السفياني أسطورة لا أصل لها
السفياني بحسب عدد من الأحاديث الضعيفة والموضوعة رجل من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان، ضخم الهامة، بوجهه آثار جدري، وبعينيه نكتة بياض، ويكون في آخر الزمان، يخرج من ناحية دمشق في وادٍ يقال له اليابس، وقت ظهور المهدي، يرسل إليه المهدي جيشاً فيهزمه السفياني، ثم يسير إليه السفياني في ثمانين ألفاً من قومه، وعامتهم من قبيلة تُسمَّى "كلب"، يقصدون الكعبة ليخربوها، حتى إذا كان ببيداء من الأرض خسف به وبمن معه، فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم.
السفياني بحسب عدد من الأحاديث الضعيفة والموضوعة رجل من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان، ضخم الهامة، بوجهه آثار جدري، وبعينيه نكتة بياض، ويكون في آخر الزمان، يخرج من ناحية دمشق في وادٍ يقال له اليابس، وقت ظهور المهدي، يرسل إليه المهدي جيشاً فيهزمه السفياني، ثم يسير إليه السفياني في ثمانين ألفاً من قومه، وعامتهم من قبيلة تُسمَّى "كلب"، يقصدون الكعبة ليخربوها، حتى إذا كان ببيداء من الأرض خسف به وبمن معه، فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم.
وحقيقة الأمر أنه لم يصح في ذكر السفياني حديث مرفوع أو موقوف، فعامة ما ذكر في هذا الشأن -رغم كثرته- أحاديث إما ضعيفة وإما موضوعة، ومن أشهر من تكلم في هذا الموضوع وتوسع في ذكر السفياني وخبره الحافظ "نعيم بن حماد الخزاعي" في كتابه الموسوم بـ"الفتن"، فقد أورد فيه 120 خبراً في أثنى عشر باباً، ذكر فيها اسمه، ونسبه، وصفته، وبدء خروجه، وغير ذلك.
و"هذه الأخبار كلها آثار إلا سبعة أحاديث، وهذه الأحاديث السبعة لا يوجد بها إلا حديثان صُرِّح فيهما باسم السفياني، والحديثان شديدا الضعف... وهما برقم: [795]، ورقم: [842]" (تحذير الداعية من القصص الواهية - علي بن إبراهيم حشيش: ص: [327] - دار العقيدة - ط1 - 1427هـ، 2006م).
إضافة إلى ذلك فإن العلماء لم يجوزوا الاحتجاج بمرويات نعيم بن حماد، وتكلَّموا في كتابه "الفتن"، وقد قال عنه وعن كتابه الإمامُ الذهبي في السير: "قلت: لا يجوز لأحد أن يحتج به، وقد صنف كتاب (الفتن)، فأتى فيه بعجائب ومناكير" (سير أعلام النبلاء للذهبي: [10/609]).
كذلك فإن أخبار السفياني لم ترد في الصحيحين "صحيح البخاري، وصحيح مسلم" ولم ترد في كتب السنة المشهورة كمسند أحمد والسنن الأربع والموطأ.
وعن أصل فرية السفياني يقول الدكتور على السالوس في كتابه "مع الاثنى عشرية في الأصول والفروع": "وكثير من فرق الشيعة قالت بعودة بعض الأئمة قبل يوم القيامة، ومنهم من وقف عند إمام معين، وقال بأنه لم يمت وإنما أظهر موته تقية، إلى غير ذلك مما تذكره كتب التاريخ، وكان من صدى هذا أن بعض الأمويين قالوا بعودة رجل منهم أسموه السفيانى، فزاد بعض الجعفرية خرافة أخرى وهي أن المهدي عندما يرجع سيقابل جيش السفيانى ويهزمه!" (مع الاثني عشرية في الأصول والفروع - للدكتور علي السالوس: [2/513] - دار الفضيلة بالرياض، ودار الثقافة بقطر، ودار القرآن بمصر - ط7 - 1424هـ، 2003م).
وقد استثمر البعض -في العصر الحديث- كثرة الأحاديث الضعيفة والموضوعة الواردة في شأن السفياني، وأخذوا في تأويلها وإسقاطها على الواقع -رغم كذبها- وزاد آخرون فأتوا من عند أنفسهم بأحاديث أخرى، وروايات لا وجود لها في أيٍ من كتب أهل السنة -أو في غيرها من كتب الفرق- ليدلل على وجود السفياني، بل زاد أحدهم وجزم بأنه هو (صدام حسين) حاكم العراق السابق!
وممن أتى بمثل هذه الترهات صاحب كتاب "المهدي المنتظر على الأبواب"[1]، فأورد في كتابه رواية ادَّعى أنه وجدها في مخطوطة[2] قديمة باسطنبول، لتابعي يُدعى "الحارث بن سلاّم بن معاذ بن مذحان المدني".
ومما جاء في هذه الرواية: "وفي عُقود الهجرة بعد الألف وثلاثمائة، عُد خمساً أو ستاً يحكم مصر رجل يُكنّى ناصر يدعوه العرب شجاع العرب وأذلّه الله في حرب وحرب وما كان منصوراً، ويريد الله لمصر نصراً له حقاً في أحب شهوره، وهو له، فأرضى مصر ربّ البيت والعرب بأسمر سادا، أبوه أنور منه، لكنه صالح لصوص المسجد الأقصى بالبلد الحزين، وفي عراق الشام رجل متجبر… و... سفياني، في إحدى عينيه كسل قليل، واسمه من الصدام وهو صدام لمن عارضه، الدنيا جمعت له في كوت صغير دخلها وهو مدهون، ولا خير في السفياني إلا بالإسلام، وهو خير وشر، والويل لخائن المهدي الأمين" (المهدي المنتظر على الأبواب - لمحمد عيسى داود - ص: [216]).
وهذا من الكذب البيِّن؛ ذلك لأن صاحب الكتاب مشهور بالأكاذيب وبكتبه الصفراء المملوءة بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يطالع كتبه يعلم أنه لا يفرق بين صحيح أو ضعيف أو موضوع، بل إنه كثيراً ما يستدل بأخبار وآثار لا وجود لها، يختلقها من عند نفسه، ومن فرط هذيانه وخرفه لقبه أحد الكتاب[3] بـ"السندباد المصري" سخرية مما يكتب.
كذلك فإن صاحب المخطوطة التي يَدَّعي الكاتب النقل عنها "مجهول"، وبعد بحث طويل لم أظفر بأي ذكر له فيما بين يدي من مراجع، ومن الدلائل أيضاً على تدليس الكاتب وكذبه وكذب ما جاء به، انفراد مؤلف المخطوطة بهذه النقول رغم كثرة ما كتبه أئمة الإسلام في جميع عصوره عن المهدي وعلامات الساعة، وجمعهم ما صح في ذلك وما ضعف وما بطل، ثم أن هذا النقل لا سند له ليحكم عليه، فكيف صح عند الكاتب؟ إضافةً إلى كل هذا فإن النص ركيك الألفاظ سمج الأسلوب.
وقد تابع الكاتب في مسألة السفياني والجزم بكونه "صدام حسين" عدد من الكتاب، منهم أمين محمد جمال الدين صاحب كتاب "هرمجدون آخر بيان..يا أمة الإسلام"، وعقد لذلك فصلا كاملاً تحت عنوان: "البيان الرابع: صدام حسين السفياني الأول" (هرمجدون آخر بيان.. يا أمة الإسلام - أمين جمال الدين: ص: [45] - بدون دار نشر).
ولم يجزم منصور عبد الحكيم صاحب كتاب: "المهدي المنتظر آخر الخلفاء الراشدين" بهذا الأمر لكنه لم ينفه، فقال: "هل المقصود هنا هو صدام حسين؟ الذي خرج بجيش يهد الجبال، ولم يوقفه إلا جيش من دول العالم كله، يعلم الله الحقيقة، وسوف نرى في الأيام والسنين القادمة صحة ذلك" (المهدي المنتظر آخر الخلفاء الراشدين - لمنصور عبد الحكيم: ص: [171] - المكتبة التوفيقية - د.ت).
ولم يكتفِ بعض الكتاب بهذا بل ذهب أحدهم يفتش في كتب أهل الكتاب عن أي دليل ليثبت به صحة دعوى أن السفياني -الذي لا وجود له- هو صدام حسين الحاكم السابق للعراق، فذكر الدكتور فاروق الدسوقي في كتابه "البيان النبوي" أن أخبار السفياني "تتطابق في السنة الشريفة مع أخبار البابلي مدمر اليهود في الإفسادة الأخيرة عند حزقيال، مع أخبار الأشوري الذي هو اسم مدمرهم في سفر أشعياء، والأشوري، أي الذي موطنه الأصلي أشور، وهي مدينة أثرية قريبة من تكريت مسقط رأس الرئيس العراقي" (البيان النبوي بانتصار العراقيين على الروم والترك وتدمير إسرائيل وتحرير الأقصى لـ: د. فاروق أحمد الدسوقي: ص: [27]- مكتبة الإسراء – إسكندرية - ط1 - 1418هـ، 1998م).
وأضاف الكاتب أن هذه الأخبار: "تتطابق أيضاً مع أخبار ملك الشمال في سفر دانيال، والشمال عند أهل الكتاب هي بابل أو العراق، وأساس كل هذا في الذكر الحكيم آيات سورة الإسراء التي نصَّت على أن مدمري اليهود في الإفسادة الأخيرة هم الذين دمروهم في الإفسادة الأولى أي العراقيون" (البيان النبوي بانتصار العراقيين على الروم والترك وتدمير إسرائيل وتحرير الأقصى لـ: د. فاروق أحمد الدسوقي: ص: [27]- مكتبة الإسراء – إسكندرية - ط1- 1418هـ، 1998م).
وقرَّر الدكتور الدسوقي قبل هذا الموضع بصفحات أن السفياني هو صدام حسين، قال: "فهو من أعظم شخصيات التاريخ الإسلامي -أي السفياني-، إذ يأتي في زمن ضعف الأمة وذلها فيُعزَّها الله تعالى على يديه بتحرير الأقصى وتطهيره من رجس اليهود... وهذا كله ينطبق على الرئيس العراقي صدام حسين، وهو سفياني لأنه من نسل خالد بن يزيد بن أبي سفيان كما تقول النصوص..." (البيان النبوي بانتصار العراقيين على الروم والترك وتدمير إسرائيل وتحرير الأقصى لـ: د. فاروق أحمد الدسوقي: ص:20]).
وكل هذا لا أصل له، ولا معول فيه على آية من كتاب الله أو على خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو من أمور الغيب التي لا يصح الرأي فيها بغير دليل من الشرع.
ثم أين صدام حسين الآن من كل هذا التفيهق، وهذا الكذب على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
ــــــــــــــــــ
الهوامش:
[1]- (صاحب هذا الكتاب يُدعى "محمد عيسى داود"، والكتاب طبع دار عربية للنشر والتوزيع - القاهرة - 1997م، وصاحب الكتاب لديه جرأة كبيرة في الحديث عن الغيبيات، والتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير علم، وغالب كتبه تدور في هذا المضمار، فمن عناوين كتبه: "احذروا المسيح الدجال.. يغزو العالم من مثلث برموده"، و"الخيوط الخفية بين المسيخ الدجال وأسرار مثلث برموده والأطباق الطائرة"، و"حوار صحفي مع الجني المسلم مصطفى كنجور"، و"الذين سكنوا الأرض قبلنا"، وإلى غير ذلك من العناوين التي لا تتضمن تحتها إلا الخرافات والترهات، والتي لا ينشد من ورائها إلا الإثارة والكسب المادي).
[2]- (ذكر صاحب الكتاب أن المخطوطة من القرن الثالث الهجري، لتابعي وهو شامي المقام، نهل العلم على أعلام التابعين، وهو: الحارث بن سلام بن معاذ بن مذحان المدني! وهذا المخطوط موجود في كتاب: خانة الترك بإسلامبول، وأعادج تدوينه مجموعة محققين من الأتراك المسلمين الذين يجيدون العربية بتركيا.. وهذا الكتيب مخطوط بعنوان صورة سلم وحرب في آخر زمن الربّ).
[3]- (ذكره بهذا الوصف الدكتور محمد إسماعيل المقدم أثناء الرد عليه - يُنظر: فقه أشراط الساعة - للدكتور محمد إسماعيل المقدم - ص: [56] - الدار العالمية - إسكندرية - ط1- 1425هـ، 2004م).
رمضان الغنام
كاتب إسلامي مصري التحصيل العلمي: "باحث بالدكتوراه"، تخصص الدراسات الإسلامية، جامعة طنطا.
- التصنيف: