السفير الصومالي: أمراء الحرب مسئولون عن المأساة

منذ 2006-07-24


القاهرة / عبد الرحمن أبو عوف


- أطراف إقليميّة ودوليّة تشعل الصراع في الصومال.
ـ لا وجود للقاعدة، وأمراء الحرب مسؤولون عن مأساة الشعب الصومالي.
- المحاكم الشرعية لم تتورط في ارتكاب جرائم ضد الشعب الصومالي.
ـ حكومة عبد الله يوسف حقّقت نجاحات على الرغم من التجاهل العربي ونقص الإمكانيات.


أكد السفير الصومالي في القاهرة، عبد الله حسين محمود، أن هناك أطرافاً أجنبية تعبث في الساحة الصومالية، وهي المسؤولة عن اندلاع الاضطرابات الأمنية في الصومال، عبر تقديم الدعم المالي والسلاح لهذا الطرف أو ذاك، مشيراً إلى أن أمراء الحرب ومن يقف خلفهم هم وراء المأساة التي يعيشها الشعب الصومالي من سنوات. وقال السفير الصومالي إن حديث ما يُطلق عليه (تحالف الأمن والسلم ومكافحة الإرهاب) عن وجود القاعدة بالصومال، مجرد فرية لا أساس لها من الصحة لانتزاع دعم دولي لهم؛ فلا وجود للقاعدة في الأراضي الصومالية من قريب أو بعيد، فنحن لسنا أفغانستان، وهناك صعوبات بتوطين مقاتلين أجانب في الصومال.

وانتقد السفير عبد الله حسين محمود عدم قيام الدول العربية بتقديم دعم مالي للحكومة الشرعية تنفيذاً لمقررات القمم العربية المختلفة، ووجود حالة تجاهل في الوقت نفسه بالدور الممتاز الذي لعبته منظمات المجتمع المدني العربية في مكافحة الجفاف والتصحر الذي ضرب الصومال في الفترة الأخيرة.

وأشار السفير الصومالي بالقاهرة إلى أن حكومة الرئيس عبد الله يوسف أحمد قد حققت عديداً من النجاحات في الفترة الأخيرة، وأن نقص الإمكانيات المالية واضطراب الأوضاع الأمنية هي التي تقف دون وصول الحكومة إلى العاصمة مقديشو، وإن كان هذا لا ينفي تحقق إنجازات كبيرة ونجاحها في انتزاع اعتراف ودعم دولي لمهمتها.

في السطور التالية التفاصيل الكاملة لحوار سفير الصومال بالقاهرة:

- بداية.. ماهي أسباب اندلاع المعارك الضارية التي شهدتها العاصمة الصومالية مقديشو مؤخرا والتي انتهت بانتصار المحاكم الشرعية؟
- تفجر الأوضاع الأمنية والمعارك الدموية التي شهدتها العاصمة مقديشو يتحمل مسؤوليتها أطراف إقليمية ودولية؛ فهناك أيدٍ يعلمها الجميع تعبث في الصومال، وتقدم الدعم لجميع أطراف الصراع بهدف استمرار تغييب الدولة وسيادة الفوضى، وقد وجد هؤلاء ضالّتهم في أمراء الحرب في الصومال الذين أجرموا في حق وطنهم عبر قتل الأبرياء والمدنيين والشيوخ والأطفال، ثم يتحدثون عن مكافحة الإرهاب، على الرغم من أنهم الإرهابيون والمسؤولون عن عدم استقرار الأوضاع في الصومال طوال السنوات الماضية، أما عن الطرف الآخر فهم المحاكم الشرعية. وهؤلاء لم يتورّطوا في ارتكاب جرائم ضد الشعب الصومالي.. وبعد أن حققت المحاكم الشرعية انتصاراً في تلك المعارك نأمل عودة الهدوء والأمن للصومال؛ لأنهم جهة غير شرعية في إدارة البلاد.

- تحالف ما يسمى (الأمن والسلام ومكافحة الإرهاب) اتهم الطرف الآخر بإيواء مقاتلين أجانب، وتحدث كثيراً عن وجود للقاعدة هناك، ما تعليقكم على ذلك؟
- هذه ادعاءات كاذبة لجذب الدعم الأمريكي والدولي لهذه الادعاءات؛ فالصومال ليست أفغانستان، ولا وجود فيه لتنظيم القاعدة منذ سنوات طويلة، وأنا على يقين من عدم وجود أي مقاتلين أجانب لا في مقديشو ولا في غيرها، وأنا هنا أتعجب من هذه الفرية؛ فالشعب الصومالي كله أسمر البشرة، ومن السهل جدا كشف وجود مقاتلين أجانب؛ ثم إن من يتحدث عن هؤلاء المقاتلين لم يقدم دليلاً واحداً، أما حديثهم عن وجود أناس صوماليين يعتنقون فكر القاعدة فهذا أمر معقد وصعب؛ فنحن لا نحاسب صومالياً على أفكاره.


تعميم خاطئ
- شهدت الساحة الصومالية العديد من المبادرات لإعادة تطبيع الأوضاع في الصومال، لماذا أخفقت كل هذه المحاولات؟
- التعميم هنا خاطئ؛ فجميع المحاولات نجحت في المصالحة بين الفرقاء حيث تم تكوين برلمان يتألف من (275) عضواً، وتم اختيار رئيس جمهورية ورئيس وزراء بأغلبية مريحة تفوق الثلثين؛ لذا فهناك حكومة شرعية تعمل من مدينة بيداوا التي تبعد (240) كيلو متراً عن مقديشيو، وتحظى هذه الحكومة بدعم من المجتمع الدولي الذي يتعاطى بشكل ممتاز مع الرئيس عبد الله يوسف أحمد الذي زار بروكسل في الفترة الأخيرة، وحصل على اعتراف بشرعية حكومته من الاتحاد الأوروبي، وقدم له دعماً مالياً يتجاوز (180) مليون يورو مساعدات عينية عديدة، ووصل إلى بيداوا قبل أسبوع وزير من وزارة بالحكومة الشرعية، وقدم دعماً ماليا يقدر بـ (18) مليون جنيه استرليني؛ لذا فنحن من نجاح إلى آخر؛ على الرغم من الظروف الصعبة، وتدهور الأوضاع الأمنية، وافتقاد الحكومة للإمكانيات؛ ولكن ما يميز هذه الحكومة أنها تعمل في صمت لتحقيق أهدافها، وهي سائرة على الدرب، وهي تحتاج إلى دعم عربي وإقليمي لإنجاح مهمتها.


نقص إمكانيات
- لكن حديثك عن النجاح هذا كان ينظر إليه البعض على أنه تفاؤل ليس له ما يسوّغه خصوصاً أن الحكومة لم تبسط سيطرتها على مقديشو؟
- العاصمة مقديشو هي لب الأزمة الصومالية، وكتلة اللهب التي تهدد بإحراق الصومال كله، ولكن الحكومة التي تتخذ من بيداوا مقراً لها استطاعت تحقيق عديد من الإنجازات؛ فقد أحدثت تطوراً في أجهزة الشرطة والمحليات، وأنا لا أحب أن يحكم الناس على الوضع في الصومال في العاصمة فقط، لكن إذا نظرنا إلى يونث لاند وبيداوا وكيسمايو وأرض الصومال فسنجد هناك استقراراً، ومؤسسات تعمل لخدمة الشعب الصومالي الذي يعد استمرار حكومته في العمل إلى الآن نوعاً من المعجزات بسبب الحرب العاتية التي يشنها أمراء وأباطرة الحرب على هذه الحكومة، والسعي لإفشال دورها، وهؤلاء المجرمون هم المسؤولون عن الأوضاع السيئة التي يعاني منها الصومال في الماضي والحاضر والمستقبل، وقد شكّلت الحكومة وفداً برلمانياً للبحث عن الأزمة والاقتتال الذي شهدته مقديشو وسيطرة المحاكم الشرعية على الأوضاع هناك.

- وماذا عن الدعم العربي المقدم للحكومة الصومالية؟
- على الرغم من أني لا أحب الحديث حول هذا الأمر، فإن الأشقاء العرب قد تخلّوا عن الصومال بشكل شبه تام، ولم يلتزموا بما اتفقوا عليه في قمة عمان من تخصيص (450) مليون في قمة بيروت العربية إلى (56) مليون دولار، ولم تلتزم الدول العربية، وتكرر نفس الشيء في القمم التالية ، وتم تخفيض الدعم إلى (26) مليون دولار، ولم تلتزم بتقديم هذا الدعم إلا دول قليلة جداً كان آخرها الجزائر الرئيس السابق للقمة العربية التي دفعت حصتها كاملة، وبدون ذلك فلا يوجد أدنى اهتمام بالصومال، وإننا ننتظر الكثير من أشقائنا العرب لدعم الحكومة الشرعية في الصومال حالياً، ولكن ما يحدث على أرض الواقع يؤكد أن هناك تجاهلاً عربياً شبه تام للصومال.


جهود كبيرة
- هذا على النطاق الرسمي.. لكن ماذا عن الدعم المقدم من مؤسسات المجتمع المدني العربية والإسلامية؟
- لا، هناك فارق كبير بين الموقف الرسمي للدول العربية وبين مؤسسات المجتمع المدني؛ إذ تتواجد العديد من المؤسسات الخليجية في الأراضي الصومالية، وبذلت جهوداً كبيرة في مواجهة مشكلة الجفاف والتصحر الذي ضرب الصومال في الآونة الأخيرة، وتنحدر هذه المؤسسات من دول كالسعودية والكويت والإمارات وقطر، وقامت هذه المنظمات بإرسال صهاريج المياه العملاقة والأطعمة والألبسة، ناهيك عن قيام البعض ببناء المدارس والمستشفيات في مقديشو وكيسمايو، وهو أمر جيد حظي بدعم وتأييد من الشعب الصومالي؛ فهذه المنظمات نجحت فيما أخفقت فيه الدول.

- الحديث عن الجفاف يجرنا إلى الأوضاع الاقتصادية للشعب الصومالي الذي يعاني من حرب أهلية منذ (15) عاماً، كيف تصفون الوضعية الاقتصادية الحالية للبلاد؟
- الوضع الاقتصادي شأنه شأن الوضعين الأمني والسياسي، وما دام الأمن غير مستقر فإنه لا أمل في ازدهار الاقتصاد. وأقولها صريحة: إن إخواننا العرب قد وجّهوا ضربة للاقتصاد الصومالي بالامتناع عن أكل اللحوم الصومالية، والزعم أنها مريضة، و على الرغم من زيارة وفد من منظمة الصحة العالمية لجميع بقاع الصومال وإعلانه سلامة مواشيه، إلا أن العرب استمروا في مقاطعة اللحوم الصومالية، مما زاد الوضع الاقتصادي سوءاً، وزاد من معاناة الصوماليين.


مفاجأة.. المدارس تعمل
- لا شك أن التعليم في الصومال قد أُصيب بأضرار كبيرة في السنوات الماضية.. هل لك أن تلقي لنا الضوء على وضع المؤسسات التعليمية؟
- ستتفاجأ إذا أخبرتك أن العديد من المؤسسات التعليمية في الصومال ما زالت تعمل، فمثلاً مدارس شمال الصومال تعمل بطاقتها كاملة. ابتدائي وإعدادي وثانوي وجامعي، وفي كيسمايو وبيداوا هناك الجامعات والمعاهد العليا، وفي العاصمة مقديشو لا تزال هناك مدارس بمختلف المراحل، مما يعني أن التعليم ظل بعيداً عن الوضع الأمني المضطرب الذي حكم الصومال طوال السنوات الماضية.


إقبال كبير
- تحدث الكثيرون عن تراجع شديد في مكانة اللغة العربية في الدستور الصومالي ومستوى الوعي الديني لأبناء الصومال.. فهل ذلك صحيح؟
- اللغة العربية لم تتراجع، وتُعدّ اللغة الرسمية في البلاد، وهناك إقبال شديد على تعلمها من أبناء الصومال، وكما أن كون العربية لغة القرآن فإن هذا يضمن لها الاستمرار؛ فإدخال تعديلات دستورية فيما يخص اللغة العربية لم يتطرق إليه الصوماليون أبداً، أما على مستوى الوعي الفقهي فإن الصومال تُعدّ الدولة العربية الأولى حفظاً للقرآن الكريم قياساً على عدد سكانها، والكتاتيب تملأ المدن الصومالية، لدرجة أنه بدون حفظ نصف القرآن لا يُسمح للطالب بدخول المدرسة الابتدائية، وأقولها بمنتهى الفخر: إن هناك عدداً كبيراً من أطفال الصومال يحفظون القرآن الكريم كاملاً قبل دخول المدارس، وهناك تمسك صومالي بالدين الإسلامي كهوية لهذا الشعب المسلم.


علاقات أمريكية
- ماذا عن علاقة حكومة الصومال الانتقالية بالولايات المتحدة الأمريكية؟
- العلاقات بين البلدين عادية، وهناك حوار مفاوضات بين الحكومة الصومالية الشرعية والسفارة الأمريكية في نيروبي تمهيداً لاعتراف واشنطن بهذه الحكومة بشكل رسمي، وهناك تطور مستمر في هذه العلاقات، بدليل أن هناك شركة أمريكية كبيرة تعمل في مجال الصرف الصحي في بيداوا، ومن المؤكد طبعاً أن الشركات الأمريكية لا تعمل في دولة إلا إذا تلقت ضوءاً أخضر من الحكومة الأمريكية، كما أن إشارات وصلت من الإدارة الأمريكية بقرب الاعتراف بحكومة الرئيس عبد الله يوسف أحمد واعتبارها الجهة الشرعية الوحيدة في الصومال.


- أخيراً.. وفيما يتعلق بالدور المصري في الصومال، كيف تنظرون لهذا الدور وما هو تقييمكم له؟
- هذه شقيقتنا الكبرى، ولا يمكن أن ننسى وقوفها إلى جانب الشعب الصومالي، ولكن ما تقوم به مصر حالياً في الصومال لا يتناسب مع وضعها كدولة كبرى في المنطقة، ويتطلع الصوماليون لاستئناف الدور المصري مرة أخرى؛ فالمحاولة المصرية لجمع الفرقاء الصوماليين من مدة كانت محل تقدير الصوماليين على الرغم من أنها لم تنجح، وهذا لا يعود إلى تقصير مصري بقدر ما هو تعقيد المسألة الصومالية، وعلى الرغم من هذا فإن هناك وجوداً مصرياً وإن كان طفيفاً؛ فهناك مدرسون مصريون في بونت لاند وهيرجيسا، وأطباء كذلك في بعض المدن الصومالية.

المصدر: الإسلام اليوم