نداء للمسلمين لنجدة إخوانهم في فلسطين
فإبراءً للذمة وأداءً للحق الواجب بخصوص ما يعانيه شعبنا المسلم المرابط في فلسطين المحتلة أذكّر بما يلي : أن جهاد إخواننا في فلسطين المحتلة هو جهاد عظيم في سبيل الله تعالى ، للدفاع عن مقدسات المسلمين و لرفع الظلم عن أنفسهم و لاسترداد أرضهم و أرض المسلمين ، يحتسبون فيه ما أصابهم من ألم أو هم أو نصب ، ولا أعلم اليوم جهادا في سبيل الله هو أفضل من الجهاد معهم لمن قدر عليه بمال أو نفس أو قول أو دعاء .
ولذا فإن نجدتهم حق واجب و نصرهم فرض لازم لجميع المسلمين بمقتضى نصوص الكتاب والسنة قال تعالى : { إِنَّما المؤمنون إخوة} وقال : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } (التوبة:71) .وقال : {ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال و النساء و الولدان } وقال صلى الله عليه وسلم :( ) .
أذكِّر نفسي وجميع إخواني بعموم الآيات و الأحاديث في فضائل الجهاد والرباط والشهادة في سبيل الله تعالى . وهي معلومة و لله الحمد . و من ذلك فضل الجهاد بالمال فإنه من أعظم القربات وأفضل أنواع الجهاد كل حين ، فكيف و قد حيل بين المسلمين وبين الجهاد بأنفسهم في فلسطين ؟ ولعظم مكانة الجهاد بالمال قدمه الله تعالى في أكثر المواضع من القرآن الكريم على الجهاد بالنفس كقوله تعالى : { انفروا خفاف وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله } (التوبة:41) وقوله: { الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون } (التوبة:20) . وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } (الصف: 10 -11 )
وقوله : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } (الحجرات:15) .
إن خذلانهم أو التهاون في مناصرتهم ورفع الظلم والاضطهاد عنهم ذنب عظيم وتضييع لفرصة كبيرة في تحطيم آمال الصهيونية ، وتعريض للمسلمين والعرب جميعا لخطر مُدْلَهِمْ، فإن لم يغتنم المسلمون اليوم الفرصة فسيندمون على فواتها إلى أمدٍ الله أعلم به ، وإن تغييب الأمة عن ذلك وإشغالها باللهو واللعب يبلغ درجة الإجرام في حقها وحق قضاياها.
إن التعاون على نصرتهم بكل أنواع النصرة الممكنة - مع كونه واجباً على المسلمين كما تقدم وكونه من الجهاد في سبيل الله - هو أيضا داخل دخولاً أوّلياً تحت قوله تعالى :
{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (المائدة: من الآية2) . ولهذا فإن حض المسلمين على التبرع بسخاء لإخوانهم هو عمل صالح ( ) . وفي ذلك اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم حين كان يحض أصحابه على الإنفاق في سبيل الله تعالى وتجهيز الجيوش كما حصل في غزوة تبوك في جيش العسرة المشهورة قصته في الصحيحين و غيرها وفي كتب السيرة.
إن إيصال المعونات المالية والمادية من سلاح وغيره إليهم داخل إن شاء الله تعالى في قوله صلى الله عليه وسلم : ( ) . متفق عليه . ولذا فإن كفالة من يوجد من أسر المجاهدين ورعايتهم فيه هذا الفضل العظيم . بل وفي إيصال ذلك إليهم إنقاذ لأنفس مسلمة فليجتهد المسلمون في ذلك وليتسابقوا فيه.كما أن الاهتمام بإخواننا الفلسطينيين من سكان المخيمات في دول الجوار مهم للغاية فيجب على الدعاة إلى الله _ ونحن على أبواب الصيف - إعطاء ذلك حقه.
ينبغي في الإنفاق في سبيل الله أن يقدم الأهم بحسب ما بينته السنة ومن ذلك تقديم نفقة الجهاد في سبيل الله في هذا الموطن الواجب على نفقة حج التطوع وغيره من التطوعات كبناء المساجد و حفر الآبار لقوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل أي العمل أفضل ؟ فقال : ( ) . متفق عليه.
أبشِّر إخواني المسلمين في أرض فلسطين وغيرها بأن مع العسر يسراً وأن النصر مع الصبر ، وأن موقف العدو الصهيوني اليوم هو أكثر ما يكون حرجاً وشدةً ، فقد انحصرت الخيارات أمامه في خيار واحد - هو الاستمرار في العنف والإبادة _ إن تراجع عنه فهو إقرار بالهزيمة وبداية للانقسام وإن استمر فيه فسيقع في الهاوية بإذن الله . ومن هنا لا يجوز إنقاذ موقفه بإيقاف الانتفاضة مهما كانت التضحيات.
وإن التطور النوعي في أساليب الجهاد - مثل اقتحام المستوطنات ومباغتة القواعد العسكرية وصناعة الأسلحة وتطويرها - وكذلك الدقة والإحكام وعمق الاختراق في العمليات الاستشهادية ليؤكد ذلك .
لا ينبغي أن تحول متابعة الأحداث اليومية بيننا وبين الاطلاع على حقيقة المجتمع الصهيوني من الداخل . إنه مجتمع يخيّم عليه الرعب ، وتسيطر عليه الشحناء ، وعند كل عملية استشهادية يزداد فقد الثقة بالمستقبل لديه ، ويتدهور اقتصاده باستمرار وقد وصل الحال إلى احتجاج طائفة من الجيش على السفاح شارون وحكومته وهو ما يعد سابقة خطيرة ، كما أنه يفقد التعاطف الخارجي عند كل عملية اجتياح ، ويستطيع أي مراقب أن يقول إنه يعيش عزلة عالمية لم يشهدها من قبل باستثناء الصهاينة في حكومة أمريكا الطاغية الظالمة ، ومن هنا وجبت الثقة في نصر الله وحرمت محاولة إخراجه من عزلته وإنقاذه من مأزقه.
كشفت الأحداث الأخيرة أن الذين يلهثون وراء سراب السلام مع هذا العدو منذ معسكر داود لم يجنوا سوى الخيبة والخسارة ، فها نحن أولاءِ نرى ماذا جنى جنود الأجهزة الأمنية للسلطة الذين طالما لاحقوا المجاهدين وترصدوا لهم ودلّوا عليهم جنود "يهود" بل قَتلوا أو سلَّموا بعضهم للعدو ، فهل يعتبرون ويتوبون وهل يتعظ بهم الآخرون؟
وهنا نسجل تقديرنا وشكرنا لكتائب الأقصى وللشرفاء من منظمة التحرير الذين انحازوا إلى خيار المقاومة وشاركوا الإسلاميين شرف القتال ونرجو أن يكون ذلك مقدمة لتوحّد الشعب الفلسطيني بكل فصائله تحت راية الإسلام والجهاد وإقامة الحكم الإسلامي على أرضه المباركة .
إن التطبيع مع عدو طبيعته الغدر والخيانة والتملّص والمماطلة - كما يشهد بذلك كتاب الله وسلوكه التاريخي الثابت - هو قبض للريح وجمع بين المتناقضات ، و فوق كونه خطراً عظيماً على العقيدة والمقدسات والقيم والأخلاق والاقتصاد والثقافة ، ولشدة وضوح ذلك ومنافاته للبدهيات والضروريات رفضته الشعوب التي ابتليت به منذ موافقة حكوماتها عليه وهي الآن أشد له رفضاً ، فما جدوى أن تبتدئ الشعوب الأخرى من حيث بدأت ، ومن هنا لم يبق للأمة من مخرج - واقعاً - إلا ما هو المخرج شرعاً وهو الجهاد ودعم صمود شعبنا المسلم واستمرار انتفاضته ، وإذا كان هنالك مجتمعات تُعَـبِّر عن شعورها بالتظاهر الصاخب فإن مجتمعات أخرى يجب أن تُعَـبِّر عنه بالبذل السخي والإنفاق المستمر.
إن ما قررناه آنفاً لا يعني إغلاق أبواب السياسة الشرعية والدبلوماسية الحكيمة لتحقيق مصلحة الأمة ومساندة الجهاد ، أو التهيئة لـه والتربص بالعدو .. ومن هنا أجازت الشريعة المطهرة مهادنة العدو ومناورته على سبيل السياسة الشرعية ولتحقيق المصلحة الشرعية ، ومنها إظهار تعنّته وإحراج موقفه وكشف حقيقته لكن دون أن يترتب على ذلك موالاته وترك عداوته ، أو الإقرار لـه بشيء من الحقوق الثابتة التي لا يملك المسلمون - ولو أجمعوا - التنازل عنها ، لأن الله هو الذي أنـزلها وفرضها كما أنـزل وفرض معاداة الكافرين ومجاهدة المعتدين ومن ذلك كون أرض فلسطين كلها وقفاً إسلامياً لا يملك غير المسلمين شيئاً منه إلا بعقد ذمة . وكون أملاك اللاجئين حقاً شرعياً متوارثاً لأبنائهم إلى يوم القيامة لا يجوز لغيرهم - كائناً من كان - أن يتصرف فيه بشيء ، ولا يحق له أن يتنازل عنه .
ختاماً : بكل عزم في الطلب ورجاء في الاستجابة نهيب بإخواننا المسلمين أن يسارعوا لنجدة شعبنا الصابر في الأرض المقدسة ، ونذكّر من جاهدوا بأموالهم عند بداية الانتفاضة المباركة أن الحاجة الآن أشد والحال أشق ، ونذكّر من لم يفعل ذلك أن يستدرك ويسابق في هذه التجارة الرابحة . وسوف يعوضكم الله بإذنه عما تنفقون راحة في الضمير وبركة في الرزق ونوراً في القلب ، وما عند الله خير وأبقى . { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً } وإن مما يعين المسلم على الالتـزام ويضاعف لـه الأجر بإذن الله أن يخصص نسبة ثابتة من الراتب - أو غيره - يقدمها شهرياً ويحث أقرباءه وأصدقاءه على ذلك .
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم الذي لـه الخلق والأمر وبيده الملك وإليه يرجع الأمر كله أن ينصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان وأن يقر أعيننا بعزة دينه وعلو كلمته وخذلان أعدائه من أهل الكتاب والمنافقين والمفسدين في الأرض إنه على كل شيء قدير ،،،
كتبه :سفر بن عبدالرحمن الحوالي
21/1/1423هـ
سفر بن عبد الرحمن الحوالي
رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى سابقا
- التصنيف: