الشماعة

منذ 2006-08-04

دخل غرفته مرهقاً ينوي أن يقوم بتنظيمها سريعاً لينام، وخاصة أنه قد أفرغ كل محتويات دولابه على السرير في الصباح..

 

أمسك بقميصه وقال: إن هذا خفيف الوزن تكفيه الشمّاعة البلاستيك.. فتناولها وعلّقه ثم أمسك سرواله وقال إن هذا ثقيل نوعاً ما فقد يكسر البلاستيك.. فعلقه على الشماعة الخشبية واستمر هكذا دواليك وهو فخور بأنه يستطيع أن يوفر الشماعة المناسبة لكل شيء.

 

"آآآه.. انتهيت.. قالها متنهّداً بمنتهى السعادة..

 

ولكن الأمور لم تكن كما تبدو له، نظر إلى سريره بشوق عميق لكنه فوجئ أن ثمة ملابس لم تعلّق بعد، فهو يلمح عمامة رأس وشال يوضع على الكتف لا يزالان على السرير..

 

لم يكن هذا الذي يثير عجبه، ولكن الغريب أن لا يملك عمامة ولا شال، فقد اعتاد طيلة حياته أن يعيش "فارغ" الرأس والكتفين"..

 

تقدم نحو السرير وعجبه يزداد خطوة بعد خطوة..

 

أمسك بالعمامة فوجدها ثقيلة جداً ومكتوب عليها "المسجد الأقصى ودماء المسلمين في كل مكان"..

 

وأمسك الشال الذي لا يقل ثقلاً عن العمامة فرأى عليه "نهضة الأمة المتخلفة المتراجعة"

 

وقف مذهولا لا يدري ماذا يفعل؟

 

وهنا قفز سعيداً متذكّراً مهارته في إيجاد الشماعة المناسبة لكل شيء!

 

فأخرج للعمامة شماعة حديدية وكتب عليها "الحكومات والقوة العظمى وضعف الحيلة، وأيضاً الفلسطينيون باعوا أرضهم، وصدّام يستحق و.......و... لا فائدة"!!

 

وأخرج للشال أخرى حديدية لا تقل قوّة ووقف يتفكّر ثم كتب عليها "أيضاً، الحكومات، وضعف الحيلة، والمناهج التعليمية، والفقر و.......و...... لا فائدة"

 

وعلّق الاثنين.. وقفز على سريره ورقد..

فشعر أن شيئاً يضايقه في ظهره فلا يستطيع النوم.. فاضطر للقيام وأضاء المصباح فوجد لفافة قماش صوف غليظة مكتوب عليها { يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ . قُمْ فَأَنذِرْ . وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ . وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ . وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ }..

 

"ما الذي يحدث؟" قالها وهو يقوم ليستأنف هوايته، وما لبث أن أتى بالشماعة الحديدية الثالثة متمنياً ألا تظهر له مفاجآت أخرى، لأن هذه هي الشماعة الأخيرة، ولم يفكر كثيراً فيما يكتب؛ فقد ردد على مدار حياته مراراً

لقد أسمعت لـو نــاديت حيــــــاً            ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو أن ناراً نفخت بها أضاءت            ولكنـك تنفـخ فـي رمـــادِ

كتبها على الشمّاعة ثم علّقها وأطفأ الأنوار.. ورقد في سريره، ولكن هذه المرة لم يكن سعيداً، ولم ينم بالسرعة التي كان يتوقعها، ولم يجد الراحة التي يتمناها!

 

استيقظ في الصباح.. تردد كثيراً في فتح دولابه، وهنا تذكر طفولته، وأن كل ما فعله وكتبه في ليلة أمس هو ما تربّى عليه، ورنَّ في أذنيه كل عبارات السلبية التي نشأ عليها..

 

وهنا صرخ مستجمعاً طاقته السلبية كلها: "نعم فعلا!! ما الذي بيده لأفعله؟ أنا شخص واحد، كيف أحل هذه المشاكل؟ هل أنا من سيصلح الكون؟؟ فلتظل هذه الأشياء مكانها كما وضعتها، هذا هو مكانها الطبيعي حتى يأتي من يحملها، فأنا لا أتحمل هذا الثقل أو هذا الصوف الغليظ، ولا أظن أن أحد يطيقه! ولكني مع ذلك سأدعها في مكانها!!"

 

قام وفتح دولابه فسقط على الأرض من هول المفاجأة؛ فالثلاث شماعات فارغة ومكسورة، ومعلق بها خطاب صغير..

 

أمسك الخطاب.. وقرأ:

 

"ولدي المسكين/

إن مسئولياتي وهمومي لا تحملها أو تتحملها الشماعات، ولكن تحملها قلوب وعقول وأكتاف وأجساد الرجال من أبنائي المخلصين لله، فأفق وتحمل المسئولية وقم بدورك، و إلا.. نم نومة الموت، وتأكد أنك الخاسر الوحيد..

 

التوقيع

أمّتــــــــك

التي عظم مصابها فيك"

المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام