سيزول السحر و إن طال الباطل

منذ 2013-08-29

سنن الله تعالى لا تتغير ولا تتبدل .... حدثنا التاريخ المشهود وأخبرنا القرآن عن أحوال الأمم وعن أهوال وخطوب مرت بهم ... و لو تأملنا في تاريخ البشرية وتعلمنا من سنن الله لاستراحت القلوب


سنن الله تعالى لا تتغير ولا تتبدل .... حدثنا التاريخ المشهود وأخبرنا القرآن عن أحوال الأمم وعن أهوال وخطوب مرت بهم ... و لو تأملنا في تاريخ البشرية وتعلمنا من سنن الله لاستراحت القلوب.

دولة الباطل و استخدامه لأدواته التخييلية من السحرة والوزراء و القوادين الذين يزينون للشعوب باطل السلاطين والوجهاء لتنبهر الأعين وتنفعل العقول فتدور في فلك الباطل وقد أغمضت أعينها بلا تمييز أو محاولة تفكير أو إزالة للغشاوة.

استخدم فرعون السحرة واستخدم الوزراء كهامان وغيره لهذه المهمة الدقيقة التي تعتبر أهم المهمات في إدارة دولة الباطل عبر التاريخ .. ومثل فرعون استخدم ملك أصحاب الأخدود الساحر وكان ينتظر الأمل الجديد في الفتى الصغير صبي الساحر الذي قلب الله به موازين القوى في المملكة ... وقد يستخدم الباطل زينة الدنيا وزخرفها لتزيين ما هو عليه وترويج نفسه كما استعمل قارون ما يملك من متاع وزخرف لتزيين باطله ومحاربة موسى عليه السلام.

كما يحدث من سحرة الإعلام في عصرنا الحديث حذو القذة بالقذة، تزيين للباطل بكل السبل واستخدام ما يستطيعون من أدوات البهرج والزينة والتخييل لصرف الشعوب عن الحق بل وتشويهه وجعل الشعوب هي من تحارب الحق بأيديها و تزيين الباطل وترويجه وجعل الشعوب هي من تحارب للباطل وتروج له.

المتأمل لنهاية تلك القصص وبالتأكيد ستكون نفس نهاية الباطل المعاصر هي أن الشعوب المغيبة نفسها تكتشف الحقيقة مع أول وهلة من زوال السحر من الأعين ومع أول زلزال للباطل.

فها هم السحرة أنفسهم يخرون لله سجدًا بعدما ظهرت لهم الآيات..
وها هو فرعون يغرق بجنده أمام نور الحق الساطع..
وها هو هامان يتبع مليكه وسيده إلى قعر جهنم..
وها هو ملك أصحاب الأخدود يدخل الناس في دين الله أفواجاً بمجرد ظهور الحق الساطع الذي زلزل باطله.

العجيب هو سرعة رد فعل الشعوب المستعبدة مع أول زلزال للباطل .. وكأنها كانت تتصنع التصديق لسحر الباطل وزخرفه وها هي أول من يتخلى عن الباطل مع أول انتصار للحق .
انظر إلى رد فعل من انبهروا بقارون وأمواله وزخرفه: قال تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ} [القصص:81].

ثم تأمل مصير الحق وأهله حتى يطمئن قلبك.

وما أعظم هذا الانتصار المأمول:
{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [القصص:83-84].

يقول مصطفى السباعي في كتابه هكذا علمتني الحياة:
"في بحار من الظلمات بعضها فوق بعض، وفي حشود من الشر يأتي بعضها إثر بعض، وفي إرسال من الشك يردف بعضها بعضاً، في زمجرة الأعاصير، في تفجُّر البراكين، في أمواج البحر المتلاطمة.. يلجأ المؤمنون إلى إيمانهم فيملأ قلوبهم برداً وأمناً، ويفيئون إلى ربهم فيسبغ عليهم سلاماً منه ورضواناً، ويرجعون إلى كتاب هدايتهم فيملأ عقولهم حكمة وعلماً، ويلتفّون حول رسولهم فيزيدهم بصيرة وثباتاً..

حينذاك..
يناجي المؤمنون ربهم وقد خشعت له جباههم، وخشعت له قلوبهم: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ . رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ . رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:192-194].

هنالك يستجيب لهم الحق بوعدٍ صدق: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران:195].

ويبصّرهم الحق مصير الحشود والإرسال واستعلاء الكفر والضلال: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:196-197].
ثم تدفعهم يد الله إلى طريق المعركة مبيِّنة لهم وسائل النصر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200].

ويسير المؤمنون وهم يرفعون عقيرتهم بالدعاء: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].

ويخوضون معركة الحق وهم يرددون: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران من الآية:147]

ويسجل كتاب الخلود نتيجته للمعركة بثلاث كلمات: {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّـهِ} [البقرة من الآية:152].
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.