السفر (معنى، أقسام، فوائد، عيوب)

منذ 2013-11-01


معنى السفر:

لغة: أصل السفر: الظهور والبروز، ومنه أسفر الصباحُ إذا لمع، ومنه: سفرت المرأةُ عن وجهِها: إذا كشفته وأظهرته.


والأصل فيه قوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل من الآية:20]، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك من الآية:15].

وجمع السفر: أسفار؛ قال تعالى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ من الآية:19].

ومعناه الاصطلاحي: هو خروج الشخص من عمارةِ موضع إقامته، إلا أنَّ الفقهاء يزيدون في هذا التعريف تحديدَ المسافة أو المدة، لكني لم أكتبها في التعريفِ؛ لاختلافهم في تحديد المسافة والمدة، ولأنه لا دليل على هذا التحديد، والذي يُهمنا هنا هو أن السفر مجاوزة العمران، أو الخروج عن محلِّ الإقامة.

أقسام السفر:

السفر وسيلة إلى الخلاص من مهروب عنه، أو الوصول إلى مرغوبٍ إليه:

والسفر سفران:

سفر بظاهرِ البدن عن الوطن، وسفر بسيرِ القلب عن أسفل سافلين إلى ملكوتِ السموات، وهذا أشرف السفرين" (مختصر منهاج القاصدين؛ ص: [127]).

أقسام سفر البدن:

وهو مشروعٌ في الجملة، لكنه ينقسم إلى طلبٍ وهرب:

أ- فسفر الطلب:

هو السفر من أجلِ تحصيل شيء يطلبه؛ سواءٌ كان دينيًّا أو دنيويًّا، وهو ينقسمُ إلى أقسامٍ حسب الباعث له على النحو الآتي:

واجب: كسفر الحجِّ والجهاد وطلب العلم؛ لأنَّ ما لا يتم الواجبُ إلا به، فهو واجب.


ومستحب: كزيارةِ الإخوان.

وحرام: كالسفر للمعاصي، وقد كثُر هذا السفرُ في زمانِنا لأجل الفساد والفجور، والذهاب إلى أماكن العُرْي والدياثة، ومأوى الشياطين.

ومكروه: كالسفر لا لغرض ولا إلى مكان مقصود.

ومباح: كالسفرِ للتنزهِ المباح، أو للتجارة، وكسب الزاد.

ب- وسفر الهرب:

إمَّا لأمرٍ له نكايةٌ دنيوية أو دينية، وهو أيضًا ينقسم إلى أقسام:

واجب: كالخروجِ من أرضٍ غلب عليها الحرام، أو من بلادِ الكفر إلى بلاد الإسلام.

ومستحب: كالخروجِ من بلد كثُر فيها البدع، ولم يقوَ على إنكارها.

وحرام: كالخروج من بلد تعيَّن عليه فيها القيامُ بأمرٍ من أمور الدين.

ومكروه: كالخروج من بلدٍ ظهرَ فيها الوباء.

ومباح: كالخروجِ من الأرض الوخمة؛ طلبًا للتداوي والشفاء.

فوائد السفر:

للسفر فوائد كثيرة، نجملها فيما يلي:

1- تفريج الهم:

لأنَّ ملازمة المكان الواحد يورثُ مللاً عادة، وفي التنزه والتحول من مكانٍ إلى مكان، والإكثار من الإخوان، والتعرُّف على الآدابِ ما يزيلُ الهمَّ عن النَّفس.

2- اكتساب المعيشة:

وفي كلام العرب: البركات مع الحركات.

3- حصول العلم والأدب:

ومما يؤثَر من العلومِ أنَّ السلف كانوا يرحلون، ولهم في ذلك مصنفات، ولا شكَّ أن المسافر يرى من عجائبِ الأمصار وبدائع الأقطار، ومحاسن الآثار ما يزيده علمًا، ومعرفة بقدرة الله عز وجل.

4- والسفر قد يرفعُ الإنسانُ به نفسه عن ذل يعيشه بين قوم لئام؛ لذا هاجر الصحابة رضي الله عنهم إلى الحبشةِ مرتين، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، وكان من أمره ما كان من نصرِ الله له وتأييده.

5- إذا مات في سفرِه كان له في الجنَّة مثل ما بين مولده إلى وفاته؛ لِما ثبت في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: مات رجل بالمدينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليته مات بغير مولده» قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: «إنَّ الرجل إذا مات بغير مولده قيس له من مولدِه إلى منقطع أثرِه في الجنَّة» (رواه النسائي: [4/7]، وابن ماجة: [1614]، وأحمد: [2/177]، وحسنه الألباني؛ انظر: صحيح الجامع [1616]).


6- المسافر مستجاب الدَّعوة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن، دعوة المظلوم، ودعوة الوالد، ودعوة المسافر» (حسن؛ رواه أبو داود: [1536]، والترمذي: [1905]، وابن ماجة: [2862]، وأحمد: [2/258]، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: [596]).

7- المسافر تكتَبُ له الأعمال التي تفوته بالسفر وإن لم يعملها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر، كُتب له ما كان يعمله مقيمًا صحيحًا» (البخاري [2996]، وأبو داود [3091]).

8- في السَّفر أخذ العظة والعبر من أحوالِ الأمم السَّابقة:

قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ} [الروم من الآية:42]، فيكون السَّفر حافزًا للإنسانِ في استغلالِ الحياة فيما ينفعه.

9- في السَّفر قراءة معاني الوحدانية، ودراسة براهين عظمة الله:

قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} [العنكبوت من الآية:20].

 


فَيَا عَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الْإِلَهُ *** بَلْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الْجَاحِدُ
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ *** تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ


عيوب السَّفر:

كما أنَّ للسَّفرِ فوائد، فله عيوب:


• فمنها: فقدُ الأحبابِ وفلذة الأكباد.
• ومنها: ترك المألوف.
• ومنها: اقتحام المخاوف.


وقد ورد في الحديثِ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السَّفر قطعة من العذابِ يمنع أحدَكم طعامَه وشرابَه ونومه، فإذا قضى نَهمتَه فليعجِّل إلى أهلِه» (رواه البخاري: [1804]، ومسلم: [19287]، وابن ماجة: [2882]).

ومن معايبه:

أنه يورثُ ضيقَ الأخلاق، ومن كلامِ العرب قالوا: "لا تعرف صاحبَك حتى تعصيَه أو تسافرَ معه".

وقالوا: "الحريصُ والمسافر مريضان لا يُعادان" (جمهرة الأمثال: [1/106]).

وقال علي رضي الله عنه: "السَّفر ميزانُ القوم" (جمهرة الأمثال: [1/106]؛ لأبي هلال العسكري، ط دار الفكر، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي).

وقيل: "عسرُك في بلدِك خيرٌ من يُسرِك في غربتِك".

وقيل لأعرابي: "ما الغبطة؟ قال: الكفاية مع لزومِ الأوطان، والجلوس مع الإخوان، قيل له: ما الذِّلة؟ قال: التنقُّلُ في البلدان، والتنحِّي عن الأوطان" (المستطرف: [2/94]).

 

عادل يوسف العزازي

من طلبة الشيخ الألباني وأحد الدعاة بمصر