صفة هدامة وصفة تأتي بالسعادة
حذار من أن يكون الكذب شعارًا للزوجين في حياتهما وفي التعامل مع بعضهما البعض، لأن تأثير هذا لا يقتصر بين الزوجين فقط، ولكن يتأثر الأبناء بذلك أيضًا
الكذب الهدام:
هذه قصة واقعية يرويها أحد الأبناء ويشكو من التعامل السائد بين والده ووالدته، ففي إحدى المرات رأت الزوجة زوجها بأنه ذاهب ولابس أجمل الثياب، فسألته عن وجهته، فأخبرها أنه ذاهب لمقابلة خاصة بعمله، وفي الحقيقة كان الزوج ذاهب لحفل زفاف أحد أصدقائه، وقد علمت الزوجة بعد ذلك عن طريق الصدفة، وعرفت أن زوجها كان يكذب عليها في ذلك الوقت.
إن الصدق هو عماد العلاقة الزوجية، وأما الكذب فهو الطريق إلى انعدام الثقة بين الزوجين، وزرع بذور الشك بينهما حتى يصبح الشيطان هو من يدير أمر الأسرة.
أخي الزوج، أختي الزوجة:
لا داعي لمزيد من الجهد، من أجل تبرير الخطأ وتفسيره لشريك الحياة، لأن هذا يمنع من تعلُّم أسباب الوقوع في الخطأ، لأن طاقة الزوج أو الزوجة موجهة بكاملها لتبرير الخطأ لا علاجه.
إن الحياة الزوجية، عبارة عن اتفاق بين طرفين للسير معًا في معترك الحياة حلوها ومرها، فهي تحتاج إلى الصدق والصبر، والزوجة بقدر ما تعطي من حب وحنان بقدر حاجتها إلى هذا الحب والحنان، وقوة الرجل تتلخص في قدرته على العطاء، وعلى الحماية، فهو الحارس الأمين، وهو المسئول الأول عن تحقيق الأمن والأمان لكل فرد من أفراد أسرته، والكلمة الطيبة الحلوة للزوجة كفيلة بتحقيق التماسك الأسري، فالحياة الزوجية ليست رحلة صيد أو نزهة قصيرة، بل هي مشاركة إيجابية فعالة (دراسات في علم النفس، عبد الله عبد الحي موسى، ص(227)، بتصرف).
ولذا فالكذب والخداع في الحياة الزوجية من أكثر الأشياء التي تفسد الحياة الزوجية وزينتها، لأن الزوجين يفقدان في بعضهما الثقة، ويصبح الشك وسوء الظن هو سمة أساسية للتعامل بينهما.
ما أشبه اليوم بالأمس:
كثيرًا ما نجد بعض الأزواج تتكرر معهم القصة السابقة باختلاف الظروف ولكن النتيجة واحدة وهي الكذب، والثقة لا بد أن تكون متبادلة ومطلقة، لا تشوبها شائبة، وكل ذرة شك ينهار أمامها ذرة حب يختل التماسك، يبدأ الهرم في الانهيار كثيرون لا يدركون هذه الحقيقة الخطيرة، إن أعظم هرم يمكن أن ينهار تدريجيًا هرم الثقة، تسقط ذرة يتبعها ذرة أخرى وهكذا، حتى يأتي مباح فلا تجد له أثرًا، هكذا يضيع الحب، وينهار الزواج، وهو ضياع لا نهائي، وانهيار لا رجعة فيه.
قد تتصور الزوجة مخطئة أنها بتحريك شكوك زوجها ستحرك عواطفه، وتجعله أكثر تشبثًا بها، ولعله يعرف قيمتها. وكذلك قد يلعب الرجل هذه اللعبة السخيفة فتبدي الزوجة غيرتها، وتبدي اهتمامًا بزوجها. ولكن ثمة شك انزرع في داخلها، وأوهام انغرست في عقلها، ومرارة علقت بعواطفها، وكذلك الزوج، قد يبدي غيرته الفعلية ويبدي اهتمامًا بزوجته، ولكن يذهب من قلبه ربما للأبد براءة الحب وطهارة العلاقة.
وهكذا ينام الزوجان على فراش من شوك ويمشيان على أرض من نار، ويتنفسان هواء مسمومًا (متاعب الزواج، د/ عادل صادق، ص273-275، بتصرف).
ليس كل ما يعرف يُقال:
أخرج بن جرير عن أبي غرزة رضي الله عنه أنه أخذ بيد ابن الأرقم رضي الله عنه فأدخله على امرأته فقال: "أتبغضينني؟" قالت: "نعم". قال ابن الأرقم: "ما حملك على ما فعلت؟" قالت: "كثرت علي مقالة الناس" (وذلك لكثرة زواجه وتطليقه النساء).
فأتى ابن الأرقم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبره، فأرسل إلى أبي غرزة فقال له: "ما حملك على هذا؟" قال: "كثرت علي مقال الناس".
فأرسل عمر إلى امرأته فجاءته ومعها عمته منكرة فقالت: "إن سألك فقولي استحلفني فكرهت أن أكذب".
فقال عمر: "ما حملك على ما قلت؟" قالت: "إنه استحلفني فكرهت أن أكذب".
فقال عمر: "بلى فلتكذب إحداكن ولتجمل (أي تقول القول الجميل) فليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام".
وعمر رضي الله عنه لم يفتِ بمخالفة السنة ففي الحديث ما يُباح من الكذب: "المرأة تحدث زوجها والرجل يحدث زوجته". إن البيوت تحتاج إلى المجاملة أحيانًا كثيرة، حتى وإن كان كل من الزوجين يحب الآخر، لأن الحب يمر بأوقات فتور، وإن ما يزكيه الكلام الطيب والمجاملة والمديح والثناء على المحبوب (الخلافات الزوجية، وحلول عملية، عادل فتحي عبد الله، ص25).
قصة من واقع الحياة الزوجية:
عندما تزوجت أحببت أن أتصنع الشجاعة أمام زوجتي لسببين: أحدهما أني أفتقد الشجاعة، وثانيًا لكي أفرض عليها احترامي بصورة أكبر لأن المرأة ضعيفة ويعجبها الرجل القوي، وقد تقمصت دورًا لصديقي بالحياة في بعض مواقفه وذكرت لها كثيرًا منها واضعًا نفسي مكانه وكأنني أنا ذلك البطل الهمام، ولكن هذه الشجاعة الأكذوبة تبخرت مع أول موقف.
فقد اختبأ لص أثناء النهار، ثم أخذ يفتش عن هدفه في منتصف الليل والجميع نيام، لقد أيقظتني زوجتي لتسمعني الصوت القوي المتتابع في الدور الأرضي من البيت، تظاهرت بالشجاعة وأنا أكثر منها خوفًا، وطلبت من زوجتي الذهاب معي لكي لا أقلق عليها، والحق أني أريد منها أن تشد أزري وتساعدني على اكتشاف الأمور.
نزلت أنا وزوجتي وقلت لها في منتصف السلم بصوت عال جدًا، وأنا أريد أن يسمع صوتي السارق فيهرب: "لا تخافي يا عزيزتي فإني سأقتله حالًا"، وصوتي يرتجف بنبرات متقطعة كأنني أتكلم في القطب الشمالي من شدة البرد.
ثم أخذت بمواصلة التحرك إليه، وقد دُهشت أنه لم يخف مني، مما ضاعف خوفي، وعندما أحسست أنه بقرب المطبخ قلت أكيد ذهب ليأخذ سكينًا، ثم وضعت يدي على حلقي حماية لرقبتي بطريقة عفوية وأنا فزع، وواصلت مع زوجتي البحث وأنا أكرر التهديد والوعيد له، ولكنه لم يأبه بكلماتي العنترية، وقلت في نفسي هذا اللص يعرفني جيدًا أكثر من زوجتي إنني أزأر كالأسد، ولكن جسمي يرتجف كما يرتجف الفأر من القط.
مرت لحظات صعبة ثم اندفع اللص بسرعة خاطفة ليحصل على منفذ يخرج منه، والمفاجأة أنه قط اختبأ في النهار أثناء فتح باب البيت، وعندما شعر بالجوع بدأ يبحث في البيت عن الأكل.
وقلت له مخاطبًا نفسي: "لقد فشلت أمام زوجتي، وكأنها ردت علي (أسد علي وفي الحروب نعامة) صحيح حبل الكذب مهما طال قصير" (الشهد والشوك في الحياة الزوجية، صالح عبدالله العثيم، ص128 بتصرف).
اللطف الجميل:
إن الرفق واللطف في الحياة الزوجية من الأخلاق التي تعين الزوجين على الاستقرار، وخصوصًا اللطف في المعاملة ومراعاة النفسية وكذلك الرفق أثناء الجدال والنقاش، فهناك الكثير من التصرفات التي يقوم بها الزوج أو الزوجة بناء على ضغط نفسي أو ظروف معينة ولم تكن هذه الظروف النفسية أو العائلية لما تصرف بهذا التصرف، فلهذا يأتي هنا أهمية اللطف في التعامل، والرفق بالطرف الآخر، لأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما القسوة والشدة، فإنها تعكر صفو الحياة الزوجية، وتؤدي بها إلى الفتور أو الانفصال، فكم من زوجين انفصلا عن بعضهما بسبب قسوة أحد الطرفين، وكم من زوجين ندما في بداية الزواج على الاختيار والموافقة، ثم جَمِّل اللطف والرفق حياتهما وزينها لهما (الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع، ص47).
النبي الرفيق:
يقول عليه الصلاة والسلام: «ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار غدًا؟ على كل هيِّن ليِّن، قريب سهل» (صححه الألباني).
لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤنس أزواجه ويسهر معهن، مع كثرة مشاغله وعظم أعبائه صلى الله عليه وسلم، وما أكثر ما ذُكر في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من حبه لعائشة رضي الله عنها.
ماذا بعد الكلام؟
ـ حذار من أن يكون الكذب شعارًا للزوجين في حياتهما وفي التعامل مع بعضهما البعض، لأن تأثير هذا لا يقتصر بين الزوجين فقط، ولكن يتأثر الأبناء بذلك أيضًا.
ـ (الصراحة راحة) فليكن هذا الشعار هو الذي تتعاملان به مع بعضكما البعض أيها الزوجان، مع العلم أنه ليس كل ما يُعرف يُقال، فإذا كانت الزوجة تجد من زوجها صفة أو عيب فلا تخبره صراحة، ولكن التعريض أفضل.
ـ لا تهمل حبيبة قلبك زوجتك، ولا تقسو عليها، واحذر من إساءة التعامل مع تلك الوردة الجميلة، والزهرة الرائعة، بل اجعل علاقتك مع زوجتك عنوانها الحب والتفاهم والصدق والرفق، وردد الكلمات التي تُشعر زوجتك بحنانك عليها.
المصادر:
· الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع.
· الشهد والشوك في الحياة الزوجية، صالح عبدالله العثيم.
· دراسات في علم النفس، عبد الله عبد الحي موسى.
· متاعب الزواج، عادل صادق.
أم عبد الرحمن محمد يوسف
- التصنيف: