التربية الفكرية في مرحلة الطفولة (1-2)

منذ 2013-12-16

من مسئولية الوالدين تجاه أولادهما: تربية فكرهم، ورعاية عقلهم، لينتفعوا به انتفاعًا يزيدهم إيمانًا بالله تعالى وحبًا له، واعتزازًا بدينهم، ودفاعًا عنه ضد التيارات الفكرية المنحرفة سواء الداخلية والخارجية.


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد:
فمن مسئولية الوالدين تجاه أولادهما: تربية فكرهم، ورعاية عقلهم، لينتفعوا به انتفاعًا يزيدهم إيمانًا بالله تعالى وحبًا له، واعتزازًا بدينهم، ودفاعًا عنه ضد التيارات الفكرية المنحرفة سواء الداخلية والخارجية.

- ومَن نظر في الواقع نظرة فاحصة مِن جميع نواحيه، واطَّلع على مخططات الأعداء، وما يُحيكونه مِن مؤامرات على نشء وشباب المسلمين أيقن بأهمية هذه المسئولية، فما زالت مؤامرة (تجفيف المنابع) تسير على قدم وساق، وسياسة فصل الدين عن الحياة: تعليمِها.. اقتصادِها.. سياستِها.. اجتماعياتِها.. إلى آخر ذلك.. سمة بارزة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

- وإن أنسَ فلا أنسى مقولة وزير سابق من العهد البائد -عامله الله بعدله- في أحد اجتماعات الروتاري: "دعوا هذه الأجيال تمضي، وانتظروا الأجيال القادمة"!

- وقد مكث هذا الوزير قرابة العشرين سنة يُخرِّب عقول ناشئة المسلمين مِن خلال المناهج الدراسية بما يخدم مخططات الغرب، وكان معلومًا وقتئذ للجميع أنه يحمل أجندة أمريكية قام على تنفيذها، بل جعل في لجنة تطوير التعليم بعض الخبراء الأمريكيين، ولك أخي القارئ أن تترك العنان لخيال ظنك لتنظر أين يصل بك إذا كان الذئب راعيًا للغنم!

- في ميزان سيئات هذا الطابور الخامس -إن شاء الله- ما وُجد مِن خراب عقلي سواء في العقيدة أو العبادة أو المعاملة أو الأخلاق عند هذه الأجيال إلا مَن رحم الله تعالى.

- لقد تنكَّر هؤلاء المخربون لدينهم، ولأصول التربية الموافِقة لأهل السنة والجماعة، الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، وأحسنوا الظن بالتربية الحديثة التي تقوم على أسس علمانية أو إلحادية.. هذه التربية التي بات أهلها يئنون مِن ويلاتها في مجتمعاتهم، فكثرة كاثرة مِن المجرمين، والشاذين، والمرضى النفسيين، والمصابين بالإيدز، ومروِّجي المخدرات والمدمنين.. إلى آخره! فهل يريد هؤلاء المخربون لبلادنا وشبابنا أن يكونوا كذلك؟! والجواب: نعم. كل الدلائل سواء كانت مناهج دراسية أو بعثات أو تكريم للمتفوقين تشير إلى ذلك وتؤكده.

أيها الأبوان الكريمان:
ينبغي أن يكون خوفكما على أولادكما بعد بيان هذه المخاطر كخوفكما على أبدانهم، بل أشد، لأنه خوف على الدين الذي به سعادة الدنيا وفلاح الآخرة، وأن الخسارة فيه خسران الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:15]، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97].

أيها الأبوان الكريمان:
إن التربية لن تكون صالحة مصلحة إلا في إطار غايتها العظمى، وهي عبادة الله وحده لا شريك له.

ولكي تكون التربية الفكرية صالحة مصلحة، فنضع الإرشادات التالية التي نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل بها، وغرسها في أولادنا.

- إن أفضل مواهب الله لعبده العقل، ولقد أحسن مِن قال:

 

وأفـضـل قسـم اللهِ لـلمـــــرءِ عقلُهُ *** فليس مِن الخيرات شـيء يقاربه

إذا أكـمـل الرحمنُ للمـــــرءِ عقـلَه *** فقد كمــــــــــــلت أخلاقه ومآربه

يعيش الفتى في الناس بالعقـل إنه *** على العقل يجري علمُه وتجاربُه

يزيد الفتى في الناس جودةُ عقـلِه *** وإن كان محظورًا عليه مكاسبُه


قيل لابن المبارك: ما خير ما أُعطي الرجل؟ قال: "غريزةُ عقلٍ". قيل: فإن لم يكن؟ قال: "أدبٌ حسن". قيل: فإن لم يكن؟ قال: "أخ صالح يستشيره". قيل: فإن لم يكن؟ قال: "صمت طويل". قيل: فإن لم يكن؟ قال: "موت عاجل".

وقيل لعطاء: ما أفضل ما أُعطي العبد؟ قال: "العقل عن الله".

قال أبو حاتم البُستي -رحمه الله-: "فالواجب على العاقل أن يكون بما أحيا عقله مِن الحكمة أكلَفَ منه بما أحياه جسده مِن القوت، لأن قوت الأجساد المطاعم، وقوت العقل الحِكَم، فكما أن الأجساد تموت عند فقد الطعام والشراب، فكذلك العقول إذا فقدت قُوتها مِن الحكمة ماتت".

قال الشاعر الباهر:

 

يزينُ الفتى في الناس صحةُ عقله *** وإن كان محظورًا عليه مكاسبُه

يَشينُ الفتى في الناس خـفة عقله *** وإن كـرمت أعراقـُه ومناســــبُه


- وقيل لرجل مِن العرب عُمِّر دهرًا: أخبرني بأحسن ما رأيته؟ قال: "عقلٌ طُلِبَ به مروءة مع تقوى الله وطلب الآخرة" (انظر روضة العقلاء ص18 وما بعدها).

- هذا غيض مِن فيض في فضل العقل، وسعي العبد للحكمة التي هي العلم النافع والغذاء الصالح له.

- والعقل اسم يقع على المعرفة بسلوك الصواب، والعلم باجتناب الخطأ.

- ولا يولد أحد عالمًا، وإنما العلم بالتعلم، وعلى الوالدين تقع هذه المسئولية.

خصائص الملكات العقلية في هذه المرحلة:

ينطلق الوالدان مِن هذه الخصائص قيامًا بمسئولية التربية الفكرية بُغية الوصول إلى التكامل التربوي السليم في شخصية طفلهما.

1- الذكاء:

وهو سرعة الفهم، والذكي هو مَن وُهب القدرة على الفهم السريع، وهو محض فضل مِن الله -تعالى-، ولحِكَمٍ عظيمة فاوت الله عز وجل فيه بيْن عباده كغيره مِن العطايا، قال الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف:32].

قال العلامة الجزائري -حفظه الله-: "فيها بيان الحكمة في الغنى والفقر، والصحة والمرض، والذكاء والغباء" (اهـ مِن التفسير 4/638).

- وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه بقَدَر، فقال: «كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزُ وَالْكَيْسُ» (رواه مسلم).

قال القاضي عياض -رحمه الله-: "الكيس ضد العجز، وهو النشاط والحذق بالأمور، ومعناه: أن العاجز قد قـُدِّر عجزُه، والكيِّس قد قـُدِّر كيسُه" (اهـ مِن شرح النووي 16/205).

ودلتنا السنة أيضًا على أن الوالد يرث مِن والديه، لذا حثتنا السنة على حسن اختيار الزوجة، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ» (رواه ابن ماجه والحاكم، وصححه الألباني).

وقال صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ» (متفق عليه).

يقول علماء التربية:
يتميز الذكاء في مرحلة الطفولة المبكرة بنمو سريع، ولهذا كان الاهتمام بالولد في هذه السنوات الأولى مُهمًا، لتنمية ذكائه وبنائه. فعلى الأب أن يتعرف على ذكاء ولده، وسبل تنميته، ويُمكنه أن يعرف ذلك بأمور.. منها:

- طلبه لمعالي الأمور، كأن يقول: أنا الأول، أو يقول لرفاق اللعب: مَن معي؟ فهذا ذكاء وتميز وظهور مبكر لقيادته وتقدمه.

- وكذا كثرة حركته، وزهده في السكون، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن هناك علاقة بين الحركة والعقل، ولذلك ينبغي ألا نحد مِن حركته، وألا نمنعه من اللعب، بل نوفر له البيئة المناسبة لاستغلال طاقته وإخراجها.

- وكذا أسئلته المستمرة، وحب الاستطلاع، وهنا ينبغي الإنصات له، وتشجيعه والإجابة عن أسئلته بصدق ووضوح، وبما يتناسب مع عقله، والحذر من صدِّه أو تعنيفه لعدم كبته وقتل هذه الملكات.

بل وإذا بلغ سنًا يُمكنه فيه القراءة شجعناه عليها، واستثرنا معلوماته بالأسئلة، واستمعنا له باهتمام، فهذا يدفعه إلى مزيد، ويُربيه على الشجاعة والجرأة، وفصاحة اللسان والبيان.

- وفي مرحلة الطفولة المبكرة نحكي له قصصًا مناسبة بعيدة عن الأساطير، وبلغة سهلة فصيحة تزيد مِن ثروته اللغوية، ونطالبه بإعادتها.

- وينبغي أن نراعي المكافأة إذا أحسن، وأن نساعده على الإحسان إذا أساء.

- نستثير ذهنه بالأسئلة المتنوعة، فإن أصاب شجعناه بالكلمات الطيبة والجوائز المحبوبة لنفسه.

- نعوِّده ألا يسأل إلا بعد أن يفكر في الجواب، فإن عجز قربنا له الجواب عن طريق الحوار المتدرج مِن الأسهل إلى الأصعب، وهكذا حتى يصل إلى الجواب الصحيح.

- يُعوَّد أن يسأل سؤالاً صحيحًا، فإن سأل عن الله تعالى بـ: "من خلق الله؟"، قلنا له: ماذا قال الله عن نفسه في سورة الإخلاص؟ إذن، فهو لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.

ثم نقول له: ينبغي أن يكون السؤال عن الله تعالى عن آياته وآلائه، ونرشد إلى التأمل والتدبر في خلق الله تعالى في السماء وما فيها، والأرض وما عليها، ليكون له تبصرة وذكرى، وشوقًا إلى الله، وحبًا له.

- توفير ألعاب مناسبة حلال له في البيت يلعب بها مِن آنٍ لآخر خاصة ألعاب الذكاء التي تنمي مهارات التفكير.

- نشركه في مرحلة الطفولة المتأخرة في حل القضايا والمشكلات البسيطة، وإحضاره مجالس العلم ومجالس الكبار لتتسع مداركه، وحذار مِن الاستهانة به أو ملكاته، فللصبي حدة ذهن قد لا تكون للكبير، دلَّ على ذلك حديث ابن عمر -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟». فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ -أي: لوجود كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر- ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» (متفق عليه). وفي رواية لمسلم: قال عبد الله: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ. قَالَ: "لأَنْ تَكُونَ قُلْتَ: هِيَ النَّخْلَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا". وهذا تشجيع مِن عمر لابنه أن يتحدث في مجالس الكبار ما دام سيتحدث بعلم عجزوا عنه.

وفيه أيضًا: أن العلم مفتوح ومواهب يفتح الله به على مَن يشاء مِن عباده، وإن كان صغير السن كابن عباس أيضًا الذي كان يحضره عمر -رضي الله عنه- مجالس الكبار لعلمه، ويقول له: "قل ولا تحقر نفسك"!

وكان ابن شهاب الزهري -رحمه الله- يشجع الأطفال، ويقول: "لا تحتقروا أنفسكم لحداثة سنكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقولهم".

وكان الحسن يقول: "قدموا إلينا أحداثكم، فإنهم أفرغ قلوبًا، وأحفظ لما سمعوا".

- وننبه هنا على أن التربية كلٌّ متكامل، بعضها مرتبط ببعض، فالتربية الفكرية مرتبطة جدًا بالتربية النفسية، فالجو الذي يشيع فيه الحب والرفق والتشجيع يُخرج ملكات الطفل ومواهبه وينميها، فيحاول الأبوان الكريمان أن يجعلا ابنهما بهذه المثابة، والحذر ثم الحذر مِن الضدِّ.

2- الحفظ والتذكر:
- يمتاز الطفل في هذه المرحلة بقدرة فائقة على الحفظ والتذكر، لصفاء ذهنه، وسرعة نمو ذكائه، وعلى الأبوين ألا يهملا هذه الفترة، ولا يقولا: صغير.. أو يتركانه حتى يذهب إلى المدرسة أو الروضة، بل ينبغي بذل الجهد لاغتنام هذه الفترة، واستغلالها استغلالاً حسنًا يعود على الطفل بما ينفعه، بتسطير ما ينفعه في صفحته البيضاء.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "مَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم مِن قبل الآباء أو إهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم" (تحفة المودود: ص161).

- وخير ما يُنقش في قلبه الطاهر كلامُ الله تعالى، وتقدم الكلام عليه في مقال: (التربية الإيمانية).

- وينبغي التركيز وعدم الإهمال، ويبدأ معه بالقليل مع التحفيز.

- ويجنبه أسباب الإلهاء ومعاصي الله تعالى، وكذا التوتر والانفعال.

- ويحفظه بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم القصار، والتي تتناسب مع فئته العمرية، وإن وجد مِن ابنه إقبالاً وحدة ذكاء أكثر معه.

- ويحفظه أيضًا بعض الطيب مِن أشعار المؤمنين الصالحين.

- ويحفظه أيضًا بعض الأمثال الصحيحة فهي حكمة الشعوب.

- ويحفظه أيضًا بعض الأقوال الحكيمة التي وردت عن السلف الصالح -رضي الله عنهم-، ليرتبط بهم.

والقصة لها أهمية كبيرة في التربية الفكرية والنفسية، فهي تثير خياله، وتشد انتباهه، وتنمي لغته، وتدخل عليه السرور والبهجة، وتعلمه الآداب والأخلاق، وتربطه بالقرآن، وتُشغفه إلى الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، والصالحين مِن: الصحابة، والتابعين، والعلماء، وغيرهم..

ولذلك لا بد أن يُراعى في القصة ما يلي:

- أن تكون مِن القرآن والسنة.

- أن تُحكى له بصورة مجملة، وبأسلوب سهل فصيح يتناسب ولغة الطفل، وما أُبهم عليه فسرناه، وبذلك تزداد لغته الفصيحة.

- أن تُحكى بأسلوب شيق كأنه يراها (دراما القصة) وهي: إظهار الانفعالات في الوجه والصوت، فإن كان الفعل أو القول قبيحًا قبحناه، وإن كان حسنًا حسَّنَّاه.

- إظهار فوائد القصة، وحثه على العمل بما فيها.

- تجنب ما لا يفهمه الطفل مِن القصة، ويُرجأ إلى مرحلة عمرية متقدمة.

- أن نحكي له قصة مِن السيرة أو قصة صحابي أو تابعي.

- وإن كانت القصة مِن غير ذلك، فينبغي أن يُراعى فيها الواقعية وعدم الكذب، وألا تكون خيالية أو مرعبة، وتهدف إلى قيم خلقية أو أدبية أو علمية، وأن يكون فيها جانب الفكاهة التي تدخل على نفس الطفل البهجة والسرور، وألا تكون مترجمة تحكي مجتمعات كافرة.

- وهذا يستلزم مِن الأب اطلاعًا وإعدادًا، ولن يكون هذا صعبًا على مَن استشعر المسئولية التي كلفه الله بها.

- ويعلمه ويحفظه ما ينفعه في أمر دينه ودنياه.

- وأن يغرس في نفسه عقيدة الولاء والبراء التي يسعى الأعداء لهدمها في نفوس الناشئة، كما كان السلف يفعلون، فعن إسماعيل بن جعفر قال: كان علي بن الحسين يعلِّمُ ولده يقول: "آمنت بالله، وكفرت بالطاغوت".

وعن عمرو بن شعيب قال: "كان الغلام إذا أفصح من بني عبد المطلب علَّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية سبع مرات: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء:111]".

- وأن يعلمه أركان الإسلام والإيمان والإحسان، ومِن خير ما يُستفاد منه هنا كتاب (البنيان والأساس) للمربي الفاضل الشيخ (مصطفى دياب -حفظه الله-).

- ويراعي في تعليم الوضوء والصلاة اقتران الجانب العملي بالجانب النظري.

- ويعلمه الكتابة التي هي نعمة مِن الله عظيمة، كما قال الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5].

قال القرطبي -رحمه الله-: "يعني الخط والكتابة، أي: علم الإنسان الخط بالقلم". قال قتادة -رحمه الله-: "القلم نعمة مِن الله تعالى عظيمة، لولا ذلك لم يقم الدين، ولم يصلح عيش"، فدل على كمال كرمه سبحانه وتعالى بأن علَّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم مِن ظلمة الجهل إلى نور العمل، ونبَّه على فضل علم الكتابة، لما فيه مِن المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو. وما دُونت العلوم، ولا قُيِّدت الحِكم، ولا ضُبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا" (اهـ مِن التفسير 90/20).

- فيُدَرِّبُهُ الأبوان على إمساك القلم مِن الثانية إلى الرابعة حيث يمكنه ذلك، وتوفر له بعض الأوراق الكبيرة البيضاء أو الملونة مع استخدام الأقلام الملونة الجذابة.

- ولا ننسى التشجيع والتقبل لما يكتبه، والحذر مِن عيبه، وحبذا في جميع أمور الطفل أن نرشده إلى الصواب، وكيفية الوصول إليه بدلاً مِن عيبه الذي يُحبطه ويثبطه، وقد لا يتمكن مِن الكتابة أو المهارة -فيما بعد- إلا بصعوبة.

- ويعوَّد الولد على استخدام اليمين في طعامه وشرابه وكتابته، وإن كان يكتب بيساره عُوِّد على الكتابة باليمين بالرفق، وقد أمكن ذلك بالتدريب والممارسة.. إلا إن صعُب عليه ذلك فلا بأس، لأن النهي ورد في الطعام والشراب -والله أعلم-.

وهذا الذي ذكرناه في هذه المسألة هو الصحيح -إن شاء الله- جاء في كتاب "مشكلات الطفولة" ص48 ما يلي: "أما حالة الكتابة باليد اليسرى ومحاولة تصحيحها. فمن الصعب التسليم برأي قاطع فيها، ولهذا يجب أن نعالجها في حذر، ذلك أن هناك تيارين متعارضين في هذا الصدد، فالدراسات الإحصائية تثبت أن الأغلبية الساحقة مِن الأطفال الذين أجبروا على تغيير استعمال أيديهم التي يكتبون بها بالأيدي الأخرى لم تظهر عليهم آثار هذه الأمراض (أي: أمراض النطق).. " اهـ.

- ويُفضَّل أن يكتب أول ما يكتب: (اسم الله تعالى) وكلمة: (لا إله إلا الله) لما لها مِن أثر عظيم في نفس الطفل.

وللحديث بقية إن شاء الله..


عصام حسنين