لا بأس عليك يا شيخ سفر
منذ 2006-04-23
استوقفني شعور غريب عندما سمعت بما أصاب الشيخ الفاضل الدكتور سفر
الحوالي من مرض -أسأل الله رب العرش العظيم أن يشفيه- ومكثت في حالة
ذهول وشرود ذهني. قد هزني الخبر حتى كدت أكذبه كي أهرب من الصدمة التي
أفجعتني..
فذهبت بمخيلتي أفكر في حال الأمة وما أصابها من مصائب في الآونة الأخيرة، استوقفت فيها عند بعض النقاط قد تكون معلومة للجميع ولكني أذكرها من باب التذكير في هذا الموقف الحرج.
أولاً: سنّة الله في الابتلاء
فقد اقتضت سنة الله عز وجل أن يبتلي عباده بالمحن والمصائب، وأن يختبرهم بالبأساء والضراء؛ تزكيةً ورفع درجة للمؤمنين، وتميزاً للمنافقين، وكشفاً لزيف المتدثرين شعار التوحيد زوراً، ولعل في ذلك تذكيراً وتنبيهاً للعاصين والكافرين من التمادي في الضلالة والغي {وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام:42].
ومن سنّة الله وتقديره ابتلاء أوليائه وأحبائه، وجعلهم أشد الناس بلاءً، فالأنبياء وهم صفوة الخلق وأكمله أشد الناس ابتلاء؛ لا لذنب اقترفوه، أو معصية انتهكوها، ولكن "لتتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم، فيقتدى بهم، ولئلا يفتتن الناس بدوام صحتهم فيعبدوهم.. فالبلاء في مقابلة النعمة، فمن كانت نعمة الله عليه أكثر فبلاؤه أشد.. ثم قيل لأمهات المؤمنين {ينِسَآءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب:30].
ولست أريد في حديثي هذا أن أتكلم عن الابتلاء وحكمته، وإنما أردت الإشارة إلى أمر مهم وهو أن سنّة الله تعالى قضت أن الابتلاء ملازم للأفراد والجماعات، وأن الأمة لا يمكن أن يستقيم عودها، وتقوى شوكتها ما لم تمحص بالمحن والابتلاءات.
وهذه الابتلاءات التي نشهدها في الأمة والتي لا يكاد يحصيها المرء لكثرتها وتنوّعها وتقارب في شدتها، وإن كان أشدها ـ في رأيى ـ هو ما يصيب علمائها من موت أو مرض أو فتنة، فأشد البلاء وأخطره ما كان في الدين، والعلماء هم حراس الدين، وأمنته «إنَّ اللهَ لا يَقبِضُ العِلمَ انتزِاعاً يَنتزِعُهُ من العِبادِ، ولكنْ يَقبِضُ العِلمَ بقَبض العُلماءِ». فهذه الابتلاءات وإن كان في ظاهرها لشر إلا إنها تحمل في طيّاتها الخير، وأمر المؤمن كله خير، فلا نجزع أو نخور ونستكين؛ بل لتكون لنا هذه المحن منح ربانية ننطلق منها إلى رحاب إيماني أكبر، وفكر أشمل، ونرتقي به سلوكنا وتصوراتنا.
ثانياً: حاجة الأمة لأهل العلم
فنحن نعيش في عصر وإن كان كثر فيه وسائل التعليم، وأدوات المعرفة إلا أن الحاجة لأهل العلم الشرعي أصبحت حاجة ملحّة. فالتواصل المعرفي مع الغرب والشرق، والتبادل المعلوماتي مع الآخر، والصدمة الحضارية، والغزو الفضائي شكّل حالة استغراب لدى بعض أفراد الأمة، والحالة الفردية التي يعيشها المسلم من انغماس في الحياة اليومية، مع العجز الذي يكتنفه في طلبه للعلم الشرعي، وخموله الثقافي، سواء فيما يتعلق بدين الله عز وجل أو فيما يتعلق برقيه وتطوره التربوي والسلوكي، كوّن للفرد ثقافة إسلامية سطحية تعجز في مواجهة الأفكار المنحرفة والدعوات الضالة، فالحاجة لأهل العلم هي حالة ضرورة تعيشها الأمة كي يزيلوا الشبهات التي يقذفها أهل البدع والزيغ، وينفوا عن الدين تحريف الغاليين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
وأحسب الشيخ الفاضل سفر الحوالي من هؤلاء العلماء الذين يكشفون زيف الدعوات الضالة ويبينون تهافت الأفكار المنحرفة، فقد تناول الشيخ سفر ـ شفاه الله تعالى ـ المذاهب الفكرية المعاصرة بالتقويض والهدم، وكشف ما فيها من باطل، ودحض شبهاتهم الفكرية، ولم يكتف بمحاربة الأفكار الدينية الهدامة؛ بل تناول الدسائس السياسية، والمخططات السرية التي يحيكها اليهود والنصارى ضد المسلمين، فأظهر ذلك وبينه من خلال كتبهم ومصادرهم بقوة في الحجة، ولم يمنعه قوة الخصم من قول ما يعتقده، وأحسبه قد أدى الأمانة التي أناطها الله تعالى بأهل العلم. فأسأل الله له الشفاء التام.
ثالثاً: العالم المؤثر هو الداعي بعلمه وعمله
إن ما ورد من فضل للعلماء إنما هو "في حق العلماء العاملين الأبرار المتقين الذين قصدوا به وجه الله الكريم" وفي حق من كان "قوله مطابقاً لفعله، فإن كان مخالفاً له فليس بأهل لأن يؤخذ عنه، ولا أن يُقتدى به في علم"، ولن يكون العالم مؤثراً نافعاً الناس بعلمه إذا اعتزل الناس ومكث في داره سجين أفكاره، فقد جرت العادة أن الجاهل مفتقر للعالم، وقد قالوا:"إن العلم كان في صدور الرجال، ثم انتقل إلى التكب، وصارت مفاتحه بأيدي الرجال" وهذا الكلام يقضي بأن لا بد في تحصيله من الرجال" يقول الأوزاعي :"كان هذا العلم شيئاً شرياً إذ كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه، فلما صار في الكتب ذهب نوره، وصار إلى غير أهله".
فالعالم وإن حوى الشيء العظيم من العلوم، وبرز فيها؛ فلن يكون مؤثراً ما لم يكن داعياً بعلمه وعمله، معلماً للناس ومبيناً لهم الحلال والحرام، مرشداً لهم للصواب. والأمة لا يخلد في ذاكرتها إلا العلماء الربانيين الذين يجاهدون الباطل ويصدعون بالحق ويصبرون على أذى الناس.
وما كان الشيخ سفر أن يكون مؤثراً لو بقي في داره، منكباً على كتابه، متلذذاً بقراءته، وإنما كان تأثيره على الناس عندما دعا الناس بعلمه، وبيّن لهم الحق من الباطل. وهذه ثمرة العلم وفائدته أن يخرج للناس، فلا يمنعه جبن أو خوف من الناس أو تحبسه الأوهام والظنون، فالمصلح لا تهدأ نفسه أبداً، ولا يلتذ له عيش وهو يرى تساقط الناس ولم يرفع بذلك رأساً.
رابعاً: الأشخاص إلى فناء
ولكن فكرهم ومنهجهم وما قدموه من علم وخير للإنسانية فهو باق، تذكره الأجيال، وتتدارسه الأمم. ولذا كان من أصول المنهج الإسلامي أن لا يتعلق الناس بالأشخاص ـ وإنما دورهم مع الأشخاص هو الاستفادة من علمهم وأدبهم وأخلاقهم ـ فالتعلّق لا يكون إلا لله تعالى، فالشخص وإن سلم من الفتنة فهو لن يسلم من الموت {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] فالمسلم لا يجعل تعلقه بهذا الدين ببقاء الأشخاص، ولا يجعل نصرة الدين مرتبطة ببقاء الأشخاص، فإن من طبيعة هذا الدين الرباني الدوام والبقاء والثبات وأنه لا يمكن بحال أن يزول؛ وإن زال أو ضعف أتباعه، وقل أنصاره.
قد يعز الدين وينتشر بقوة الأتباع كما جاء «اللهم أعز هذا الدين بأحب العمرين» وكما انتشر الدين بقوة في عهد الصحابة الكرام لقوة إيمانهم، فالفرد أو المجموعة القوة لها أثر في انتصار الدين وانتشاره لكن ذلك لا يعني أن الدين مرتبط انتصاره بالأشخاص؛ كلا، فالله حافظ دينه، وهؤلاء الأشخاص هم من الأسباب التي جعلها الله لنصر دينه، ولذلك اقتضت سنة الله تعالى أن تولى الناس عن نصرة هذا الدين أن يستبدلهم ويأتي بأناس أكفاء في حمل الرسالة، وأداء الأمانة كما قال الله تعالى: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم} [محمد:38]، فلا بد لهذا الدين من رجال صادقين يحملونه ويذبون عنه ويبلغونه للناس بكل صدق وإخلاص، من غير تحريف ولا تأويل أو تبديل، كي تقوم حجة الله على العباد، «و لا يزالُ من أُمَّتي أمةٌ قائمةٌ بأمرِ الله لا يضرُّهم مَن خذَلَهم ولا من خالَفَهم، حتى يأتيَهم أمرُ اللهِ وهم على ذلك».
وأخيراً: هذا ما جاد به القلم، وكل الصيد في جوف كتب الشيخ أمتعنا الله بعلمه، ومنّ علينا بشفاه إنه جواد كريم.
فذهبت بمخيلتي أفكر في حال الأمة وما أصابها من مصائب في الآونة الأخيرة، استوقفت فيها عند بعض النقاط قد تكون معلومة للجميع ولكني أذكرها من باب التذكير في هذا الموقف الحرج.
أولاً: سنّة الله في الابتلاء
فقد اقتضت سنة الله عز وجل أن يبتلي عباده بالمحن والمصائب، وأن يختبرهم بالبأساء والضراء؛ تزكيةً ورفع درجة للمؤمنين، وتميزاً للمنافقين، وكشفاً لزيف المتدثرين شعار التوحيد زوراً، ولعل في ذلك تذكيراً وتنبيهاً للعاصين والكافرين من التمادي في الضلالة والغي {وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام:42].
ومن سنّة الله وتقديره ابتلاء أوليائه وأحبائه، وجعلهم أشد الناس بلاءً، فالأنبياء وهم صفوة الخلق وأكمله أشد الناس ابتلاء؛ لا لذنب اقترفوه، أو معصية انتهكوها، ولكن "لتتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم، فيقتدى بهم، ولئلا يفتتن الناس بدوام صحتهم فيعبدوهم.. فالبلاء في مقابلة النعمة، فمن كانت نعمة الله عليه أكثر فبلاؤه أشد.. ثم قيل لأمهات المؤمنين {ينِسَآءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب:30].
ولست أريد في حديثي هذا أن أتكلم عن الابتلاء وحكمته، وإنما أردت الإشارة إلى أمر مهم وهو أن سنّة الله تعالى قضت أن الابتلاء ملازم للأفراد والجماعات، وأن الأمة لا يمكن أن يستقيم عودها، وتقوى شوكتها ما لم تمحص بالمحن والابتلاءات.
وهذه الابتلاءات التي نشهدها في الأمة والتي لا يكاد يحصيها المرء لكثرتها وتنوّعها وتقارب في شدتها، وإن كان أشدها ـ في رأيى ـ هو ما يصيب علمائها من موت أو مرض أو فتنة، فأشد البلاء وأخطره ما كان في الدين، والعلماء هم حراس الدين، وأمنته «إنَّ اللهَ لا يَقبِضُ العِلمَ انتزِاعاً يَنتزِعُهُ من العِبادِ، ولكنْ يَقبِضُ العِلمَ بقَبض العُلماءِ». فهذه الابتلاءات وإن كان في ظاهرها لشر إلا إنها تحمل في طيّاتها الخير، وأمر المؤمن كله خير، فلا نجزع أو نخور ونستكين؛ بل لتكون لنا هذه المحن منح ربانية ننطلق منها إلى رحاب إيماني أكبر، وفكر أشمل، ونرتقي به سلوكنا وتصوراتنا.
ثانياً: حاجة الأمة لأهل العلم
فنحن نعيش في عصر وإن كان كثر فيه وسائل التعليم، وأدوات المعرفة إلا أن الحاجة لأهل العلم الشرعي أصبحت حاجة ملحّة. فالتواصل المعرفي مع الغرب والشرق، والتبادل المعلوماتي مع الآخر، والصدمة الحضارية، والغزو الفضائي شكّل حالة استغراب لدى بعض أفراد الأمة، والحالة الفردية التي يعيشها المسلم من انغماس في الحياة اليومية، مع العجز الذي يكتنفه في طلبه للعلم الشرعي، وخموله الثقافي، سواء فيما يتعلق بدين الله عز وجل أو فيما يتعلق برقيه وتطوره التربوي والسلوكي، كوّن للفرد ثقافة إسلامية سطحية تعجز في مواجهة الأفكار المنحرفة والدعوات الضالة، فالحاجة لأهل العلم هي حالة ضرورة تعيشها الأمة كي يزيلوا الشبهات التي يقذفها أهل البدع والزيغ، وينفوا عن الدين تحريف الغاليين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
وأحسب الشيخ الفاضل سفر الحوالي من هؤلاء العلماء الذين يكشفون زيف الدعوات الضالة ويبينون تهافت الأفكار المنحرفة، فقد تناول الشيخ سفر ـ شفاه الله تعالى ـ المذاهب الفكرية المعاصرة بالتقويض والهدم، وكشف ما فيها من باطل، ودحض شبهاتهم الفكرية، ولم يكتف بمحاربة الأفكار الدينية الهدامة؛ بل تناول الدسائس السياسية، والمخططات السرية التي يحيكها اليهود والنصارى ضد المسلمين، فأظهر ذلك وبينه من خلال كتبهم ومصادرهم بقوة في الحجة، ولم يمنعه قوة الخصم من قول ما يعتقده، وأحسبه قد أدى الأمانة التي أناطها الله تعالى بأهل العلم. فأسأل الله له الشفاء التام.
ثالثاً: العالم المؤثر هو الداعي بعلمه وعمله
إن ما ورد من فضل للعلماء إنما هو "في حق العلماء العاملين الأبرار المتقين الذين قصدوا به وجه الله الكريم" وفي حق من كان "قوله مطابقاً لفعله، فإن كان مخالفاً له فليس بأهل لأن يؤخذ عنه، ولا أن يُقتدى به في علم"، ولن يكون العالم مؤثراً نافعاً الناس بعلمه إذا اعتزل الناس ومكث في داره سجين أفكاره، فقد جرت العادة أن الجاهل مفتقر للعالم، وقد قالوا:"إن العلم كان في صدور الرجال، ثم انتقل إلى التكب، وصارت مفاتحه بأيدي الرجال" وهذا الكلام يقضي بأن لا بد في تحصيله من الرجال" يقول الأوزاعي :"كان هذا العلم شيئاً شرياً إذ كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه، فلما صار في الكتب ذهب نوره، وصار إلى غير أهله".
فالعالم وإن حوى الشيء العظيم من العلوم، وبرز فيها؛ فلن يكون مؤثراً ما لم يكن داعياً بعلمه وعمله، معلماً للناس ومبيناً لهم الحلال والحرام، مرشداً لهم للصواب. والأمة لا يخلد في ذاكرتها إلا العلماء الربانيين الذين يجاهدون الباطل ويصدعون بالحق ويصبرون على أذى الناس.
وما كان الشيخ سفر أن يكون مؤثراً لو بقي في داره، منكباً على كتابه، متلذذاً بقراءته، وإنما كان تأثيره على الناس عندما دعا الناس بعلمه، وبيّن لهم الحق من الباطل. وهذه ثمرة العلم وفائدته أن يخرج للناس، فلا يمنعه جبن أو خوف من الناس أو تحبسه الأوهام والظنون، فالمصلح لا تهدأ نفسه أبداً، ولا يلتذ له عيش وهو يرى تساقط الناس ولم يرفع بذلك رأساً.
رابعاً: الأشخاص إلى فناء
ولكن فكرهم ومنهجهم وما قدموه من علم وخير للإنسانية فهو باق، تذكره الأجيال، وتتدارسه الأمم. ولذا كان من أصول المنهج الإسلامي أن لا يتعلق الناس بالأشخاص ـ وإنما دورهم مع الأشخاص هو الاستفادة من علمهم وأدبهم وأخلاقهم ـ فالتعلّق لا يكون إلا لله تعالى، فالشخص وإن سلم من الفتنة فهو لن يسلم من الموت {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] فالمسلم لا يجعل تعلقه بهذا الدين ببقاء الأشخاص، ولا يجعل نصرة الدين مرتبطة ببقاء الأشخاص، فإن من طبيعة هذا الدين الرباني الدوام والبقاء والثبات وأنه لا يمكن بحال أن يزول؛ وإن زال أو ضعف أتباعه، وقل أنصاره.
قد يعز الدين وينتشر بقوة الأتباع كما جاء «اللهم أعز هذا الدين بأحب العمرين» وكما انتشر الدين بقوة في عهد الصحابة الكرام لقوة إيمانهم، فالفرد أو المجموعة القوة لها أثر في انتصار الدين وانتشاره لكن ذلك لا يعني أن الدين مرتبط انتصاره بالأشخاص؛ كلا، فالله حافظ دينه، وهؤلاء الأشخاص هم من الأسباب التي جعلها الله لنصر دينه، ولذلك اقتضت سنة الله تعالى أن تولى الناس عن نصرة هذا الدين أن يستبدلهم ويأتي بأناس أكفاء في حمل الرسالة، وأداء الأمانة كما قال الله تعالى: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم} [محمد:38]، فلا بد لهذا الدين من رجال صادقين يحملونه ويذبون عنه ويبلغونه للناس بكل صدق وإخلاص، من غير تحريف ولا تأويل أو تبديل، كي تقوم حجة الله على العباد، «و لا يزالُ من أُمَّتي أمةٌ قائمةٌ بأمرِ الله لا يضرُّهم مَن خذَلَهم ولا من خالَفَهم، حتى يأتيَهم أمرُ اللهِ وهم على ذلك».
وأخيراً: هذا ما جاد به القلم، وكل الصيد في جوف كتب الشيخ أمتعنا الله بعلمه، ومنّ علينا بشفاه إنه جواد كريم.
المصدر: صيد الفوائد - مبارك بقنه
- التصنيف: