وداعاً العم أبو بدر(عبد الله العلي المطوع)

منذ 2006-09-08
 

قصة أربع سنوات

في حوار أجرته العربية نت مع الداعية الكويتي الشهير الشيخ أحمد القطان حكى جانبا من السيرة الذاتية للشيخ المطوع فقال: كلما قرأت قوله تعالى { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } [الأحزاب:23]، رأيت هذه الآية تتمثل في شخص هذا الداعية الرباني حيث أنني كنت ملتصقا به خلال أربع سنوات، أسافر معه من نصف الشهر السابع إلى نهاية الثامن الميلادي، واستمر ذلك حتى هذا العام (2006) فرأيت من أمره عجبا. رأيته في ليله ونهاره، والاتصالات عليه لا تنقطع، ولما سافرت إلى أبها، أخذت لا أرد إلا على التليفون الذي يأتيني من الإعلاميين لتعم المنفعة فرآني على هذه الحال، فقال لي: يا شيخ أحمد أنت لست لنفسك، إنما أنت للناس، انظر إلي، لا أرد أحدا كائنا من كان في ليل أو نهار على جميع خطوطي فأرجوك أن ترد على كل الناس في كل الأرض في كل حين.

واستطرد القطان: قلت سمعا وطاعة، ورصدت مبلغا وأخذت أرد بالهاتف النقال على الناس، وعلى أصحاب الحاجات وأصحاب المشاكل. وكذلك أرد على المداخلات في برنامج "على الخط" في إذاعة الكويت على مدار خمسة أيام أسبوعيا من السبت إلى الأربعاء. كل ذلك تعلمته من هذا البطل الذي هو فوق الثمانين، والذي يتقاصر الشباب عن إدراك بعض أعماله.

وأضاف: رافقته في الصيف خلال الأربع سنوات فرأيته يحرص على صلاة الفجر ويحضر جميع أبنائه ويكون من أول الناس حضورا إلى المسجد، ثم يجلس يستمع إلي في درس الفجر إلى الشروق كل يوم، ثم يصلي صلاة الشروق، ويدعو كل من في المسجد على مائدة إفطاره.

درس الثلاثاء الأسبوعي

وواصل القطان قائلا: وبعد الإفطار نتحدث معه في أمور الأمة فيهدي إلينا الكتب والرسائل المطبوعة ويرد على المكالمات، ثم بعد ذلك له في يوم الثلاثاء درس ثابت في ديوانه في أبها، يحتشد فيه الشعراء والعلماء والخطباء والأدباء، ويدلي كل واحد منهم بدلوه. وكان في هذا الموسم الصيفي لا حديث لنا إلا عن أحداث القدس والأقصى ولبنان، يدافع عن الأمة وعن مقدساتها ودمائها وأعراضها، وهو يحمل همها، ويبكي في الليل والنهار على الأرملة واليتيم والمسكين والفقير ويقول: يا ليتني تصلني أخبارهم كلهم وبإمكاني أن أسد حاجتهم وعوزهم.

وقال القطان: ذهبت معه يوما إلى السوق لنشتري حاجة فوقفنا عند البائع، فسأل البائع: كم هذه الحاجة؟ قال بخمسة ريالات، فقال الشيخ المطوع: بأربع فأبى البائع.، فتركه وذهب إلى بائع آخر، فسأله عن نفس البضاعة، فقال بأربعة، فاشتراها. فقلت له: تترك البائع الأول على ريال؟ فرد: نعم، هكذا تكون التجارة وهكذا تكون المروءة في البيع والشراء. ثم ركبت معه السيارة وذهبت أصلي صلاة الظهر في المسجد، فقال: اجلس معي يا شيخ أحمد حتى تشهد أنني أوقفت الآن سبع عمارات في منطقة خيطان وهي أكبر ثروة عندي في البلد تقدر بالملايين، للأرملة واليتيم والمسكين والفقير في أرض مصر وغيرها من الأمة العربية.

سبع عمارات للإنفاق على الفقراء

ويواصل القطان: ذهلت لذلك، كيف أنه أخذ يراجع البائع على ريال، وفي نفس اليوم في صلاة الظهر يوقف سبع عمارات بالملايين. ما هذا؟.. إني والله لأرى عجبا، إن هذا الإنسان ينفق إنفاق من لا يخاف الفقر، وقد كنا نقرأ في الكتب عن أمثال هؤلاء الرجال الأفذاذ الذين يبذلون ولا يبالون. وهذا مشهد واحد رأيته والذي لا أعلمه منه لا يحصيه إلا الله، فهو رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي، وهو الذي أسس مع أخيه عبد العزيز عليه رحمة الله جمعية الإرشاد في الكويت التي تحولت بمرسوم أميري إلى جمعية الإصلاح، ويشرف بنفسه على مجلة المجتمع. وكنت أجلس بجانبه الساعات يراجعها كلمة كلمة وحرفا حرفا لا يمل ولا يكل، وهي تتبنى قضايا الأمة من مشرقها إلى مغربها وعلى رأسها قضية الأقصى والإسراء والمعراج. ورأيته رحمه الله رحمة واسعة يشرف على العمل الخيري ويتابعه.

50 ألف يتيم تحت كفالة جمعية الإصلاح

وقال القطان: إن جمعية الإصلاح الاجتماعي التي كان الشيخ رئيسها تكفل أكثر من 50 ألف يتيم، وقد بنت الجامعات والمدارس والمآوي والمستشفيات والملاجئ وآلاف المخابز في الدنيا. تنطلق بأمره الإغاثات السريعة حتى أصبح رجلا عالميا مميزا، لسنا نحن الدعاة في الكويت وحدنا الذين فقدناه، بل فقده المسكين على الأرض والأرملة واليتيم والمستضعف، وطالب العلم، والجوعى والحفاة والعراة يذكرونه، إنه والله أبو الأيتام.

واستطرد بأنه عرف الحياة العامة والخاصة للشيخ عبد الله المطوع، أما حياته الخاصة فهو من أزهد الناس في حياته، بسيط، غير متكلف، يجمع أبناء الحي صغارا وكبارا، وأطفالا وصبايا صغارا ويأتي بهم إلى أهله وأم عياله لتحفيظ القرآن كل يوم طول الأسبوع، ولا يتضايق من وجود الأطفال في بيته، وإذا هموا بالخروج يعطيهم من جيبه المال الخاص تشجيعا لهم على حفظ القرآن الكريم. وفي نهاية موسم الصيف يعقد لهم احتفالا في مسابقة تحفيظ القرآن ويمنحهم الهدايا والمنح.

وأضاف: رأيته أيضا عن قرب وهو يحيط به الفقراء والمساكين في كل فرض صلاة، فيجلس على الكرسي في باحة المسجد في أبها القريب من بيته. هذا يقدم عريضته، وهذا يقدم مشروعا للأيتام، وذاك يقدم مشروعا لتحفيظ القرآن في اليمن ومصر وسوريا ولبنان، يتلقاهم بالترحاب والابتسام. رأيته أريحيا في خروجه معنا هناك في غابات أبها. يبذل للناس من المال ما يسد العوز، أينما يتحرك، يتحرك الناس خلفه رحمة الله عليه. ورأينا منه دماثة الأخلاق، يفرح لفرح الأمة ويحزن لحزنها. ورأيته يتابع قضايا الأمة في العراق يحمل هم هذا البلد الذي احتل الكويت ويفكر في همومها ومشاكلها ليل نهار. ويحثنا على ألا ننسى إخواننا هناك في العراق وما يصيبه من تمزق، ويقول احذروا من تقسيم العراق، فان تقسيمه إلى ثلاث دول، سيعقبه السعودية ثم السودان فمصر، فلا يريد أبدا أن يكون للأجنبي قدم لتحقيق أهدافه رغم أنه في هذا العمر، عمر الراحة والهدوء، حيث كان يكفيه أن يقرأ في مكتبه ويشرب فنجان قهوة أو شاي ويهدأ. أما هو فلا يهدأ.

ويروي القطان وقائع أخرى حية من سيرة الشيخ المطوع قائلا: لقد رأينا أيام الاحتلال عجبا من أمره. كان بجوار أمير البلاد يتصل بقيادات العمل الإسلامي في العالم، قائلا لهم: قفوا مع الكويت، إذ وقفت معكم في كوارثكم ومحنكم. ولا يدعهم حتى يأخذ تأييدهم. ثم نراه مع همه الوحيد قضية القدس والأقصى، وتبنى قضية الأكراد وقضية حماس، وجنوب لبنان. جعل مجلة المجتمع تتكلم بنبض المسلمين في العالم أجمع وليس بنبض الكويت فقط.

أسس الدعاة المعتدلين

وأوضح القطان أن عبد الله العلي المطوع أسس الدعاة المعتدلين، فهذه الكويت خالية من التعصب والإرهاب، ودعاتها ينتشرون في مشارق الأرض ومغاربها يعلمون الناس، وهذا ليس فيه فضل ولا منة، وإنما الفضل لله سبحانه وتعالى. لقد كان من أسمى أمانيه أن يصلي في القدس والأقصى. وقبل نكسة عام 1967 كان مصيفه في الأقصى في القدس وما فارقها إلا بعد تم احتلالها، وهو يبكي عليها منذ تلك الساعة ويرجو أن يعود إليها وفوقها راية التوحيد خفاقة.

ويقول الكاتب الإسلامي المصري جمال سلطان: أتصور أن أركانا كثيرة من أرض الله سوف تستغفر لهذا الراحل الكبير لأن له في كل منها بصمة خير وغرس طيب وهذا هو الذي يبقى له عند ربه، ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن يعوض الأمة الإسلامية عن الراحل الكبير خيرا، وأن يرزقها بمن يكمل مسيرة الخير التي اختصها الشيخ المطوع.

وأضاف: لقد كان المطوع من الصلابة الإيمانية والفكرية وصلابة الأخلاق ما جعله يستعصي على أي تهويشات من تلك التي انتشرت بعد 11 سبتمبر، وأشاعت الفزع والارتباك لدى كثير من المشتغلين بالعمل الخيري الإسلامي. لم يتأثر بذلك ومضى في طريقه صلبا لا يلوي على شيء مما يثار عن العمل الخيري.


سيرة حياته

- ولد عبد الله العلى المطوع عام 1926م، ونشأ في أجواء عائلية ملتزمة، وحرص والده على تربيته على الأخلاق الحميدة والقيم الإسلامية العظيمة.

- وعند بلوغه سن الـ 14 اشتغل في العمل التجاري وتنمية الموارد، ولم يكن في الكويت آنذاك بنوك أو مصارف لإيداع الأموال فيها، فكان الآباء يعتمدون على أبنائهم في حفظ هذه الأموال والإشراف عليها.

- تلقى تعليمه مع أبناء جيله في مدرسة "ملا عثمان" نسبة لعائلة عبد اللطيف العثمان الطيبة، ومدرستا المباركية والأحمدية، وكان يتمتع بصلات قوية مع الجميع في داخل الكويت وخارجها خاصة المنتمون للحركات الإسلامية وفي مقدمتها حركة الإخوان المسلمين.

- وكان لشقيقه الأكبر عبد العزيز المطوع رحمه الله صلة وطيدة بالحركات الإسلامية والعمل الإسلامي خاصة حركة الإخوان المسلمين، تأثر المطوع بهذا التوجه، ومنذ ذلك الحين انخرط في النشاط الإسلامي وتنميته من خلال استضافة العلماء والمحاضرين، وأسهم في إصدار مجلة الإرشاد الإسلامي، وكان داعية إسلاميا دؤوبا، تمتع بخبرة واسعة وتجربة ثرية في العمل الدعوي والخيري.

- التقى عبد الله المطوع وشقيقه المرحوم عبد العزيز مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا عام 1946م في مكة المكرمة والمدينة، وحضرا له محاضرة في المدينة المنورة، وأهدى لهما البنا كتابين، الأول: كتاب "حضارة العرب" للمؤلف الفرنسي غوستاف لوبون وهو كتاب جيد يشيد بالحضارة العربية والإسلامية ومزود بالرسوم وكان من نصيب أخيه عبد العزيز، والثاني كتاب "الرحلة الحجازية" وهو كتاب قيم نادر الوجود وكان من نصيب الفقيد، وكان هذا الكتاب يتحدث عن القبائل العربية التي كانت موجودة في الساحة وتعداد الحجيج والمحمل الذي كانت ترسل به كسوة الكعبة من مصر وبعض الصور القديمة. وكتب البنا بخط يده ذكرى طيبة تحث على الأخوة في الله وتذكر بهذا اللقاء المبارك في الحرمين الشريفين ووقعه بتوقيعه.

- أسهم في تأسيس جمعية الإرشاد الإسلامي في عام 1950م كأول عمل إسلامي مؤسسي بالكويت، وجمعية الإصلاح الاجتماعي في مطلع الستينيات، وقد سارت الإصلاح على نفس أهداف ومبادئ جمعية الإرشاد، وظل رئيسا لمجلسي إدارة جمعية الإصلاح ومجلة المجتمع حتى وفاته.

- وكان من أبرز رجالات العمل الخيري، محبا له ومنفقا سخيا على جميع أوجه البر والخير، وكان يستقبل بمكتبه أصحاب الحاجات، ويسعى جاهدا إلى تلبية احتياجاتهم.
[الطاهر إبراهيم، مجلة العصر]


لمثلك فلتبك البواكي


عندما يصاب المسلم بموت عزيز كريم الشمائل، يحار من أي هذه الشمائل يبدأ، ويندر أن يجتمع بعضها في عظيم قوم. وإذا كان أبو بدر يرحمه الله، لم يتطلع إلى منصب سياسي -حيث كان أكبر من السياسة ورجالها-، فقد دخل ميدان العمل العام من أوسع أبوابه.

عرفت أبا بدر من خلال لقاءاتي به أثناء زياراته إلى مكة المكرمة -فقد كان جاراً لي فيها- لحضور مؤتمرات رابطة العالم الإسلامي، فقد كان عضوا مؤسسا فيها، أو من خلال أدائه فريضة الحج أو العمرة. وأكثر ما كنا نلتقي كان في العشر الأواخر من رمضان، فما عهدته انقطع عن عشرٍ منه على مدى عشرين عاما عرفته فيها.

وفي هذا العشر الكريم من الشهر الفضيل، كان بيت "أبو بدر" في مكة المكرمة قبلةً لأهل الإسلام، ومحجا يقصده القاصي والداني من رجالات العالم الإسلامي، وفيهم العلماء والوزراء ورؤساء الهيئات الإسلامية وقادة الأحزاب، وأكثرهم كانوا يقصدونه لتدارس الأوضاع التي يتعرضون لها وبسط حاجات الأقطار التي قدموا منها.

وفي العشر الأواخر من رمضان كانت مكة المكرمة لا يكاد ليلها يغمض فيه أجفان زائري البيت الحرام إلا قليلا. وهكذا كان ديدن الشيخ "أبو بدر" عندما يستقبل ضيوفه على مائدة السحور يحضرها معه أكثر من عشرين قادم. وكانت المائدة مناسبة لتبادل الأحاديث التي تهمّ شؤون المسلمين وما أكثر المحزن منها وأقل المفرح.

ولا تخلو تلك اللقاءات من أشعار، كان الدكتور "عصام البشير" يتحفنا بالطريف من محفوظاته التي لا تنضب. فإذا أذن لصلاة الفجر شمر الشيخ عن زنوده للوضوء، ولا يكاد يصل إلى المسجد القريب إلا وقد أقيمت الصلاة، يقطع الطريق إليه في أحاديث مع أصحاب الحاجات، الذين أرادوا أن يكون ذلك منهم بعيدا عن أسماع باقي الضيوف، فإذا قضيت الصلاة انصرف معه إلى البيت أصحاب الحاجات الكبيرة التي تشمل قطرا أو أكثر.

وإذا كان الرجال يعرفون في أوقات الشدائد، فقد كان "أبو بدر" من الذين لا تنحني قاماتهم في مواجهة أعتى العواصف. ولقد كانت أزمة اجتياح "الكويت" من قبل الجيش العراق في آب "أغسطس" عام 1990 عاصفة هوجاء ما تزال تلقي بتبعاتها على كثير من الأقطار العربية وعلى كثير من قيادات الجماعات الإسلامية. ولقد كان "أبو بدر" واحدا من مواطني الكويت تألم لما حل بوطنه، لكنه لم يتغير عطاؤه المستمر لجماعات إسلامية ناصرت قياداتها العراق بشكل أو بآخر في معركة تحرير الكويت.

واستطرادا أنقل هنا جانبا من لقاءات لجنة ضمت قيادات إسلامية جاءت إلى مكة المكرمة من أقطار إسلامية والتقت مع علماء سعوديين وخليجيين في مبنى رابطة العالم الإسلامي. وكان أحد الضيوف المشاركين قد شدد النكير على التدخل الأمريكي في المنطقة، وأنه يستهدف المسلمين في العراق ودول الخليج. وهنا وقف الشيخ "أبو بدر" متدخلا، فقال: إني أقول في أمريكا أكثر مما قال أخي (فلان)، ولكني أسأل هذا الأخ: هل اجتاحت جيوش "صدام حسين" الكويت لإقامة دولة الإسلام فيها؟

ولم تمض سنة واحدة أو أكثر قليلا حتى تعرض هذا الأخ (فلان) وجماعته الإسلامية إلى ملاحقات واعتقالات من أجهزة أمن النظام في بلده وشردت آلاف الشباب الإسلامي إلى الآفاق، ورأينا الشيخ "أبو بدر" يتعالى على جراحه، ويقود حملة خيرية لإسعاف عائلات المعتقلين والمشردين في ذلك القطر.

أما نحن السوريين، فقد غمرنا هذا الشيخ الكريم بالكثير من معروفه وبذله. ولا تكاد تجد أسرة معتقل أو مشرد، إلا وقد وصل إليها بعضٌ من نوله ومن جود كفه وكريم سعيه مع الميسورين لنجدة الأسر التي غيب عميدها في المعتقلات أو شرد في الأفاق.

ولقد كان وسام الاستحقاق الذي يحق لأسرة فقيدنا الغالي الشيخ أبو بدر أن تفخر به، أن معروفه بحق السوريين دفع بالنظام القمعي كي يرسل للشيخ حقيبة متفجرات وضعها ضابط مخابراتٍ مجرم في عام 1981 في مبنى جمعية الإصلاح الاجتماعي ومجلة المجتمع، اللتين حظيتا بشرف رعايته الكريمة، وذلك ردا على جميله بحق السوريين.

لعلي لم أذكر إلا النزر اليسير من فضل هذا الجبل الشامخ، وما ذكرته هو بعض ما أعرف. ولا أزعم أن معرفتي القاصرة به قد أحاطت بما يكفي للتنويه بفضل عملاق النصف الثاني من القرن العشرين، وإلا فهو علمٌ من أعلام الفضل، لا يمكن أن يدانيه، فضلا أن يزاحمه، فيه أحد. وإذا كان كثيرون هم الذين جمعوا نصيبا من الدنيا مع ابتغاء الدار الآخرة على مدار التاريخ الإسلامي عبر الأجيال، إلا أن معرفتي القاصرة تجعلني أزعم أني لم أكد أسمع أن رجلا انطبقت عليه آية سورة القصص: { وابتغ في ما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك }، كما انطبقت على الشيخ "أبو بدر" رحمه الله.

كان آخر عهدي بالشيخ "أبو بدر" هو يوم السبت 2006 أيلول. فقد اتصلت به هاتفيا أسأل عن أحواله وصحته. فعلمت منه أنه غادر مدينة "أبها" (600 كيلومتر جنوب مكة المكرمة) إلى الرياض، في طريقه إلى الكويت حيث وافاه الأجل فيها في اليوم التالي.

رحم الله الشيخ "عبد الله المطوع"، فقد كان أمةً في رجل، وعلماً من أعلام الهدى، حريصا على الخير، حاضرا في أسواق الكرم والمعروف، لا تهزه أعاصير الدهر.

ومعذرة أيها الشيخ الكريم إن قصرت كلماتي عن الإفصاح عن معروفك بما يكفي. وإن القلب لينفطر أنا لن نراك في العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم القريب، هذا إن بقي في العمر بقية، وإنا على فراقك يا أبا بدر لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.

تغمد الله الفقيد بواسع مغفرته ورضوانه وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه الصبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
[عبد الحميد البلالي، جريدة الوطن الكويتية]


ترجل فارس الدعوة وعميد سفراء الخير


عندما كنت أقرأ ترجمة التابعي الجليل عبد الله بن المبارك بأنه كان يتاجر من أجل الإنفاق على العلماء، لا لهدف آخر أتعجب وأقول في نفسي، هل يوجد في مثل هذا الزمان من يشبه عبد الله بن المبارك؟ وهل يعقل أن يعمل إنسان في التجارة ويخسر المال الكثير والجهد الكبير من أجل أن ينفق على أمور الخير؟ هل يوجد تاجر في الأمة الإسلامية ليس له غرض من تجارته سوى الإنفاق على الخير؟ وكان الجواب بيني وبين نفسي إن ذلك مستبعد...

حتى التقيت بأبي بدر (عبد الله العلي المطوع) عام 1975م في بداية دراستي في بريطانيا، وكنت موفداً من إحدى الجمعيات الخيرية في لندن لجمع المال لإكمال بعض المشاريع الإسلامية، ودخلت عليه مكتبه، وإذا به يرحب بي ترحيب من يعرفني منذ أمد بعيد، وشعرت بأنني ابن له منذ تلك اللحظة لما أشعرني به من شعور الوالد لولده، ثم لم يكتف بإعطائي الدعم المالي، إنما وجهني لتجار آخرين لجمع المبلغ الذي كنا نحتاجه، في ذلك الوقت لم أكن وحدي في مكتبه بل كان كالعادة آخرون داخل المكتب، وآخرون خارجه ينتظرون دورهم، وكل من أولئك يأخذ نصيبه، ولا أتذكر أنه أعطى وفداً من الداخلين والخارجين أقل من (خمسمائة دينار) هذا في الساعة التي قابلته فيها، فكيف بالساعات التي سبقت لقائي به والساعات التي بعد اللقاء حتى العاشرة مساء أو أحياناً يتجاوز الوقت تلك الساعة..

عندها علمت بأنني أمام نمط آخر من الرجال، ونوعية أخرى من الدعاة، وصنف آخر من التجار.. وحينها بدأ التساؤل الذي تساءلته عند قراءتي ترجمة ابن المبارك يجد شيئا من الإجابة.

وبعدها تعرفت على الكثير من التجار والمحسنين من بلدي ومن بلاد أخرى، ورأيت من بعض صفاتهم ما يلتقون به مع العم (بو بدر) إلا أن أحدا منهم -على الخير الكثير الذي فيهم -لا يمكن أن يجاريه. كان بعض من التقيت بهم من التجار والمحسنين، يمتنع أحياناً عن دعم بعض المشاريع التي لم يقتنع بها أو لقناعته بكفاية الدعم السابق لهذه الجهة، إلا أن أبا بدر لم يكن كذلك، إنه لا يعرف قول (لا) للعمل الخيري، ولا يعرف أن يرد أحداً ممن يتقدمون إليه طالبين العون، ولعله يقلل من الدعم ولكنه لا يعرف ولم يتعود أن يرد أحدا يفد عليه.

أبو بدر بالرغم من مشاغله الكثيرة، ويعرف من يعمل بالتجارة ما هي انشغالات التجار، وبالرغم من توسع تجارته، إلا أنه ما كان يترك صلاة جماعة في المسجد، ولا حضور نشاط من أنشطة الدعوة.

كان رحمه الله يصلي صلاة الفجر هو وأبناؤه منذ كانوا صغاراً ويجلس بعد الصلاح يقرئهم القرآن حتى الشروق، ثم يمشي مع بعض المصلين في الحديقة الملاصقة للمسجد ثم يذهب للبيت، هذا برنامجه الصباحي كل يوم حتى آخر أيامه.

أبو بدر لم يكن مشهوراً بالإنفاق فحسب بل كان من أبرز الدعاة لوحدة العمل الإسلامي وكان دائما يجمع بين الدعاة على اختلاف مشاربهم في بيته، لنبذ الخلاف بينهم، ويعمل جاهداً على وحدتهم.

أبو بدر كان من أبرز رموز الوسطية، وكان أحد صمامات الأمان في الحركة الإسلامية وكان احد المحافظين عليها من الانجراف إلى التطرف.

وكان رحمه الله لا تأخذه في الله لومة لائم، فإذا ما رأى منكرا يذهب بنفسه لأصحاب القرار لإنكاره وكان يجد منهم الاستجابة والاحترام والتوقير، وكان رحمه الله يسعى دائما لإرجاع الأمة إلى الأصالة وإلى الشخصية الإسلامية التي ميزت هذه الأمة عن غيرها، وكان يحارب التغريب، والانخلاع عن شخصية الأمة.

وكان في ذلك لا يخشى على مكانته التجارية أن تتأثر، أو يخسر بعض الامتيازات مادام ذلك التحرك في سبيل الله. وبالرغم من شهرته داخليا وعربياً وإسلاميا كان يتسم بالتواضع الجم، وكان يتباسط مع السائق والعامل، والموظف البسيط، وكان يجلس معهم، ويسأل عن أحوالهم، ومع صغار الدعاة وكبارهم، وكان من أحب الأمور إليه تسليم المعونات الرمضانية بيده للفقراء الذين يتجمهرون في مكتبه أيام رمضان.

وبعد مرور ثلاثين عاما من معرفته والاحتكاك به تأكد لي الجواب الذي كنت أبحث عنه، بأن الأمة ما زال فيها من يشبه ابن المبارك في عطائه وكرمه وبذله.

رحمك الله يا أبا بدر، ولمثلك فلتبك البواكي.
[د.عصام عبد اللطيف الفليج، جريدة الوطن]


يرحمك الله أبا بدر


حاولت أن أجد عنوانا يفي بحق الداعية الكبير عبد الله العلي المطوع فلم يسعفني القلم، وتخالجت العبرات في وجداني في التعبير فاعتصرني الألم.

كيف لا يكون ذلك أمام فاجعة فقدان فارس من فرسان الدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي بل رائدها وحكيمها وعاقلها، فقد ضجت الأرض بمن فيها لفقد رجل نذر نفسه لله عز وجل، ودافع عن حياض المسلمين في وقت استأسد فيه من بني جلدتنا في الإساءة إليهم، ونشر الخير في العالم أجمع في وقت حرص البعض على الجمع والنهب وانشغلوا بالدنيا.

كان العم بو بدر رحمه الله حريصا على إصلاح ذات البين سواء من الدعاة أو العلماء أو التيارات الإسلامية أو المذهبية أو الفكرية، وواصلا مع المسئولين والوزراء في النصح وإبداء الرأي، ولم ينقطع يوما عن سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح رحمه الله الذي كان زميل دراسة له، وتواصل مع سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وكبار الأسرة الحاكمة، وكنت أرى تقديرهم له، وكم رأيت تقديمهم له في المناسبات واللقاءات المختلفة، مما يدلل على احترامهم له، وخلقهم الرفيع.

وقد يخفى على البعض دوره الكبير في إنقاذ "مؤتمر جدة الشعبي" بعد الاحتلال، حيث حصلت اختلافات قبيل افتتاح المؤتمر بساعات من بعض التيارات السياسية، وكادوا يفشلون المؤتمر والجماهير تنتظر في القاعة، فما كان منه إلا أن سارع بالالتقاء بهم ومحاورتهم وإقناعهم بتقديم مصلحة الكويت قبل كل شيء، فتم الإصلاح قبل ساعتين فقط من الافتتاح!

وبعد التحرير وقف بشدة مع الحق الفلسطيني في وقت تراجع البعض فيه عن فلسطين بسبب المواقف السلبية لمنظمة التحرير الفلسطينية (فتح) مؤكدا أن العمل الخيري لا يتعثر أمام المواقف السياسية السلبية أو القيادات الوهمية والمرتزقة، وأن فلسطين ليست ملكا لهم، وأن المرابطين في الداخل متضررون، ونصرة الأقصى واجب شرعي، فحمل الراية في ثلاثية رائعة مع العم يوسف الحجي ود.نادر النوري حفظهما الله ولم يخش في الله لومة لائم، واستضاف في بيته خالد مشعل رئيس الحركة الإسلامية (حماس) بحضور رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي.

ولعلي سافرت إلى دول عديدة التقيت فيها - قدرا - بشخصيات عديدة، فإذا عرفوا أني من الكويت بادروا بالسؤال عن العم عبد الله المطوع وعن صحته وإبراز محبتهم له، ودوره في مساندتهم في عدة أوقات.

وعندما التقيته في برنامج "سفراء الخير" كان متأثرا بشدة من الهجوم على العمل الخيري واتهامه بالإرهاب، وكان يدافع عنه ويطالب الأقلام والإعلام بإنصاف العمل الخيري الكويتي البريء من أي تهمة إرهابية، بقدر ما ساهم في إحياء بشر وقرى.. ودول.

وما فتئ يقابل المسئولين في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ورئاسة الوزراء لرفع التضييق عن العمل الخيري، مؤكدا عدم وجود أي دليل على وصف العمل الخيري بالإرهاب، وإقرار ذلك من كثير من المنظمات العالمية بما فيها الأمريكية والفرنسية والبريطانية والأمم المتحدة، ولكن من يسمع!
لم يكن همه نفسه يوما ما، بقدر ما كان همه العالم الإسلامي والدعوة الإسلامية والعمل الخيري.

وكان آخر لقاء لي معه في "أبها" قبل ثلاثة أسابيع مع وفد ناشئة "مركز النور" حيث اتصلت به قبيل المغرب وطلبت منه الالتقاء به في نفس الليلة، فرحب بصدر واسع، واستقبلني مع 30 ناشئا من أبناء الكويت بعد صلاة العشاء وأكرمنا بضيافته، وطلبت منه كلمة لأبنائه الناشئة، فنصحهم نصائح تربوية رائعة، حيث لم يستكثر أن يتكلم معهم لصغر سنهم، وفتح صدره لهم، فواجهوه بسيل من القبلات على جبينه، وطالبوه بصور جماعية معه، فكان ذلك اللقاء الأخير.

ويأبى أبو بدر إلا أن يتم أعماله بالصالحات، فبعد أن صلى الفجر وجلس في المسجد كعادته حتى الشروق في ذكر الله وقراءة القرآن، كان على موعد مع ضيوف من الخارج - من هولندا - في مكتبه لدعم أعمالهم الخيرية، فكان معينا لهم وأخا كبيرا لهم، وبعدما استودعهم.. كان الوداع مع الدنيا، فيا لها من خاتمة يحسده الكثير عليها.

ليس بعد فاجعة وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فاجعة، ولكنها المحبة التي انتشرت في العالم أجمع لأبي بدر كما نقلتها الفضائيات - غير الكويتية - من معظم دول العالم، ويكفيه الآلاف الذين صلوا عليه ودعوا له وشهدوا جنازته، ورأيت بعيني الدموع تتحدر من شخصيات كبار وعظام وقفوا أمام الشدائد بصلابة، ولكن أبت قلوبهم إلا أن ترف وأبت دموعهم إلا أن تتحدر حزنا على أبي بدر.

رحمك الله يا أبا بدر وجعل الجنة مثواك، ولنا في إخوانك وعيالك رجالا ونساء أمل في حمل الدعوة إلى الله عز وجل بصدق كما حملتها، ودعم العمل الخيري بقوة كما دعمته وشيدت أركانه، والعمل بحكمة وعقل كما كنت طيلة حياتك.

تأثر العم عبد الله العلي المطوع بسبب إيقاف برنامجي التلفزيوني "سفراء الخير"، وكان كلما التقيته في مكان عام يعرف الناس بالبرنامج وأهميته، مبينا حرصه على عودة البرنامج، وكان يقول "سيعود البرنامج بإذن الله"، فرحمك الله يا أبا بدر على حرصك ودعمك لإخوانك وأحبابك، وإنني أحبك في الله وسأفتقدك حقا، وليس لنا سوى الصبر والدعاء.


يرحمك الله أبا بدر.. يرحمك الله

نعم، دمعت عين العمل الخيري بفقدان العم عبد الله العلي المطوع، يرحمه الله، كان أباً وأخاً، ومعلماً، في مسيرة عطاء متصل تجاوزت نصف القرن، زاملته خلالها فترات متقطعة في مجلس إدارة جمعية الإصلاح، وفي مجلة المجتمع، ورأيت وسمعت ما لا تحيط به هذه المساحة من الكتابة.

التقى به وفد من مسلمي فيتنام طلبوا كمية من كتيبات تعليم الصلاة وسائر ما يتعلق بالدين الإسلامي من مطبوعات الجمعية، فقال لهم:

"مهما أخذتم من كمية فسوف تنفد، ما رأيكم لو استوردت لكم من ألمانيا آلة طباعة بالأوفست ـ كان ذلك في عام 1976 ـ وأخذتم نسخا من كتب كثيرة، تعيدون طباعتها، وسوف نساعد في تدريب من تختارونه لهذه المهمة؟" وهكذا كان.

هذا النوع من الأفكار العملية كان يمثل أسلوب عمله، فقد تلقى رسالة في عام 1963 من مسلمي كوريا، حدثني عنها شخص كوري، على هامش دعوة عشاء في بيت العم بوبدر يرحمه الله، قال محدثي:

"نحن دخلنا الإسلام عبر الجنود الأتراك الذين جاءوا إلى بلادنا أثناء الحرب الكورية عام 1951، وازداد عددنا ولم نجد مكاناً للصلاة، قررنا شراء أرض وبناء مســـجد، وأرسلنا رسالة إلى عــــدد من البلاد الإسلامية، جاءنا الرد من عبد الله العلي المــطوع، ومعه تذكرتا سفر من كـــوريا إلى الكويت، فحضرنا وساعدنا بماله، وعرّفنا على المتبرعين من تجار الكويت، فلما رجعنا، كان المبلغ لا يكفي للشراء في وسط المدينة، سيئول، فاشترينا خارجها، واستمر جمع المال حتى تمكنا من بناء المسجد الذي يقع على هضبة مرتفعة، أنجزناه في عام 1969، كانت سيئول قد توسعت وصار مسجدنا في وسط المدينة الجديدة، مرتفعاً يلفت انتباه كثيرين ممن دخلوا في الإسلام بعد ذلك بسبب توافر المكان والمعلومات عن الإسلام"، انتهى كلام محدثي الكوري.

مثل هذه المواقف يمكن أن تسجل في أسفار من الكتب لرجل تقدم مسيرة أهل الخير في هذا البلد، من رجال ونساء، وفي مختلف المواقع والإمكانات، فيهم الأمير حاكم البلاد، مثل الشيخ جابر يرحمه الله، والشيخ صباح يحفظه الله، وفيهم مئات من الشيب والشبان.

لقد كان سور العمل الخيري هو الأشد منعة، حفظ الله سبحانه الكويت به، فجزى الله خيرا من وضع لبنات هذا السور، ونسأله سبحانه أن يقيض لهذا السور من يعلى بنيانه عبر أجيال جديدة، يكون للرواد الأوائل، وفيهم العم بوبدر، النصيب الأوفر من الأجر والمثوبة ما دامت السماوات والأرض، آمين.
[فيصل الزامل، الأنباء الكويتية]


العم عبد الله المطوع رحمه الله أمة في رجل

رحيل العم الفاضل عبد الله العلي المطوع رحمه الله تعالى ترك فراغاً كبيراً وشاسعاً لا يعوض.

إن أعماله الكبيرة والعظيمة في خدمة الإسلام والمسلمين وتنوعها وشمولها ووصولها إلى أقصى بلاد العالم تجعلنا وتجعل محبيه لا نفتأ نكفكف دموعنا على هذه الخسارة الفادحة.

إن العم أبا بدر أمة في رجل واحد ورجل في أمة، وكنت منذ زمن بعيد أسمع عن أعماله الخيرية حيث سخر تجارته وما يملك في الإنفاق في سبيل الله ودفع زكواته وصدقاته حتى ازدحم على باب مكتبه ورأيت ذلك من النساء والرجال الفقراء والمحتاجين وكان لا يرد أحدا.

وهو معروف بين تجار الكويت حيث كان قدوتهم وكانوا إذا رأوا اسمه في قائمة المتبرعين سارعوا إلى اقتفاء أثره والمبادرة إلى التبرع. وسمعت من بعض التجار أنهم لا يستطيعون اللحاق به ومجاراته في الصدقة لكثرة صدقاته ومبادراته الخيرية. وقد علمت أنه يكفل أربعة آلاف أسرة في الكويت وبنى من ماله أكثر من أربعمائة مسجد.

وكنت ذات مرة قدمت له طلباً لمشروع خيري دعوي وكلم أحد الإخوة الذي أعطاه الطلب وقد أخرج دفتر الشيكات وطلب تحديد المبلغ فوضع بنفسه مبلغاً كبيراً، ثم سأل هل هذا المبلغ يكفي أم يزيد؟ فشكرناه على كرمه رحمه الله تعالى.

ومعرفتي بأبي بدر ليست ببعيدة وهي منذ عشر سنوات تقريباً، ولكن كلما رأيته وسلمت عليه شعرت بأني أعرفه منذ زمن بعيد وتشعر نحوه بأبوة فيسأل عني وعن أولادي ولسانه الطيب يلهج لي بالدعاء.

وكنت دائماً ألتقيه في حال سفري إلى أبها بالسعودية، وكان دائماً يبادر إلى تجميع أهل الكويت المصطافين في أبها ونخرج معه في نزهات في جبال أبها، وترى في شخصه التواضع والحكمة والحرص على الصلاة والعبادة والذكر وحرصه على أولاده وجميع الصغار على أداء الصلاة.

وأما عن دوره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد أخذ على عاتقه محاربة المنكرات والفساد والمفسدين. والمقربون والأصدقاء يعرفون دوره الكبير في هذا المضمار حيث كان يبادر فوراً بالاتصال بالمسؤولين وأعضاء مجلس الأمة للقيام بواجب النصيحة. وكنت على اتصال به في هذا المجال وكان يشجعني ويشكرني بل يتصل بنفسه علي وهذا من تواضعه رحمه الله تعالى.

وأذكر أني أرسلت له رسالة بالهاتف تنبيهاً على منكر معين، فما هي إلا ودقائق معدودة إلا وهو يتصل بنفسه وهو صاحب الأعمال والتجارة والأشغال الكثيرة، فيستفسر مني طالباً المزيد من المعلومات وإرسال التفاصيل على فاكس مكتبه ليقوم بالواجب.

وكان جزاه الله خيراً يشكرني على مقالاتي ويشيد بها وأنه كان من المتابعين لها ويحثني على بذل المزيد من الجهود في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكان رحمه الله تعالى يمتاز بالحكمة عندما يأتيه الشباب بموضوع معين يبدو عليهم الحماس وله حنكة وحكمة في إنكار المنكر ويفضل إرسال الرسائل والنصائح والتوجيهات. وكان هذا ديدنه مع ولاة الأمور والحكام والوزراء وأعضاء مجلس الأمة.

ومن الأمور التي كان يحرص عليها دعوته إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وأهمية تحكيمها وخصص لها عدة مؤتمرات وندوات متنوعة كان يشرف عليها ويدعو الشيوخ وطلاب العلم لتأكيد أهمية الشريعة وضرورة تحكيمها في جميع شؤوننا في المجتمع.

وقد ساهم رحمه الله تعالى في إنشاء العديد من الجمعيات واللجان والهيئات الخيرية في الكويت والعالم الإسلامي. وخيره امتد إلى كثير من جمعيات النفع العام التي تقدم خدمات جليلة للأسرة والمجتمع والصحة. وكذلك في مجال الفئات الخاصة بدور الرعاية الاجتماعية، حيث كان يتبرع بالمبالغ الكبيرة للمسنين وغيرهم.

وكان رحمه الله تعالى من الذين حفظوا لنا العمل الخيري، حيث كان مدافعاً بلا هوادة ضد الشبهات التي يثيرها أعداء الدين والمتربصون بالعمل الخيري حقداً وكمداً لما صار لهذه الجمعيات الخيرية من قبول في البلد وخارجها بما حققته من إنجازات كان دائماً يفتخر بها كبناء المساجد وكفالة الأيتام ومساعدة الأسر المحتاجة في الكويت. وقد سمعته بنفسي على إذاعة البي بي سي قبل وفاته بساعة ونصف وهو يتحدى وجود أي دليل على وجود شبهات تدين العمل الخيري.

فرحمك الله يا أبا بدر على هذه الأعمال المباركة وجعلك في جنات النعيم جزاء ما قدمت من أعمال صالحة أرجو أن تكون شفيعة لك يوم القيامة، وحق علينا أن نعزي العالم الإسلامي بوفاتك.

والحمد لله على ما قضي وقدر.
[أحمد عبد الرحمن الكوس، الوطن الكويتية]


فقيد الأمة

رثاء فقيد الكويت والأمة الإسلامية عبد الله علي عبد الوهاب المطوع، تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته إنه سميع الدعاء

قلمي توقف حائرا لم يستطع *** حار المداد فلن يخط قوافيا
عما يدون أو يسطر عاجز *** ماذا يقول وما تراه راويا
غاب البيان تعثرت كلماته *** فبدا عسيرا وصفه متناهيا
ماذا يقول وما تراني كاتب *** عن فاضل بلغ السها متعاليا
عن سيد قد كان طودا شامخا *** من كان للدين الحنيف محاميا
فقدت بكم بلد الكويت مناضلا *** شهما كريما أريحيا ساميا
فذ عن الإسلام كان مدافعا *** بذل الكثير ولم يكن متوانيا
والمسلمون لفقده فقدوا به *** بدرا به نور الحقيقة زاهيا
لم يخل منه محفل وتجمع *** للمسلمين ولو تباعد نائيا
فلنوره الوضاء فيه هداية *** للدين للإسلام ضوءا هاديا
يبدي النصائح مرشدا إخوانه *** فترى الجميع الكل عنه راضيا
رجل بسيماه البشاشة والهدى *** وجه يشع النور منه باديا
عثرت بي الألفاظ عني باعدت *** من بعد أن كانت تجيء طواعيا
غاب القريض فلن يعود مؤانسي *** ويقول لي لن تحتويه معانيا
رجل بليغ نادر بلغ السها *** بالمكرمات فصار فيها عاليا
لله درك من كريم مصلح *** يعطي الجزيل ولن يكون مباهيا
يسراه لا تدري عن اليمنى وما *** فعلت تراه عن النواظر خافيا
لله أيتام هناك تركتهم *** في كل صقع يصرخون بواكيا
فقدوا بفقدك من يمد لهم يدا *** بيضا لتنقذ هالكا متداعيا
كم قد اعنت وكم كسبت فضائلا *** تلقى بها الرحمن ربك راضيا
عذرا أبا بدر فاني عاجز *** عن أن أفي عما يكن فؤاديا
سيسطر التاريخ عنك مناقبا *** وضاءة قد كنت فيها داعيا
يا ضيف رب الكون ناداك الذي *** خلق الحياة فنم قريرا هانيا
وسقى ضريحك صيبا من رحمة *** تختال فيها بالجنان مباهيا

[شعر: سليمان الجار الله، جريدة القبس الكويتية]