وجوهٌ لكن أقنعة

الأزمات هي التي ترفع أُناساً وتضع آخرين، وهي التي تُظهِر الوجوه الحقيقية من الوجوه الزائفة، كما قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:


جزى الله الشدائد كل خير *** عرفتُ بها عدوي من صديقي

فالشدائد والأزمات تصنع رجالاً وتدهس آخرين وتضعهم في طي النسيان والرجل والعالِم خاصةً موقف يقف فيه ويقول كلمة حق لله، ولو كانت عند سلطان جائر يعلم علم اليقين بأن ثمن هذه الكلمة، أو تلك الوقفة هي حياته، ولكن هل يستطيع كل عالمِ أو إنسان أن يقول كلمة الحق ويصدع بها؟

لا بد لمن أراد أن يصدع بكلمة الحق ويكون إماماً في مكانه أن يمد جسور الصلة بينه وبين ربه سبحانه وتعالى، وأن يخشى زلات اللسان، وظهور صدق الطوية، أو خبثها على صفحات الوجه، ولذلك ثبت الإمام أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن، وخار غيره من العلماء، فتوارى ذكرهم وكتب اسم الإمام بماء الذهب في التاريخ، بل دخل المحنة تبرأ، فخرج منها ذهباً خالصاً، ولو خار كما خاروا لما كان الإمام أحمد الإمام المبتلى إمام أهل السنة.

واليوم؛ تخرج علينا وجوهٌ مدعية من علماء السلطان، قد خيمت عليها ظلمة الفتاوى الجائرة المستبيحة لقتل الأبرياء، وتوصيفهم بأقذع الأوصاف وأدناها، {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف من الآية:104]، ويدّعون ما لم يكن من الغيب من تأييد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لحفنة من القوم قد توارت وجوههم الكالحة خلف أقنعة الزيف، قد افتضح أمرهم تماماً، كما بينت السورة الفاضحة "التوبة" ففضحت المنافقين، وفضحت أفعالهم، وعملت على تنقية المجتمع المسلم منهم، وأصابتهم المعرَّة بفعلهم الأثيم من الكيد لله ورسوله والمؤمنين، ومناصبتهم العِداء: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آلِ عمران من الآية:179].

لذلك يجب أن نفرح بتلك الشدة التي تمرّ بنا، ونخشى على أنفسنا في الوقت نفسه؛ فهذه الثورة فاضحة مانحة، فاضحة لكل من يتاجر بمقدرات هذا البلد وأهله وكل من يدل فعله وقوله على التآمر على الأمة؛ فمن أراد هذا البلد الطيب وأهله بسوءٍ فسوف يفضحه الله على الملأ، وسوف يردّ كيده في نحره، وسوف تدور عليه الدوائر.

ومانحة منحة من الله لكل مخلص أمين يريد الخير لهذا البلد، وهذا الدين، وهذه سنة ربانية لا تخطئ، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّه تَحْوِيلًا} [الإسراء من الآية:77].

ولكن أخشى ما نخشاه هو أن نكون دون المستوى المطلوب منا، فيستبدلنا الله بغيرنا لنصرة دينه، وهذه هي المعادلة الثانية، وهي على مستوى الفرد والأمة نكون أو لا نكون، هذا هو السؤال، وتلك هي المعادلة الصعبة التي يجب أن نتحقق بها نماء لنا ولوطننا، ونصر لديننا في الدنيا ونجاة وفوز ما بعده فوز في الآخرة.