وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ
تذكروا يا أهل الإيمان جميعاً أنكم أنتم الأعلون حين يضج الباطل ويصخب، ويرفع صوته، وينفش ريشه، وتحيط به الهالات المصنعة التي تغشى على الأبصار والبصائر..
{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]. إنها الحالة الدائمة التي ينبغي أن يكون عليها شعور المؤمن في تقديره للأمور؛ الاستعلاء على قوى الأرض حين تحيد، الاستعلاء على قوانين الأرض حين تضطرب، الاستعلاء على نظم الأرض حين يأكل القوي فيها الضعيف. إنه الاستعلاء مع ضعف القوة، وقلة العدد، وفقر المال... إنه الاستعلاء الذي لا يتهاوى أمام بطش الغاصب، لا يتهاوى أمام عرف اجتماعي وتشريع باطل، لا يتهاوى أمام انقلاب مفضوح لا سند له. إنه الاستعلاء القائم على الحق الثابت، مع القلوب الموصولة برب الوجود.
{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]؛ إنه الأمر ليس بالصبر فقط ولا بالثبات فقط، ولكن بالاستعلاء... استعلاء الإيمان على القوى الطاغية، والقيم السائدة، والتصورات الشائعة؛ إنه الاستعلاء على إعلام كاذب مفضوح، استعلاء على كل الإشاعات المغرضة، والأكاذيب الممقوتة.
{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]؛ فأنتم الأعلون غاية وسنداً ومصدراً: فالله غايتكم، وشريعة الله سندكم، والقرآن والسنة منهجكم. أنتم الأعلون إدراكاً وتصوراً؛ فأنتم تدركون كل الإدراك أن في هذا الدين لكل داء دواء، ولكل معضلة شفاء، ولكل عقدة حلاً: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، {نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]؛ فأنتم تؤمنون أن الإسلام دين شامل كامل لكل نواحي الحياة عبادة وعقيدة أخلاقا وتربية، اقتصاداً وسياسة، اجتماعا وحكما. وغيركم يتخبط بين نظم أرضية، شرقية وغربية، لم تقدم له قارورة الدواء، ومضخات الإطفاء؛ (ومن كان دليله البوم، كان مأواه الخراب).
أنتم الأعلون تصوراً للقيم والموازين، فتعاملتم بأخلاق الإسلام مع غيركم من أبناء جلدتكم، لم تقصفوا قلما، ولم تكمموا فما، ولم تمنعوا صاحبَ رأيٍ أن يعبرَ عن رأيهِ حتى ولو خالفكم. أنتم الأعلون ضميرا وسلوكاً، فلقد أثبت غيرُكُم أن ضمائرَهم قد ماتت وأُهيل عليها التراب يوم قبلوا الظلم والضيم لمجرد خصومة سياسية، فراحوا يستمرءون قتل النساء والأطفال والشباب والشيوخ، ويبررون سفك الدماء... راحوا يكيلوا بمكاييل مختلفة مختلطة في نفس الأمور... فاضطربت معاييرهم، واختلت موازينهم.... فالبقاء لله في ضمائرهم.
فتذكروا يا أهل الإيمان جميعاً أنكم أنتم الأعلون حين يضج الباطل ويصخب، ويرفع صوته، وينفش ريشه، وتحيط به الهالات المصنعة التي تغشى على الأبصار والبصائر، فلا ترى ما وراء الهالات من قبح شائه ذميم، ووجه كالح لئيم. وبنظر المؤمن من علٍ إلى الباطل المنتفش، وإلى الجموع المخدوعة، فلا يهن ولا يحزن، ولا ينتقص إصراره على الحق الذي معه، ولا يتزعزع ثباته على المنهج الذي يتبعه، ولا تضعف رغبته كذلك في هداية المخدوعين. فالمؤمن هو الأعلى يوم يَقبِضُ على دينهِ كالقابض على الجمر، يوم يشعرُ بالغربةِ في دنيا الناس.
أشرف طبل
كاتب إسلامي مصري
- التصنيف: