هدى علي غالية.. طفلة الشموخ
منذ 2006-07-24
سامحينا يا حبيبتي هدى علي غالية على صمتنا أمام نحيبك بقرب جثمان والدك، وقد أجهزت عليه وعلى والدتك وإخوتك الأربعة وخالتك نيران مدفعية العدو الصهيوني الذي يحتلّ أرضكم.. وجّه مدفعيته عليكم من البحر، ورشّكم بنيران حقده، وادّعى أنه (خطأ)!! بل اعتذر أحدهم إن كان تسبب في هذه الوفيات!!
جريمة لا تختلف عن جميع جرائمه المعتادة الحقيرة.. جريمة تؤكد يوماً بعد يوم ماذا تعني دولة تمارس الإرهاب اليومي تحت قبعة الدفاع عن النفس..
سامحينا يا هدى.. يا غالية على قلوب كل شريف حر شاهدك وتابع مأساتك وأنت ملتاعة تراقبين إسعاف إخوتك الذين تحوّلوا إلى هياكل محترقة، ومنهم الطفلة الصغيرة ذات الشعر الحريري التي تهشمت جمجمتها وسقطت خصلات شعرها وجزء من تلافيف مخها على الأرض وهم يركضون بها.. مناظر لم تبثّها سوى قناة فلسطين.. واخفقت بقية القنوات في بثها لأنها كانت مشغولة بمتابعة حفلات المونديال!! هل شاهدتم من يجمع خصلات الشعر المحترقة وبقايا أجزاء الجسد البشري التي تناثرت على الأرض!!
يا طفلة الحزن.. كنت تقفين مذهولة أمام كومة الجثث وكنت الوحيدة التي لم تصب بشظية من سعير الجحيم الذي صبّته عليكم مدفعية العدو من الزوارق البحرية، وركضتِ يا حبيبتي تبحثين عن والدكِ.. تبحثين عن أمن العالم بين يديه بعد هول المصيبة التي اجتاحت صدركِ وجسدك.. ولكن المأساة هناك أيضاً! والدك استشهد وبقربه أخوك مصاباً أيضاً!! عندها يا صغيرتي سقطتِ منهارة على رمل شاطئ غزة.. بكيتِ دماً يا صغيرتي وأبكيت كل الشرفاء معك.. وكنت تتلوين ألماً صاعقاً؛ فالفجيعة لا يقواها الكبار فكيف بطفلة العاشرة من العمر، لا ملجأ لها في ذلك الشاطئ سوى الله.. صرخاتك على شاطئ غزة هي وصمة عار في حياة الجبناء الذين يمررون مؤامرات هذا العدو ويصمتون أمام إرهابه المستمر..
يا هدى.. يا أشرف الشرفاء.. لماذا لم يسمع أنينك سوى الشرفاء وبصمت؟! لماذا دموعك الغالية خنجر في صدر الشرفاء فقط.. أما البقية فهم في غيهم سادرون.. حتى صورك غابت عن الصحف وبحثت عنها في الصفحات الداخلية على استحياء! بينما لو كنتِ (صهيونية) قتلتْ برصاص طائش من أي شخص ما.. لقامت الدنيا ولم تقعد، ولشاهدتِ قصائد الرثاء وبيانات الشجب والاستنكار لقتل هذه (البريئة)!! ولربما جاءت الإدارة الأمريكية بخيلها ورَجْلِها للأخذ بثأرك.
يا هدى.. يا حزن العالم يتجمع في صدرك ومآقي عينيك الحزينتين.. والله لقد أبكيتني يومين كاملين.. وكأني أنا أنتِ.. أشفقت عليكِ ملتاعة تبحثين عن أمن وعن حضن يضمك في لحظات القسوة، ونحيبك يتردد في شاطئ غزة وحيدة تركضين في مناخ القتل والموت والدم.. جميع من كان في الشاطئ هم المنقذون رجال الأسعاف وبعض من كان معكم يبحث عن نزهة لم يدرك أنها مقبرته من قبل هؤلاء الاعداء..
صورتكِ تركضين وحيدة مبلولة بالماء ومغسولة بالرعب والهلع والحزن وفقد الأسرة، والموت رهبته تكمن في اقتلاع من نحب من حولنا.. فكيف بكِ في هذا العمر، وفي ثوان يغيب أمام عينيك أهلك، وتشاهدين أجسامهم المحترقة وجماجمهم المهشمة حتى أمعاء والدك سقطت على الأرض عند حملهم له، وأنت تصرخين وتصرخين وتصرخين..!!
يا رحمة الله.. هذه الصورة لك لم تفارقني إلى اللحظة.. تسلل هدوء قليل إلى نفسي عندما رأيتكِ في مقابلة مع إحدى الفضائيات تتحدثين عن وعد والدك لكم بنزهة على البحر إذا نجحتم في الامتحان كما تقولين.. وكيف كان وقع الموت عليكِ وخوفكِ من هذا الفقد.. كنتِ حزينة في شموخ..
كنت نموذجاً مجسداً لهواننا ونحن لا نفعل شيئاً سوى الصمت والبكاء!!
تعرفين يا حبيبتي هدى.. أن صحيفة (يديعوت أحرونوت) في موقعها على الإنترنت ذكرت أن البحرية الصهيونية استهدفت أحد الشواطئ في مدينة بيت لاهيا بقطاع غزة، وأن معظم القتلى هم من النساء والأطفال الذين كانوا على شاطئ البحر..
ورغم هذا الاعتراف الذي تم تأكيده في ما تم بثه من رؤية هذه الزوارق الحربية البحرية وهي تصوّب إلى الشاطئ الذي كنتم تقضون يومكم فيه.. يوم عائلتك الأخير ويوم حزنك الكبير.. ورغم هذا يا أجمل أطفال العالم يقول الناطق بلسان البيت الأبيض شون ماكورماك: "لقد اطّلعنا على المعلومات ذات الصلة بإطلاق النار، وأعتقد أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها"!!
يا هدى.. هل ألعاب البلاستيك التي أحضرها إخوتك للعب بالرمل من خلالها هي التي تهدد أمن إسرائيل؟!
هل قطعة القماش التي كنتم تجلسون عليها هي السلاح المدمر الذي يخشى العدو منه؟!
الغريب يا هدى أن هناك مسيرة رفض لهذا العدوان عليكم كانت من يهود رفضوا هذا الجبروت، وحملوا صورتكِ وتظاهروا أمام المبنى الحكومي لرئيس دولة العدو.. والأغرب يا هدى أن ابنة اولمرت كانت معهم!! كانت ترفض هذا الإرهاب..
حمل بعض من اليهود صورتكِ يرفضون هذا القتل ونحن العرب نتابع المباريات الرياضية!! السودان فقط جمهورها خرج محتجاً على هذه الجرائم.. أيضاً خرج أطفال فلسطين يطالبون العالم بالتحرك.. بالأمم المتحدة ومنظماتها وتخاذل وثائقها التي تتحدث عن (ميثاق حقوق الطفل)!! وعن (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة)!!، وعن الأمن والسلام وتحقيق الديموقراطية وترويج شعارات العولمة!!
خرج أطفال فلسطين ليرسموا لوحة وفاء ويعلنون استمرار الصمود.. وبقينا نحن خلف التلفاز بعضنا يبكي وبعضنا يتناول الشاي ويتابع كأس العالم!!
يا هدى.. يا أغلى أطفال العالم.. لن يبق الحزن في عينيك طويلاً فالله وعد عباده الصابرين بالنصر..
لكِ العزاء في والدكِ ووالدتكِ وشقيقاتكِ وإخوتكِ.. ولكِ الحب كله.. ويكفيكِ أنك ستبقين مهرة أبيّة في جبين تحرير فلسطين..
يا أمهات ويا آباء.. تعلّموا من طفلة الحزن هذه ماذا تعني الأمومة والأبوة في مناخ الموت والاحتلال ترقباً ليوم عزٍ قادم..
المصدر: جريدة الرياض
- التصنيف: