أنت متميز ، ولكن !
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبيّ بعده, وبعد:
لكل إنسان أهداف وحاجات في حياته يسعى إلى تحقيقها, ومع فرط حرصه نجد
أنه لا يحقق إلا القليل منها, لأسباب عديدة ليس هذا مجال بسطها.. لكن
ما يعنينا هنا هو أنه يحقق نجاحات في جزء أو أجزاء على حساب أجزاء
أخرى, وأهدافه وحاجاته تدور بين (الإيمانية والتعبّدية ـــ الأسرية -
الوظيفية - العلاقات - الضرورية كالمسكن والأمن والمال.. - الصحية -
النمو المعرفي والمهاري - ... )
ولعلك - عزيزي القارئ - تسمع عن شخص يرغب بالسفر والجلوس معه لأنه
يألف ويؤلف, وناجح في جانب العلاقات, ويتنافس الكثير من المحيطين به
في دعوته لجلسة سمر، وإن طالت إلى الفجر؛ حيث لاملل ولاسأم. لكن هذا
النجاح المتمثل في التربّع في قلوب الآخرين, وكسب محبَّتهم, كان على
حساب أشياء أخرى كالأسرة مثلاً, ولذا نسمع بعضاً من مداخلات زوجات هذا
الصنف من الناس عند اتصالاتهن ما مفاده: أنه ناجح خارج البيت، فاشل
داخل الأسرة, فيه من الفظاظة والغلظة الشيء الكثير, وليس بالضرورة أن
نجاحه في العلاقات ينسحب على الأسرة, وربما أننا نجده - أيضاً -
فاشلاً وظيفياً و.. إلخ.
ومن طريف ما مرّ بي: أن شابّاً في استراحة ليلاً اتصل به أحد أصحابه،
فتناول الجوال وردّ على المكالمة بكل ذوق وأدب رفيع وبشاشة، ودعاه إلى
الاستراحة ليشاركهم عشاءهم - وهو حديث عهد برؤيته حيث رآه صباح ذلك
اليوم - وبعد إنهاء المكالمة بخمس دقائق فقط , اتصلت به زوجته فكان
الردّ قاسياً وفيه من الجفاء مافيه، وأنهى المكالمة كما ينهيها الكثير
من المتذمّرين من زوجاتهم بقوله: خلاص خلاص يكفي مع السلامة.. مع قفل
الزر ( إنهاء ) بشدّة..
أخي ما الذي حدث؟ وما الفارق - زمنيّاً - بين المكالمتين ؟ ومن أولى
الناس ببشاشتك ؟
ألم تفكّر بزوجتك وأنها تحتاج إلى خطاب جميل وذوق رفيع ؟
لماذا نجحت هنا وفشلت هناك ؟
عزيزي القارئ، هذا فضلاً عمّن ينجح في الكثير مما سبقت الإشارة إليه,
لكنه فاشل مع الله تعالى في الأمور الإيمانية والتعبّدية, ناجح
وظيفياً وصحّياً وأسرياً ومالياً وثقافياً، لكنه لا يصلي في المسجد,
ولم يفتح المصحف منذ زمن, ولا يؤدي زكاة ماله, ولا.. ولا.. فهل
نجاحاته السابقة تغنيه من الله شيئاً ؟
{ مَآ أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ
}، { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً
مَّمْدُوداً . وَبَنِينَ شُهُوداً . وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً .
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ . كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا
عَنِيداً }.
وازِنْ بين دولاب الحياة وكن ناجحاً في كل مجال, إن بحثنا عنك في
الأمور الإيمانية والعبادية وجدناك عابداً تقيّاً نقيّاً ورعاً
مخبتاً, وإن بحثنا عنك أسرياً وجدناك نِعْمَ الأب ونِعْمَ المربِّي
ونِعْمَ الراعي لرعيّته, وإن بحثنا عنكَ وظيفيّاً وجدناك متميزاً
مطوّراً متجدداً.. وهكذا.
- التصنيف: