هل تعرف نفسك؟

منذ 2013-08-15

من يريد أن يتعرف فليتقدم الآن لقراءة هذه الكلمات.. هنا تتعرف عليها بدقة وتعرفها عن قرب..

أيها الشباب.. من منكم يريد أن يتعرف على نفسه؟
فمن يريد أن يتعرف فليتقدم الآن لقراءة هذه الكلمات..
هنا تتعرف عليها بدقة وتعرفها عن قرب..

هناك سؤال واضح وسهل يمثل لكل شاب مقياس يمكن من خلاله اختبار نفسه ومعرفتها، فهل أنت مستعد لاستقباله؟ السؤال: ما هي نوعية الأشياء والأعمال التي تلوم نفسك عليها، فقد قال الله عز وجل: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 1ـ2].

النفس اللوامة:
يقول سيد قطب في ظلاله: "فأما النفس اللوامة ففي التفسيرات المأثورة أقوال متنوعة عنها، فعن الحسن البصري: إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمتي؟ ما أردت بأكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي؟ وإن الفاجر يمضي قدما ما يعاتب نفسه.. وعن الحسن: ليس أحد من أهل السماوات والأرضين إلا يلوم نفسه يوم القيامة، وعن عكرمة: تلوم على الخير والشر: لو فعلت كذا وكذا! كذلك عن سعيد بن جبير، وعن ابن عباس: هي النفس اللؤوم، وعنه أيضا: اللوامة المذمومة، وعن مجاهد: تندم على ما فات وتلوم عليه، وعن قتادة: الفاجرة، وقال جرير: وكل هذه الأقوال متقاربة المعنى، والأشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر، وتندم على ما فات...

ونحن نختار في معنى (بالنفس اللوامة) قول الحسن البصري: إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه:
ما أردت بكلمتي؟ ما أردت بأكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي؟ وإن الفاجر يمضي قدما ما يعاتب نفسه"، فهذه النفس اللوامة المتيقظة التقية الخائفة المتوجسة التي تحاسب نفسها، وتتلفت حولها، وتتبين حقيقة هواها، وتحذر خداع ذاتها هي النفس الكريمة على الله، حتى ليذكرها مع القيامة، ثم هي الصورة المقابلة للنفس الفاجرة، نفس الإنسان الذي يريد أن يفجر ويمضي قدما في الفجور، والذي يكذب ويتولى ويذهب إلى أهله يتمطى دون حساب لنفسه ودون تلوم ولا تحرج ولا مبالاة!" (في ظلال القرآن، سيد قطب، 6/3768).

وقفة!
"فالمؤمن تعاتبه نفسه وتلومه، والفاجر عتاب نفسه له قليل، وهو ماضٍ في انحرافاته غير مكترث بشيء، وكلما ارتقى العبد في مدارج الفلاح والصلاح ارتقت نوعية لوم نفسه له، ونوعية عتبها عليه، هناك من لا تلومه نفسه، ولو مضى عليه شهر دون أن يركع لله تعالى ركعة! وهناك من تلومه نفسه إن فاتته صلاة فريضة من الفرائض، ومن تلومه نفسه إذا فاتته تكبيرة خلف الإمام.. هناك من لا تلومه نفسه على التفريط في القراءة، ولو مضى عليه سنة دون أن يفتح كتابًا، وهناك من تلومه نفسه إذا لم يقرأ كل يوم أربع ساعات، وهناك من تلومه نفسه إذا تأخر عشر دقائق عن وقت التحاقه بعمله، ومن يغيب اليوم تلو اليوم دون عذر مقبول، ودون أن يلقى من نفسه أي لوم... وهكذا على مقدار حيوية ضمائرنا وعلى مقدار سمو منازلنا ومراتبنا تكون شدة تقريع نفوسنا لنا، ونرتقي نوعية العتاب الذي يجلجل في أعماقنا" (إلى أبنائي وبناتي، د. عبد الكريم بكار).

العقل والنفس: النفس الأمارة بالسوء..
قال الله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف: 53]، فالنفس الأمارة بالسوء هي تلك النفس التي تحث وتحض على فعل السـوء، ولا تكتفي بذلك بل تزينه في عين المرء، حتى يتوهم أن السعادة في اتبعاه، وهو الشقاء المبين، وكم من شاب وقع في الكثير من الأعمال السيئة وابتعد عن الكثير من الأعمال الطيبة، وهو يروم السعادة، فأصبح كمن يطوف حول سعادته وهو بين يديه لو أراد:
 

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ *** والماء فوق ظهورها محمول


العقل والنفس الأمارة بالسوء..
لتعلم أيها الشاب.. أن النفس الأمارة بالسوء تتأثر بالعقل، والعقل بدوره يتأثر بالمدركات الحسية؛ كالشم والنظر والسماع، تجتمع هذه المدركات في العقل وتتكون منها الرغبة، والرغبة تتحول إلى عزيمة، والعزيمة تتحول إلى فعل في نهاية الطريق؛ فيكون الوقوع في المنكرات، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة؛ فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى» (صحيح مسلم)، فالقلب لم يقع في المعصية إلا بعد إثارة المقدمات الحسية، كالذي يشاهد الأفلام وتظل تراوده الخواطر والأفكار السيئة حتى بعد أن يلتزم ويبتعد عنها؛ لأنه قد درَّب نفسه على السوء فتولدت منها نفسٌ خبيثة، أما الأشيــاء التي لم تعاينها حسيًا فلن تُحَدثك نفسك بها؛ كالسرقة مثلاً..

ولكن ما الفرق بين وسوسة الشيطان وتسويل النفس الأمارة بالسوء، كما جاء في كتاب الله: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ} [يوسف:18]، إن الفرق بين تسويل النفس والوسوسة يكمن في أن النفس تظل تسول لك نفس جنس المعصية، أما الشيطان فالمهم لديه أن تقع في أي معصية حتى يشغلك عن الطاعة ويضعف الإيمان في قلبك.

النفس اللوامة..
قال تعالى: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}، وهي التي تلوم الإنسان كلما وقع في في محظور أو أخطأ أو فرط وتدعوه دائمًا للرجوع.

علاقة النفس اللوامة بالعقل..
إن العلاقة بين النفس اللوامة والعقل أقوى من العلاقة بين النفس الإمارة بالسوء والعقل، فتأثر العقل بالمدركات الحسية يكون أقل من تأثره في حالة النفس الأمارة بالسوء؛ لأنه إلى جانب المعاصي التي رأتها عيناه وأدركتها بقية حواسه فإنه قد قام ببعض الأعمال الصالحة من تلاوة قرآن واستماع للمواعظ، فكأن العقل أصبح له جانبان؛ أحدهما يدعوه إلى الخير والتقوى، والآخر يدعوه إلى الشر والسوء، وهنا تمارس النفس اللوامة دورها فتظل تأنبه وتلومه على الفعل السيء؛ فإن استجاب للوم وعدل من حاله وقوّم نفسه، باتت نفسه أقرب إلى النفس المطمئنة والعكس صحيح..

فماذا علينا أن نفعل أيها الشباب؟
اسألوا أنفسكم باستمرار عن صوت عتابكم الداخلي، هل هو آخذ في الارتقاء أم الانحطاط؟ واتخذوا من الجواب معيارًا تتحاكمون إليه، راجعوا أعمالكم وسلوكياتكم وأقوالكم باستمرار، وقوموها باستمرار، استمعوا بإنصات إلى الصوت الإيماني الرقيق المنبعث من أعماقكم والذي يؤنبكم على التفريط والتقصير.


محمد السيد عبد الرازق
 

المصدر: مفكرة الإسلام