كلنا مصابون بالـ(إسلاموفوبيا)

منذ 2013-10-23

كم منا -وأولهم أنا كاتب هذه الكلمات- من يخجل أحيانًا أو يؤخر مسألة ما لحرجه منها لأنها متعلقة بدينه؟ وكم منا من يفكر كثيرًا قبل اتخاذ قرار ما يترتب عليه لوم شديد من المجتمع بسبب الدين؟ أنا أزعم أن ارتفاع أو انخفاض نسبة (الإسلامو فوبيا) لدى الأشخاص تخضع للحالة الإيمانية اللحظية التي يعيشها الفرد المسلم ولها علاقة طردية باليقين الذي كلما زاد قضى على هذه الفوبيا، وكلما قل تملكته بالتدريج حتى تسيطر عليه تمامًا.

 

يخطئ من يظن أن (الإسلاموفوبيا) مرتبطة بالغرب وغير المسلمين عامة فقط، ولكن حقيقة الأمر أن (الإسلامو فوبيا) متجذرة داخلنا نحن المسلمين بدرجات دون أن نعيي حقيقة هذه المشكلة.

ظهر مصطلح (الإسلامو فوبيا) في الثمانينات من القرن الماضي وارتبط بحالة العداء والخوف الغربي من الإسلام والمسلمين بشكل عام، وقد تجلى هذا في التخوف من وجود المسلم بذاته، ووجود حالة من العداء المتصاعد لممارسة الشعائر، أو من المظاهر العامة للإسلام كالمساجد أو المراكز الإسلامية أو الحجاب والنقاب، أو مجرد الحديث عن اندماج المسلمين في الحياة السياسية وتبوّء المناصب المختلفة.

لكن ما لم يلتفت إليه المسلمون هو أنهم أنفسهم كذلك مصابون بهذا الداء، وأنهم كغيرهم يحتاجون التخلص من هذا الداء الذي لم يكن بحسبانهم قبل ذلك. فكلنا مصابون بـالـ(إسلاموفوبيا) بدرجات متفاوتة، ويحتاج كل منا إلى أن يقيس حجم تمكن داء (الإسلاموفوبيا) منه، فهذا ليبرالي مستوى (الإسلاموفوبيا) عنده عال، فهو لا يرى أن الإسلام يصلح أصلا ً للتطبيق في هذا العصر وأن الليبرالية أصلح وأشمل وأفضل وأنفع للتطبيق، وينفر بشدة من كل مَن يدعو لأسلمة الحياة، فهو يشعر بداخله أن الأسلمة رديفة للتخلف والرجعية.

وهذه فتاة حاسرة الرأس لا تريد الحجاب وهي تراها قطعة من القماش تشبهها بالفتيات من الطبقات الاجتماعية الأقل، وتشعرها أنها أكثر انغلاقًا، ولا تتخيل أنها تمتثل للأمر الإلهي، وتشعر أن من يرتدين الحجاب قد زهدن في الحياة وأن التدين بذاته نقيض للسعادة وتبني من المبررات لنفسها ما شاءت أن تبني حتى يصبح هذا البناء حاجزًا يحول بينها وبين الأمر الإلهي.

وهذا إسلامي -هكذا يطلقون عليه- في أحد الفضائيات تسأله المذيعة باستنكار شديد: هل تنادي فعلا بتطبيق الشريعة؟ فيجيب مرتبكًا: لا، لا، أنا أقصد أن نطبق الأخلاق الإسلامية في التعامل، ثم يدخل بحواره يمينًا ويسارًا، ويبتعد عن قضية تطبيق الشريعة خوفًا من أن يوصم بالجهل والتطرف والتخلف والرجعية.

وذاك مسلم ملتزم محب لدينه ويدعو لتطبيق شريعته ولكنه لا يفضل ذاك المرشح ليس لأنه غير كفء في إدارته ولكن لأنه إسلامي لحمًا ودمًا! فهو يخشى أن يفشل في قيادة المرحلة الحرجة للبلاد فيُتهم الإسلام ذاته بالفشل، ويخشى أن تحاصَر بلاده من الغرب الحنون بسبب ذلك المرشح، وهو يرى أن الأصلح هو أي مرشح آخر غير إسلامي يخاطر وينهض بالبلاد هذه الفترة الحرجة، وبعد أن ينصلح حال البلاد يأتي (فارس الأحلام الإسلامي) ليحكم ويصلح ما تبقى، وكأن الإسلام ذاته لم يأت مصلحًا، وكأن منهجه القويم لا يصلح في الظروف الحالكة، بل يصلح في وقت آخر حينما تنصلح الأحوال بعد فترة ما لاحقًا.

وهذا موقف لشاب في ثلاثينات القرن الماضي (مصطفى مشهور المرشد الخامس لجماعة الإخوان المسلمين) دخل كلية الزراعة، وحان وقت الصلاة ولم يكن في المكان مسجد تقام فيه الصلوات، بل لم يكن هناك مصلون أصلا وقتها، فوقف في مكان ظاهر وأذن للصلاة بصوت عال وتفاجأ الجميع واستهزأ به الطلاب وهم يشيرون إليه ثم أقام الصلاة وصلى، ويوم واثنان ثم جاء أحد العمال وصلى معه، وبعد أسبوع فوجئ بأحد الأساتذة يصلي معه وهكذا، حتى اعترض العميد على هذا المظهر واضطروا لبناء أول مسجد في الجامعة، والموقف في طياته مليء بـالـ(إسلاموفوبيا) وهو متكرر في زماننا هذا وإن كان أخف من ذي قبل.

ولم تنحصر (الإسلاموفوبيا) في الأشخاص فقط، ولكنها وصلت للمؤسسات أيضًا، فعلى سبيل المثال المؤسسة العسكرية (الجيش) يرفض أن ينتمي له أي شخص له ميول إسلامية، بل يرفض حتى أن تتعامل مؤسساته مع شركات يديرها أفراد لهم ميول إسلامية، ويستعلم لدى الأجهزة السيادية عنهم فإذا ثبت لدى تلك الأجهزة أنه مذنب ومتلبس بتدين أو ميول إسلامية رفضوا التعامل معه ومع شركته (رفض أمني)، وهذا بالمناسبة بعد الثورة أيضًا، بل إن المؤسسات التابعة له كالنوادي ودور الأفراح ترفض دخول المنقبات المسلمات إليه وترفض كذلك دخول أي مسلم له لحية، وما زالت هذه الأمور سارية بشكل يعجز اللسان عن وصفه سوى أنه استمرار لحالة (الإسلاموفوبيا).

ووزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي ليس بعيد أبدًا عن (إسلاموفوبيا) المؤسسات، فلا يستطيع السيد المحترم الدبلوماسي أن يكون سفيرًا إذا كانت زوجته محجبة، ويتم استبعاده إذا ثبت تورط زوجته في مثل هذا الأمر! وكذلك إذا ثبت أن لديه أي نزعات إسلامية أو ميول للتدين.

كم منا -وأولهم أنا كاتب هذه الكلمات- من يخجل أحيانًا أو يؤخر مسألة ما لحرجه منها لأنها متعلقة بدينه؟ وكم منا من يفكر كثيرًا قبل اتخاذ قرار ما يترتب عليه لوم شديد من المجتمع بسبب الدين؟ أنا أزعم أن ارتفاع أو انخفاض نسبة (الإسلامو فوبيا) لدى الأشخاص تخضع للحالة الإيمانية اللحظية التي يعيشها الفرد المسلم ولها علاقة طردية باليقين الذي كلما زاد قضى على هذه الفوبيا، وكلما قل تملكته بالتدريج حتى تسيطر عليه تمامًا.
 

 

عبد الرحمن فرج
 

المصدر: رابطة النهضة والإصلاح