مؤتمر بكين.. خطوة باتجاه التحلّل العالمي
نبذة
تاريخية
تشهد
سراديب الأمم المتحدة
استعدادات مكثفة لعقد مؤتمرها الدولي في شهر
آذار(
مارس) المقبل؛
احتفالاً بمرور عشر سنوات على وثيقة بكين الخاصة
بالمرأة،
وهي الوثيقة التي
تدعو إلى فتح الطريق على مصراعيه للإباحيّة
الجنسيّة،
وإطلاق الحرية التامة
للحمل خارج إطار الزواج والإجهاض وزواج
المثليين،
وهدم الأسرة بأركانها
الفطرية.
إن الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان
الذي تم إرساؤه عام
1948م يمثل البذرة الأولى لمرجعية "أيدلوجية
المرأة
الجديدة" التي طرحت
موضوع "الأسرة والمرأة قضية عالمية" منذ انتهاء
الحرب
العالمية الثانية،
لكن ضجيج القضايا السياسية والاقتصادية على دول
العالم
الثالث في هذا الوقت
غطّى على الجانب الاجتماعي والثقافي المتصل
بالأسرة
والمرأة والأحوال
الشخصية؛ فمنذ عام 1950م حاولت الأمم المتحدة عقد
الدورة
الأولى لمؤتمراتها
الدولية حول المرأة والأسرة بعنوان " تنظيم
الأسرة"
،
لكن الحكومة المصرية
في العهد الملكي قاومته بقوة، وأخفق المؤتمر الذي
كان
يترأّسه ماركسيٌّ
صهيوني، ثم عاودت الأمم المتحدة مرة ثانية تطلعها
في
بناء المرجعية
النسوية الجديدة، فعقدت مؤتمراً في المكسيك عام 1975م،
ودعت
فيه إلى حرية الإجهاض
للمرأة، والحرية الجنسية للمراهقين والأطفال،
وتنظيم
الأسرة لضبط عدد
السكان في العالم الثالث، وأخفق هذا المؤتمر
أيضاً.
ثم
عُقد مؤتمر في
"نيروبي" عام 1985م بعنوان: "استراتيجيات التطلع إلى
الأمام
من أجل تقدم المرأة"
ثم كان مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية الذي عُقد
في
سبتمبر 1994م،
وأخيراً كان مؤتمر المرأة في بكين الذي عُقد عام 1995م
تحت
عنوان: "المساواة
والتنمية والسلم"، وهو المؤتمر الذي ختمت به
الأمم
المتحدة القرن
الماضي، وانتهت إلى الشكل النهائي للمرجعية
الجديدة
والبديلة التي يُراد
فرضها على العالم والتي تهدف بكلمة واحدة إلى
"عولمة
المرأة". وتعتبر جميع
المؤتمرات السابقة إرهاصات حقيقية لما يصبون إليه
من
رسم أيدلوجية موحّدة
للمرأة في جميع أنحاء العالم.. ثم كانت
الولادة
لطفلهم الأشقر
الجميل(مؤتمر بكين) الذي طالما قد حلموا به، وهاهم في
طور
الاعتناء البالغ فيه
حتى يكبر ويترعرع ويفرضوا سيادته على
العالم.
أبرز
دعوات مؤتمر بكين
وبعد هذه اللمحة
التاريخية الخاطفة، فما أبرز أفكار "مؤتمر
بكين"؟
بعد
العودة إلى نص
الوثيقة الختامية لمؤتمر بكين، والوثيقة المعدّة
لمؤتمر
بكين والتي تقع في
(177) صفحة و (362) مادة تجد الوثيقة تدعو إلى
نزعات
متعددة، وتتضمن هذه
النزعة فرض فكرة حق الإنسان في تغيير هويته
الجنسية(
من ذكر إلى أنثى ومن
أنثى إلى ذكر أو أن يختار أن يكون بينهما؛
لأن
الوثيقة تقرّ
الاعتراف بالشواذ) ولك أن تتخيل ما يتبع ذلك من تغيير
في
الأدوار المترتبة على
الفرد، ومن ثَمَّ الاعتراف رسمياً
بالشواذ
والمخنثين، والمطالبة
بإدراج حقوقهم الانحرافية ضمن حقوق الإنسان،
ومنها
حقهم في الزواج
وتكوين أسر، والحصول على أطفال بالتبنّي أو تأجير
البطون.
وتطالب
الوثيقة بحق المرأة
والفتاة في التمتع بحرية جنسية آمنة مع من تشاء وفي
أي
سن تشاء، وليس
بالضرورة في إطار الزواج الشرعي، مع تقرير
الإباحية
الجنسية، وإلزام جميع
الدول بالموافقة على ذلك، مع المطالبة بسن
القوانين
التي يُعاقب بها كل
من يعترض على هذه الحرية، حتى ولو كان المعترض
أحد
الوالدين، وهذا
استدعى كذلك الدعوة لتقليص ولاية الوالدين وسلطتهما
على
أبنائهما، حتى ولو
كانت تلك الممارسات في داخل البيت الذي تعيش به
الأسرة،
فللفتاة والفتى أن
يرفع الأمر إلى السلطات التي ستلزم بسن قوانين
تعالج
أمثال هذه الشكاوى؛
فالمهم هو تقديم المشورة والنصيحة لتكون هذه
العلاقات
(الآثمة) مأمونة
العواقب سواء من ناحية الإنجاب أو من ناحية الإصابة
بمرض
الإيدز
.
وتطالب الوثيقة
الحكومات بالاهتمام بتلبية الحاجات
التثقيفية
والخدمية للمراهقين
ليتمكنوا من معالجة الجانب الجنسي في حياتهم
معالجة
إيجابية ومسؤولة،
وتطالب بحق المراهقات الحوامل في مواصلة التعليم
دون
إدانة لهذا الحمل
السِّفَاح، فالوثيقة تدعو إلى سن قوانين للتعامل مع
حمل
السّفاح، لتكون وثيقة
دخول الحامل للمستشفى هو كونها حاملاً دون
أدنى
مساءلة حول حملها
بغير زوج، ثم تخيير الفتاة بين رغبتها في الإجهاض، أو
إن
شاءت أن تبقيه فتلزم
سلطات الرعاية الاجتماعية برعايتها، وإن لم
ترد
تربيته فتدفع به لدور
الرعاية.
تحليل
لعبارات الوثيقة
ولا
تتحدث "وثيقة بكين"
عن الزواج من حيث إنه رباط شرعي يجمع الرجل والمرأة
في
إطار اجتماعي هو
الأسرة؛ وإنما ترى أن الزواج المبكر يعوق المرأة،
ومن
ثَمَّ فهي تطالب برفع
سن الزواج وتحريم الزواج المبكر.
وبالتأمل
والتحليل لبعض ألفاظ
الوثيقة نجدها تخاطب المرأة الفرد، وليست المرأة
التي
هي نواة الأسرة؛
فالمرأة العاملة هي المرأة المعتبرة. أمَّا
المرأة
العاملة داخل البيت ـ
ربة الأسرة ـ فيُنظر إليها باعتبارها متخلّفة
وخارج
السياق الدولي
الجديد؛ لأنها لا تمارس عملاً بمقابل، ولأنها ربطت
نفسها
بالزوج والأولاد
والأسرة، ولذا فعبارة: "الأمومة" لم ترد سوى ست
مرات؛
بينما كلمة "جندر"
والتي تعني نوع جاءت ستين مرة، وجاءت كلمة "جنس"
في
مواضع كثيرة
جداً.
وأما كلمة "الزَّوج"
لم تذكر ولا مرة، لأن
الوثيقة لا تعترف
بالزواج وتعتبره جناية على المرأة، وتسمي
العملية
الجنسية بين الزوجين
بـِ (الاغتصاب الزوجي(
وذُكر بدلاً من
"الزوج"
كلمة أوسع
وأعمPartner
،
أي الزَّميل أو الشَّريك؛ فالعلاقة الجنسية
علاقة
بين طرفين تدين لكل
منهما استقلاليته الجنسية، والحقوق الإنجابية
حقوق
ممنوحة للأفراد
والمتزوجين على السواء.
ولم ترد كلمة
"الوالدين" إلا
مصحوبة بعبارة "أو كل
من تقع عليه مسؤولية الأطفال مسؤولية قانونية"
في
إشارة إلى مختلف
أنواع الأسر المثلية ( ذكر وذكر أو أنثى وأنثى أو
حتى
الشواذ)؛ لأن الوثيقة
تعترف بهذه الأسر المثلية وتدعو إليها. والمثير
أن
تستخدم الوثيقة كلمة
(المساواة) للتعبير عن إزالة الاختلافات بين
الرجل
والمرأة حتى ولو كانت
اختلافات بيولوجية، وتستخدم (التنمية) للتعبير
عن
الحرية الجنسية
والانفلات الأخلاقي، وتستخدم كلمة (السلم)
لمطالبة
الحكومات بخفض
نفقاتها العسكرية، وتحويل الإنفاق إلى خطط التخريب
والتدمير
للأيديولوجية النسوية
الجديدة؛ إذ تلزم مقررات بكين الحكومات
المحلية
بتنفيذ الأهداف
الاستراتيجية للنظام العالمي الجديد فيما يتصل
بإقرار
الأيديولوجية النسوية
الجديدة، وذلك بمساعدة البنك الدولي وصندوق
النقد
الدولي
.
هذه هي المفردات
الجديدة والمقررات التي يسعى النظام
العالمي
الجديد لفرضها
أيديولوجية كونية على العالم. وبالطبع فإنه يستهدف من
وراء
ذلك ضرب مواطن القوة
في الحضارات المختلفة معه.
كيف
تعامل العالم مع الوثيقة؟
وإن
من يتأمل في تلك
المقررات بعين العقل والبصيرة فإنه لا يكاد يصدق أنه
يوجد
ثلاثة أشخاص من البشر
قد يتفقون عليها ويقرونها لشناعتها وخطرها، بل
لو
حُدثنا عن أنها في
أمة سابقة لاعتبرناها أمراً عجباً، والمرء يعجب
أعظم
العجب عندما يتيقن أن
تلك المقررات والدعوات تتداعى دول عدة
لإقرارها..
دولٌ نالت حظاً
كبيراً من فهم السنن الكونية في هذه الحياة..
وهاهم
يشاهدون أعظم العبر
وأبلغ النذر في خطئهم، و خطر دعواتهم الإباحية
بما
رأوه من الأرقام
المتصاعدة لصرعى الأمراض الجنسية التي أُعيوا أن
يجدوا
لها طباً أو
شفاءً..
فكيف تعمى بصائرهم عن
وهاد السفاح و مزالق مخالفة الفطرة؟!
ولكن
ذلك العجب يتلاشى حين
نتأمل قول أصدق القائلين وأحكم الحاكمين والخبير
بما
في صدور العالمين؛ إذ
قال سبحانه: {إِنْ هُمْ إِلاَّ
كَالأَنْعَامِ بَلْ
هُمْ
أَضَلُّ سَبِيلاً} [سورة الفرقان:44].
وإنه لعارٌ على الإنسانية إلى
قيام الساعة أن يكون
فيهم من تُبجل إنجازاتهم وتُعدد مخترعاتهم مما
فتح
الله به عليهم، ثم
ينتكسون تلك الانتكاسة الكبرى في هـدم الأخلاق
وإلغاء
الكرامة الإنسانية
وإهدار معالمها.
والطامة الكبرى أن
وثيقة بكين التي
أصبحت "مقررات بكين"
وقّعت عليها (183) دولة لتصبح أساس المرجعية
الكونية
البديلة، والتوصيات
والوثائق التي توقع عليها الـدول والحكومات الأعضاء
في
الأمم المتحدة تعتبر
ملزمة لها، كما أن الأمم المتحدة تقوم بكل
هيئاتها
ومؤسساتها بتنفيذ ما
جاء في توصيات هذه المؤتمرات الدولية ووثائقها،
بما
في ذلك المراقبة
والمتابعة لمدى التزام الدول والحكومات بها، كما
أن
المنظمات غير
الحكومية الممثلة في الأمم المتحدة تمثل قوة ضغط في
دولها
لمراقبة التزام هذه
الدول بقرارات الأمم المتحدة وتوصياتها ومتابعة
ذلك،
وهي في هذا تشبه
"جواسيس للأمم المتحدة" في دولها.
ولا تكتفي
الأمم
المتحدة بذلك وإنما
تعقد مؤتمرات مع الأطراف الحكومية والمنظمات
غير
الحكومية كل سنة أو
سنتين باسم مؤتمر السكان أو التنمية أو غيرها
من
الشعارات البرّاقة،
وذلك للتأكد من الالتزام الحكومي بالمرجعية
الكونية
البديلة والخضوع
للنظام العالمي الجديد. وهكذا حتى يأتي موعد
المؤتمر
الدولي القادم للمرأة
في آذار (مارس) من عامنا الجديد 2005م، أي بعد
عشر
سنوات من مؤتمر بكين،
أي أن هناك آلية دولية لها طابع الفرض
والإلزام
والمتابعة تتدخل في
الشؤون الداخلية للدول لتطلب منها الالتزام بما
وقّعت
عليه، وهذه الآلية
يمكن أن تمارس الإرهاب بفرض العقوبات الدولية على
الدول
التي ترى الأمم
المتحدة أنها غير ملتزمة، كما أن هذه الآلية تمارس
الإغراء
بمنح معونات أو قروض
أو ما شابه، إذا التزمت بمقررات الشرعية
الجديدة.
وفي
الدول العربية
وفي
الأحوال الشخصية
للمرأة في سوريا، فقد تم إصلاح عدة قوانين مدنية
في
الثلاثين سنة الماضية
بهدف تحقيق المساواة بين الذكور والإناث،
ولكن
العديد من هذه
الإصلاحات لم تُطبّق؛ لأن التقاليد الاجتماعية تمنع
تطبيق
القوانين التشريعية
أو الوضعية، وفي أعقاب مؤتمر بكين شكلت
الحكومة"
اللجنة الوطنية
لمتابعة شؤون المرأة ما بعد بكين"، وتتولى هذه
اللجنة
إعداد تقارير للأمم
المتحدة حول تقدم سوريا نحو المساواة بين
الجنسين،
وترفع التوصيات إلى
الحكومة السورية حول هذه المسألة.
ومن ثَمَّ فإن ما يجري في مصر أو المغرب أو الأردن بشأن تغيير قوانين الأحوال الشخصية أو العقوبات هو جزء من الالتزام بالأجندة الدولية التي وافقت هذه الدول عليها في المؤتمرات الدولية، وليس تعبيراً عن حاجة داخلية لشعوب هذه الدول؛ فحق المرأة في فسخ عقد الزواج، وحقها في السفر هي وأولادها بلا قيود، وحقّها فـي المواطنة الذي يستخدم ستاراً لمساواتها مع الرجل في الإرث والطلاق وعدم الخضوع لسلطة ـ أي رفض القِوامة ـ وإقامة علاقات ود وصداقة خارج نطاق البيت والعائلة، كل هذه القضايا كانت مطروحة باعتبارها جزءاً من أجندة دولية للتسليم بالدخول في طاعة النظام العالمي الجديد، والإقرار بالالتزام بالأيديولوجية النسوية البديلة.
- التصنيف: