حرمة دماء المسلمين
أخي المسلم الكريم: إياك إياك الوقوع في دماء المسلمين فإنَّ مما عُلِمَ من الدين بالضرورة وتواترتْ به الأدلة من الكتاب والسنة حُرمة دم المسلم، فإنَّ المسلم معصوم الدم والمال، لا تُرفعُ عنه هذه العصمة إلاّ بإحدى ثلاث، إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يَحلُّ دمُ امرىءٍ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث: كَفَرَ بعدَ إسلامهِ، أو زَنَى بعد إحصانهِ، أو قَتَلَ نفساً بغير نفس))
أخي المسلم الكريم:
إياك إياك الوقوع في دماء المسلمين فإنَّ مما عُلِمَ من الدين بالضرورة وتواترتْ به الأدلة من الكتاب والسنة حُرمة دم المسلم، فإنَّ المسلم معصوم الدم والمال، لا تُرفعُ عنه هذه العصمة إلاّ بإحدى ثلاث، إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه: أبو داود [4502]، وابن ماجة [2533]، والترمذي [2158]، والنسائي [7/91] وفي الكبرى، له [3482] من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه).
وما عدا ذلك، فحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة، بل من الدنيا أجمع. وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه: النسائي [7/82] وفي الكبرى، له [3448] من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما)، وهذا الحديث وحده يكفي لبيان عظيم حرمة دم المسلم، ثم تبصّر ماذا سيكون موقفك عند الله يوم القيامة إنْ أنت وقعت في دم حرام، نسأل الله السلامة.
قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93].
"يقول الله تعالى: ليس لمؤمنٍ أنْ يقتل أخاه بوجه من الوجوه، وكما ثبت في الصحيحين (أخرجه: البخاري [9/6] [6878]، ومسلم [5/106] [1676] [25])؛ عن ابن مسعود: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « »، ثم إذا وقع في شيء من هذه الثلاث فليس لأحد من آحاد الرعية أنْ يقتله، وإنَّما ذلك إلى الإمام أو نائبه" (تفسير ابن كثير: [514-515]).
وقال ابن كثير في تفسير نفس الآية: "وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله، حيث يقول الله سبحانه: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ} [الفرقان من الآية:68]، وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} إلى أنْ قال: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام من الآية:151]، والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جداً" (تفسير ابن كثير: [516]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه: ابن ماجة [2539]، وابن عدي في "الكامل" [3/280]).
وفي رواية عن أنس رضي الله عنه: « » (أخرجه: البخاري [1/109] [393]).
وعلى المسلم أنْ يقف كثيراً عند قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22].
فانظر أخي المسلم إلى عظمة كلمة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، والحصن والأمان الذي تضفيه على صاحبها إلاّ باستثناءات ذُكرتْ آنفاً.
ومما لابد من علمه أخي المسلم أن الله عز وجل لم يجعلْ عقوبةً بعد عقوبةِ الشرك بالله أشدَّ من عقوبة قتل المؤمن عمداً حيث يقول: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93].
وقد اختلف السلف في هذه الآية فذهب بعض الصحابة إلى أنَّ هذه الآية محكمةٌ وأنها آخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممن ذهب إلى ذلك الإمام الحبر الصحابي الجليل وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فعن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس أنَّ رجلاً أتاه فقال: "أرأيتَ رجلاً قتل رجلاً متعمداً؟" قال: {جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}، قال: "أُنزِلتْ في آخر ما نزل، ما نسخها شيءٌ حتى قُبضَ رسولُ الله رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قال: "أرأيتَ إنْ تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى؟" قال: "وأنى له التوبة، وقد سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: « » (أخرجه: الحميدي [488]، وأحمد [1/240]، وعبد بن حميد [680])".
وفي الحديث الصحيح الذي يرويه النسائي في المجتبى [7/81] وفي "الكبرى"، له [3446] عن معاوية رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعته يخطب يقول: « » فأيُّ خطر هذا، وأي مهلكة يقدم عليها المرء ويجازف بها، حياةٌ لا ممات فيها وخلودٌ في مستقر لا تَقَرُّ به عينٌ ولا تُرفعُ به عقيرةٌ فخراً وزهواً، وغَضَبٌ من الله وعذابٌ عظيم وخزي في الدنيا والآخرة مع مكث ولبث طويلين لا يعلم أمدهما إلاّ الله جل في علاه نسأل الله السلامة لنا ولمن اتعظ واتّبع.
ثم تبصّرْ أخي المسلم الكريم الحديث جيداً لتنظر كيف أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد قرن بين قتل المؤمن والشرك بالله تعالى، وجعلهما مشتركين في استبعاد الغفران.
واعلم أخي المسلم أنَّ أول ما يُقضَى يوم القيامة بين العباد في الدماء ففي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه: البخاري [9/3] [6864]، ومسلم [5/107] [1678] من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -دون الشطر الأول-).
وما ذلك إلا لعظم خطرها يوم القيامة فاستعد للموقف العظيم، والسؤال الصعب الذي ما بعده إلا جنة أو نار. وكل الذنوب يُرجَى معها العفو والصفح إلاّ الشرك، ومظالم العباد. ولا رَيبَ أنَّ سَفْكَ دماء المسلمين وهَتْكَ حرماتهم لَمِنْ أعظم المظالم في حق العباد، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه: أحمد [4/148]، وابن ماجة [2618]، والحاكم [4/ 351-352]).
قوله: « »: أي لم يصب منه شيئاً أو لم ينل منه شيئاً ويقول الرسول الأعظم في حديث رواه البخاري في صحيحه ([9/7] [6882] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما): « ».
وعن جندب رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «» قال: «»، فقالوا: "أوصنا". فقال: « » (رواه البخاري [9/80] [7152]).
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: « [1] » (أخرجه: أبو داود عقب [4270 ]).
وإياك إياك أخي المسلم أنْ تُضيع على نفسك فرصة النجاة فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه: البخاري [9/2] [6862]).
أخي المسلم الكريم، هل أنت على استعداد أنْ تفوّت على نفسك فرصة النجاة العظيمة من النار، وقد روى البخاري ومسلم (أخرجه: البخاري [1/41] [121]، ومسلم [1/58] [65] [118]) من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ».
ثم اجعل دائماً أخي المسلم نُصْبَ عينيك أنَّ دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض، ولا تحل إلا بإذن الله ورسوله.
واعلم أخي المسلم: أنَّ ما أوردناه غيض من فيض وقليل من كثير فهو إشارات لكثير من العبارات التي وردت في الكتاب والسنة، تحث المسلمين على الورع والكف عن دماء إخوانهم، ولما سبق ذكره كان الصحب الكرام والتابعون لهم بإحسان أشد ما يكونون من الورع والوجل من أنْ يغمس أحدهم يده بمظلمة في حق مسلم، وكانوا كذلك رحمهم الله ورضي عنهم لشدة ما سمعوا ووعوا من كلام النبوة في التحذير من الانغماس في الفتن والشبهات والتزام النفس والبيت، وعدم الولوج في حرمات المسلمين حتى بالكلام، صوناً لهم عن التسبب في مظالم للمسلمين فضلاً عن الخوض فيها.
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: "إنَّ بعدكم فتناً القاعد خير من الساعي، حتى ذكر الراكب، فكونوا فيها أحلاس بيوتكم" (أخرجه: نعيم بن حماد في الفتن [489]).
وعن جندب رضي الله عنه قال: "ستكون فتن، فعليكم بالأرض، وليكن أحدكم حلس بيته؛ فإنه لا ينبجس لها أحدٌ إلاّ أَرْدَتْهُ (أخرجه: نعيم بن حماد في الفتن [490]).
وحينما اعتزل سعد بن مالك وعبدُ الله بن عمر رضي الله عنهم الفتنةَ قال علي رضي الله عنه: "للهِ دَرُّ منزلٍ نَزلَه سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، واللهِ إنْ كان ذنباً إنه لصغير مغفور، ولئن كان حسناً إنه لعظيم مشكور" (أخرجه: الطبراني في الكبير [319]).
تذكّر أخي المسلم ما في الصحيحين (رواه البخاري [1/14] [31]، ومسلم [8/169] [2888] [14]) من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «»، قلت: "يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول"، قال: « ».
وفي الصحيحين -سبق ذكره- أيضاً من حديث الأحنف بن قيس قال: ذهبتُ لأنصر هذا الرجل يعني: علي بن أبي طالب فلقيني أبو بكرة فقال: "أين تريد؟" قلت: "أنصر هذا الرجل"، قال: "ارجع فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « …»" ثم ذكر بقية الحديث.
وفي رواية أخرى للبخاري ([9/64] [7083]) عن الحسن قال: خرجتُ بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال: "أين تريد؟" قلت: "أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم" فقال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «»، وفي رواية لمسلم ([8/170] [2888] [16]): « »".
وهذا كله إذا كان القتل غير مأذون به شرعاً، وقد قصّ الله علينا في كتابه العظيم خبر أول حادثة قتل وقعت في تاريخ البشرية حين قتل أحد ابني آدم أخاه قتله ظلماً وبغياً وحسداً فقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] ومع إن هذا القاتل قد هدّد أخاه بالقتل وأكد ذلك بقوله: {لأَقْتُلَنَّكَ} فقد تلطّف معه لعله أنْ يرجع عن عزمه، وأخبره أيضاً أنه لن يمد يده ليقتله مهما هدده، بل إنه حتى ولو باشر عملية القتل فسيكف يده أيضاً خوفاً من الله ربّ العالمين.
فقال له: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة:28] ثم أخذ ينصح أخاه ويعظه لعله يرجع عما هَمَّ به، ومع كل هذا التلطف والنصح فلم ينفع ذلك أخاه، ولم يثنه عن عزمه على قتل أخيه.
وكذلك الظلم والحقد والبغي والحسد كل ذلك يعمي القلب عن الحق، ويصم الأذن عن سماع الحق، فلا يزال القلب مُصِرّاً على المعصية والإثم والموبقة، والشيطان يدفعه إلى تلك المعصية، فالشيطان هو العدو الأول للإنسان فيدفعه إلى ذلك دفعاً، ويهوِّن عليه الأمر حتى إذا وقع فيها تخلى عنه الشيطان وتبرأ منه، ثم بعد ذلك تَظْلَمُّ عليه الدنيا وتضيق عليه الأرضُ بما رَحُبَتْ، قال تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:30].
ثم بعد ذلك ماذا حصل للقاتل؟ ندم على ذلك الفعل الشنيع، ولكن هل ينفع الندم على قتله؟
لا ينفع الندم؛ لأنَّ أخاه قد مات، ولن يرجع إلى الحياة الفانية، ثم ماذا يصنع هذا القاتل بعد جريمته تحيّر وبقي يحمله مدة طويلة. أولُ قتيل لا يدري ماذا يصنع به هل يحمله ويضعه في الماء أم هل يضعه فوق الجبال، أشكل عليه الأمرُ، فالأمر معضلة ومشكلة، لأنَّه أول حادثة قتل تحدث على الأرض.
فأظهر القاتل ندمه على سوء فعلته وصنيعه فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يدفن أخاه حتى أراه الله كيف يدفن الغراب غراباً.
وقد بيّن لنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه ما من نفس تُقتل ظلماً منذ ذلك التاريخ وحتى آخر يوم من الدنيا إلا كان لهذا القاتل كفلٌ منها؛ لأنه أول من سن القتل، وهذا شأن كل مَن سَنّ ضلالة أو دعا إلى ضلالة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وقد بيّن الله سبحانه في كتابه بعد أنْ ذكر قصة ابني آدم أنَّ جريمة القتل عظيمة، وأنَّ من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً يقول الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:32].
وهذا الحكم وإنْ كان ظاهره خاصاً ببني إسرائيل إلا إنه عام فينا وفيهم فقد سأل سليمانُ بنُ علي الحسنَ عن هذه الآية فقال: "قلت للحسن: هذه الآية لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل فقال: والذي لا إله غيره كما كانت لبني إسرائيل وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دماءنا" (أخرجه: الطبري في "تفسيره" [9211]، وما تقدم من كلام عن هذه القصة اقتباس من محاضرة للشيخ فهد الحربي بعنوان: "القاتل والمقتول") جزاه الله خير الجزاء.
أخي المسلم الكريم، إنَّ الله تبارك وتعالى قد نهى عن قتل النفس بغير الحق في كتابه الكريم، وأثنى عز وجل على الذين يجتنبون هذه الجريمة العظيمة، وقد توعّد سبحانه من يفعلها باللعنة والغضب والعذاب العظيم والخلود في نار جهنم فقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93].
فاستحضر أخي المسلم هذا التهديد العظيم وهذا الوعيد الكبير فأيُّ تهديدٍ بعد هذا وأيُّ وعيد بعد هذا الوعيد كل ذلك؛ لأنَّ المسلم له مكانة عند الله تعالى. ودم المسلم هو أغلى الدماء التي يجب أنْ تُصانَ، وأن يُغضَب لإراقتها.
أخي المسلم الكريم قد بيّن الله سبحانه وتعالى حرمة المسلم ومكانته عند الله تعالى فقد صحّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: « » (سبق تخريجه) وفي رواية أخرى: « » (أخرجه: الترمذي [1395] بهذا اللفظ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه).
وفي حديث آخر: « » (أخرجه: ابن ماجة [2619] من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه) فهذه مكانة المسلم عند الله تعالى فتدبّر أيها القاتل ماذا تصنع بفعلتك؟!
فلزوال الدنيا كلها أهون من قتل رجل مؤمن بغير حق، زوال الدنيا بأموالها ومزارعها ومصارفها ومصانعها وتجاراتها وبناياتها ودولها وأحلافها، وكل ما فيها أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق. بل المسلم له حرمة حتى بعد موته فقد نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن كسر عظم الميت، وأخبر أنَّ عظم الميت إذا كُسر فكأنما كُسر وهو حيٌّ، فقد صحّ عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه: بهذا اللفظ ابن الجارود [551] وأخرجه: أبو داود [3207]، وابن ماجة [1616] بلفظ: « »).
أخي المسلم الكريم، إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد حذّر أمته أشد التحذير من هذه الجريمة فقال: « » (أخرجه: البخاري [1/19] [48]، ومسلم [1/57] [64] [116] من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه).
وقال: « » (سبق تخريجه) وبيّن أنَّ هذه الجريمة من السبع الموبقات المهلكات فقد قال: « » (أخرجه: البخاري [4/12] [2766]، ومسلم [1/64] [89] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
وقال أيضاً: « » (أخرجه: البخاري [3/225] [2654]، ومسلم [1/64] [87] [143] من حديث أبي بكرة رضي الله عنه).
وروى النسائي ([7/88] وفي الكبرى، له [3472]) من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: « »، فسألوه عن الكبائر فقال: « ».
وروي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «-يعني سرّه ذلك وفرِح به- » (سبق تخريجه).
وقاتل المسلم مهما فرَّ في هذه الدنيا، فإنَّه لن يفلت يوم القيامة، ولن يتركه المقتول يوم القيامة، فقد صحَّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: « » (أخرجه: النسائي [7/84]، وفي الكبرى، له [3460] من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه).
وفي رواية للنسائي ([7/84] وفي الكبرى، له [3461] من حديث جندب رضي الله عنه) أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الحساب وهو أشد أنواع الحساب فهو ليس تحقيقاً دنيوياً يستطيع به بعضهم أن يتخلص ببعض من يكون للخائنين ظهيراً. » فهذا هو
فاحذر أخي المسلم كل الحذر أنْ تقع في دم حرام فتقتل أحداً من أجل فلان أو مُلْكِ فلان أو إمارة فلان، فإنهم لن ينفعوك شيئاً عند الله، ولن يدفعوا عنك شيئاً من عذاب الله.
وروى النسائي ([7/85] و[8/63]، وفي الكبرى، له [3462] و[7072]) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: « ».
وعند ابن ماجة (سنن ابن ماجة [2621]) والترمذي (الجامع الكبير [3029]) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: « ».
إذن احذر أخي المسلم أنْ يكون لك أحدٌ بالمرصاد يوم القيامة فإنَّ من تقتله في الدنيا لن يتركك في الآخرة، بل هو لك بالمرصاد. والله سبحانه وتعالى لما جعل للنفس المسلمة هذه الحصانة الكبيرة؛ ذلك لأنَّ نفس المسلم لها مكانة وحرمة، فليس أحد يملكها أو يملك إزهاقها، بل إنَّ ذلك ممنوع غاية المنع، ولا يجوز إلا بإذن من الله تبارك وتعالى وإذن رسوله صلى الله عليه وسلم.
بل حتى نفسك التي بين جنبيك لا تملكها أنت ولا يحل لك إزهاقها؛ ولهذا جاء الوعيد الشديد فيمن يقتل نفسه متعمداً؛ ففي الصحيحين (أخرجه: البخاري [7/181] [5778]، ومسلم [1/72] [109]) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: « ».
وروى البخاري ([2/121 [1365]) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: « ».
وفي الصحيحين ([أخرجه: البخاري [8/18] [6047]، ومسلم [1/73] [110] [176]) من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ».
ولفظ جامع الترمذي (الجامع الكبير [1527]): « ».
فتنبه أخي المسلم الكريم دائماً بأنَّ مسألة قتل النفس بغير حق من الأمور الخطيرة التي تضيّق على من ارتكبها الدنيا بما فيها، فمجرد أنْ يقع المسلم في هذه الجريمة تضيق عليه الأرض وتضيق عليه نفسه لذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه: البخاري [9/2] [6862] من حديث ابن عمر رضي الله عنهما).
وفي رواية لأبي داود (سنن أبي داود [4270]) عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: « -والمعنق هو طويل العنق الذي له سوابق بالخير- ».
وروى البخاري ([9/2] [6863]) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ».
ونبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم قد بيّن لنا فضل من خرج من الدنيا ولم يتلطخ بدم المسلم فقال: « » (أخرجه: ابن ماجة [2618] من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه).
فهنيئاً لمن خرج من الدنيا ولم يتلطخ بدم مسلم، وهنيئاً لمن خرج من الدنيا ولم يحمل مسلماً على ظهره يأتي به يوم القيامة، هنيئاً لمن خرج من الدنيا وقد سلم المسلمون من لسانه ويده، هنيئاً لمن فارق الدنيا ولم يقترف جريمة يسفك بها دم مسلم.
تذكّر أخي المسلم وصية النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه: « » (سبق تخريجه).
فاحذر أخي المسلم كل الحذر أنْ يحول بينك وبين الجنة ملء كف من دم تهريقه بغير حقه.
واعلم أخي المسلم الكريم أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يحذِّر أمته من الأمور التي تدعو الإنسان إلى أنْ يقتل مسلماً أو أنْ يجرح مسلماً، ومن ذلك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى أنْ يمر المسلم، ومعه السهام في أسواق المسلمين، أو في مساجد المسلمين، أو في أي مكان من أماكن تجمعهم، إلا أن يكون النصل مغطىً حتى لا يجرح به مسلماً، وهو لا يشعر.
فقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: « » (أخرجه: البخاري [1/122] [452]، ومسلم [8/33] [2615] [124] من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه).
ومن تلك الأمور التي حذّر منها النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه نهى عن الإشارة إلى المسلم بأي شيء يحتمل أنْ يقتله أو يجرحه، نهى عن ذلك وأخبر أنّ من فعل ذلك فأنَّه ربما نال اللعنة والوعيد الشديد؛ لذلك قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه: البخاري [9/62] [7072]، ومسلم [8/34] [2617] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
وصحّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: « » (أخرجه: مسلم [8/34] [2616] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
وصحّ أنَّه صلى الله عليه وسلم نهى أنْ يُتعاطَى السيف مسلولاً (أخرجه: أبو داود [2588]، والترمذي [2163] من حديث جابر رضي الله عنه)، وكل هذا الاحتراز لشدة حرمة المسلم على المسلم؛ فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك خشية أنْ يكون هناك خطأ فيقع السيف ويجرحك أو يؤذيك أو يقع على أخيك، وإذا كان ذلك في الأسلحة القديمة فهو في الأسلحة الحديثة أشد تأكيداً؛ لأنَّ الضرر أعظم، والخطر أكبر، والعلة تدور مع الحكم وجوداً وعدماً.
ومن الأمور التي يستفاد منها خطورة أمر دماء المسلمين، هو أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حذّر من الدخول في الفتن، وما ذلك إلا لأن لا يقع المسلم في دماء المسلمين؛ لخطورة الأمر وشدته، فالفتن مظنة لأنْ يكون هناك قاتل ومقتول، فالفتن إذا سعرت وابتدأت صعب على الناس إطفاؤها. فنبينا صلوات الله وسلامه عليه قد حذّر أمته من الفتن، وبيّن أنَّها ستحدث وستكون في هذه الأمة فقد صحّ أنه صلى الله عليه وسلم قال: « » (أخرجه: البخاري [4/241] [3601]، ومسلم [8/168] [2886] [10] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه) هكذا بيّن لنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ المخلَص من الفتن أنْ يهرب منها المسلم قدر الاستطاعة.
فاحذر أخي المسلم من الوقوع في الفتن، فالفتنةُ قد تُريكَ الحقَ باطلاً والباطلَ حقاً. وقد تعميك وتصمك وأنت لا تشعر، وقد أخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الفتن ستقع في أمته فقال: « » (أخرجه: الترمذي [2202] من حديث ثوبان رضي الله عنه).
وأخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه ستأتي فتن في آخر الزمان يكثر فيها القتل وتكثر فيها الفتن حتى أنه من شدة الفتن يمر الرجل على القبر ويتمرّغ عليه ويقول: يا ليتني صاحب هذا القبر، من شدة ما يرى من الفتن والأمور العظيمة؛ ففي الصحيحين (رواه البخاري [9/73] [5117]، ومسلم [8/182] [157] [53])؛ من حديث أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: « ». وقال أيضاً: « » (أخرجه: مسلم [8/183] [2908] [55] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
وفي رواية لمسلم: « ، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: « » (أخرجه: مسلم [8/183] [2908] [56] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
ونبينا صلى الله عليه وسلم حينما يذكر ذلك إنما يذكره ليحذرنا من أن نكون من أولئك أو من أن نشارك في سفك تلك الدماء أو أن نتلطخ فيها، أو أن نلقى الله بها، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي قال: « »، فقيل: وما الهرجُ؟ قال: « » (أخرجه: البخاري [8/17] [6037]، ومسلم [8/59] [157] [11] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
وقال أيضاً: « »، قال: قلت: يا رسول الله ما الهرج؟ قال: « »، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » فقال بعض القوم: يا رسول الله، ومعنا عقولنا ذلك اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه: ابن ماجة [3959] من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو حديث صحيح).
فعلى المسلم أن يبتعد عن الفتن كل الابتعاد؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أرشد أمته إذا أدركوا الفتن أو أحسوا بالفتن أنْ يبتعدوا عنها كل الابتعاد، وأنْ يهربوا منها كل الهرب؛ لأنَّ الفرار من الفتنة من الدين؛ لذا بوّب البخاري في صحيحه: باب من الدين الفرار من الفتن (صحيح البخاري [1/11]).
أخي المسلم الكريم، إنَّ المسلم ينبغي له أنْ يحذر من الدخول في الفتن، وأنْ يستعيذ بالله تعالى منها، فقد كان عمار بن ياسر يستعيذ من الفتن، وأنْ يحذر أنْ يشارك فيها بقول أو فعل أو رأي أو بغير ذلك؛ فإنَّ الفتن إذا صارت لم يسلم منها أحد إلا مَن رَحِمَ اللهُ.
هذا وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً.
ــــ
1- (هم الذين يَقتلون في الفتنة، فيقتل أحدهم فيرى أنه على هداً ولا يستغفر الله منه أبداً. مسند الشاميين [2/266]).
ماهر ياسين الفحل
وهو من علماء أهل السنة في العراق، متخصص في علوم الحديث وله محاضرات وسلاسل علمية كثيرة والحمدلله.
- التصنيف: