لسنا مغفلين لدرجة تكفي للاحتفال بـ'إنجاز حزب الله'
منذ 2006-11-06
وحدهم الإسلاميون كان لهم قصب السبق في فهم كثير من 'المتشابهات' من مواقف الشيعة في إيران والعراق وسوريا ولبنان. نعم هناك من استهوتهم شعارات الثورة الإيرانية البراقة فزلت أقدامهم في تأييدها ؛ لكن معظم الإسلاميين آبوا إلى فهم قويم وأووا إلى ركن شديد من العقيدة الإسلامية الحنيفة.
ولعل بعض الكتاب الإسلاميين يتفردون الآن بالتغريد خارج سرب الاحتفالية الصاخبة بما يعتبره الكثيرون في العالم العربي إنجازا هاما حققه الحزب الشيعي اللبناني الذي ينسب نفسه للذات العلية بعقد صفقة تبادل أسرى مع الكيان الصهيوني يكاد يكون الحزب ـ أو هكذا بدا ـ قد خرج منها بكل شيء مقابل لا شيء قدمه للصهاينة.
إنجاز الحزب المتوهم الذي تتردد أصداؤه الاحتفالية في كل عواصم دول 'الطوق' العربية علاوة على طهران قبلة الشيعة السياسية في العالم يخفي خلفه العديد من التساؤلات والاستفسارات التي لا تجد حظها من الإجابات المنطقية لدى الهائمين في 'حضرة حزب الله الشريفة' !! وبوسعنا أن نلقي بعضها في بركة الأفكار العتيقة الراكدة التي تؤمن بتفسير مجمل الأمور بظواهرها في ظل عالم لا تؤمن معظم سياساته سوى بمخبوءات 'ضمائر الاستراتيجية'. ومن بين أبرز تلكم التساؤلات والاستفسارات المنطقية ـ بنظرنا ـ :
· ماهية المردود الاستراتيجي العائد على الكيان الصهيوني من 'تنازلات حزب الله' الذي يحدو بها إلى التوقيع على صفقة تمنح الحزب الشيعي شعبية هائلة ولزعيمه رمزية كبيرة بين عرب تضن عليهم مجتمعاتهم بالرموز المرموقة المبرزة؟
· سر الوساطة الألمانية لعقد تلك الصفقة أو بتعبير آخر : لماذا الوساطة الألمانية بالذات؟
· لماذا لم يمارس الكيان الصهيوني أي ضغوط عسكرية على الحزب تحمله على الإذعان لمطالب الصهاينة على الأقل لـ'تهذيب' المطالب الشيعية الباهظة مثلما هو الحال مع الفصائل الفلسطينية المسلمة التي يدق الكيان الصهيوني أعناقها لتستسلم لمطالبه؟
· هل يحمل التقارب العقدي بين الشيعة واليهود فيما يخص الأئمة ودجال آخر الزمان وعداء السنة على التلاقي من وراء الستائر لسحق السنة؟
· هل خضعت الصفقة اليهودية/الشيعية لنوع من المبالغة بغية إفادة طرف وحيد منها في الداخل العربي؟
· لماذا قبلت الولايات المتحدة من وراء الكيان التفاوض مع ما يسمى بحزب الله الذي تضعه الدولة العظمى على قائمة الجماعات 'الإرهابية' في العالم , ولم تقبل بمفاوضة طالبان ـ مثلا ـ قبل الحرب وهي لم تكن موضوعة على قوائم الإرهاب الأمريكية؟
والقائمة طويلة من الاستفسارات التي تعن لأي متابع للشأن الشيعي في لبنان ولا تجد في الغالب ريا لظامئ . وبعض تلك الأسئلة يمكن تفسير إجابته في ضوء :
· تاريخ طويل للشيعة لم يقفوا فيه حجر عثرة أمام تقدم الغزاة باتجاه ديار المسلمين ؛ لا بل مثلوا في كثير من الأحيان طابورا خامسا لهذا الغازي أو ذاك .. ونستطيع استشراف المستقبل وقراءة الحاضر إذا ما أفدنا من معرفة كيفية تعامل دولة العبيديين الفاطمية [الشيعية] مع الصليبيين الذين غزوا بيت المقدس فلم يجدوا أمامهم إلا حامية فاطمية نخرة لا تتجاوز 12 ألفا [للمفارقة هو نفس تعداد ما يسمى بالمقاومة الإسلامية الذراع العسكري لحزب الله] في وقت كانت الدولة العبيدية تمتد من الشام حتى أقصى المغرب. وإذا أفدنا من دور نصير الله الطوسي وابن العلقمي في تشجيع التتار على غزو ديار الإسلام.
· تاريخ طويل للشيعة التقت فيه مصالحهم مع اليهود من لدن الإمبراطور الفارسي قورش الثاني الذي أسقط الدولة البابلية الكلدانية 539 ق.م. بمساعدة يهودية، وسمح بعودة اليهود إلى فلسطين كما سمح لهم بإعادة بناء الهيكل في القدس وحتى اليوم الذي يصرح فيه وزير الخارجية الصهيوني السابق ديفيد ليفي لصحيفة هآرتس اليهودية 1/6/1997 قائلا : 'إن إسرائيل لم تقل في يوم من الأيام أن إيران هي العدو'.
فحين غزا الكيان الصهيوني جنوب لبنان لم يتصد له إلا المقاتلون السنة الذين أوقعوا في قوات الكيان أكثر من 500 إصابة قاتلة , فيما دخلت القوات الصهيونية من النبطية ومناطق الشيعة والدروز بمنتهى السهولة وفي ذلك يؤكد حيدر الدايخ أحد زعماء حركة أمل الشيعية [التي انخرط معظم مقاتليها فيما بعد في 'حزب الله' بعد أن أبدلت إيران هذا بذاك] لمجلة الأسبوع العربي 24/10/1983م [أننا] 'كنا نحمل السلام في وجه إسرائيل ولكن إسرائيل فتحت ذراعيها لنا وأحبت مساعدتنا . لقد ساعدتنا إسرائيل على اقتلاع الإرهاب الفلسطيني [الوهابي ] من الجنوب'. وبالفعل فقد تضافرت جهود اليهود والشيعة والنصارى في اقتلاع 'الوهابية' من الجنوب فأخمدت صوت المقاومة المسلمة في الجنوب اللبناني بعد مجزرة صابرا وشاتيلا التي حصدت وحدها نحو ثلاثة آلاف روح مسلمة زكية , والتي نفذها شيعة حركة أمل واللواء السادس للجيش اللبناني الذي انفصل بأغلبيته الشيعية عن الجيش ليلتحق بحركة أمل التي ساندتها القوات المارونية والصهيونية في تنفيذ تلك المجزرة الرعيبة.
[ليكن معلوما لكل مسلم أن من قتلتهم تلك الحركة من المسلمين أضعاف من قتلتهم عمليات حزب الله المحدودة في الجنوب اللبناني].
وعندما خرجت قوات الكيان الصهيوني , فإنها تكون قد أنجزت مهمة كانت ضربت لها مدة 48 ساعة فقط [طالت كثيرا] , وهي تصفية الوجود الفلسطيني في جنوب لبنان بعد أن استتب الأمر لـ 'حزب الله' , وتحقق حلم رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق وأحد حكماء الساسة اليهود بن جوريون بأن تكون 'إسرائيل' محمية بحزام من الأقليات والطوائف غير السنية.
دخلت القوات الصهيونية لبنان وخرجت بعد أن غنمت أسلحة فلسطينية تقدر بنحو 100 مليون دولار ابتاعتها إيران 'العدوة' منها مقابل نفط إيراني في إطار صفقة أماطت مجلة أكتوبر القاهرية عنها في أغسطس 1982م [ربما وصل بعضها مجددا إلى الجنوب في أيدي فصيل حزب الله الذي أقامه الخوميني ـ بعد مؤتمر 'المستضعفين في الأرض' أوائل الثمانينات ـ كبديل لحركة أمل وحظي بدعم عسكري هائل قدر بنحو 250 مليون دولار عبر الجسر السوري الذي نقل للحزب كل شيء بعيدا عن أعين الاستخبارات الأمريكية والصهيونية لأكثر من عشرين عاما!!]
· عقيدة تجمع بين الشيعة واليهود في : الإثني عشر سبطا والإثني عشر إماما , وفي الأصل 'السبئي' للشيعة , وفي اعتقاد الدجال اليهودي الأعور الذي يخرج من أصبهان بإيران وبين مهدي الشيعة الذي تتطابق فيه ذات الأوصاف , وفي اعتقادهم بضرورة تصفية الوجود السني.
· مردود استراتيجي منعدم وغير معهود على اليهود الذين يجيدون دائما فن التفاوض ؛ فإذا حنكتهم 'تخونهم' في تلك الصفقة التي فشل شارون ورفاقه في تسويقها [أيضا 'خانتهم' حنكتهم في تسويقها] , وإذا بشارون بعدها بأيام يخضع لاقتراع بحجب الثقة عن حكومته يفلت منه بأعجوبة !!
· وساطة مريبة للألمان الذين نلمس لهم دورا بروتستانتي مريب يتناغم مع خروج كل من مارتن لوثر وكارل ماركس من بين أظهر الألمان , وهما وجهان لعملة يهودية واحدة يمتطي رجالها ظهور المسيحية وصولا إلى مأرب اليهود الذي لا نراه هنا سوى تحقيق نصر بلا حرب للزعيم 'الكاريزمي' حسن نصر الله بالتواطؤ مع 'حزب الله' الذي يتزعمه.
· إحجام من قبل الكيان الصهيوني عن تصفية ميليشيا عسكرية تكاد تستقل بالجنوب اللبناني وضرب الحبل السري الذي يربطها بطهران بما يؤكد الظنون بأن حزب الله لا يلعب خارج الحلبة المتفق عليها , وهي الحلبة التي يلعب خارجها الإسلاميون في حماس والجهاد اللذان تعتبرهم 'إسرائيل' الخطر الحقيقي الذي تخشاه , ولذا فقد تعاملت مع عملية اختطاف جندي صهيوني من قبل حماس قبل حوالي عشر سنوات بمنتهى القسوة فقتلت الخاطفين والمخطوف على حد سواء.
· مبالغة إعلامية كبيرة لفحوى الصفقة الصهيونية/الشيعية جعل من محررين بالأساس وأسرى بقى للإفراج عنهم عدة شهور أرقاما كبيرة ألبست نصر الله حلة 'سبارتاكيوس العرب'!!
· تجاهل صهيوأمريكي لمسألة 'إرهابية حزب الله' التي يطنطنون بها ليل نهار , واستعداد وافر لدى الصهاينة للتعامل مع الحزب 'الإرهابي' متى كان ذلك ممكنا , بل لا يتعدى الغضب الصهيوني من وجود قناة المنار الفضائية والأرضية على بعد بضعة كيلومترات مما يسمى 'حدود إسرائيل الشمالية' حاجز الاحتجاجات الشفهية من السفير الأمريكي في بيروت في وقت يمنع فيه أي تيار إسلامي من مجرد التفكير في إنشاء قناة فضائية إسلامية لها هامش كبير من الحرية مثلما تتمتع به المنار.
· تناغم شيعي لبناني ذكي مع رغبة سدنة قم وكربلاء في إظهار وجه 'مشرق' يعلوه بهاء 'التقية' للشيعة بعدما لطخته العمالة الظاهرة لجيش 'الشيطان الأكبر' في العراق , ما استدعى ضرورة الظهور بمظهر النضال إن لم يكن في العراق ففي لبنان التي يمكن لبريق الخطاب الثوري لنصر الله أن يذهب بأبصار البسطاء والمثقفين في كثير من الأحيان لا سيما وأن شعار استرداد القدس يدغدغ مشاعر كل المسلمين الذين يمكن لبعضهم أن ينسى أن كربلاء 'أسيرة الأمريكان' أقدس ألف مرة عند القوم من ألف قدس!!
وإذا كانت الأمور تؤخذ بنتائجها , فيمكننا أن نقول في الأخير إن جنوب لبنان كان يشهد مقاومة عنيفة للاحتلال الصهيوني أسفرت عن مقتل أكثر من 500 صهيوني قبل إنشاء 'حزب الله' وأن حركة أمل الشيعية بتسهيلها للزحف الصهيوني من مناطق نفوذها وتنفيذها لمجزرة صابرا وشاتيلا ذات الثلاثة آلاف ضحية تكون قد أسدت خدمة جليلة للكيان الصهيوني أكمله 'حزب الله' فيما بعد بإفراغ الجنوب من الصوت السني وإقامة جدار عازل بين السنة الذين يتحسب لهم بن جوريون مؤسس ما يسمى بدولة إسرائيل وبين الكيان الصهيوني , يتماهى مع استراتيجية الجدار الرافضي التي تمتد من شيعة أفغانستان فباكستان فإيران فجنوب العراق فنصيرية تركيا وسوريا فجنوب لبنان ويطرق باب تجزئة لبنان لإقامة دولة شيعية في الجنوب. ويمكننا أن نقول إن الخط السري بين طهران و'حزب الله' مرورا بسوريا الذي يصل 'حزب الله' بـ'نائب الإمام المعصوم' عسكريا لابد وأنه أضحى معلوما لدى الموساد بالضرورة غير أن الكيان الصهيوني لا يرى داعيا في قصفه واستهدافه [تشير كل الدلائل تقريبا إلى أن الكيان الصهيوني لم يكن له يوما مطمع في الجنوب اللبناني وإنما كان يعنيه بالأساس 'الأمن في الجليل' وفقا للأدبيات الصهيونية] , ولا غرو فقبل عشرين عاما تقريبا تبين أن 'الشيطان الأكبر' ظل يمد طهران بأسلحة متطورة فيما عرف إبان حكم ريجان بفضيحة 'إيران جيت' , ومع كل هذا فـ'حزب الله' نفذ بالفعل عمليات جريئة ضد الصهاينة في لبنان لكن في سبيل 'الحزب' لا في سبيل 'الله'!!
المصدر: مركز الإعلام الإسلامي العالمي
- التصنيف: