رسالة عاجلة من ابن العلقمي لمن يهمه الأمر
منذ 2006-06-01
ما أشبه الليلة
بالبارحة
إلى أخي وصديقي العزيز الذي لم يجمعنا لقاء ولا زمان ولا مكان، ولكنه حتماً يؤمن بمثل ما أومن به، إلى أخي في العقيدة وأخي في بغض أهل السنة عموماً والصحابة خصوصاً، الذي يشعر بمثل ما كنت أشعر به ويحلم بمثل ما كنت أحلم به، وسار على دربي وطريقي في تحقيق أهدافه وغاياته، كم أنا فخور بك ومحب لك على ما قمت به من أعمال وبطولات ! من أجل إحياء الدولة العلوية، وإعادة حق قائم آل محمد المسلوب منذ مئات السنين على أرض العراق، ولكن حق عليّ وأنت أخي في الرفض ووحدة الهدف والطريق، أن أقدم لك تجربتي في الوصول للحكم؛ فأنت أخي وحقّت لك النصيحة، ولا شك أنك تعرفني جيداً، وقرأت عني، ودرست سيرتي، بل أنا متأكد أنك قد اقتديت بي واتبعت سبيلي ومنهجي في تحقيق غاياتي، ولكن سأحكي قصتي لك ولغيرك ممن قد لا يعرفونها..
فأنا محمد بن أحمد بن علي بن محمد العلقمي، المشهور تاريخياً بابن العلقمي، ولدت بالكرخ معقل الروافض ببغداد سنة 593هجرية، ونشأت بها على تعاليم التشيّع التي تعلمنا بغض أهل السنة وتكفير الصحابة خاصة أبو بكر وعمر، وحلمت منذ نعومة أظافري بإزالة الخلافة العباسية السنّية وإقامة الخلافة العلوية وردّ حق آل البيت، ومن أجل هذا الهدف تدرعت بالتقية، وتدثرت بالخداع والمكر، ولم أبد ما أعتقد ولم أجهر بما يعتمل به قلبي من كره وبغض السنة، وقررت أن التحق بعمل قريب من دار الخلافة، حتى أتمكن من تحقيق وتنفيذ مخططاتي.
وبالفعل التحقت كاتباً بدار الخلافة في آخر عهد الخليفة العباسي 'الناصر لدين الله' ومازلت أترقي في عملي بإخلاص وأرضي عني رؤسائي في العمل حتى أصبحت أستاذ دار الخلافة فى عهد الخليفة 'المستنصر بالله' ووثّقت صلتي بولده 'عبد الله' الذي كنت أعلم جيداً أن الخلافة ستصير إليه، وكان 'عبد الله' هذا طيّباً فيه كثير من سلامة الصدر، وربما يكون فيه غفلة كبيرة وضعف في الشخصية، فتقرّبت منه جداً، فلما تولى الخلافة سنة 640هجرية، لم يلبث حتى أمر بتعيني فى أخطر منصب بالعراق وهو منصب 'الوزارة' وتحققت المرحلة الأولى من حلمي وأصبحت وزيراً للدولة العباسية، المتحكم فيها، الآمر الناهي في حكومتها.
بدأت العمل تدريجياً من أجل إضعاف الدولة العباسية، وذلك كالآتي:-
1. عملت على تقليل عدد الجيش المدافع عن بغداد لأنه كان كبيراً وجيّد التجهيز، فلقد كان يبلغ أكثر من مائة ألف مقاتل، منهم الأمراء الكبار، والفرسان الأبطال، فمازلت أجتهد في صرفهم عن الخدمة، وتقليل هذا الجيش العرمرم حتى صار عشرة ألاف مقاتل، لا حول لهم ولا قوة، لا يردون عادية أي عادي.
2. عملت على زيادة نفقات الخليفة الغافل، فبنيت له القصور، ودبّرت له الأموال، من حلها وحرامها وكنت أوفر في نفقات الجند والسلاح، لتمتلأ خزائن الخليفة، وكنت أقيم الولائم الكبيرة التي ينفق عليها بالأموال الطائلة، وكلها أمور ترضي عنها مولاي الخليفة، وتضعف من دولة الخلافة، فضربت بذلك عصفورين بحجر واحد.
3. قمت بعد ذلك بالخطوة الجريئة والخطيرة، فلقد بدأت في مراسلة التتار وكبيرهم 'هولاكو' هذا السفاح الطاغية، فأظهرت له الود والولاء والنصح، الذى ساعدني على ذلك أخي في الرفض والتشيع 'نصر الدين الطوسي' الذى سهّل لي الاتصال بهولاكو، فلقد كان يعمل عنده وزيراً وناصحاً، وهو الذي شجّعه على التقدم إلى بلاد العراق، بعدما وقف عند منتصف الهضبة الإيرانية ولم يتقدم منذ فترة، فعرضت على 'هولاكو' القدوم إلى بغداد والاستيلاء عليها وإسقاط الدولة العباسية، وألححت فى ذلك، كان هذا الأمر يوافق هوى عنده، لأن زوجته النصرانية، كانت تحرضه ليل نهار على سفك دم المسلمين، وسفارات البابا 'أوسنت الرابع' كانت تأتيه تعرض عليه نفس الفكرة، فاقتنع الرجل بالفكرة التى تضافرت عليها جهودي أنا وأخي 'نصير الدين الطوسي' وزوجة هولاكو الصليبية وسفارات بابا 'أوسنت الرابع' .
وهكذا أخي ابن الجعفري، اكتملت المؤامرة التي ظللت سنوات طويلة أنسج خيوطها وأحبكها، فالخلافة في الداخل في غاية الضعف والجيش في غاية القلة والخليفة في غاية الغفلة.. وبالفعل أخي، جاء هولاكو بجيش مهول يقدر بمائتي ألف مقاتل، واهتزّت بغداد بأسرها، وحار الخليفة الغافل ماذا يفعل؟ فأشرت عليه بمشورة زادت من الطين بلة، بأن يرسل هدايا هزيلة لهولاكو، ليظهر أنه لا يخاف منه، وأن مقام الخليفة عال لا يرام، وأنا أعلم عقلية الطاغية هولاكو بأن هذا الأمر سيجعله يشتاط غضباً، وقد كان وهجم التتار بجيشه على حاضرة الخلافة المسكينة في 1 صفر سنة 656 هجرية، فلم تقو على القتال سوى أربعة أيام ثم انهارت، فخرجت أنا وأهلي وعشيرتي الروافض، للقاء هولاكو، وأنا أظهر للناس أني خارج للتفاوض معه، ثم عدت بعد الاتفاق مع هولاكو، على استدراج الخليفة وكبار أمرائه وقواده والعلماء والأعيان وسادة البلد الذين يستطيعون أن يقودوا البلد وقت الشدائد، عدت إلى بغداد، وأقنعت الخليفة الأحمق الغافل أن يخرج للقاء هولاكو بمعسكره، فخرج الغافل ومعه سبعمائة رجل من القضاة والفقهاء والعلماء ورؤوس الدولة، للتفاوض مع هولاكو كما أقنعتهم على إقتسام خراج العراق، نصف للتتار ونصف للخليفة، فلما وصلوا إلى معسكر هولاكو قُتلوا جميعاً شر قتلة، إلا الخليفة المسكين المذعور الذى رأى بأم عينيه ما أروعه من مشهد ذبح السبعمائة سنّي.. ولا تعلم يا أخي مدى المجهود الذى بذلته أنا والطوسي، من أجل إقناع 'هولاكو' أن يقتل الخليفة المستعصم، فلقد كان متخوّفاً من عواقب قتل الخليفة، وثورة المسلمين فى كل مكان، ولكنني أقنعته في النهاية فقتل الخليفة المستعصم وكانت هذه اللحظة هى الأروع فى حياتي، فلقد انهارت أخيراً الخلافة السنّية بعد قرون من حكم البلاد..
ثم مال التتار كالوحوش الكاسرة على أهل بغداد، وقتلوا أهلها جميعاً ماعدا اليهود والنصارى فقتلوا قرابة المليونين من الرجال والنساء والأطفال، ودمروا المدينة بالكلية، ولا بأس بذلك فهم أهل السنة، دمائهم حلال لنا، مباح سفكها، لإستعادة حقنا المنهوب! ولرفع الظلم عنا! ومن أجل الحلم الكبير إقامة الحكومة الرافضية..
وقام هولاكو بمكافأتي وتعييني في منصب الوزارة، ورغم أنني كنت وزيراً من قبل وعند خليفة مسلم وأعامل بمنتهى التعظيم والاحترام، وكلمتي هي النافذة في بلاد العراق، إلا أن منصب الوزارة هذه المرة له مذاق آخر، فلقد ذهبت دولة السنّة إلى غير رجعة، وكان عليَ أن أبدأ الخطوات التنفيذية لإقامة الخلافة الشيعية والحكومة الرافضية، ولكن حدث ما لم يكن في حسباني.. حدث ما الذي أنا وأنت أخي وعلى دربي أن أعرّفك إياه وأنصحك به.. أتدري ما حدث بعد ذلك؟ أكيد أنت تدري يا أخي، فهو مكتوب في كتب التاريخ معلوم للجميع، وإياك أن تغترّ بما كتبه 'ابن طباطبا' فى كتابه 'الفخري في الآداب السلطانية'، فهو مثلنا رافض ولا يحب أن يذكر للناس نهايتي ومأساتي.
تصوّر يا أخي أنني بعدما أصبحت وزيراً عند دولة التتار على بغداد، وتخيّلت أن الدنيا قد أقبلت علينا معاشر الروافض، إذا بهولاكو ينصب رجلاً على بغداد اسمه 'الأمير علي بهاور' ورغم أنه شيعي مثلنا ولكنه رفض التعامل معي وهمّشني تماماً، تصوّر يا أخي، لقد أذلّني التتار أشد الذل، وعاملوني بمنتهى الاحتقار.. تخيّل وأنني وزيراً أركب على حصان قصير يقوده جلف تتاري، وهذا هو كل موكبي، بعدما كنت أسير أيام العباسيين في موكب فخم ضخم يحيط بي الغلمان والفرسان من كل مكان، أصبحت مثل أقل خادم يعمل عند أحد حراسي الذين كانوا يقفون على بابي أيام العباسيين، عاملني التتار بمنتهى الإهانة والإذلال، فأصابني الهمّ والحزن الشديد، وركبني من الغيظ والنكد ما فرق قلبي، ولا أنسى يا أخي هذا اليوم الذي قابلتني فيه امرأة عجوز، وقد رأتني وأنا على حصاني القصير الضعيف، فقالت لي: 'يا ابن العلقمي، أهكذا كان بنو العباس يعاملونك ؟' فوَقعَتْ كلمتها في قلبي، فزادتني غماً وحزناً على ما أنا فيه، فلقد انهارت أحلامي وتبخّرت آمالي، وأصبح كل من التتار والمسلمين يهينوني ويذلّوني، ونظموا فيّ الشعر، فقالوا..
يا فرقة الإسلام نوحوا واندبوا **** أسفـــاً على مــا حل بالمستعصـمِ
دســـت الوزارة كان قبل زمانه **** لابن الفرات فصار لابن العلقمي
[ وابن الفرات هذا كان وزيراً فى عهد الخليفة العباسى المقتدر بالله، وكان باطنياً ردىء العقيدة، وتسبّب في اضرابات وفتن انتهت بمقتل المقتدر بالله سنة 328 هجرية ]
وهكذا اجتمعت عليَّ الهموم والأحزان والآلام، فذلّ الإهانة والمعاملة السيئة من التتار بالنهار، وهمّ ضياع الأحلام وانهيار مشروع الخلافة العلوية بالليل، فلم يقوَ قلبي المشحون بكل هذه الأحزان والهموم على الاحتمال وقد جاوزت الستين من عمري، ولم يمض عليَّ سوى بضعة شهور انفطر قلبي بعدها وانصدع من صدري، فمِتُّ مهموماً محزوناً منكوراً في 1 جمادى الأخر سنة 656 هجرية، أى بعد أقل من خمسة شهور من سقوط العباسيين، وهذه كانت نهايتي، نزلت قبري وحدي، ولم يشيّعني سوى نفر يسير، أسرعوا بدفني كأنهم يتخلّصون مني، أما ما حدث لي في قبري، فلا أخبر به أحداً أبداً، وهذه كانت نهايتي، وهي عين نصيحتي وغاية مقالتي، فاعْتبِرْ بما جرى لي، ولا تبع نفسك لأعداء الإسلام مهما كان المقابل والثمن، والتزم بشعبك وأمتك، وإلا فالهوان والآلام والذل والأحزان هم المصير الذي ينتظرك، وكما قالوا "العاقل من اعتبر بغيره ولم يعتبر به غيره".
إلى أخي وصديقي العزيز الذي لم يجمعنا لقاء ولا زمان ولا مكان، ولكنه حتماً يؤمن بمثل ما أومن به، إلى أخي في العقيدة وأخي في بغض أهل السنة عموماً والصحابة خصوصاً، الذي يشعر بمثل ما كنت أشعر به ويحلم بمثل ما كنت أحلم به، وسار على دربي وطريقي في تحقيق أهدافه وغاياته، كم أنا فخور بك ومحب لك على ما قمت به من أعمال وبطولات ! من أجل إحياء الدولة العلوية، وإعادة حق قائم آل محمد المسلوب منذ مئات السنين على أرض العراق، ولكن حق عليّ وأنت أخي في الرفض ووحدة الهدف والطريق، أن أقدم لك تجربتي في الوصول للحكم؛ فأنت أخي وحقّت لك النصيحة، ولا شك أنك تعرفني جيداً، وقرأت عني، ودرست سيرتي، بل أنا متأكد أنك قد اقتديت بي واتبعت سبيلي ومنهجي في تحقيق غاياتي، ولكن سأحكي قصتي لك ولغيرك ممن قد لا يعرفونها..
فأنا محمد بن أحمد بن علي بن محمد العلقمي، المشهور تاريخياً بابن العلقمي، ولدت بالكرخ معقل الروافض ببغداد سنة 593هجرية، ونشأت بها على تعاليم التشيّع التي تعلمنا بغض أهل السنة وتكفير الصحابة خاصة أبو بكر وعمر، وحلمت منذ نعومة أظافري بإزالة الخلافة العباسية السنّية وإقامة الخلافة العلوية وردّ حق آل البيت، ومن أجل هذا الهدف تدرعت بالتقية، وتدثرت بالخداع والمكر، ولم أبد ما أعتقد ولم أجهر بما يعتمل به قلبي من كره وبغض السنة، وقررت أن التحق بعمل قريب من دار الخلافة، حتى أتمكن من تحقيق وتنفيذ مخططاتي.
وبالفعل التحقت كاتباً بدار الخلافة في آخر عهد الخليفة العباسي 'الناصر لدين الله' ومازلت أترقي في عملي بإخلاص وأرضي عني رؤسائي في العمل حتى أصبحت أستاذ دار الخلافة فى عهد الخليفة 'المستنصر بالله' ووثّقت صلتي بولده 'عبد الله' الذي كنت أعلم جيداً أن الخلافة ستصير إليه، وكان 'عبد الله' هذا طيّباً فيه كثير من سلامة الصدر، وربما يكون فيه غفلة كبيرة وضعف في الشخصية، فتقرّبت منه جداً، فلما تولى الخلافة سنة 640هجرية، لم يلبث حتى أمر بتعيني فى أخطر منصب بالعراق وهو منصب 'الوزارة' وتحققت المرحلة الأولى من حلمي وأصبحت وزيراً للدولة العباسية، المتحكم فيها، الآمر الناهي في حكومتها.
بدأت العمل تدريجياً من أجل إضعاف الدولة العباسية، وذلك كالآتي:-
1. عملت على تقليل عدد الجيش المدافع عن بغداد لأنه كان كبيراً وجيّد التجهيز، فلقد كان يبلغ أكثر من مائة ألف مقاتل، منهم الأمراء الكبار، والفرسان الأبطال، فمازلت أجتهد في صرفهم عن الخدمة، وتقليل هذا الجيش العرمرم حتى صار عشرة ألاف مقاتل، لا حول لهم ولا قوة، لا يردون عادية أي عادي.
2. عملت على زيادة نفقات الخليفة الغافل، فبنيت له القصور، ودبّرت له الأموال، من حلها وحرامها وكنت أوفر في نفقات الجند والسلاح، لتمتلأ خزائن الخليفة، وكنت أقيم الولائم الكبيرة التي ينفق عليها بالأموال الطائلة، وكلها أمور ترضي عنها مولاي الخليفة، وتضعف من دولة الخلافة، فضربت بذلك عصفورين بحجر واحد.
3. قمت بعد ذلك بالخطوة الجريئة والخطيرة، فلقد بدأت في مراسلة التتار وكبيرهم 'هولاكو' هذا السفاح الطاغية، فأظهرت له الود والولاء والنصح، الذى ساعدني على ذلك أخي في الرفض والتشيع 'نصر الدين الطوسي' الذى سهّل لي الاتصال بهولاكو، فلقد كان يعمل عنده وزيراً وناصحاً، وهو الذي شجّعه على التقدم إلى بلاد العراق، بعدما وقف عند منتصف الهضبة الإيرانية ولم يتقدم منذ فترة، فعرضت على 'هولاكو' القدوم إلى بغداد والاستيلاء عليها وإسقاط الدولة العباسية، وألححت فى ذلك، كان هذا الأمر يوافق هوى عنده، لأن زوجته النصرانية، كانت تحرضه ليل نهار على سفك دم المسلمين، وسفارات البابا 'أوسنت الرابع' كانت تأتيه تعرض عليه نفس الفكرة، فاقتنع الرجل بالفكرة التى تضافرت عليها جهودي أنا وأخي 'نصير الدين الطوسي' وزوجة هولاكو الصليبية وسفارات بابا 'أوسنت الرابع' .
وهكذا أخي ابن الجعفري، اكتملت المؤامرة التي ظللت سنوات طويلة أنسج خيوطها وأحبكها، فالخلافة في الداخل في غاية الضعف والجيش في غاية القلة والخليفة في غاية الغفلة.. وبالفعل أخي، جاء هولاكو بجيش مهول يقدر بمائتي ألف مقاتل، واهتزّت بغداد بأسرها، وحار الخليفة الغافل ماذا يفعل؟ فأشرت عليه بمشورة زادت من الطين بلة، بأن يرسل هدايا هزيلة لهولاكو، ليظهر أنه لا يخاف منه، وأن مقام الخليفة عال لا يرام، وأنا أعلم عقلية الطاغية هولاكو بأن هذا الأمر سيجعله يشتاط غضباً، وقد كان وهجم التتار بجيشه على حاضرة الخلافة المسكينة في 1 صفر سنة 656 هجرية، فلم تقو على القتال سوى أربعة أيام ثم انهارت، فخرجت أنا وأهلي وعشيرتي الروافض، للقاء هولاكو، وأنا أظهر للناس أني خارج للتفاوض معه، ثم عدت بعد الاتفاق مع هولاكو، على استدراج الخليفة وكبار أمرائه وقواده والعلماء والأعيان وسادة البلد الذين يستطيعون أن يقودوا البلد وقت الشدائد، عدت إلى بغداد، وأقنعت الخليفة الأحمق الغافل أن يخرج للقاء هولاكو بمعسكره، فخرج الغافل ومعه سبعمائة رجل من القضاة والفقهاء والعلماء ورؤوس الدولة، للتفاوض مع هولاكو كما أقنعتهم على إقتسام خراج العراق، نصف للتتار ونصف للخليفة، فلما وصلوا إلى معسكر هولاكو قُتلوا جميعاً شر قتلة، إلا الخليفة المسكين المذعور الذى رأى بأم عينيه ما أروعه من مشهد ذبح السبعمائة سنّي.. ولا تعلم يا أخي مدى المجهود الذى بذلته أنا والطوسي، من أجل إقناع 'هولاكو' أن يقتل الخليفة المستعصم، فلقد كان متخوّفاً من عواقب قتل الخليفة، وثورة المسلمين فى كل مكان، ولكنني أقنعته في النهاية فقتل الخليفة المستعصم وكانت هذه اللحظة هى الأروع فى حياتي، فلقد انهارت أخيراً الخلافة السنّية بعد قرون من حكم البلاد..
ثم مال التتار كالوحوش الكاسرة على أهل بغداد، وقتلوا أهلها جميعاً ماعدا اليهود والنصارى فقتلوا قرابة المليونين من الرجال والنساء والأطفال، ودمروا المدينة بالكلية، ولا بأس بذلك فهم أهل السنة، دمائهم حلال لنا، مباح سفكها، لإستعادة حقنا المنهوب! ولرفع الظلم عنا! ومن أجل الحلم الكبير إقامة الحكومة الرافضية..
وقام هولاكو بمكافأتي وتعييني في منصب الوزارة، ورغم أنني كنت وزيراً من قبل وعند خليفة مسلم وأعامل بمنتهى التعظيم والاحترام، وكلمتي هي النافذة في بلاد العراق، إلا أن منصب الوزارة هذه المرة له مذاق آخر، فلقد ذهبت دولة السنّة إلى غير رجعة، وكان عليَ أن أبدأ الخطوات التنفيذية لإقامة الخلافة الشيعية والحكومة الرافضية، ولكن حدث ما لم يكن في حسباني.. حدث ما الذي أنا وأنت أخي وعلى دربي أن أعرّفك إياه وأنصحك به.. أتدري ما حدث بعد ذلك؟ أكيد أنت تدري يا أخي، فهو مكتوب في كتب التاريخ معلوم للجميع، وإياك أن تغترّ بما كتبه 'ابن طباطبا' فى كتابه 'الفخري في الآداب السلطانية'، فهو مثلنا رافض ولا يحب أن يذكر للناس نهايتي ومأساتي.
تصوّر يا أخي أنني بعدما أصبحت وزيراً عند دولة التتار على بغداد، وتخيّلت أن الدنيا قد أقبلت علينا معاشر الروافض، إذا بهولاكو ينصب رجلاً على بغداد اسمه 'الأمير علي بهاور' ورغم أنه شيعي مثلنا ولكنه رفض التعامل معي وهمّشني تماماً، تصوّر يا أخي، لقد أذلّني التتار أشد الذل، وعاملوني بمنتهى الاحتقار.. تخيّل وأنني وزيراً أركب على حصان قصير يقوده جلف تتاري، وهذا هو كل موكبي، بعدما كنت أسير أيام العباسيين في موكب فخم ضخم يحيط بي الغلمان والفرسان من كل مكان، أصبحت مثل أقل خادم يعمل عند أحد حراسي الذين كانوا يقفون على بابي أيام العباسيين، عاملني التتار بمنتهى الإهانة والإذلال، فأصابني الهمّ والحزن الشديد، وركبني من الغيظ والنكد ما فرق قلبي، ولا أنسى يا أخي هذا اليوم الذي قابلتني فيه امرأة عجوز، وقد رأتني وأنا على حصاني القصير الضعيف، فقالت لي: 'يا ابن العلقمي، أهكذا كان بنو العباس يعاملونك ؟' فوَقعَتْ كلمتها في قلبي، فزادتني غماً وحزناً على ما أنا فيه، فلقد انهارت أحلامي وتبخّرت آمالي، وأصبح كل من التتار والمسلمين يهينوني ويذلّوني، ونظموا فيّ الشعر، فقالوا..
يا فرقة الإسلام نوحوا واندبوا **** أسفـــاً على مــا حل بالمستعصـمِ
دســـت الوزارة كان قبل زمانه **** لابن الفرات فصار لابن العلقمي
[ وابن الفرات هذا كان وزيراً فى عهد الخليفة العباسى المقتدر بالله، وكان باطنياً ردىء العقيدة، وتسبّب في اضرابات وفتن انتهت بمقتل المقتدر بالله سنة 328 هجرية ]
وهكذا اجتمعت عليَّ الهموم والأحزان والآلام، فذلّ الإهانة والمعاملة السيئة من التتار بالنهار، وهمّ ضياع الأحلام وانهيار مشروع الخلافة العلوية بالليل، فلم يقوَ قلبي المشحون بكل هذه الأحزان والهموم على الاحتمال وقد جاوزت الستين من عمري، ولم يمض عليَّ سوى بضعة شهور انفطر قلبي بعدها وانصدع من صدري، فمِتُّ مهموماً محزوناً منكوراً في 1 جمادى الأخر سنة 656 هجرية، أى بعد أقل من خمسة شهور من سقوط العباسيين، وهذه كانت نهايتي، نزلت قبري وحدي، ولم يشيّعني سوى نفر يسير، أسرعوا بدفني كأنهم يتخلّصون مني، أما ما حدث لي في قبري، فلا أخبر به أحداً أبداً، وهذه كانت نهايتي، وهي عين نصيحتي وغاية مقالتي، فاعْتبِرْ بما جرى لي، ولا تبع نفسك لأعداء الإسلام مهما كان المقابل والثمن، والتزم بشعبك وأمتك، وإلا فالهوان والآلام والذل والأحزان هم المصير الذي ينتظرك، وكما قالوا "العاقل من اعتبر بغيره ولم يعتبر به غيره".
المصدر: الإسلام اليوم
- التصنيف: