قسوة الانتقاد

منذ 2013-11-14

عندما تتلقى لكمات الانتقاد فإنك بشكل تلقائي وطبيعي أول ما تفعله هو رد الفعل الدفاعي لكل ما يقال؛ ذلك لأن [أغلب الناس عندما يواجهون بالانتقاد، يستمعون لأنفسهم أكثر مما يستمعون إلى شريك الحياة، ولا شك أن هذا الموقف غاية في السلبية، حيث إن من يستغرق في الاستماع فقط إلى ذاته، سيكون منشغلًا في إعداد رد الفعل الدفاعي لكل نقد جديد. وإذا كان شخص مشغولًا بتفادي طلقات الرصاص الموجهة إليه، فلن يجد الوقت لكي يبحث عن المكان الذي أصابته الطلقة التي نجح في تفاديها]


عندما تتلقى لكمات الانتقاد فإنك بشكل تلقائي وطبيعي أول ما تفعله هو رد الفعل الدفاعي لكل ما يقال؛ ذلك لأن [أغلب الناس عندما يواجهون بالانتقاد، يستمعون لأنفسهم أكثر مما يستمعون إلى شريك الحياة، ولا شك أن هذا الموقف غاية في السلبية، حيث إن من يستغرق في الاستماع فقط إلى ذاته، سيكون منشغلًا في إعداد رد الفعل الدفاعي لكل نقد جديد. وإذا كان شخص مشغولًا بتفادي طلقات الرصاص الموجهة إليه، فلن يجد الوقت لكي يبحث عن المكان الذي أصابته الطلقة التي نجح في تفاديها] (النساء لا يسمعن ما لا يقوله الرجال، د. وارين فاريل، ص 62).

نيتك المساعدة أم الانتقاد:
بعد الزواج بسنوات يعرف كل من الزوجين الآخر عن كثب بحيث يمكنه رؤية عيوبه، بل إنه يراها تحت المجهر، ومن خلال المعايشة يشعر كل شريك أن له كامل الحق في الإشارة إلى عيوب شريكه وأخطائه، وغالبا ما تكون نواياه هي مساعدته في التغلب على نقاط ضعفه، وبذلك تنتج بذور الحب العائلي حصادًا من الانتقادات والأحكام المسبقة بدلًا من المساندة والقبول، وهكذا حين نتكلم مع شريك الحياة لا نتلمس إشارات الحب، ولكنا بدلًا من ذلك نصطدم بإشارات عدم الموافقة والرفض، ومن ثم يمكن لبعض التصحيحات والاقتراحات من أحد الزوجين أن تتسبب في انفجار طاقة الانتقادات المخزونة.

وإليك المثال التالي:
كانت الزوجة تقوم بغسل الصحون، وحين حاولت تثبيت السدادة بشكل يسمح بجريان الماء، وحجز الفضلات الصغيرة في ذات الوقت، وكانت السدادة تسقط وتغلق الحوض، ولأن كمية الأطباق المراد غسلها لم تكن كبيرة، فقد قررت الزوجة ترك السدادة كما هي على أن تفتحها بعد الانتهاء، وسيكون مقدار الماء المخزون محدودًا ويتم تصريفه بسرعة، وبعد لحظة دخل الزوج وشاهد الموقف، فقال: عليك بترك السدادة مفتوحة حتى يمكن صرف الماء المتجمع.

الرسالة هنا مجرد اقتراح حول وضع سدادة الحوض، وهو أمر غير حيوي، ولكن ما وراء الرسالة، أن الزوج يقوم بدور الحكم على طرق الزوجة، ويصحح تصرفاتها.

قالت الزوجة: أعتقد أن عملية تنظيف الحوض ستصبح أسهل إذا ما تركت الماء يتسرب كله دفعة واحدة. قالت ذلك بينما يصرخ ما بداخلها: "أنت دائما تنتقد كل تصرفاتي". فقال الزوج: سيتسخ الحوض عندما تملئينه بالماء، بداخله يحدث نفسه: "ألا يمكنني التفوه بكلمة واحدة؟".

لم تعلق الزوجة لأنها قررت أن تدع الموقف يعبر بسلام، لقد شعرت الزوجة أنها وزوجها يمثلان فريقا واحدًا، وهذا جعلها تشعر بالراحة، وهي تصمت حتى يعبر الموقف بسلام... ولكنها -بلا أدنى شك- تألمت كثيرًا جًدا؛ لأن من أهم الأمور التي تحقق للمرأة إحساسها مع زوجها ورضاها عن بيتها، هو ألا ترى زوجها يعيبها في تصرفاتها ووظيفتها كزوجة [حتى يبقى الحب، د. محمد محمد بدري، ص 437 -438].

اللغة في حالة الانتقاد:
هناك عبارات يستخدمها الأزواج عند الانتقاد للطرف الآخر، وترجع إلى ما يحمله شريك الحياة من مفاهيم خاطئة تعوق نمو وتحسن العلاقات الزوجية مثل:
1- أنا على صواب، لا أريد سماع ما تقول، أنا هكذا، أنت تعرف أني كذلك.
2- إنها مشكلتك، لا تتوقع مني أن أخرجك منها، اهتم بنفسك، إنهم أقاربك، لو أنك سمعت كلامي منذ البداية لما حصل ما حصل الآن.
3- يجب أن تعرف رغباتي ومشاعري "الآن يجب أن تكون عرفتني، لماذا من الضروري أن نتكلم في هذا الموضوع؟".

انتقاد كل صغيرة وكبيرة:
عندما يقوم أحد شريكي الحياة بتنبيه زوجته لأي خطأ يحدث منها أو تقصير في أحد الجوانب، ثم لا يجد مع مرور الزمن أي تحسن أو استجابة فإنه للأسف يلجأ إلى تذكيره بشريك آخر في بيت آخر ممن تتميز بهذه الصفة، وكأن الأمر نوع من التعيير له والانتقاص منه، كأن يقول: كوني كفلانة في تزيينها لأولادها، وفلانة في تنظيمها لبيتها والعناية به، أو لماذا لا تكون كفلان في رعايته لأولاده؟ كن كفلان في رعايته لزوجته والاهتمام بها (ماذا وراء الأبواب، أم سفيان، ص 52-53، بتصرف).

كما أن بعض الأزواج يكثر من لوم زوجته وانتقادها عند كل صغيرة وكبيرة، فتراه ينتقد الطعام الذي تعده، ويعاتبها إذا بكى الصغار أو كثر عبثهم، ويبالغ في تأنيبها إذا نسيت أو قصرت في شيء حتى لو كان صغيرًا، وهذا كله مما تتأذى به الزوجة من زوجها، مما يشعرها بتعاسة حياتها.

البخار السام:
إن الزوجين حين ينتقد كلاهما الآخر بهذه القسوة، فإنهما يقومان بتدمير العلاقة بينهما، لأنهم يركزون على أخطاء الطرف الآخر وعيوبه، ولا يركزون على الحسنات. بل ربما تخلل نقدهما إعطاء الأوامر للآخر، والتنقص من قيمته والسخرية منه. لا شك أن الانتقاد الدائم لتصرفات وأفعال شريك الحياة يعتبر البخار السام الذي يخنق الحياة الزوجية ويفقد شريك الحياة الثقة بنفسه.

من فوائد النقد البناء:
نحن بالطبع لا نقول للزوجين لا ينتقد أحدكما الآخر، بل إن النقد فيه [فوائد كثيرة من أهمها تصحيح المسار وتعديل السلوك وتزكية النفس، ولكنا نريد النقد الذي يحفظ ماء وجه الطرف الآخر، ويتحقق ذلك إذا لم يكن النقد علنيا، كأن تنتقد الزوجة زوجها أمام الأطفال، أو ينتقد الزوج زوجته أمام أهلها، فهذا يضر بصحة العلاقات الزوجية... أو ينتقد أحد الزوجين شخص الآخر، فهذا غير صحيح كأن يقول له "أنت لا تفهم"، وإنما عليك حين النقد أن تنتقد السلوك والتصرف وليس الشخص والذات] (المفاتيح الذهبية في احتواء المشكلات الزوجية، نبيل بن محمد محمود، ص 109).

نموذج في التعامل مع النقد:
تأمل معنا هذا النموذج الفريد والرائع في التعامل مع الزوجة حيث تحكي عنه زوجته السيدة عائشة إذ تقول: «ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه» (متفق عليه)، تركه وفقط دون تعليق، وهذا يدل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يحافظ على مشاعر الناس، فلا يقدح في عملهم ولا يخدش شعورهم.

وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل أهله الأدم فقالوا: "ما عندنا إلا الخل فأخذ يقول: «نِعم الأدم الخل» (أخرجه مسلم).

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يقبح الرجل زوجته فيقول لها: قبحك الله، فلا يعيب الزوج زوجته في شكلها ومظهرها.

ماذا بعد:
- تجنب النقد بأسلوب الاستهزاء أو التعيير الذي يشم منه رائحة الحقد والتشفي والرغبة الخفية في الانتقام، فإن هذا النوع من النقد سهم قاتل للحياة الزوجية.
- تجنب النقد أمام الناس بصوت عال.
- لا بد أن يشم شريك الحياة من النقد رائحة الحب والغيرة والإخلاص والاحترام أيضًا.


أم عبد الرحمن محمد يوسف