الانقلاب "الديموقراطي"!!

منذ 2013-07-09

إن الانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب انتخاباً حراً في مصر، ستكون له تداعيات شديدة الخطورة ليس على مصر الغالية وحدها، وإنما على استقرار المشرق الإسلامي كله.



هذا العنوان يمكن وصفه-من غير تردد- بأنه نكتة سمجة!! لكن العنوان يلخص النكتة الباردة التي يتشبث بها جنرالات مصر، الذين حنثوا بالقَسَم الذي أقسموه عندما عيَّنهم الرئيس محمد مرسي في مناصبهم، فانقلبوا عليه واحتجزوه في مكان غير معلوم، بعد أن قرروا عزله وهو الرئيس المنتخب في انتخابات حرة ونزيهة بشهادة العالم أجمع، وعطلوا الدستور الذي أقره الشعب المصري في استفتاء شفاف تم تحت رقابة الداخل والخارج!!

فعلوا كل ذلك وزعموا في الوقت ذاته، أن فعلتهم النكراء ليست انقلاباً، متذرعين بما تعود الناس منذ عشرات السنين من كل عسكري يقلب نظام الحكم، وهو أن الشعب كلفهم ذلك!! علماً بأن التطبيع مع العدو الصهيوني الغي بنداً آخر كان الانقلابيون يُصَدِّرون به جريمة الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، وهو تحرير فلسطين التي ضاعف هؤلاء الآثمون من عذابات أهلها، ودعموا غطرسة العدو بهزائمهم الشنيعة، فهم أسودٌ على شعوبهم العزلاء فحسب!!

حتى الغرب المنافق، الذي يقيم الدنيا لحماية خائن مرتد، باسم حقوق الإنسان والديموقراطية، تعامى عما وقع فلم يجرؤ رئيس أقوى دولة في العالم على تسمية انقلاب عسكر مصر باسمه!!


لقد أتى على منطقتنا زمان طويل، كان التغريبيون يتهمون الإسلاميين برفض تداول السلطة، في تدخل مرفوض في النيات، ولذلك أيدوا تبعاً لسادتهم في الغرب انقلاب جنرالات الرز والسكر والنفط والأخشاب في الجزائر على العملية الانتخابية قبيل اكتمالها، لأن ملامح فوز الإسلاميين باتت جلية.وأدخلوا بلد المليون شهيد في احتراب دموي أزهق عشرات الآلاف من الأرواح البريئة، وها هو البلد النفطي نفسه يعيش أزمة وقود خانقة في هذه الأيام!!


فلما جاءت الامتحانات العملية، تبين لكل منصف أن الإسلاميين كانوا هم الحريصين على تثبيت دعائم العملية السياسية القائمة على المشاركة الشعبية الفعلية، بينما نكص أدعياء الديموقراطية على أعقابهم، فقرروا السيطرة على الحكم تحت ظل العسكر.
فهؤلاء التغريبيون يدركون مسبقاً أنهم لن يبلغوا سدة السلطة في بلاد إسلامية عبر الاختيار الحر لأهلها، الذين ينقمون على النخبة المتغربة عداءها الصريح أو الموارب-لدين الأمة وهويتها وجذورها وكراهيتها لتاريخنا المشرق، وتبعيتها العمياء لرؤى الغرب " الحضارية":بخيرها وشرها، حلوها ومُرِّها كما قال طه حسين ذات يوم!!


ولذلك كانت التجربة الأليمة مع هؤلاء التابعين، أن هراءهم لا ينتشر إلا في ركاب محتل أجنبي غاصب، أو في ظل طاغية محلي نصبه الغرب أداة لحماية المصالح الغربية بقهر العباد ونهب ثروات البلاد.

ولسائل أن يسأل واحداً مثل محمد البرادعي الذي يتملق الجنرالات المتحكمين بمصر الآن، كي يسندوا إليه رئاسة الحكومة "الانتقالية"، في حين اجتنب خوض أي استحقاق انتخابي منذ الإطاحة بنظام مبارك؟

وأما الانقلابيون المستشعرون عار انقلابهم، فلم يمهلوا الناس ولو ساعات لعلهم يخدعونهم ويخيلوا إليهم من سحرهم أن انقلابهم ليس انقلاباً!! فخلال أقل من ساعة تم أقفال عدد من الفضائيات الإسلامية، وجرى منع خطباء لا ينتمون إلى جماعة الإخوان من خطبة الجمعة، وبدأت حملة مطاردة مسعورة لقيادات حزب الحرية والعدالة وكأنهم قتلة محترفون!! وجرى تخصيص وسائل الإعلام الرسمية التي تعود ملكيتها للشعب المصري، جرى تخصيصها لنقل مظاهرات أنصار الانقلاب دون خصومه، الذين أغلق الانقلابيون قناة الجزيرة لمنعها من تغطية مناشطهم!! بل إن مراسل CNNذات الانحياز الجلي ضد الإسلاميين، لم يَسْلَمْ من بطش العسكر لمجرد أنه أبلغ محطته على الهواء مباشرة، أن ميدان التحرير فارغ، وكانت الصور التي يلتقطها مصور محطته تشهد لما قال!!


إن الانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب انتخاباً حراً في مصر، ستكون له تداعيات شديدة الخطورة ليس على مصر الغالية وحدها، وإنما على استقرار المشرق الإسلامي كله.

إذ لم يعد مقبولاً أن تستكين الشعوب للقهر بعد أن انتشر الوعي بين أبنائها، وبعد أن حققت هذه الشعوب ثورات سلمية راقية، ضد الجور السياسي والظلم الاقتصادي، والمسخ الحضاري لهوية الأمة وثوابتها الراسخة.فهل وعى الانقلابيون الآثار الوخيمة لفعلتهم البشعة على أمن مصر وتنميتها؟