الناس ويصلحه الله عز وجل في ليلة, وليس في السرداب مختبئًا منذ قرون كما روي عن الشيعة الإمامية, وسيملأ العالم عدلاً وقسطًا, وليس من طبعه أن يعمل القتل في المسلمين, ويحرق أجساد الصحابيين حتى يتمنى الناس أن يكون رحيمًا!!
(2) شجرة الأئمة عند الشيعة:
الإمام الأول: علي بن أبي طالب.
الإمام الثاني: الحسن بن علي.
الإمام الثالث: الحسين بن علي.
الإمام الرابع: علي بن الحسين.
الإمام الخامس: محمد بن علي بن الحسين.
الإمام السادس: جعفر الصادق بن محمد.
الإمام السابع: موسى كاظم بن جعفر.
الإمام الثامن: الرضا بن موسى كاظم.
الإمام التاسع: محمد بن الجواد الرضا.
الإمام العاشر: علي الهادي بن محمد.
الإمام الحادي عشر: الحسن العسكري.
الإمام الثاني عشر: محمد بن الحسن.
__________
المراجع:
[1] موسوعة الإمام المهدي: إعداد وتنظيم مركز الأبحاث العقائدية.
[2] التوجهات الدينية للرئيس الإيراني أحمدي نجاد: محمد عباس ناجي.
[3] من هو المهدي المنتظر: محاضرة للشيخ عثمان الخميس.
المصدر: مفكرة الإسلام
- التصنيف: