قبل أن يموت الحبُ في قلوبنا!
أتساءل أحياناً؛ لماذا نستكثر على أنفسنا الفرح أو النجاح ونستبعد استمراره؟! لماذا نستغرب وجود زواج سعيد مُوفَّق أو صداقةٌ مميزة؛ ودوماً نتوقع نهاية سيئة لكل بداية؟!
لطالما شعرتُ بكثير من الأمل والاغتباط؛ كلما كنتُ أشهد طقوس العشق الحلال، وأتأمّل مراسم الحب الزوجي الشجي الذي تعيشه شقيقتي وزوجها.
خمسة أعوام من المشاعر الدافئة الهادئة، ووشائج تزداد حميمية ومتانة، "لا حرمهما الله إشراقة نورها في قلبيهما".
ولأننا اعتدنا مشاهدة القُبح والزلل فاستساغته أنفسنا وآمنت بأنه الأصل؛ بتنا لا نألَف كثيراً بروز الجمال والسعادة في العلاقات والطبائع وغيرهما.
ولهذا يأخذنا العجب والانبهار كلما رأينا أمراً يسير بشكله الصحيح أو المفترض به أن يسير عليه!
لذا تعجبني للغاية إجابة شقيقتي وهي تتلقى رشقات التثبيط والإحباط من بعض القريبات والصديقات وهن يُعلّقن على وضعها الأُسريّ المستقر بالوعيد والتحذير من أن عاماً أو عامين آخرين كفيلان بنسف بهجتها، ونقل زواجها من وارف الجنان والنعيم إلى لظى الجحيم!
فتُجيب بثقة: "سعادتنا الزوجية لم نَبنها على حبٌ وهمي عارض فنخشى زوالها بزوال ذلك الحب أو فتوره، ولا على انجذاب جسدي أو مادي أو مصلحي فيذهب بذهاب الدافع أو الجاذب. سعادتنا وتقاربنا نبعان من الرحمة والرفق المغروسة فينا ومن التزامنا الديني بما أمر الله به من حقوق وواجبات لكلينا. فهل ستُنتزع الرحمة من قلوبنا فجأة؟ وهل يمكن أن نَكفر غداً بما آمنا به اليوم ووجدنا لذته وثمراته اليانعة؟!".
أتساءل أحياناً؛ لماذا نستكثر على أنفسنا الفرح أو النجاح ونستبعد استمراره؟! لماذا نستغرب وجود زواج سعيد مُوفَّق أو صداقةٌ مميزة؛ ودوماً نتوقع نهاية سيئة لكل بداية؟!
في مسائل الزواج؛ هل كان لِما نلحظه من ارتفاع نِسَبْ الطلاق والتفكك الأُسري والقضايا التي تنوء بها المحاكم ومراكز الإصلاح الأُسري؛ أثراً في نظرتنا السلبية المتشائمة لهذا الرباط المقدَّس بين الرجل والمرأة؟!
لا يمكننا أن نُنكِر أن الواقع مؤلم؛ ولكن هل يعني ذلك التسليم بالأمر واليأس من الإصلاح؟!
نجتهد كثيراً في الحديث عن الطلاق ومحاولة فهم أسبابه ونتائجه المدمّرة للأسرة والمجتمع، لمحاولة تلافيه أو التخفيف من آثاره، ولكن هناك أيضاً معضلة أخرى تؤدي إلى تهتُّك نسيج العلاقة الأسرية وقطع شرايين الحب والألفة فيها، ولا تنتهي بالضرورة إلى الطلاق الفعلي بين شريكي الحياة؛ ألا وهي مأساة الانفصال العاطفي أو ما يُسمّى الطلاق النفسي الصامت! حيث يتحوّل الزوجان من شريكي حياة إلى موظفيّ عمل في تعاملات باردة ولقاءات عابرة تفرضها عليهما ظروف إدارة الأطفال والأسرة.
إن هذا الاضطراب والاختلال الخطير في مؤسسة الزواج يجد طريقه إلى منازلنا بشكل يتسع كثيراً، ومن منافذ وأبواب عدة.
ولعل من أسباب الوقوع في براثن هذا الانفصال العاطفي؛ انعدام التكافؤ بين الزوجين، والتفاوت الحاد في العمر أو المستوى الثقافي أو الاجتماعي، أو افتقار الطرفين أو أحدهما للوعي بطبيعة العلاقة الزوجية، والجهل بحقوق الشريك الآخر، أو العجز عن الوفاء بها.
ومع تراكم الخلافات والمشكلات وغِياب الحوار والمصارحة والمكاشفة؛ تتفاقم الأوضاع وتضعف وسائل التواصل والتخاطب ويحلّ التباعد والنفور واللامبالاة مكان المودة والاحترام والتفاهم، ليجد الزوجان نفسيهما وقد وصلا لمرحلة معقدة من الجفاء والغربة، وقيام الحواجز النفسية الهائلة الفاصلة بينهما، لتكون النهاية فِراقاً وِجدانياً وروحياً ثم جسدياً تاماً، وحياةً كئيبةً يُظلِّلُها الصمت والإعراض وجمود العواطف.
وإن كان الطلاق العاطفي ينتهي بالطلاق الشرعي في بعض حالاته، ويبقى معلقاً ساكناً في حالاتٍ كثيرة؛ فإن بالإمكان تداركه وعلاجه في حال وجود الرغبة لدى رفيقي الحياة.
بالنظر في جذور المشكلة ومعالجة أسبابها ومحاولة تجديد الحب والتقارب بينهما، وتفعيل لغة الحوار والنقاش الهادئ بعيداً عن الاتهام والتجريح، مع بعض التنازل والمرونة.
ولمن أراد السعادة كُل السعادة أيّاً كان ما وصلت إليه تلك العلاقة الزوجية من مرحلة: أشْعل شموع الحب لتذوب ثلوج البُعد، وانثر ورود الرومانسية والقرب ليُضيء عبقها وعبيرها في الأرجاء.
ودمتم في سعادة.
- التصنيف: