قبر الحاجب المنصور

منذ 2013-10-17

حين مات القائد الحاجب المنصور فرح بخبر موته كل أوربا وبلاد الفرنج، حتى جاء القائد ألفونسو إلى قبره ونصب على قبره خيمة كبيرة، وفيها سرير من الذهب فوق قبر الحاجب المنصور، ونام عليه معه زوجته متكئة يملأهم نشوة موت قائد الجيوش الإسلامية في الأندلس وهو تحت التراب..


إن التاريخ يتحدث عنه، وليس أنا.. حين مات القائد الحاجب المنصور فرح بخبر موته كل أوربا وبلاد الفرنج، حتى جاء القائد ألفونسو إلى قبره ونصب على قبره خيمة كبيرة، وفيها سرير من الذهب فوق قبر الحاجب المنصور، ونام عليه معه زوجته متكئة يملأهم نشوة موت قائد الجيوش الإسلامية في الأندلس وهو تحت التراب، وقال ألفونسو: "أما تروني اليوم قد ملكت بلاد المسلمين والعرب، وجلست على قبر أكبر قادتهم"، فقال أحد الموجودين: "والله لو تنفس صاحب هذا القبر لما ترك فينا واحد على قيد الحياة، ولا استقر بنا قرار، فغضب ألفونسو وقام يسحب سيفه على المتحدث، حتى مسكت زوجته ذراعه، وقالت: "صدق المتحدث أيفخر مثلنا بالنوم فوق قبره، والله إن هذا ليزيده شرفاً حتى بموته لا نستطيع هزيمته، والتاريخ يسجل انتصاراً له وهو ميت قبحا بما صنعنا، وهنيئا له النوم تحت عرش الملوك".

الحاجب المنصور ولد سنه 326 هجري بجنوب الأندلس، دخل متطوعا في جيش المسلمين وأصبح قائد الشرطة في قرطبة لشجاعته ثم أصبح مستشار لحكام الأندلس لفطنته ثم أمير الأندلس وقائد الجيوش، خاض بالجيوش الإسلامية 50 معركة انتصر فيها جميعا.

ولم تسقط ولم تهزم له راية، ووطئت أقدامه أراضي لم تطأها أقدام مسلم قط، أكبر انتصاراته غزوة ليون، حيث تجمعت القوات الأوربية مع جيوش ليون، فقتل معظم قادة هذه الدول وأسر جيوشهم وأمر برفع الأذان للصلاة في هذه المدينة الطاغية. كان يجمع غبار ملابسه بعد كل معركة، وبعد كل أرض يفتحها ويرفع الأذان فيها، ويجمع الغبار في قارورة وأوصى أن تدفن القارورة معه لتكون شاهده له عند الله يوم يعرض للحساب.

كانت بلاد الغرب والفرنجة تكن له العداء الشديد لكثرة ما قتل من أسيادهم وقادتهم لقد حاربهم 30 سنة مستمرة قتالاً شديداً لا يستريح أبداً، ولا يدعهم يرتاحون، كان ينزل من صهوة الجواد ويمتطي جواد آخر للحرب. وكان يدعو الله أن يموت مجاهداً لا بين غرف القصور، وقد مات كما يتمنى إذا وافته المنية وهو في مسيره لغزو حدود فرنسا. كان عمره حين مات 60 سنة قضى منها 30 سنة في الجهاد والفتوحات.

ذهب المنصور إلى لقاء ربه وسيبقى اسمه خالدًا مع أسماء الأبطال في تاريخ المسلمين، وكان في نيته فتح مدن فرنسا الجنوبية من خلال اختراق (جبال البيرينيه). لقد استشهد وفي جيبه قارورة تحمل غبار معارك وفتوحات المسلمين، استشهد وجسده يحمل جروح المعارك التي خاضها لتشهد عند الله، كل همه لقاء ربه ومعه ما يشفع له بدخول الجنة.

موقف من مواقف الحاجب منصور:
يُسيّر جيشا جرارًا لإنقاذ نسوة ثلاث؛ فقد جاء عن الحاجب المنصور في سيرة حروبه أنه سيّر جيشا كاملا لإنقاذ ثلاث من نساء المسلمين كن أسيرات لدى مملكة نافار، ذلك أنه كان بينه وبين مملكة نافار عهد، وكانوا يدفعون له الجزية، وكان من شروط هذا العهد أن لا يأسروا أحدا من المسلمين أو يستبقوهم في بلادهم، فحدث ذات مرة أنه ذهب رسول من رسل الحاجب المنصور إلى مملكة نافار، وهناك وبعد أن أدّى الرسالة إلى ملك نافار أقاموا له جولة، وفي أثناء هذه الجولة وجد ثلاثا من نساء المسلمين في إحدى كنائسهم فتعجب لوجودهن، وحين سألهن عن ذلك قلن له إنهن أسيرات في ذلك المكان، وهنا غضب رسول المنصور غضبا شديدا وعاد إلى الحاجب المنصور وأبلغه الأمر، فما كان من المنصور إلا أن سيّر جيشا جرارا لإنقاذ هؤلاء النسوة، وحين وصل الجيش إلى بلاد نافار دُهش جدا ملك نافار وقال: نحن لا نعلم لماذا جئتم، وقد كانت بيننا وبينكم معاهدة على ألا نتقاتل، ونحن ندفع لكم الجزية. وبعزة نفس في غير كبر ردوا عليه بأنكم خالفتم عهدكم، واحتجزتم عندكم أسيرات مسلمات، فقالوا: لا نعلم بهن، فذهب الرسول إلى الكنيسة وأخرج النسوة الثلاث، فقال ملك نافار: إن هؤلاء النسوة لا نعرف بهن؛ فقد أسرهن جندي من الجنود وقد تم عقاب هذا الجندي، ثم أرسل برسالة إلى الحاجب المنصور يعتذر فيها اعتذارا كبيرا، فعاد الحاجب المنصور إلى بلده ومعه الثلاث نساء.


علي حسن السعدني