تربية الأولاد
إن من أسباب هذه المنحة أن يقوم الوالدان -والأب هو المسؤول الأول لأنه راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته- على الأولاد بما يجب عليهم من رعاية وعناية وتربية صالحة ليخلفا من بعدهما ذرية صالحة تنفعهما وتنفع المسلمين، فإن العبد متى ما أصلح ما بينه وبين ربه أصلح الله له ما بينه وبين الخلق، ومع حسن النية والاستعانة بالله وكثرة دعائه واللجوء إليه يحصل الخير الكثير والتربية الصالحة...
لقد ضل أقوام أعلنوا بتربية أموالهم ورعايتها وصيانتها وحفظها فأشغلوا أفكارهم وأبدانهم ثم نسوا أهليهم وأولادهم، فما قيمة هذه الأموال بالنسبة للأهل والأولاد؟
أليس من الأجدر بهؤلاء أن يخصصوا شيئًا من قواهم الفكرية والجسمية لتربية أهليهم وأولادهم حتى يكونوا من الشاكرين لنعمة الله والممتثلين لأمره حيث يقول جلا وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَاأَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
لقد جعل الله لكم الولاية وحملكم مسؤولية الأهل، أمركم بأن تقوا أنفسكم وأهليكم تلك النار المرعبة، لم يأمركم أن تقوا أنفسكم فحسب بل أنفسكم وأهليكم، ومن العجب أن هؤلاء المضيعين لأمر الله في حق أولادهم وأهليهم لو أصابت نار الدنيا طرفًا من ولده لسعى بكل ما يستطيع لدفعها وقوع إلي كل طبيب للشفاء من حرقها، أما نار الآخرة فلا يحاول أن يخلص أولاده وأهله منها.
أيها الناس:
إن على كل واحد منا أن يراقب أهله وأولاده في حركاتهم وسكناتهم، في ذهابهم وإيابهم، في أصحابهم وأخلائهم، حتى يكون على بصيرة من أمرهم ويقين في اتجاهاتهم وسيرهم، فيقع ما يراه من ذلك حسنًا وينكر ما كان فاسدًا، ويكلمهم بصراحة ويأخذ منهم ويرد عليهم، ولا يغضب فيجفوهم ويعرض عنهم، فإن ذلك يزيد من البلاء والعناد.
إن الإنسان إذا لم يقم على مراقبة أهله وأولاده وتربيتهم تربية صالحة فما الذي يقوم عليها؟ هل يقوم عليها أباعد الناس ومن لا صلة له فيهم؟
أو يترك هؤلاء الأولاد والأغصان الغضة تعصف بها رياح الأفكار المضللة والاتجاهات المنحرفة والأخلاق الهدامة؟ فينشأ من هؤلاء جيل فاسد لا يراعي الله تعالى ولا في الناس حرمة ولا حقوقًا، جيل فوضوي متهور لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، متحرِّر من كل رق إلا من رق الشيطان، منطلق من كل قيد إلا من قيد الشهوة والطغيان، نعم، لابد أن تكون هذه هي النتيجة إلا أن يشاء الله.
إن بعض الناس يقول معتذرًا "أنا لا أستطيع تربية أولادي، إنهم كبروا وتمردوا علي"، فنقول له: لو سلَّمنا هذا العذر جدلًا أو حقيقة واقعة ثم فكرنا لوجدنا أنك أنت السبب في سقوط هيبتك من نفوسهم لأنك أضعت أمر الله فيهم في أول الأمر فتركتهم يتصرفون كما يشاؤون، لاتسألهم عن أحوالهم ولا تأنس بالاجتماع إليهم، لا تجتمع معهم على غداء ولاعشاء فوقعت الجفوة بينك وبين أولادك فنفروا منك ونفرت منهم فكيف تطمع بعدذلك أن ينقادوا لك أو يأخذوا بتوجيهاتك؟
ولو أنك اتقيت الله في أول أمرك وقمت بتربيتهم على الوجه الذي أمرت به لأصلح الله لك أمر الدنيا والآخرة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله العلي الكبير، بيده تصاريف الأمور وهو على كل شيء قدير، أحمده سبحانه على فضله الكثير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل ولا نظير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله البشير النذير صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن على هديه يسير.
أما بعد:
فيأيها الناس، اتقوا الله تعالى كما أمر، وكونوا من عدوكم الشيطان على حذر، كما حذركم الله تعالى في طوال السور قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف:27].
أيها الناس:
لقد كانت المدارس تأخذ وقتًا كبيرًا من أوقات الأولاد وتتحمل عبئًا ثقيلًا من تربيتهم، والآن وقد أغلقت المدارس أبوابها وأصبح عند الأولاد فراغ فكري وزمني، فعلينا أولياء الأمور أن نحاول ملء هذا الفراغ واستغلال هذه الفرصة من أوقات شبابنا بتوجيههم توجيهًا نافعًا لهم في مستقبل حملاتهم حتى لا تحمل أفكارهم أو يستغلوها بما يكون ضارًا بهم، إنه يمكن استغلال هذه الفرصة بتعليم القرآن وقراءة الكتب النافعة كل بحسب طاقته وما يتحمله عقله أو بمقررات السنة التي نجح منها أو بأعمال نافعة من بيع وشراء ومساعدة أبيه أو وليه في أعماله.
علينا أن نضاعف جهودنا في مراقبتهم وتربيتهم وأن نشعر بأن العبء ثقيل علينا، وأنبهكم إلى فعل خاطئ يفعله بعض الطلاب في كتب الدراسة حين ينتهون منها حيث يرمونها في الأسواق تداس بالأرجل والنعال، بل ربما رموها في المزابل مع الأقذار والأوساخ غير مبالين بما فيها، وقد يكون فيها آيات من القرآن الكريم أو تفسير له أو حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو شرح له أو كلام لأهل العلم يتضمن شرح أحكام الله، وكل هذا إهانة لهذه الكتب ووضع لقدرها، فعلى المؤمن الذي يرجو ثواب الله ويخاف عقابه أن يتقي ربه ويعظم ما أوجب الله عليه تعظيمه حتى يكون قائمًا بشكر الله ليزيده من فضله، عليه أن يتعاهد أولاده بالمحافظة على كتبهم فيدخرونها عندهم أو يدفعونها لمن يستفيد منها ويحذرهم من الاستهانة بها.
- التصنيف:
- المصدر: