حرب على لبنان وحرب على المنطق !!

منذ 2006-08-01

على الرغم من أن التحاليل العالمية اختلفت حول المرامي البعيدة لعملية حزب الله منذ إقدامه يوم الأربعاء الأخير 12 تموز/يوليو الحالي على تنفيذ عملية الأسر والقتل إلا أن أغلب التقارير والتحاليل أجمعت على أن المنطقة ستخوض حربا قد يطول مداها ليس طرفاها فقط "إسرائيل" وحزب الله.

ففي هذا الإطار، كتب الناطق باسم المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، ويليام كريستول في أسبوعية "الويكلي ستاندرد" مقالة تحت عنوان صريح وواضح بطريقة لا تحتمل أكثر من تفسير: (إنها حربنا) حيث يمكننا ملاحظة أن إدارة التحرير في هذه الدورية الأمريكية قررت أن يكون هذا العدد معنيا بالشأن السياسي فحسب. فبعد أن عدد الكاتب الأسباب "الموضوعية" التي أدت بالدولة العبرية إلى التصعيد والدفع بالمنطقة كلها نحو شفير الحرب الشاملة بما أن هذه الحرب الحالية يجب أن تكون الأخيرة والتي يتعين أن تنهي وإلى الأبد، تلك الدول المعادية لإسرائيل.

 

  وأشار هنا تحديدا إلى كل من سورية وإيران قائلا : (من البديهي لنا القول أن سورية وإيران تعاديان دولة "إسرائيل" إلا أنهما تعاديان الولايات المتحدة أيضا مما يعني أننا لم نقم لحد الساعة تجاههما سوى بعمل ضعيف وغير كاف خصوصا وأنهما، باتتا تناوئاننا بطريقة لم نكن نتوقعها حتى سنوات قليلة فائتة. إن الضعف عامل مثير ومستفز وبما أننا كنا ضعافا فإن هذا شجعهم على ذلك).

 

ومن غير أن يشرح كثيرا أو يكلف نفسه عناء جمع المبررات القانونية أو حتى الأخلاقية التي سوف يبني عليها نصائحه، أضاف الكاتب: (إن الجواب المناسب عن كل هذا لا يمكن إلا أن يكون اللجوء إلى استعمال القوة لأجل التغيير وأول خطوات الطريق هذه هي مساندة الحكومتين العراقية والأفغانية والدولة الإسرائيلية أيضا ومن هنا فإنه بوسعنا أن نعتبر ما أقدم عليه حزب الله مؤخرا، عملا تصعيديا واستفزازيا من قبل إيران مما يحتم علينا، اللجوء إلى قصف المنشآت النووية هناك) وبما أن هذا المطلب ما يزال محل مداولة تتسم بالشد والجذب بين مختلف العصب النافذة في واشنطن، يواصل الكاتب تبريره لهذا المطلب بالقول: (لماذا يتعين علينا التريث؟ أبسبب أن البعض عندنا يعتقد أنه يمكننا مستقبلا احتواء وبالتالي، التعايش مع فرض تحول إيران إلى قوة نووية؟ أم أن هؤلاء المتفائلين بيننا يعتقدون أن نظام الملالي هو بصدد مفاوضتنا والتعامل مع المجموعة الدولية بصدق نية؟ أعتقد أنه يتعين علينا التحرك عاجلا ومن غير طويل انتظار حتى نثبت لكل العالم أن أمريكا ما تزال أمة قوية).

هذه إذن هي حقيقة ما يجري من وراء الكواليس الغربية بمعنى أن التجاذبات العربية الحالية حول ماهية البادئ وهوية من يتعين عليه أن يتحمل تبعات هذا العمل لا يعدو أن يكون تشويشا على الواقع وبالتالي فإن ما تعرفه الدبلوماسية العربية -على فرض وجودها- يمكننا القول عنه أنه "الأزمة الخطأ في الوقت الخطأ" إذ لم يعد سبقا صحفيا قولنا أن ما يسمى بالعمل العربي المشترك، يعيش حاليا أزمة عميقة ربما هي الأولى منذ الحرب الأولى على العراق في العام 1991.

إذن والحالة هذه فإنه يمكننا وبالاعتماد على هذه المقالة الأخيرة لوحدها، أن نستجمع كل مقومات فكر المحافظين الجدد بمعنى أن هؤلاء يصنفون العالم وفق تصورهم إلى معسكرين: معسكر الأخيار وهو الذي تقف فيه "إسرائيل" طبعا مع الولايات المتحدة وكل الأمم "الحرة" -والحرية في عرفهم ترادف موافقة المشاريع المتصهينة عبر العالم- ويقابله في الجانب الآخر، معسكر الأشرار وهو الذي تقف فيه سورية وإيران وكل جهة ما تزال مستعصية على هذه "الطموحات الإسرائيلية المشروعة" ويستطيع القارئ هنا أن يصنف الدول العربية "الرئيسية" في أي معسكر يريد.

أما صحيفة جيروزاليم بوست اليهودية التي تصدر من القدس المحتلة، فاهتمت بما يمكننا أن نصفه إجمالا بالجانب العملياتي من هذه الحرب، حيث أوردت تقول: (منذ إقدام "إسرائيل" على فرض حصار بري، جوي وبحري شامل على لبنان منذ صبيحة الخميس 13 من الشهر الحالي، فإن "إسرائيل" بهذه الطريقة باتت تمنع أي سفينة أخرى من الاقتراب من السواحل اللبنانية بمعنى أن العملية الحالية التي أطلق عليها اسم "الرد المستحق"، قد تدوم لأشهر عديدة وبالتالي فإن الإسرائيليين يدركون بدقة أنهم يخوضون في الوقت الحالي ولأول مرة في تاريخهم بلا شك، "حرب وجود" حقيقية إذ لم يسبق أن قصفت مدينة حيفا مثلما وقع هذا اليوم).

 

  وهذا بالضبط ما عنته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية حينما كتب محررها يقول: (إنه إذا ما تحقق وانتصرت حركة حماس وحزب الله في هذه الحرب فإن هذا يعني بلا شك، نقطة النهاية للمشروع الصهيوني. يتعين على "إسرائيل" أن تنتصر في هذه الحرب. إن هذه ضرورة مطلقة).

أما الجريدة الإسرائيلية الأخرى، هآرتس فلقد كانت، ربما أكثر موضوعية في تناولها للواقع الميداني، حيث أوردت تقول: (صحيح أن مصداقية الجيش الإسرائيلي تضررت كثيرا نتيجة هذه التطورات، إلا أنه يتعين على "إسرائيل" أن تدرك أن فرط قوتها لا يمكن أن يجعلها تتورط في حرب تتجاوز مجرد الرد على حركة حماس وحزب الله اللبناني، لتصل إلى حرب إقليمية شاملة).

وإذا كان هذا رأي الجانب الإسرائيلي، أو بعضه على الأقل، فإن لجريدة لوموند الفرنسية رأيا آخر، حيث أوردت بقلم محررها تقول: (لقد تعاملت "إسرائيل" كعادتها بالاعتماد على تفوقها العسكري، بطريقة مفرطة منافية للقانون الدولي لأجل تحقيق هدفين: تحرير جنودها الأسرى واستعادة صورة قوتها الرادعة)

 

ثم تضيف الجريدة الأوسع انتشارا في فرنسا: (إن هذا التصعيد لن يؤدي في الواقع إلا إلى مزيد من التأزم وانسداد الأفق، انسداد في فلسطين حيث هُمِّش الرئيس محمود عباس وتوقفت المساعدات الدولية، وانسداد آخر في لبنان، حيث فقدت حكومة فؤاد السنيورة توازنها بما أنها تضم بين صفوفها وزيرين من حزب الله وحيث أن المساعدات الدولية أيضا، مهددة بالتوقف -كتب المقال قبل يومين لأن هذه المساعدات باتت معدومة في الوقت الحالي-. وانسداد آخر في "إسرائيل" أيضا حيث لم تعد الحكومة قادرة، لا على استعادة أسراها ولا حتى عن وقف صواريخ حزب الله من السقوط عليها).

هذا ما تناولته وسائل الإعلام الأجنبية لهذه الأزمة، وكل يغني على ليلاه ويقرأها من الطرف الواقعي والضبابي والمؤامراتي، ولا يزال القصف مستمراً والجوعى يبحثون عن كسرة الخبز.

المصدر: الإسلام اليوم