من أول غمزة

منذ 2013-07-30

إن ما جرى في مدينة نصر فجر أمس هو جريمة كاملة، وستبقى عارا يلاحق مرتكبيها ومن فوضهم والمحرضين عليها، لكنها ستبقى يوما مشهودا سيؤرَخ له بأنه اليوم الذي اندهست فيه الضمائر الثورية بنِعال البيادات، فلم تعد قادرة على أن تغضب أو تتألم لمنظر الجثث والدماء.


مرة أخرى.. الإنجاز الأبرز لعسكر هذا الزمان أنهم نجحوا في إعطاب الضمير الجمعي وتلويث الفطرة الإنسانية السوية؛ بحيث صار هناك من يطرب عندما تسيل الدماء، ويشعر بالنشوة وهو يعبر إلى مقاعد الحكم فوق الجماجم والأشلاء.

لقد تمكنوا من مضاعفة محصول الكذب القومي، وقتل خلايا الإحساس في الجلود السميكة التي لم يعد يهزها منظر جثث الشهداء المرصوصة بالعشرات، غير أن الأخطر أنهم نجحوا في عسكرة النخب السياسية، ليطغى حديث البيادة على صوت الضمير والعقل، فإذا سألت أحدهم ما قولك في هذه الدماء التي تجري، تجده يهرف بكلام ساقط عن أن محمد مرسي فشل في الاقتصاد والسياسة، أو يجيبك بكل خفة أن مصر أكبر من أن يحكمها فصيل واحد!!

هي نخب استحوذت على توكيل شهادة الزور فصارت كل وظيفتها في الحياة تبرير الجنون وتسويغ جرائم الذين سرقوا السلطة في أكبر عملية قرصنة سياسية في التاريخ. وعلى ذلك لا تعدم مثقفا أو سياسيا يأخذك إلى تهويمات وضلالات هربا من مشاهد القتل والإبادة الجماعية التي نفذها نظام مغتصب للسلطة في مدينة نصر، ولم يعد مدهشا هذا الصمت البذيء من قبل من اعتبر يوما ضميرا ثوريا على جرائم مكتملة الأركان، وهو الذي لم يترك مناسبة يسقط فيها ضحايا إلا ويصيح بأن النظام سقطت شرعيته.

لقد صاروا عسكريين أكثر من العسكر، ولم لا وقد تحقق مرادهم بالوصول إلى مقاعد السلطة الوثيرة محمولين فوق عربات عسكرية، وعلى ذلك لا بد من سداد فواتير التسلط، فيخرج أحدهم متقمصا دور الخبير الاستراتيجي ليعلن أن السيسي هو أفضل قائد عسكري بعد إيزنهاور، أو تعلن أخرى استعدادها للعيش في حرملك السيسي، زوجة أو جارية، لا فرق، وتقول له يكفي أن تغمز بعينك فقط ليأتونك ملبين طائعين.

و هكذا لم يكذب خبرا، ومن أول غمزة تحرك (الشرفاء) لتفويضه بالقتل، ليسقط عشرات الشهداء في ليلة واحدة.

إن ما جرى في مدينة نصر فجر أمس هو جريمة كاملة، وستبقى عارا يلاحق مرتكبيها ومن فوضهم والمحرضين عليها، لكنها ستبقى يوما مشهودا سيؤرَخ له بأنه اليوم الذي اندهست فيه الضمائر الثورية بنِعال البيادات، فلم تعد قادرة على أن تغضب أو تتألم لمنظر الجثث والدماء. لقد جاءت مجزرة النظام المفوض بالقتل لتشحن بطاريات الغضب مجددا، وتوخز الضمائر التي تبلدت وتكلست، فتمنحها فرصة استفاقة، ربما تتيح لها قراءة خدعة 30 يونيو بعد زوال الغشاوة عن القلوب الميتة والعقول الصدئة.


وائل قنديل

بوابة الشروق