نظرة القرآن للرسل والأنبياء
أرسل الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وختم به رسالاته، فكانت رسالته رحمة وهدى للعالمين، فلم يَأْتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليختلف مع الآخرين، ويُثِيرُ البغضاء والشحناء، بل جاء هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا؛ إيمانًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أنبياء الله جميعًا عليهم صلوات الله وسلامه إنما جاءوا بنفس التعاليم التي جاء بها؛ لذلك حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم دائمًا على إظهار هذا المعنى، وآياتُ القرآن تدعوه إلى إعلان ذلك، فيقول تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ}
أرسل الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وختم به رسالاته، فكانت رسالته رحمة وهدى للعالمين، فلم يَأْتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليختلف مع الآخرين، ويُثِيرُ البغضاء والشحناء، بل جاء هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا؛ إيمانًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أنبياء الله جميعًا عليهم صلوات الله وسلامه إنما جاءوا بنفس التعاليم التي جاء بها؛ لذلك حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم دائمًا على إظهار هذا المعنى، وآياتُ القرآن تدعوه إلى إعلان ذلك، فيقول تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:9].
وكانت معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الديانات الأخرى معاملة راقية؛ انطلاقًا من قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70]، فلم يفكر يومًا في ظلم أحدهم أو قتله أو إجباره على اعتناق الإسلام، أو إكراهه على تغيير دينه؛ لقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99].
ورغم ذلك فما زال هناك بعض الحاقدين يُثِيرون حول الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم الكثير من الشبهات التي هو منها براء؛ ولذا فقد أفردنا هذه المقالات لتناول حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين، وآداب تعامله معهم.
الإسلام الدين الخاتم:
منذ بعث الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى العالمين بشيرًا ونذيرًا وهو يؤكِّد على حقيقة مهمَّة، ألا وهي أن دينَ الأنبياء جميعًا هو الإسلام -منذ خلق الله تعالى آدم عليه السلام إلى أن ختم الله رسالاته بمحمد صلى الله عليه وسلم- دينٌ واحد، يدعو إلى عبادة ربٍّ واحد تعالى وإن اختلفت الشرائع في الأحكام الفرعيَّة، وجاء القرآن الكريم معبِّرًا عن هذا المعنى في آيات كثيرة؛ فقال عن إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:127]، وجاء على لسان يوسف عليه السلام: {رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101].
فالإسلام ينظر إلى الأنبياء جميعًا نظرة تبجيل وتعظيم؛ فاستحقَّ لذلك أن يكون الدِّينَ الخاتم للبشريَّة.
نظرة القرآن للرسل والأنبياء:
منذ بداية الدعوة الإسلاميَّة والقرآن يتنزَّل بالآيات التي تشرح قصص الأنبياء؛ انطلاقًا من كون الرسالة التي نزلتْ عليهم جميعًا واحدة -مهما اختلفت العصور والأماكن- وهدفها واحد؛ وهو إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وهدايتهم إلى طريق الحقِّ تبارك وتعالى، فكان القرآن واضحًا غاية الوضوح في بيان حقيقة العَلاقة بين الرسل جميعًا؛ حيث قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا . وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:163-164].
ثم ها هو ذا القرآن المكِّيُّ يتحدَّث عن تكريم موسى عليه السلام على سبيل المثال فيقول: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص:14]، ويقول أيضًا: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف:144]، ومثال ذلك كثير جدًّا في القرآن الكريم.
والأمر كذلك بالنسبة لعيسى عليه السلام؛ فتجد القرآن المكِّيَّ يُمَجِّد قصَّته في أكثر من موضع، فيذكر على سبيل المثال: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا . وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا . وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم:30-33]، ويقول أيضًا: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنعام:85].
وعلى هذا التكريم والتبجيل استمرَّ الوضعُ في فترة المدينة، على ما كان فيها من صراعات وخلافات مع اليهود والنصارى، وعلى ما حدث من تكذيبٍ مستمرٍّ منهم، إلاَّ أن المديح الإلهي للأنبياء الكرام استمرَّ دونما انقطاع؛ فربنا تعالى يذكر موسى وعيسى عليهما السلام كاثنين من أُولي العزم من الرسل، فيقول سبحانه في حقِّهما: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب:7].
فإذا أخذنا في الاعتبار أن هذه السورة -وهي سورة الأحزاب- قد نزلت بعد خيانة يهود بني قريظة للمسلمين، ومحاولتهم استئصال كافَّة المسلمين من المدينة؛ أدركنا مدى التكريم الإلهي لموسى وعيسى عليهما السلام وهما من أنبياء بني إسرائيل وأدركنا كذلك مدى الأمانة التي اتَّصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ ينقل تكريم الله لهؤلاء الأنبياء العظام على رغم خيانة أقوامهم وأتباعهم.
"ولم يكن هذا الاحتفاء والاحترام لهذين الرسولين العظيمين أمرًا عرضيًّا عابرًا في القرآن الكريم، بل كان متكرِّرًا بشكل لافت للنظر؛ فعلى الرغم من ورود لفظ (محمد) صلى الله عليه وسلم أربع مرَّات فقط، ولفظ (أحمد) مرَّة واحدة فقط، نجد أن لفظ (عيسى) قد جاء خمسًا وعشرين مرَّة، ولفظ (المسيح) إحدى عشرة مرَّة، بمجموع ستّ وثلاثين مرَّة!! بينما تصدَّر موسى عليه السلام قائمة الأنبياء الذين تمَّ ذكرهم في القرآن الكريم؛ حيث ذُكر مائة وست وثلاثين مرَّة!" (انظر: محمد فؤاد عبد الباقي: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم [ص:218، 494، 666، 680]).
وبالنظر إلى عدد المرَّات التي ذُكر فيها كل نبي في القرآن نُدرك مدى الحفاوة التي زُرعت في قلوب المسلمين لهم، كما نجد أن لها دلالات لطيفة، فأكثر الأنبياء ذكرًا في القرآن هم: موسى، ثم إبراهيم، ثم نوح، ثم عيسى عليهم جميعًا أفضل الصلاة والتسليم، وهم جميعًا من أُولِي العزم من الرسل، ولا شكَّ أنَّ في هذا تعظيمًا وتكريمًا لهؤلاء الرسل خاصَّةً، ولكن لم يأتِ ذِكْرُ رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم -كما أشرنا قبل ذلك- إلاَّ خمس مرَّات، بل إننا نرى في هذا الإحصاء أن سبعة عشر نبيًّا قد ورد ذكرهم أكثر من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ممَّا يدلُّ دلالة قاطعة على أن الإسلام يجلُّ كل الرسل والأنبياء، كما يجزم هذا الإحصاء بأن القرآن ليس من تأليف رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما يدَّعي كثير من الغربيين- وإلاَّ كان همُّه أن يُمَجِّدَ نفسه لا غيره.
ونتساءل: أبَعْد كل هذا الذِّكْر والتعظيم يقال: إن المسلمين لا يعترفون بغيرهم؟! مَنْ مِنْ أهل الأرض يعترف بنا كما نعترف نحن بغيرنا؟!
الإيمان بجميع الأنبياء:
وعلى الرغم من قناعتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أفضل البشر وسيِّد الخَلْق، إلاَّ أن القرآن الكريم يأمرنا بالإيمان بجميع الأنبياء دون تفرقة بينهم؛ فيقول الله عليه السلام يصف الإيمان الأمثل الذي يجب أن تتحلَّى به أُمَّة الإسلام: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:136].
"هذا هو الإسلام في سعته وشموله لكل الرسالات، وفي ولائه لكافَّة الرسل، وفي توحيده لدين الله كله، ورَجْعِهِ جميع الرسالات إلى أصلها الواحد، والإيمان بها جملة كما أرادها الله لعباده" (سيد قطب: في ظلال القرآن [1/423]).
كما أن القرآن يعدُّ تكذيب رسول واحد من الرسل تكذيبًا لجميع الأنبياء والمرسلين؛ لقول الله تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:123]، وقوله: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105]، ويقول سيد قطب في الظلال تعليقًا على هذه الآية: "وقوم نوح لم يُكَذِّبوا إلاَّ نوحًا، ولكن الله تعالى يذكر أنهم كذَّبوا المرسلين، فالرسالة في أصلها واحدة، وهي دعوة إلى توحيد الله، وإخلاص العبودية له، فمَنْ كَذَّب بها فقد كَذَّب بالمرسلين أجمعين، فهذه دعوتهم أجمعين" (المصدر السابق [5/356]).
هذه هي الخلفية التي كان يضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذهنه عند الحديث عن الأنبياء والمرسلين.
راغب السرجاني
أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.
- التصنيف: