مفسدات القلب عند ابن القيم
مررت بهذه المفسدات التي تودي بالقلوب وتهوي بها في مكان سحيق، لأن القلب هو مركز الارتكاز، وإذا صلح القلب صلحت الأعضاء؛ فهو بمنزلة الحاكم للرعية، والرأس للجسد.
مررت بهذه المفسدات التي تودي بالقلوب وتهوي بها في مكان سحيق، لأن القلب هو مركز الارتكاز، وإذا صلح القلب صلحت الأعضاء؛ فهو بمنزلة الحاكم للرعية، والرأس للجسد.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
وأما مفسدات القلب الخمسة فهي: كثرة الخلطة، والتمني، والتعلق بغير الله، والشبع، والمنام. فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب.
المفسد الأول: كثرة المخالطة.
إن امتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم يجعله يسود، ويوجب له تشتتا وتفرقا وهما وغما وضعفا، وإضاعة مصالحه، والاشتغال عنها بهم وبأمورهم، وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم. فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة؟
وهذه الخلطة التي تكون على نوع مودة في الدنيا، قد تنقلب عداوة؛ قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]. وقال خليله إبراهيم لقومه: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ} [العنكبوت: 25].
الضابط النافع في أمر الخلطة: أن يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعة، والأعياد والحج، وتعلم العلم، والجهاد، والنصيحة، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات. وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه.
المفسد الثاني من مفسدات القلب: التمني.
إن المنى رأس أموال المفاليس، وهي بضاعة كل نفس مهينة، ليست لها همة تنال بها الحقائق الخارجية. أما صاحب الهمة العالية أمانيه حائمة حول العلم والإيمان، والعمل الذي يقربه إلى الله. وقد مدح النبي متمني الخير، وربما جعل أجره في بعض الأشياء كأجر فاعله.
المفسد الثالث من مفسدات القلب: التعلق بغير الله تبارك وتعالى.
وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق. إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به؛ قال الله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا . كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم: 81، 82]. وأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله. وأساس الشرك وقاعدته التي بني عليها: التعلق بغير الله، ولصاحبه الذم والخذلان، كما قال تعالى: {لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا} [الإسراء: 22].
المفسد الرابع من مفسدات القلب: الطعام.
والمفسد له من ذلك نوعان: أحدهما: المحرمات؛ كالمسروق والمغصوب والمنهوب، وما أخذ بغير رضا صاحبه. والثاني: ما يفسده بتعدي حده؛ كالإسراف في الحلال، والشبع المفرط لأنه يثقله عن الطاعات، ويقوي عليه موارد الشهوة، ومجاري الشيطان لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم. والصوم يضيق مجاريه ويسد طرقه، والشبع يطرقها ويوسعها. فمن أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا.
المفسد الخامس: كثرة النوم.
لأنه يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل. ومنه المكروه جدا، ومنه الضار غير النافع للبدن. وأنفع النوم: ما كان عند شدة الحاجة إليه. ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه. ومن المكروه: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس؟ لأنه وقت غنيمة.
المرجع: مفسدات القلب الخمسة- ابن القيم الجوزية- دار الوطن.
عبد السلام حمود غالب
- التصنيف: