إفريقيا .... آتون الصراعات وبحر الثروات

منذ 2006-07-18

مفكرة الإسلام: وحدة متابعة الشئون الإفريقية


خلال حملته الانتخابية عام 2001، صرّح الرئيس الأمريكي 'جورج بوش' بأن القارةالإفريقية لا تدخل ضمن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية, إلا أن هذه النظرة تغيّرت تمامًا وأصبحت القارة السمراء في قلب الاهتماماتالاستراتيجية للولايات المتحدة, منذ العام 2003 على وجه التحديد.

وجاء هذا الاهتمام الأمريكي المتزايد تمشيًا مع الإستراتيجية التوسعية التيتبنتها إدارة الرئيس بوش على الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية؛لتحقيق الأمن القومي الأمريكي بمعناه الشامل، المتمثل في مكافحة الجماعاتالتي تصفها بأنها إرهابية خارج الحدود الأمريكية، والتصدّي للقوى الصاعدةفي النظام الدولي، وتأمين الاحتياجات الأمريكية من الطاقة.

وظهر هذا التبدّل في التوجّه الأمريكي جليًّا من الكتابات والتصريحات التييطلقها أصحاب نظرية 'السيطرة الحميدة' على مقدرات القارة وثرواتها، منأمثال رؤوس 'المحافظون الجدد' (كريتشارد بيرل), و(بول ولفووتيز), و(ديكتشيني)، الذي أشار في تقرير أعده عام 2001 حول السياسة القومية الأمريكيةبالنسبة للطاقة أن إفريقيا ستكون 'أحد المصادر الأمريكية المتنامية بسرعةمن النفط والغاز'.

كما نشرت مجلة 'أسيا تايمز أون لاين' في عام2003، حوارًا مع المحلل الأمني الأمريكي (مايكل كلير)، مؤلف كتاب (حروبمصادر الثروة)، نوَّه فيه إلى احتمالية زيادة النفوذ الأمريكي في إفريقيا, حيث رأى أنها ستكون هي الهدف, وستكون مصرحًا للحروب القادمة بين القوىالمتصارعة .

وجاءت زيارة الرئيس الأمريكي بوش إلى خمس دول إفريقية'السنغال, جنوب إفريقيا, بتسوانا, أوغندا, نيجيريا'؛ في يوليو 2003تتويجًا لهذا التوجه الأمريكي وتكريسًا للاستراتيجية الجديدة.

ويلحظ أن الزيارة ركزت على دول محورية ومهمة للإدارة الأمريكية, فالساحل الغربيتتركز فيه المصادر النفطية, والجنوب الإفريقي ذو سواحل ممتدة على جانبيالمحيطين الهندي والأطلسي, وأوغندا منبع النهر الذي يتحكم في مصير عدة دولمحورية في القارة السمراء.


بواعث الاهتمام الأمريكي بالقارة

إذا ما ذهبنا نتأمل ونحصي البواعث لهذا التوجه الأمريكي تجاه القارة يمكننا رصد سببين أساسيين:

أولهما: الرغبة في تأمين الموارد النفطية.

تبحث الولايات المتحدة عن مخرج لعقدة الارتباط والارتهان ببترول الشرق الأوسط, ووجدت على ما يبدو مبتغاها في البترول الإفريقي ذو الكلفة السياسية الأقل, وهو ما أشار إليه بصورة جلية الرئيس الأمريكي في خطابه عن حالة الاتحاد فيفبراير من العام 2006, كما جاءت جنوب إفريقيا على رأس المناطق المشارإليها في الخطاب الذي ألقته وزيرة الخارجية الأمريكية في الثامن عشر منيناير الماضي في جامعة جورج تاون الأمريكية، على أنها ستحدث تغييرًا فيبنيوية النظام العالمي وستشكل مجرى التاريخ, وأن السياسية الخارجيةلبلادها أمام مهمة تطوير استراتيجية للحفاظ على بعض نفوذ الولايات المتحدةفي تلك الدول.

ومبعث الاهتمام في حقيقته تولد منذ العام 2002 , حيثصرح 'والتر كانستينر'، مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية في مطلعفبراير 2002، 'أن النفط الإفريقي أصبح مصلحة إستراتيجية قومية لأمريكا'.

كما أشارت دراسة أجرتها المجموعة الوطنية لتطوير سياسة الطاقة في واشنطن عام2002 إلى أن الولايات المتحدة سترفع وارداتها النفطية في إفريقيا من 17% إلى 25% بحلول 2015.

وفي حال سيطرة الولايات المتحدة على مخزوناتالنفط الإفريقي بجانب السيطرة على نفط العراق فسيعني ذلك تحكمها فيالاقتصاد العالمي واقتصاديات الدول المنافسة، خاصة الصين التي لا تغيب عنعين الصقر الأمريكي.

وليس تأمين مصادر النفط في الحقيقة هوالداعي للتحرك الأمريكي في القارة وفقط, ولكن الرغبة في تحجيم الدورالصيني المتنامي في القارة شكل إحدى زوايا الرؤية الأمريكية حيالاستراتيجيتها هناك.
ففي السادس من شهر ديسمبر 2005 أصدر مجلسالعلاقات الخارجية تقريرًا حذر فيه الولايات المتحدة من مواجهة منافسةضارية من الصين على إمدادات النفط من إفريقيا, داعيًا واشنطن إلى 'انتهاجأسلوب استراتيجي تجاه القارة باستثمار المزيد من الموارد هناك'. وقالالمجلس: إن الأهمية الإستراتيجية لإفريقيا تتزايد خاصة بسبب إمداداتالطاقة وأنه يتعين على الولايات المتحدة تجاوز أسلوب التعامل مع القارة منمنظور إنساني واعتبارها شريكًا.

وأضاف التقرير الذي شارك في إعدادهانتوني ليك -مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون-: "بحلول عام 2010 ستعادل واردات النفط من إفريقيا للولايات المتحدة ما تحصلعليه من الشرق الأوسط".


ثانيهما: مكافحة 'الإرهاب' والتيارات المعادية

ما زال هاجس تنظيم القاعدة يشغل البال الأمريكي, فرغم كل المحاولات التي قامتبها الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي انتظمت في إطار الحربالأمريكية على الإرهاب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، إلا أنالشواهد تؤكد على أن التنظيم ما زال يحتفظ بحيويته وقادر على إخراجمخططاته إلى حيز التنفيذ.

ومن هنا كانت الأهمية التي أولتهاالولايات المتحدة لإفريقيا عامة, حيث تتركز الهواجس من نمو التنظيم, وللمغرب العربي على وجه الخصوص, فقد استقبلت الجزائر وحدها خمسة وفودأمريكية منذ مطلع العام 2006، شكل تطوير التنسيق الأمني لمكافحة 'الإرهاب' السمت الأبرز لها.

ففي المغرب العربي تنشط 'السلفية الجهادية', وهيفي منظومتها الفكرية وطريقة أدائها ليست ببعيدة عن آليات تنظيم القاعدةومنهجه, ولذا فإن متابعتها عن قرب ووئدها إقليميًا قبل تشعبها وامتدادهادوليًا قد يكون أولوية أمريكية في الوقت الراهن.
وهذا يأتي متزامنًا معالحديث المستفيض عن تمركز تنظيم القاعدة بمنطقة الصحراء الكبرى, واستعدادهللانطلاق منها لتنفيذ عملياته سواء العالمي منها والذي يستهدف المصالحالأمريكية والأوروبية أو المحلي كذلك.

وثمة تخوف مستقبلي أمريكي وإقليمي كذلك من التحام تنظيم القاعدة والسلفية الجهادية, أو أن تعمل الثانية كوكيل للقاعدة في المنطقة.

ففي حديثه عن منطقة المغرب العربي ومستقبل الوجود الأمريكي بها أكد الجنرالماجور جوناتان مدير المخابرات والسياسة وعمليات التقييم بقيادة القواتالأمريكية المرابطة بأوروبا خلال مائدة مستديرة نظمها 'مركز الدراساتالاستراتيجية والدولية' بواشنطن 16/2/2006 "أن خطر الإرهاب أحدث تغييرًاهامًا في استراتيجية الولايات المتحدة على اعتبار أن العدو الجديد مجهولالهوية ولا يوجد داخل الحدود الجغرافية المرسومة ولا يخشى الموت, ومن ثميتعين, التحرك بشكل وقائي لمواجهته".

وبدافع تلك المخاوف يمكنقراءة المناورات الأمريكية الأطلسية المشتركة مع قوات تسع بلدان مغاربيةوإفريقية في يونيو 2005 للتدرب على مكافحة 'جماعات إرهابية' بمشاركة وحداتمن المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا والنيجر ومالي والسنغال وتشادونيجيريا, ومن ثم محاولة إيجاد جيش مشترك لمواجهة تحديات ما يسمى بالإرهاب.



التحركات الأمريكية للسيطرة على القارة

تحركت إدارة الرئيس بوش منذ عام 2003 لتطبيق إستراتيجيتها الطامحة لاستغلالالقارة, وربط مفاصلها بالمقدرات الأمريكية ونرى أن هذا التحرك تم علىمحورين أساسيين:

المحور الأول: تكثيف الوجود العسكري في القارة

سعت الولايات المتحدة للتغلغل في القارة وتحزيمها عسكريًا من خلال القواعدالعسكرية تارة, ومن خلال الاتفاقات تارة أخرى, وقد استدعى الأمر تدخلهاعدة مرات عسكريًا.
ففي شهر أبريل من عام 2003 صرح الجنرال الأمريكيجيمس جونز - أعلى مسئول عسكري أمريكي في أوروبا ـ بأن الولايات المتحدةتريد زيادة وجودها العسكري في إفريقيا للرد على ما وصفه بـ'التهديداتالجديدة التي يمثلها تعرض بعض الدول لعدم الاستقرار'؛ لوجود مناطق شاسعةبدون سلطة تتيح المجال لنشاط تجارة المخدرات وتدريب الإرهابيين، معلنًا أنوزارة الدفاع الأمريكية تنوي خلق مراكز إستراتيجية في العالم للتدخلالسريع في إطار ما أسماه 'تحول القوات الأمريكية لجعلها أكثر قدرة علىالتحرك '.

وأكد النية الأمريكية في توسيع وجودها العسكري فيإفريقيا ما ذكره تقرير نشرته مؤسسة 'أكسفورد أنليتيكا' للأبحاث والدراساتفي شهر سبتمبر 2003، ذكرت فيه أن كلاً من الكاميرون والجابون وغينياالاستوائية توصلت بالفعل إلى اتفاقات مع الولايات المتحدة يتم السماحبموجبها للأمريكيين استخدام مطارات تلك الدول.
كما يتم بحث مجموعة من الخيارات بما فيها استخدام قواعد جوية في نيجيريا وبنين وساحل العاج.

ولا شك أن أهمية وجود قوات أمريكية في الساحل الغربي لإفريقيا تنبع من الرغبةفي تأمين خط أنابيب 'تشاد- كاميرون' الذي سيضخ 250 ألف برميل من النفطيوميًا في اتجاه الأطلسي؛ وكذلك خليج غينيا، وهو شريط ساحلي مليء بالنفطبين أنجولا ونيجيريا؛ حيث يتعدى إنتاج المنطقة النفطي 5.4 ملايين برميليوميًا .

كما نجحت الإدارة الأمريكية في إنشاء قاعدة عسكريةأمريكية متاخمة للبحيرات العظمى ومنابع النيل في أوغندا, وزاد عدد جنودهافي جيبوتي من 18.000 إلى 20.300 جندي.

ووزير الدفاع الأمريكيدونالد رامسفيلد في زيارته لكل من إريتريا وإثيوبيا وجيبوتي في ديسمبر2002؛ حصل على موافقة ثلاثية للسماح للطائرات الأمريكية بالتحليق فوقأراضيها، وكذلك تقديم معلومات عسكرية، والسماح للبحرية الأمريكية بحريةالحركة لضمان أمن البحر الأحمر.

وقد تدخلت الولايات المتحدةعسكريًا في القارة لتأمين مصالحها, ففي أغسطس 2003 تدخلت في الأزمةالليبيرية, ومارست ضغوطًا على الرئيس الليبيري تشارلز تايلور ليتنحى عنالسلطة؛ ليتم بعد ذلك إبرام اتفاق سلام بين الحكومة وحركتي التمردالرئيستين في البلاد؛ لوقف الصراع الليبيري المستمر منذ 14 عامًا.

وهذا التدخل الأمريكي يصب في قلب الإستراتيجية الجديدة في التعامل مع القارةالإفريقية؛ حيث يخضع مطار 'روبرتسفيلد' الدولي في ليبريا للسيطرةالأمريكية, وهو المطار الذي يستخدم كقاعدة رئيسة لإعادة تموين الطائراتالعسكرية الأمريكية بالوقود في المحيط الأطلسي؛ كما على الأراضي الليبيريةمحطة إرسال تابعة لوكالة المخابرات الأمريكيةCIA, وعلى أراضيها كذلك قاعدةبحرية, تعتبر واحدة من أكبر ست قواعد بحرية خارج الأراضي الأمريكية.


المحور الثاني: تحركات تجاه تأمين مصادر النفط

وضعت الإدارة الأمريكية هذا النفط الإفريقي نصب أعينها وعملت على منع الصراعاتفي مناطق إنتاجه, فالصراعات المعقدة التي ظلت حبيسة الجدران الحدوديةمشتعلة سنوات عدة بدأ يتكشف لها حل سياسي منذ العام 2003؛ لتسهيل عمليةالاستثمار واستخراج الكنز الأسود.

فقد تم التوصل لاتفاق تقاسمالسلطة في الكونجو الديمقراطية في يونيو 2003, وتم حل الأزمة الليبيرية فيأغسطس 2003, وتم التوصل لاتفاق السلام في بوروندي في نوفمبر 2003, ومفاوضات السلام في السودان اكتسبت زخمًا أمريكيا خلال عام 2003؛ من خلالزيارة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول لكينيا في شهر أكتوبر 2003 لحثلمفاوضين على توقيع اتفاق نهائي قبل بدء عام 2004.

وعززت الولايات المتحدة محاولتها للسيطرة على النفط الإفريقي من خلال المجلسالاستشاري لإفريقيا, وهو تحالف يضم شركات أمريكية عملاقة، ويعد هذا المجلسشريكًا أصيلاً للحكومة الأمريكية في كل ما يخص إفريقيا، وكان وراء تضخمالاستثمارات الأمريكية في قطاع النفط في غرب إفريقيا حتى تجاوزت سقفالسبعة مليارات دولار بعد أن كانت مليارًا واحدًا في بداية عقد التسعينات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
1
ـ السياسة الدولية، العدد 144، يناير 2001م
2
ـ السياسة الدولية، العدد 145، يوليو 2001م
3
ـأفريقيا والنفط والعسكرية الأمريكية, تأليف: ريت جولدشتين, ترجمة : خالد الفيشاوي